- جولة لـ «الأنباء» بمنطقة رأس الزور تكشف إهمالاً كبيراً من كل مسؤولي قطاعات الدولة
- تكتم كبير على الحادثة البيئية.. والوزير يطمئن بأن مخزون المياه يكفي لثلاثة أشهر!
- خبراء يصنفون الكارثة بأنها الأكبر منذ الغزو وتدمير متوقع للبيئة إذا لم تتحرك الأجهزة
فريق العمل: أحمد مغربي - آلاء خليفة - ثامر السليم - عاطف رمضان - تصوير: هاني الشمري
رائحة «الكاز» في كل مكان، نفوق اسماك على الشاطئ، بقع زيتية «سوداء» تنتشر على مساحات شاسعة من البحر، تلك الشواهد التي رأتها «الأنباء» في جولتها للمنطقة البحرية الملاصقة لرأس الزور جنوبي البلاد والتي ضربتها كارثة التلوث النفطي أمس الاول.
خلال الجولة تم رصد الآثار البيئية التي ضربت المياه والشواطئ وألحقت اضرارا كبيرة بمحطات تحلية المياه ووصول بعض المواد الكيميائية الناتجة من النفط إلى مياه الشرب وإلى انخفاض كبير في إنتاجية صيد الأسماك، تلك الكارثة الكبرى لم تحرك ساكنا من شركات القطاع النفطي المسؤولة عن تنظيف البيئة البحرية لاسيما شركة نفط الكويت.
فالتسرب النفطي الحالي يعتبر من اكبر الحوادث البيئية الكارثية التي لم تحدث بعد الغزو العراقي، ومن المتوقع ان تؤدي الى تدمير أنظمة بيئية كاملة وتلحق باقتصاد الدولة خسائر فادحة ليس بسبب ثمن النفط المتسرب فقط بل بسبب موت كثير من الكائنات البحرية والطيور والثدييات التي تعيش في هذه البيئات.
ووفقا للاجراءات التي تم اتخاذها في موقع الكارثة، فإن شركة نفط الكويت قامت بوضع مصدات مطاطية امام محطة كهرباء الزور فقط للمحافظة على المياه الواصلة للمحطة.
وقالت مصادر نفطية ان الشركات النفطية استخدمت مواد كيماوية لتشتيت البقعة الزيتية وذلك في عمق مياه لا يزيد على 15 مترا لاستخدام المواد المشتتة، وفي كل الأحوال لا يتم استخدام هذه المواد بالقرب من مآخذ المياه او مناطق الصيد المهمة.
ويتم استخدام قائمة من المواد المشتتة التي تحظى بموافقة المنظمة الاقليمية لحماية البيئة البحرية. وتشكل المواد الماصة الخيار المفضل حول مآخذ المياه في حال فشل عمليات الاحتواء والاسترجاع، حسب المصادر.
وذكرت أن الموارد المتوافرة لعمليات التنظيف في البحر تشتمل على الكاشطات ومراكب خاصة للكاشطات واذرعة رش مركبة على مراكب ومواد مشتتة، وفي هذة الحالة يتم استخدام مراكب الجر التابعة لشركة نفط الكويت وهيئة الموانئ الكويتية لإيصال المعدات واستخدام المشتتات.
كما قال مسؤولون التقتهم «الأنباء» إن الكارثة قد تصل الى محطة كهرباء الزور، ما سيؤدي إلى انقطاع الكهرباء في مناطق تمدها المحطة، رغم ان هناك استنفارا لمنع تمدد البقعة. ويبدو أن هناك تكتما على القضية بشكل مريب، حيث علمت «الأنباء» من مصادرها في القطاع النفطي ان الاستنفار بدأ منذ أول من أمس لمتابعة التسرب من غرفة إدارة الأزمات بالتنسيق مع الهيئة العامة للبيئة وخفر السواحل.
وكان وزير النفط ووزير الكهرباء والماء عصام المرزوق قال ان المخزون الاستراتيجي للمياه يكفي لثلاثة اشهر، في اشارة الى ان هناك تهديدا حقيقيا لتلوث المياه. كما قال رئيس ومدير عام الهيئة العامة للبيئة الشيخ عبدالله الأحمد انه ستتم محاسبة المتجني على البيئة.
وقال المتحدث الرسمي باسم القطاع النفطي الشيخ طلال الخالد ان فريق طوارئ من القطاع النفطي ووزارة الكهرباء والماء وبإسناد من وزارة الداخلية يقوم بعمل جولات لتطويق وتأمين مناطق ومداخل مياه البحر لمحطتي الكهرباء والماء، وجار سحب كميات البقع النفطية القريبة من الساحل.
