أحمد يوسف
صغار المتداولين في سوق الكويت للأوراق المالية، هم وقود السوق، الذي يتغذى عليه كبار السوق، من خلالهم ترتفع أسهم وتنخفض أخرى، وبأموالهم يتلاعب مجموعة من رؤساء مجالس إدارات الشركات، غير أنهم دائما تراهم منقادين على غير هدى الى الشائعات التي لا يخلو السوق أبدا منها، مرددين لها تارة، وسائرين وراءها تارة أخرى.
ويتشكل معظم صغار المتداولين ممن انهوا خدماتهم في شركات ومؤسسات ورأوا ان الاستثمار والمضاربة في السوق يأتيان بأضعاف مضاعفة، وأموال طائلة أكثر مما كانوا يحصلون عليها في أعمالهم السابقة دون عناء يذكر، فالأمر لم يكلفه سوى الذهاب يوميا الى ديوانية السوق.
في ديوانية السوق يلتقي أبومحمد مع أبومشعل وغيرهما الكثيرين، ينظرون إلى مؤشرات التداول والى ألوان الشركات الخضراء قبل الحمراء ويعرضون أخبار الشركات، ويبدون الآراء حول الشركات التي يمكن الدخول على خطها، والمضاربة عليها وجني الأرباح سريعا.
لا خبرة لديهم، نعم لا توجد أي خبرة لديهم عن الشركات التي يتم الاستثمار بها سوى السمعة، وما يتوارد عن الشركة من أخبار، بل ربما شائعات، والبعض الآخر يعتمد على قليل من التحليل الفني للأسهم قبل الإقدام على عملية الشراء.
بعضهم سمع ان أبوفلان جنى أرباحا خلال ثلاثة أشهر ربما تفوق رأس المال الذي دخل به، ففعل مثله، طبعا هذا الحديث كان قبل الأزمة، الا انه لم يختلف كثيرا بعد الأزمة سوى مزيد من التحفظات، ومزيد من الأسئلة على الملاك الاستراتيجيين في الشركة، وما اذا كانت تشغيلية ام أنشطتها غير ذلك، ويبقى قرار الشراء مرتبطا بحجم السيولة، الذي هو بالقطع صغير.
واذا كنا نتحدث عن صغار المتداولين او المستثمرين في السوق، فهذا يعني ان حجم استثماراتهم قد أتت عليها الأزمة، وبالفعل قد أفلس البعض منهم، والبعض الآخر قد اضطر لبيع سيارته أو منزله المرهون للبنك، والحديث عن هذه الأمور يطول، لكن مغزى الكلام واضح، فهو وضع يعاني منه الكثيرون.
لكن بعض صغار المتداولين يتساءلون: اذا كانت بوادر الانتعاش قد جابت أسواق العالم، وأسعار الأسهم التشغيلية قد قربت من مستوياتها الطبيعة، فلماذا ينفر الانتعاش من سوق الكويت للأوراق المالية؟!
وإذا كان الجواب لا يخفى على احد، فلماذا تقف الحكومة في صفوف الجماهير متفرجة، وكأنه لا ناقة لها ولا جمل، أو ان الأمر لا يعنيها، أليست الحكومة معنية في المقام الأول بمصلحة الشعب وأولوياتها من أولويات الشعب، أم أننا كمواطنين في واد والحكومة في واد آخر؟!
وبعيدا عن تلك الأقاويل فإن المواطنين أحرار في تحريك استثماراتهم، وانهم وقت جني الأرباح، لا حاجة لهم إلى الحكومة، اذن لماذا تدخلت حكومات العالم اجمع في عمليات الإنقاذ بمختلف مستوياتها من تشريعات وقرارات وضخ رؤوس أموال ضخمة لمعالجة الأزمة؟ جميع الأسواق الخليجية قد تم التدخل فيها وإنقاذها الا الكويت، فلماذا؟ ولمصلحة من؟!
ورغم ان من عاصر أزمة المناخ يشيد بدور الحكومة بتعويض المتضررين وتدخلها لإنقاذ الاقتصاد من هذه الازمة، ومع اختلاف الأزمتين، الا انه لا دور يذكر للحكومة في هذه الازمة.
نقطة أخرى، اذا كان هناك من يوجه اللوم الصريح للجهات الرقابية في تقصيرها المباشر على مجريات الأحداث، فان هناك من يرى ان العلاج لا يمكن ان يكون من نفس الجهة او على الاقل بإشرافها في إيجاد حلول فعلية للاقتصاد عامة.
ورغم التفاؤل بتفاهم الحكومة والمجلس والوعود المنتظرة بإطلاق العصا السحرية لحل مشاكل عفى عليها الزمان، الا انه يبقى هناك امل في ضرورة استثمار المحاولات الجادة لعبور الأزمة، والالتحاق بالانتعاش العالمي الذي يجوب أسواق العالم.
نقطة ثانية، خسارة كبيرة على المديين القريب والمتوسط يتحملها صغار المساهمين من الاندماجات وخفض رؤوس اموال الشركات، الذين هم بالطبع قد فقدوا جزءا كبيرا من مدخراتهم خلال أكثر من عام على الازمة، وليس ثمة بوادر للانفراج القريب.
وعلى الرغم من تعدد الأسباب الا ان النتيجة تظل واحدة، وهي استمرار التراجع في البورصة، وهو ما ينذر بتزايد الخسائر لدى الجميع، خصوصا صغار المتداولين، ورغم ان السنة المالية الحالية لم يبق منها سوى شهرين فقط، لكن يبدو ان الإحجام الواضح عن الشراء بالسوق ناتج عن ظن البعض ان زمن قانون الاستقرار المالي الذي لم تستفد منه الشركات التي تعاني من ازمة سيولة وأصول متعثرة يصعب تسييلها قد ولى، ولم تعد منه فائدة مرجوة.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فان المطالبات بإسقاط القروض او الفوائد مرفوضة من قبل الحكومة، وعلى هذا فإن تلبية أي من هذه المطالب تعد من المستحيلات، الأمر الذي سيعمل على إطلالة بوادر الانتعاش ببطء على الكويت، ويؤجل صعود السوق المرتقب ليواكب على الأقل الأسواق الخليجية.