عمر راشد
انعكست أجواء «الطوز» الذي عاشته الكويت الثلاثاء الماضي على أجواء جلسة مجلس الأمة التي شهدت أول حالة بكاء لنائب في تاريخ الحياة البرلمانية، وكذلك توجيه اللوم لنائب آخر على خلفية تداعيات أزمة الفحم المكلسن اثر نشر تقرير اللجنة الخاصة بها في وسائل الإعلام ناهيك عن الشتائم والهوشات المصحوبة بالتهديد والأهم من هذا كله تأجيل مناقشة قروض المواطنين إلى 23 ديسمبر لحين انتهاء اللجنة المالية من تقريرها وذلك بفارق صوتين لصالح التأجيل.
وليس ببعيد عن قاعة عبدالله السالم، انعكست أجواء الجلسة على أسعار الأسهم بشكل أعاد السوق إلى مربع أبريل الماضي بتراجع حاد بلغ في نهاية تداولات جلسة الثلاثاء 201.7 نقطة دون إشارة إلى بوادر إنهاء التأزيم الحاد بين السلطتين.
وعودة لقضية شراء المديونيات واستعراض تطوراتها فقد بلغت وفق آخر الاحصائيات الواردة في بعض التقارير 6.2 مليارات دينار مع الفوائد، والتي زادت ارتفاعا منذ بدء الحديث عن شرائها أو شراء فوائدها بزيادة أرقام المتعثرين عن السداد مرة ونصف المرة تقريبا، وهي القضية التي شطرت الكويت إلى نصفين أواخر 2007 حين كان عدد المتعثرين لا يزيد عن 10000 فقط، وانتهت بمرسوم أميري لتأسيس صندوق المعسرين بقيمة 300 مليون دينار كحل جزئي للمشكلة.
وعلى الرغم من أن اتحاد مصارف الكويت أقر بصعوبة تنفيذ توصيات نواب مجلس الأمة بشراء المديونيات من خلال تفنيده لمقترحات النواب في هذا الصدد، رأى عدد من المدينين أن الدولة في الوقت الذي كان يباع النفط فيه بـ 6 أو 10 دولارات للبرميل، دبرت الحكومة 5 مليارات دينار لنجدة عدد قليل من الأفراد في إشارة لأزمة المناخ، على أمل أن هؤلاء سينقذون البلد، مبينين أن أفرادا مديونياتهم بالملايين تم سدادها وآخرون مديونياتهم لم تتعد 1000 دينار مطلوبون للسجون، متسائلين أي عدالة في الأمر؟
ووفق الإحصائيات المتوافرة عن المطلوبين سدادا للقروض، فإن هناك 52 ألف مواطن عليهم أحكام ضبط وإحضار في 2004 زادوا إلى 62 ألفا في 2005، ثم ارتفعت الأعداد إلى 100 ألف في 2006، وهناك 3070 مواطنا في السجن المركزي بسبب القروض إضافة إلى 10 آلاف عليهم أحكام بالسجن والضبط والحضور. وفي تعليق منها على تلك الأرقام، أوضحت مصادر استثمارية أن حل قضية القروض بات مطلبا تنمويا باعتباره أحد أهم المخارج للقضاء على شح السيولة وفتح قنوات تمويل جانبية بعد أن صمت البنوك آذانها عن تمويل أو جدولة القروض عليها.
وعلى العكس، كما قالت المصادر، هناك بنوك استولت على أصول شركات مرهونة ودون أحكام قضائية وغيرها قامت بتسييل رهوناتها. وبينت مصادر استثمارية أن شراء المديونيات ولو جزئيا بات أحد الحلول المطلوب تفعيلها لكسر الجمود الذي أصاب معظم القطاعات الاقتصادية، مستندة في ذلك إلى أن القطاع الاستهلاكي هو الحلقة المفقودة في تصريحات النواب رغم أنه العمود الفقري لحركة بقية القطاعات خاصة قطاعي «المصارف» و«العقار» اللذين يعتمدان على التمويل الاستهلاكي في أرباحهما.
المصادر لفتت الى أن البنك المركزي بات أمام خيارين أحلاهما مر، وهو إما أن يسمح للبنوك بضخ السيولة والسماح بفتح قنوات للتمويل أو العمل على زيادة الكاش في يد الأفراد من خلال السماح لهم بمزيد من الاقتراض.
وقالت إن التأخر في علاج أزمة المديونيات سيزيد من تكلفة الإنقاذ، لافتة الى أن الاقتصاد بحاجة إلى حزمة متكاملة من الحلول وليس الاعتماد على المحفظة الوطنية، مبينة أن الاقتصاد في حاجة إلى 30 مليار دينار لإنعاش الأداء الاقتصادي.
وفي المقابل، تقف جهات أخرى ضد شراء المديونيات، حيث ان «الدولة ليست شركة تستنزف أموالها» وهي عبارة أطلقها وزير المالية السابق بدر الحميضي للرد على دعاوى اسقاط القروض وفوائدها عن كاهل المواطنين، مستدركا بأن الأمر يعبر عن التفكير «المدلل» من قبل الشعب الذي يذهب إلى البنوك للاقتراض ثم يجبرون الحكومة على إسقاط القروض من خلال نواب المجلس وهي حالة رآها غريبة ولا توجد في أي نظام اقتصادي حول العالم.
أما وزير المالية مصطفى الشمالي، فقد اختصر رأيه لدى توليه حقيبة وزارة المالية للمرة الأولى في مشاريع النواب الشعبية التي تفتقر للمنطق الاقتصادي بأن «أموال النفط ليست للبعزقة» وأن الفوائض النفطية يجب توجيهها وفق أولويات الحكومة الاستراتيجية وبما يخدم المصالح التنموية للأفراد والمجتمع.
وبين الوزيران الحميضي والشمالي أن النفضة النيابية لإسقاط قروض المواطنين البالغ حجمها مع الفوائد 6.2 مليارات دينار، غيبت «مشاريع التنمية» التي تصل قيمتها على 200 مليار دولار والتي اجتهدت الحكومة الحالية في حصرها لأكثر من 40 مشروعا تنمويا ضمن خطتها الخمسية على أمل التعاون بين السلطتين والتي لم تشهد سوى الاحتقان ومزيد من التأزيم.