بهبهاني: خط أنابيب في الخفجي.. سبب الكارثة
قال الخبير النفطي د.عبدالسميع بهبهاني ان مصدر التسرب النفطي تمت ملاحظته منذ اسبوع عبر الاقمار الاصطناعية وكان يوازي رأس الخفجي، وتلك المنطقة مخصصة للمخازن النفطية وتزداد بها كثافة الزيت مقابل الساحل، مشيرا الى ان هناك خط انابيب يغذي هذه المخازن قادما من حقل الخفجي وحقل الحوت.
وأضاف ان خط انابيب حقل الحوت من المفترض ان يكون منتهي تبديله وهو عبارة عن خط انبوبي ممتد على مسافة 50 كيلومترا وبسعة 14 الى 28 انشا، لافتا الى ان هذا الانبوب يعتبر قديما ومتآكلا، وكان القرار ان يتم تبديله الى «ستينل ستيل» منذ 6 أشهر، مضيفا انه عندما تم فتح الانبوب القديم كان مخزنا كمية كبيرة من النفط ثم حدث التسرب النفطي الممتد على 50 كيلومترا.
وأوضح ان حركة التيار تدل على ان النفط متركز على سواحل رأس الخفجي، كما هو موضح على جوجل.
وقال ان شكل النفط الخارجي المسرب يبين انه ليس زيتا مشتقا ولكنه «كرود» زيت ثقيل قادم من «الحوت»، مشيرا الى ان طريقة السيطرة عليه سهلة نظرا للتكنولوجيا المتقدمة، عبر الشفط او من ممكن ضخ كمية كبيرة من البكتيريا والانزيم الذي يأكل الزيت ويمنعه من العثور على الشعب المرجانية التي من الممكن ان يتم تدميرها، لافتا الى ان الدولة من المفترض لديها تلك التكنولوجيا المتطورة خاصة بعد تكرار العديد من عمليات التسريب.
التسرب يعادل 35 ألف برميل نفط
ذكر الخبر النفطي عبدالحميد العوضي ان حادثة تسرب النفط بالقرب من ساحل الزور يتضح من خلال الصور والفيديوهات ان النفط المتسرب هو نفط حديث Fresh وتغير اتجاه الريح دفع بهذه الكميات المتسربة نحو المياه المحلية للكويت، ومعلوم ان الهيئة العامة للبيئة ترأس الخطة الوطنية لمكافحة التسرب النفطي، وقد قسمت الكويت الى ثلاث مناطق الجهة الشمالية ووسطى وجنوبية، ومعلوم ايضا ان شركة شيفرون اوقفت عملياتها منذ ما يقارب السنتين.
هذا، وقدرت بعض المصادر ان حجم التسريب يعادل 35 الف برميل من النفط غير المعروف، وهذا يذكر بحادثة سفينة اكسون فالديز عام 1989 حيث تسرب منها نحو 250 الف برميل وغرمت حكومة الولايات المتحدة شركة اكسون نحو 4 مليارات دولار لتلوث شواطئ البحر والاضرار بالحياة البحرية، هل نرى في الكويت محاسبة للمتسبب؟
وأضاف: حسب القوانين والمعاهدات يتوجب على المتسبب الابلاغ عن حادثة التسرب والقيام بكل ما يمكنه من احتياطات لمنع او تقليل التلوث البحري.
ننسق مع جهات الدولة كلها لمكافحة البقعة
«الكهرباء»: نعمل على مدار الساعة لمنع تمدد التسرب
تركيب حواجز طافية على مداخل محطتي الزور الجنوبية والشمالية في تعليقه على الكارثة أكد الوكيل المساعد لشؤون محطات القوى وتقطير المياه فؤاد العون أن وزارة الكهرباء والماء اتخذت كل الإجراءات الكفيلة بالمحافظة على استمرار انتاج الكهرباء والماء من منطقة الزور كما ونوعا وحسب المواصفات العالمية بالنسبة للمياه وذلك من خلال إدارة الأعمال الكيماوية التي تعمل على مدار الساعة.
وأضاف انه مازالت حتى هذه اللحظة متابعة التحاليل تؤخذ أولا بأول لضمان جودة المياه كما عودتها وزارة الكهرباء والماء لجمهور المستهلكين.
وقال إن محطة الزور تلقت اخبار وجود بقعة زيت قريبة منها وعلى الفور رفعت الأمر للوزارة التي قامت بدورها بالاتصال والتنسيق مع جهات الدولة المختلفة والمعنية بهذا الشأن للتصدي للبقعة ومكافحتها بالوسائل المتاحة، وقد قامت شركات النفط في جنوب الكويت بتركيب حواجز طافية ومعدات امتصاص على مداخل محطتي الزور الجنوبية والشمالية التي اكتملت اعمال التركيب فجر امس.
