- الشفافية والوضوح مفيدان لكل البنوك والعملاء على حد سواء ويوفران الحماية للبنية التحتية المالية العالمية
منى الدغيمي
إن فلسفة «دولتان وهدف واحد» التي يعتنقها الائتلاف الأميركي ـ الكويتي فلسفة مؤثرة، حيث انها تحترم سيادة كل دولة، ولكنها تشدد على الأهمية والإمكانات الاستثنائية التي يكتسبها التعاون الثنائي والتعاون التعددي بين الدول والاقتصاديات والقيادات، هذه المقدمة التي استأنف بها رئيس مجلس إدارة سيتي بنك ديباك شارما مداخلته حول «الآفاق المتغيرة في إدارة الثروات» خلال زيارته الكويت بدعوة من مجلس العلاقات الأميركية الكويتية، حيث أشار إلى أن إدارة الثروات هي الخدمة التي أوكلت له منذ أكثر من 30 سنة في سيتي جروب.
و أضاف شارما أن مداخلته ستشمل «المشهد الجديد في إدارة الثروات» وتبعات التطورات الأخيرة غير المسبوقة بالنسبة لصناعة إدارة الثروات.
و قال: «سأغامر بالقول ان أنماط الأعمال وأفضل الممارسات في الماضي والحاضر قد لا تكون كافية في النظام العالمي الجديد للمال وإدارة الثروات بعد الأزمة الحالية».
وكشف شارما أن هناك تغيرات جذرية مقبلة في صناعة إدارة الثروات، مشيرا إلى أن صناعة إدارة الثروات ستخضع إلى تغيرات جذرية وليس إلى تغيرات تدريجية أو تجميلية.
و لفت إلى أن عملية التغيير بدأ بها «سيتي» بالفعل، حيث يعتزم قيادة التغيير لا اللحاق به.
مستدركا قوله: «مع الامتياز تأتي مسؤولية معينة تجاه عملائنا وتجاه الصناعة ذاتها أنها مسؤولية تصحيح ما هو خطأ وإصلاح الأشياء المتعثرة».
وأشار شارما الى انه في أوقات الشدة يؤمن «سيتي» بالقرب من عملائه كما يؤمن بإجراء تغييرات من شأنها أن تجعل عملاء سيتي و«سيتي» بدوره أيضا يخرج من الأزمة أكثر قوة.
وتطرق شارما إلى طرح مجموعة من الملاحظات قسمها إلى ثلاثة أجزاء وهي كالآتي: مجموعة من الملاحظات من التجربة الأخيرة للسوق، والتغيرات المرجحة في مواقف العملاء، والمضامين بالنسبة للصناعة وللمناخ التنظيمي.
الأزمة الأخيرة
وبخصوص الملاحظات التي تندرج في إطار الأزمة الأخيرة، أفاد شارما بأن الحاجة إلى السيولة هي التي تحرك سلوك السوق وليس القيم الأساسية للأصول، مشيرا إلى انه نتيجة لذلك انهارت علاقات راسخة (أي معدلات لايبور بالنسبة إلى معدلات الفائدة الأميركية).
وأضاف في هذا الإطار أن المعتقدات التقليدية بشأن الترابط بين أنواع الأصول واجهت تحديات وتراجعت كل أنواع الأصول تقريبا ولم ينجح التحوط بالوكالة على العملات.
وتابع أن توافر كشف حساب الإقراض أصبح سلعة ثمينة وشهد سعر الائتمان تقلبات كبيرة، مستدركا بأن الأوضاع أصبحت أكثر استقرارا الآن.
وأكد شارما من خلال ملاحظته أن الجميع اقروا في النهاية أن مخاطرة الطرف الآخر في أي عروض هي مخاطر حقيقية وليست مجرد وثائق تنصل على العرض.
وأشار إلى أن الأزمة الأخيرة أجرت اختبارا للمعتقدات الأساسية حول فوائد التنويع الجغرافي والاقتصاديات «المفصولة». وأثبتت أن دول العالم لاتزال قرية عالمية، وان كل الاقتصاديات مترابطة بقوة وبعيدة عن كونها مستقلة كليا.
وقال شارما ان الأزمة أحدثت نقلة نوعية على المستوى الاقتصادي من نظام تمويل سوق حرة كامل إلى نظام تمويل اجتماعي، لافتا إلى أن الحكومة الأميركية أصبحت اليوم اكبر مساهم في «سيتي» وتوقع حدوث تغيير بنهاية العام المقبل.
تغيرات سلوك العملاء
كشف شارما عن التغيرات التي شهدها عملاء البنوك من حيث مواقفهم وسلوكهم الاستثماري، مشيرا إلى انه خلال الأزمة استغل عملاء كثيرون الفرصة للقيام بـ «فحص واقعي» لمحافظهم وشرعوا بمراجعة انكشافهم للمخاطر واستراتيجيتهم بتوزيع الأصول.
وأكد انه يجب عدم اعتبار توزيع الأصول عملية تجري لمرة واحدة فقط، داعيا كل عملاء البنوك الى إجراء مراجعة «إعادة توازن» منتظمة لمحافظهم مع بنوكهم. وأفاد بأن المراجعة تضمن بقاء انكشاف محفظتهم متوازيا مع استعدادهم لتحمل المخاطر، وإلا تصبح المحافظ مركزة أكثر مما ينبغي بسبب تحركات السوق.
