عمر راشد
أكد كبير المحللين الاقتصاديين في بنك hsbc سايمون ويليامز المتخصص في اقتصادات الأسواق الخليجية خلال اللقاء الاقتصادي السنوي الذي نظمه البنك، أن الاقتصاد الكويتي على عتبة انتعاش خلال 2010 و2011 بالرغم من التوقعات بسيطرة حالة التضخم وارتفاع الأسعار على الاقتصاد على خلفية ارتفاع أسعار النفط. ودعا ويليامز الكويت إلى وضع خطة استباقية حكيمة من قبل الكويت لتعافي الاقتصاد ترتكز على استغلال الفوائض بالشكل الأمثل، متوقعا استمرار هبوط مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي نهاية العام الحالي.
وبين أن بطء تنفيذ الخطة الإصلاحية يعود بشكل رئيسي إلى الصراع المستمر والتوترات السياسية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لاسيما فيما يتعلق بأجندة المشروعات التنموية الكبرى، لافتا إلى أن الكويت لم تعد هدفا رئيسيا لأصحاب الثروات للعمل فيها. وقال إنه بات من الضروري العمل على ضخ المزيد من السيولة واقتحام سوق الصناديق العالمية لإنعاش السوق وتحريك المياه الراكدة، داعيا إلى تحسين وتطوير البنية التحتية.
ورأى أن المشكلة الرئيسية التي تعاني منها الكويت هي تعثر شركات الاستثمار التي تحتاج إلى خطة علاجية من قبل المسؤولين والتي من شأنها معالجة تلك الشركات المتأزمة على وقع الأزمة المالية العالمية وما نتج عنها من انكماش الروافد الائتمانية.
وحول انطلاق العملة الخليجية الموحدة، توقع ويليامز أن يشهد عام 2015 مولد تلك العملة بعد أن يتم تأهيل اقتصاداتها بشكل كامل لاتخاذ مثل هذه الخطوة.
التعافي من الركود
وفي رؤيته لأداء الاقتصاد الكويتي، أشار ويليامز إلى أنه للوهلة الأولى قد يبدو غريبا أن نضع الكويت في مصاف الاقتصادات التي يرجح أن تشهد أبطأ تعاف من ركود 2009، موضحا أنها واحدة من أغنى الدول في المنطقة باحتياطيات نفطية ضخمة.
وقال إن الاستجابة السياسية للخطط الإصلاحية كانت بطيئة ولم تطبق السلطات حتى الان خطة التحفيز المتواضعة لدعم القطاع المصرفي وتخفيف المشكلات التي عانت منها شركات الاستثمار الكويتية ذات المديونيات العالية.
وبالرغم من وجود التزام بتسريع نمو الانفاق فإن التوتر المتواصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية اعاق تنفيذها خصوصا فيما يتعلق بمشاريع البنية التحتية الكبيرة مع استمرار تدني مستوى جودتها مقارنة بالدول الاخرى في المنطقة.
وقال ويليامز انه بعد انكماش هذا العام، من المتوقع أن تسجل الكويت نموا في 2010 و2011 ولكننا نظن ان الرقم سيكون متضخما بسبب النمو في الانتاج النفطي، وفي حال عدم حدوث اختراق في صناعة السياسة نتوقع ان يستمر ضعف الطلب الداخلي وبطء نمو القطاع غير النفطي.
2 تريليون دولار الناتج الخليجي
وفي ورقته التي قدمها بعنوان «اقتصاديات الخليج في مرحلة ما بعد العاصفة» قال ان الناتج المحلي الاجمالي في الاقتصاد الخليجي سيبلغ 2 تريليون دولار في 2010، موضحا أن ذلك سيعود إلى عاملين أساسيين أولهما النفط وتحول الصناعة بالمنطقة من تصدير النفط الخام الى تصدير الصناعات البيتروكيماوية، معتبرا أن الوقت عامل أساسي في عملية التحسن والنمو المستقبليين بالاضافة الى استمرار الانفاق العام وعودة البنوك للإقراض ولو ببطء، مشيرا الى أن نسب النمو في هذه المنطقة عالية جدا، في حين أنه من الصعب السيطرة على النمو المدار لأن السياسات المالية والنقدية غير مسيطر عليها بسبب ربط العملات المحلية بالدولار الاميركي، كما أن الكويت استفادت من عدم ربط عملتها بالدولار وشكل ذلك درجة حماية اضافية لها خلال الازمة.