وتابع قائلا: تشكلت غرفة عمليات في القطاع النفطي وعملها مستمر ٢٤ ساعة بعضوية كل الجهات المعنية بالدولة مثلها من ادارات وزارة الكهرباء والماء.
وأفاد العون بأنه تتم محاصرة البقعة والحد من انتقالها ثم العمل على امتصاصها بواسطة مواد خاصة ترمى في البحر وتمتص الزيت من الماء.
«هيئة البيئة»: تنسيق مع منظمات دولية
أكد نائب مدير الهيئة العامة للبيئة للشؤون الرقابية د.محمد الأحمد أنه تم العمل على مسح المنطقة الجنوبية جويا لتحديد انتشار بقعة الزيت ومدى وجود تدفقات جديدة لها، وتبين حتى الآن عدم وجود أي تدفقات جديدة وثبات الكميات يوم امس، والهيئة العامة للبيئة تقوم حاليا بالتنسيق مع منظمات دولية لدراسة صور الأقمار الاصطناعية لتحديد أدق، وأوضح مدى انتشار هذه الكميات واحتمالية وجود كميات إضافية من عدمه، وذلك لتسهيل التعامل والتعاطي مع البقعة في أعمال المكافحة الجارية حاليا.
وأضاف د.الأحمد في تصريح خاص لـ «الأنباء» انه لاتزال جهود القطاع النفطي وبالأخص شركة نفط الكويت وشركة البترول الوطنية الكويتية جارية للتنسيق مع عدد من وزارات ومؤسسات الدولة للحد من تأثيرات هذه البقع على محطة الزور والتي تعد أولوية مطلقة للجهود المبذولة حاليا، إضافة الى القيام بأعمال المكافحة وإزالة هذه الكميات المنتشرة، حيث تواجه فرق العمل المكافحة من يوم امس ظروفا جوية غير مساعدة، وتتم محاولة التغلب على ذلك وإنجاز العمل بحسب ما تقتضيه المصلحة العامة.
وتابع قائلا: انه تم جمع عدد من العينات من قبل الهيئة العامة للبيئة لتحليلها في أحد المختبرات العالمية الدولية المعتمدة لتحديد مصدر هذه الزيوت وبالتالي التعامل معها وفق متطلبات قانون حماية البيئة وبالتحديد الباب الرابع من القانون في الشأن البيئي.
طالب بتفعيل القانون البيئي الدولي
الغضبان: المحاسبة ضرورة لوقف مثل تلك الكوارث
أكد مدير مركز أبحاث البيئة والعلوم الحياتية في معهد الكويت للأبحاث العلمـــية د.عبدالنبي الغضبان، ان المعهد يقوم بالبحث والتطوير ويساعد على استقصاء المصدر بعد الحصول على العينات وفحصها، مما قد يساعد في تحديد مصدره، لافتا الى ان المعهد أخذ عينات بالتعاون مع وزارة الكهرباء وسيقوم بتحليلها.
وأشار الغضبان في تصريح خاص لـ «الأنباء»، الى ان الفريق المشرف على عملية إزالة بقع الزيت قام بجهود جبارة حقيقة في متابعة هذا الحدث أولا بأول في ظل الأجواء الجوية الصعبة عبر تحليقه وأخذ عينات ثم فحصها، لافتا الى ان مثل تلك الحوادث يجب ألا تمر مرور الكرام دون محاسبة ودون تفعيل القانون البيئي الدولي.
ولفت إلى ان مثل تلك الزيوت وغيرها تؤثر بشكل مباشر على البيئة البحرية اذا لم يتم تدارك هذه الأمور سريعا، وضمانــة عدم تكــرار مثل تلك الأمور التــــي تضــر بالبيئة عموما وبالبيئة البحرية على وجه الخصوص، مثمنــا دور القائمين من جميـــع الجهـــات في احتواء بقعـــة الزيت وإنهاء الأزمة.
القطاع النفطي: لا نعرف السبب والمسبب!
في تصريحات نفطية على الكارثة البيئية، صرح المتحدث الرسمي باسم القطاع النفطي الشيخ طلال الخالد في بيان صحافي حول آخر التطورات ومستجدات البقع النفطية المتواجدة في جنوب المياه الإقليمية للكويت بأنه مازال العمل جاريا في التعامل مع البقع النفطية من قبل فرق الطوارئ التابعة لشركة نفط الكويت وشركة البترول الوطنية الكويتية وبالتنسيق مع الشركة الكويتية لنفط الخليج وشركة الصناعات البترولية المتكاملة والشركة الكويتية والجهات الحكومية (وزارة الكهرباء والماء والهيئة العامة للبيئة).
وأكد الخالد انه يتم تسخير كل المواد المتاحة وبذل كافة الجهود لمعالجة البقع ومكافحتها، والجدير بالذكر ان شركة شيفرون العربية السعودية تقوم بتقديم الدعم والمساندة لفرق الطوارئ.
