تشهد بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا هذه الأيام عمليات تحويل لعدد من المهام الإدارية الحكومية الأساسية الى الإنترنت الأمر الذي يؤدي الى وفر كبير في النفقات وتحسينات على إيصال الخدمة.
ويشير تقرير لمجلة «ميد» الى ان احد اسباب هذا التحول هو ان حكومات المنطقة وجدت ان عليها ان تواكب مواطنيها الذين باتوا يستخدمون التواصل الالكتروني في كثير من مجالات حياتهم اليومية.
وجاء في دراسة حديثة للمكتب الاستشاري الأميركي «بوز وشركاهم» ان العزوف الأولي لدول مجلس التعاون عن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تبدل في السنوات الأخيرة الى درجة ان دولة مثل الإمارات أصبحت من الدول الرائدة في العالم في مجال الحكومة الإلكترونية. وخلال الأعوام الـ 5 الماضية بذلت دول مجلس التعاون جهودا حثيثة لنقل اكبر عدد ممكن من الخدمات الى الإنترنت، واتبعت هذه البلدان أسلوبا مركزيا في الحكومة الإلكترونية أعطى ثماره.
وتعد المملكة العربية السعودية مثالا بارزا على تبني الحكومة الإلكترونية بسرعة مع العلم ان برنامجها بدأ بشكل فعلي في يناير 2005 وذلك بإطلاق برنامج يسر، قبل ذلك كانت الوزارات تتخذ هذه المبادرات بشكل منفصل.
ولكن الأسلوب المركزي له سلبياته وأبرزها خطر تكرار الحكومة اي ان الحكومة الإلكترونية تصبح تكرارا على منصة الكترونية جديدة لخدمات موجودة اصلا، الا ان تجربة المملكة العربية السعودية كانت ايجابية عموما، والآن يستخدم سكان المملكة خدمات الحكومة الالكترونية بطرق مبتكرة حتى انهم يحصلون على تأشيرات العودة عن طريق الرسائل النصية، وأصبح نظام الدفع الالكتروني «سداد» جزءا مهما من هذا النظام حيث يمكن للمواطنين تسديد فواتيرهم الكترونيا عن طريق البنوك مادام لديهم كمبيوتر شخصي او هاتف نقال.
وتطمح البحرين الى ان تصبح قائدة في مجال الحكومة الالكترونية في المنطقة بحلول عام 2010، اما قطر فقد أطلقت برنامجها عام 2006 وهو يوفر الآن اكثر من 300 خدمة الكترونية كما انه سجل اكثر من 1.4 مليون عملية حتى نهاية 2008.
اما في الشرق الأدنى الغني برأس المال البشري فإن قدرة بلدانه على استخدام الحكومة الالكترونية تبقى محدودة بسبب نقص الأموال وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهنالك الآن في مصر اكثر من 20 جهة حكومية تقدم خدماتها على الإنترنت منها برنامج التمويل الالكتروني الذي أطلق في مارس الماضي بهدف توفير خدمة دفع الرواتب والرواتب التقاعدية من خلال الربط بين عدد من البنوك المحلية.
وبدأت سورية باختبار نظام الحكومة الالكترونية في مدينة حلب، حيث يمكن للمواطنين الآن التقدم بطلب للحصول على وثيقة زواج عن طريق الإنترنت.وتدل هذه المبادرات على إجماع اقليمي على انه بمقدور التكنولوجيا ان تلعب دورا تحويليا في طريقة تفاعل الحكومات مع المواطنين.
واللافت هو إهمال دول مجلس التعاون لجانب الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالرغم من اعتمادها الكبير على هذه التكنولوجيا في اعمالها المصرفية وفي اسواق المال، ولكن هذا الواقع آخذ بالتبدل مع إدراك هذه الدول لضرورة تنويع مصادر دخلها بعيدا عن النفط، فعلى سبيل المثال ارتفع حجم صادرات المملكة العربية السعودية من سلع وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من 4.7 مليارات دولار عام 2000 الى 7.9 مليارات دولار عام 2007، كما ان وارداتها من سلع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ارتفعت من 1.4 مليار دولار عام 1998 الى 7.1 مليارات دولار عام 2007. وإلى عهد قريب كان نصيب هذا القطاع من الاستثمارات الخاصة محدودا بسبب التركيز على قطاعات اخرى وبشكل خاص قطاع العقارات، ولكن انفجار فقاعة العقارات والتباطؤ الناتج في سوق الانشاءات اضافة الى تقلب اسعار المواد الأولية ادت الى إثارة اهتمام مستثمري الأوراق المالية بقطاع تكنولوجيا المعلومات، ويظهر بحث لـ «غلف كابيتال» ان 3 من اصل 12 استثمارا كبيرا خاصا في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا خلال الاشهر التسعة الماضية كانت في قطاع التكنولوجيا. ومن الواضح ان دول مجلس التعاون تسعى الى تعزيز صناعاتها التكنولوجية غير المتطورة، الأمر الذي يمكن ان يجتذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وقد خطت الكويت خطوة مهمة في هذا المجال بإعلان الهيئة العامة للاستثمار في 2002 عن تأسيس شركة الوطنية لمشاريع التكنولوجيا برأسمال أولي 100 مليون دينار، وتهدف الشركة الى تشجيع عملية انتقال مستدامة للتكنولوجيا الى المنطقة من خلال الاستثمار في مجموعة من القطاعات بما فيها التكنولوجيا العضوية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتستثمر الشركة حاليا في تسع شركات في هذه القطاعات.