وبين أن الاقتصادات الخليجية ستشهد نموا في 2010 يصل الى 4% بسبب ارتفاع أسعار النفط بالمقام الاول، وذلك بعد الانكماش الذي شهدته في 2009 ومنها الكويت ورأى أن الظروف عادت للتحسن، والنشاط الاقتصادي ارتفع مرة أخرى بعد مرور العاصفة، ويمكن التطلع بحماس للمستقبل.
واعتبر أن الخليج قاوم في 2009، بعد أن ولدت الطفرة التي حصلت في السابق الكثير من الفقاعات ما بين العامين 2003 و2008 ليدخل الخليج بعد ذلك في مرحلة الصدمات والتي طالت دول مجلس التعاون كلها بطرق متفاوتة، فقد ضربت شركات الاستثمار في الكويت وقطاعي العقار والاقراض وعقود الاصول الأجنبية في دبي وأبوظبي، معتبرا أنه حان الوقت للقطاع الخاص ليعتاد مرة أخرى على العوائد القليلة.
القروض والائتمان
واعتبر ويليامز أن الوصول الى القروض والائتمان سيكون أفضل العام المقبل مع عودة النشاط المحلي والطلب المحلي مرة أخرى، بعد أن عجزت البنوك عن الاقراض في الكثير من الاحيان هذا العام بالرغم من قدرتها على ذلك. ولكن من المتوقع في الوقت نفسه استمرار الفجوة الكبرى بين المقومات الاقتصادية في الكويت وما يحصل فعلا في الواقع الكويتي، في حين أن البحرين ستعاني من ارتفاع نسب البطالة والصعوبات القوية ستلقي بظلالها على دبي.
واعتبر أن كفاءة الإنفاق الرأسمالي في المنطقة بدأت في التراجع مع وجود 36 مليون نسمة تعيش في 6 دول وتستخدم 6 عملات، ووجود 9 أسواق مالية و17 شركة اتصالات و140 مصرفا.
الاقتصاد الخليجي
وأوضح ويليامز أنه لا توجد بيانات تشير إلى انحسار الركود الذي شهده الخليج منذ أواخر 2008، بل ان أرقام التضخم المتراجعة تدل على أن الطلب المحلي لايزال ضعيفا. كما ان بيانات البنوك حتى نهاية أغسطس تبين أن الضغط الائتماني مستمر، ولكن مع ان التعافي لم يبدأ بعد فاننا نرى ان شروط التعافي أصبحت موجودة. وقال إن عملية التحول هذه توقفت في أواخر العام الماضي عندما تبنت استحالة استمرار النمو السريع، وعندما أدى الركود العالمي الى حرمان الخليج من الوصول الى التمويل الدولي والى تضييق العرض الداخلي للائتمان جاءت الاستجابة السياسية لتكون كافية لدرء خطر حدوث أزمة عامة ولكنها لم تكن كافية لتغيير مجرى التباطؤ مثلما حدث في كثير من البلدان الآسيوية. ولا توجد حتى الآن مؤشرات على ان ركود 2008- 2009 قد بلغ نهايته، ولكننا نعتقد ان الشروط لحدوث انتعاش باتت متوافرة. ومن المتوقع أن تكتسب السياسة المالية زخما وان تبقى الساسة النقدية مريحة وان ينعش الوصول إلى التمويل المحلي والدولي حافزا ائتمانيا للنمو. ونتوقع للتحسن في الفعالية الاقتصادية ان يكون واضحا في ارجاء المنطقة. ولكننا نعتقد ان العربية السعودية وقطر وابوظبي ستكون في أفضل وضع للاستفادة من التعافي الاقتصادي العالمي.