كما تم استدعاء منظمة الاستجابة للتسربات النفطية (OSRL) لتقديم الاستشارات والمساهمة في وضع الخطط للتعامل مع البقع النفطية. ويقوم فريق الطوارئ من القطاع النفطي ووزارة الكهرباء والماء وبإسناد من وزارة الداخلية يعمل جولات استطلاع جوية دورية لمتابعة وتقييم حالة البقع النفطية.
حيث يتم التركيز حاليا على تطويق وتأمين مناطق ومداخل مياه البحر لمحطتي الزور الشمالية والجنوبية، وسيتم تنظيف الشواطئ بعد تأمين محطات وزارة الكهرباء والماء والتأكد من عدم وجود كميات اخرى من البقع النفطية في البحر، بالإضافة الى انه جار سحب وشفط كميات البقع النفطية المتجمعة والقريبة من الساحل، ولا يزال التنسيق جاريا مع الجهات المعنية لمعرفة مصدر تلك البقع النفطية.
«المهندسين» : قلقون لانتهاك بيئتنا البحرية
دعت جمعية المهندسين الى الإسراع في الحد من الآثار المترتبة على التسرب النفطي الذي شهدته المياه الإقليمية الكويتية خلال اليومين الماضيين، لافتة الى ضرورة الوقوف على مسببي هذا التسرب واتخاذ الإجراءات اللازمة وفقا لقانون البيئة الجديد.
ودعا رئيس الجمعية م.فيصل العتل الى تعاون القطاع النفطي والهيئة العامة للبيئة ووزارة الكهرباء والماء للحد من الآثار المترتبة على هذا التسرب ومعالجته.
وقال العتل: نتابع هذه الجهود ونعرب عن قلقنا لانتهاك بيئتنا البحرية وتلويث مياهنا الإقليمية، ما يدعونا الى ضرورة المسارعة في كشف المتسببين في هذا التسرب وتحديد مصدره ورفع الأمر إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المتسبب في هذا التسرب.
«الخط الأخضر» وجدت بقعاً نفطية كبيرة وسجلت بلاغاً لدى شرطة البيئة
علي خريبط: التأخير يعمّق الأزمة بسبب حالة الأمواج والرياح
أكد الخبير البيئي د.علي خريبط ان جماعة الخط الأخضر سجلت بلاغا رسميا لدى شرطة البيئة في (وزارة الداخلية) عن وجود بقعة زيت نفطية بالقرب من منطقة الزور الساحلية، مشيرا الى انه من تحليل الصور الجوية والأرضية لهذه المنطقة يتبين وجود بقع نفطية كبيرة بالقرب من منطقة الزور ذات الطابع الصناعي.
وأضاف د.خربيط في تصريح خاص لـ «الأنباء» ان الامتداد هو من الساحل للبحر وليس العكس، بمعنى احتمال حدوث انسكاب بالقرب من المنطقة البحرية، لافتا الى انه تمت ملاحظة ان هذه البقع النفطية تمت محاصرتها عن طريق وسائل ومعدات خاصة لضمان عدم حدوث انتشار لها بالقرب من بعض المناطق الحيوية والمهمة للدولة والمجتمع.
وأشار الى انه من المفترض ان يعقب هذه المحاصرة كشط وشفط لهذه البقع النفطية (لكون النفط أقل كثافة من ماء البحر فيطفح) بأسرع وقت حتى لا تشتتها الأمواج والرياح إلى بقع أخرى وتمتد بالتالي إلى مناطق أخرى ومنها للمناطق الساحلية القريبة فتضر الترسبات البحرية، وكائنات المد والجزر، لأنه خلال أقل من ١٠ دقائق من انسكاب البقعة النفطية فإنها تمتد على قطر ٥٠ مترا وأكثر، وعدم محاصرتها وكشطها بسرعة يخلق مشاكل بيئية كبيرة للبيئة البحرية المتضررة.
وتابع قائلا انه لدى الهيئة العامة للبيئة وبالاشتراك مع القطاع النفطي خطة طوارئ للتعامل مع هكذا حالات من الانسكابات النفطية وقت حدوثها وتم تطبيقها، مشيرا الى ان هناك متابعة مستمرة من قبل وزير الكهرباء والماء عصام المرزوق والمسؤولين فيها لضمان ان مياه الشرب لن تتضرر ولن يتضرر من يشربها.
وبين ان هذه المنطقة البحرية وبسبب حساسيتها الأمنية هي منطقة ممنوع التواجد والصيد فيها، فلن يتضرر المستهلك. ويبقى تقييم الوضع البيئي لمعرفة الأسباب والأضرار ومحاسبة الفاعل هو الموضوع المهم والحساس.