أسعار النفط
وبين أنه مع تحسن الاقتصاد العالمي، من الممكن لأسعار النفط ان ترتفع بحدة، ونحن لا نستبعد ذلك خصوصا اذا ما اظهر الدولار ضعفا أكثر أو اذا ما ادى النمو البطيء في انتاج البلدان خارج الـ «أوپيك» إلى تضييق سوق الطاقة باكثر مما كان متوقعا. ولكننا نتبنى في الوقت الحاضر افتراضات محافظة اكثر، منتظرين لمزيج برنت ان يصل متوسط سعره الى 75 دولارا في 2010 والى 85 دولارا في 2011.
وإضافة إلى المخاوف الكامنة حول قوة نمو الطلب فان ويليامز أشار إلى أن الكابح الرئيسي على نمو أسرع للأسعار هو الاستطاعة الفائضة الكبيرة التي توقفها الـ «أوپيك» حاليا. ومع تعافي الطلب نتوقع أن تزيد «أوپيك» إنتاجها باطراد وان تبقي السوق مزودة بشكل كاف لتأخير حدوث ارتفاع أكثر حدة في الأسعار.
عملة الصين «دولية»
من جهته، أكد رئيس استراتيجيات تداول العملات في بنك hsbc ديڤيد بلوم أن العملات ستنفصل عن الدولار خلال المرحلة المقبلة، مستدركا ان تضخم الأصول سيصبح غير قابل للاستمرار وستعمل الصين على جعل عملتها دولية.
وتوقع بلوم في ورقته خلال اللقاء بعنوان «هل سيؤدي الدولار إلى إلحاق أضرار فادحة بالسلع» أن دولا أخرى ستتبع الصين في جعل عملتها دولية، مشيرا الى أن الدول الصغيرة يمكن أن ترتبط بالبلدان الكبيرة في عملات دولية جديدة بخلاف الدولار.
وفي تحليله حول استبدال الأصول الجيدة بالرديئة، قال بلوم أن الاقتصاديات الكبرى تحاول منع ارتفاع عملاتها والسعي لشراء الدولار وشراء سندات الخزينة، لافتا إلى أن الدول ستقوم باستخدام الدولار لشراء الراند وشراء سندات الخزينة.
4 مراحل
ورأى بلوم أن أسواق العملات الأجنبية عاشت منذ العام 2005 إلى اليوم مراحل عديدة منها المرحلة الذهبية من 2005 إلى 2007 حين كانت الأسواق تعيش سهولة الائتمان ليدخل المراحل الأولى من الأزمة المالية العالمية حيث بدأت الأسواق بفك الارتباط مع الدولار مع صعود الأسواق الناشئة.
وأوضح أن الأزمة المالية وقعت فعليا بعد انهيار «ليمان برازرذ» في الربع الرابع من 2008. معتبرا أن أسواق العملات الأجنبية أدت أداء حسنا مع وقوع الأزمة المالية العالمية، إلا أن الأيام الجميلة قد ولت ونحن ندخل اليوم مرحلة رابعة تظهر فيها أكثر القوة الرسمية في سوق العملات الأجنبية خصوصا في الغرب.
لقطات من اللقاء
الكويت من أكثر الدول ثراء على مستوى المنطقة لأنها تسيطر على مصادر نفطية مكنتها من توفير فوائض مالية ضخمة.
ستشهد الكويت انتعاشا خلال 2010 و2011 بعد معاناتها من الانكماش خلال 2009.
من المتوقع ان يصل سعر برميل النفط الى 75 دولارا في 2010 و85 دولارا خلال 2011.
السندات الخليجية الصادرة خلال الربعين الثاني والثالث من عام 2009 خير دليل على انتعاش السيولة وفورانها في المنطقة بعد ان شحت على وقع الأزمة.