وأضاف أن العملاء عموما يكونون أكثر عزوفا عن المخاطرة خصوصا عندما يفكرون بمنتجات أكثر تعقيدا، مشيرا إلى أن توقعات العملاء بشأن المخاطرة أو المكافأة تغيرت بشكل كبير في بعض الحالات، حيث أصبحت الأولوية للسيولة والأمان مع إعارتهم انتباها اكبر للمخاطر «التي غالبا ما يعبر عنها بأحرف صغيرة كجزء من التنصل في وثيقة العرض».
ولفت شارما في هذا الإطار الى أن العملاء أصبحوا يعطون قيمة اكبر للنصائح حول توزيع الأصول وينظرون إلى ثروتهم بشكل أكثر كلية ويعيرون اهتماما خاصا لمسائل الثقة وتخطيط ممتلكاتهم إضافة إلى تخطيط الثروة ونقلها من جيل إلى جيل.
التغيرات في المناخ التنظيمي
واستعرض شارما في نهاية ملاحظاته التبعات بالنسبة لصناعة إدارة الثروات والمناخ التنظيمي، حيث أشار إلى أن المنظمين يقيدون في الوقت الحاضر أنواع المنتجات التي يمكن للصناعة عرضها على المستثمرين الأقل ثراء.
وكشف أن السرية أصبحت من المحرمات، حيث بات مدراء الثروات الذين كانت السرية عرضهم الأول من أمور الماضي وتجري ملاحقة المتهربين من الضرائب بذراع القانون التي أصبحت أكثر طولا.
وأفاد بأن الولايات المتحدة نجحت أخيرا في اختراق السرية المصرفية السويسرية حيث حصل ممثلو الادعاء على إقرار بالذنب من عملاء تحدثوا عن شبكة من المصرفيين والمحامين والمستشارين الذين ساعدوهم على إخفاء دخلهم وأصولهم لافتا إلى أن هؤلاء العملاء كانوا قد خبأوا أموالا في شركات وهمية.
وكشف أن المنظمين في بلدان أخرى أيضا يلاحقون التهرب الضريبي في مراكز مالية أجنبية، لافتا إلى أنها باختصار نهاية اللعبة بالنسبة للحسابات السرية والشركات الوهمية المصممة للتهرب من الضرائب.
وأكد شارما أن العرف سيصبح اليوم وفي المستقبل المزيد من الإفصاح والشفافية، مشيرا إلى أن «سيتي كوروب» ترحب بهذا النظام وتعتقد انه السبيل إلى المستقبل بسبب دخول التكنولوجيا وانتشار العولمة.
وأضاف أن الشفافية والوضوح مفيدة لكل البنوك والعملاء على حد سواء لأنه يوفر الحماية للبنية التحتية المالية العالمية وللمستثمرين.
وقال: «لا نستطيع تحديد ثمن للشفافية والمساءلة وإذا كان لابد من وضع ثمن فسيكون القيمة الإجمالية لامتيازكم».
إدارة الأزمة
وعن الدروس التي يمكن الاستفادة منها من الأزمة أكد شارما أنه رغم تداعيات السلبية للأزمات إلا انه يستفاد من دروسها.
وقال: «على سبيل المثال علمتنا الأزمة المالية الآسيوية أهمية التنويع وكيفية استباق الفقاعات والأسواق المترددة كما أنها أبرزت الاعتماد المتبادل بين الاقتصادات والأسواق.
وتابع: «علمتنا أزمة أسهم التكنولوجيا انه ينبغي لتقييمات الشركات أن تستند الى أسس مالية متينة والى مبادئ الأعمال وليس الى تحليلات فئة قليلة وما تراه من إمكانات غير واقعية لشركة ما.
ومن جانبه أشاد العضو المنتدب لمجلس العلاقات الأميركية - الكويتية فهد العجمي بالعلاقات التي تجمع الكويت وأميركا في إطار الأعمال واستعرض موجزا عن الخدمات التي يقدمها سيتي بنك، مشيرا إلى سعي مجلس العلاقات الأميركية - الكويتية إلى دعم العلاقات بين البلدين وإبراز كل ما يخدم البلدين على المستوى الاقتصادي إعلاميا.
المستجدات في «سيتي»
قدم شارما وصفا سريعا للمستجدات في «سيتي» التي طرأت منذ بداية 2008 مشيرا الى انه قبل 18 شهرا وبعد بداية أزمة الرهن العقاري ولكن قبل انهيار ليمان واجه سيتي ثلاثة تحديات: مسائل مالية كبيرة يجب التصدي لها، والحاجة الى تحديد استراتيجيتنا، وقمنا بتقليص كبير لصورة مخاطرنا. واستدرك انه بعد جهود كبيرة حقق انعطافا في مجالات عدة، حيث وضع استراتيجية واضحة وبناء قوة مالية كبيرة وحقق كفاءة تشغيلية قلص فيها الى حد كبير صورة مخاطره.
وأكد ان البنك في الوقت الراهن عاد الى درب الربحية بفضل نتائج مالية إيجابية لثلاثة أرباع أملا ان تكون مستدامة.
وعن الخطة المالية للبنك قال: «كانت لدينا خطة لتحسين قوتنا المالية والتشغيلية وقد أحرزنا تقدما كبيرا في تطبيقها».
وتابع: «على سبيل المثال قلصنا معدل نفقاتنا السنوي بـ 16 مليار دولار أي بنسبة 25% وقلصنا أصولنا بنحو 500 مليار دولار أي بنسبة 20%.
واضاف: «أدخلنا تحسينا على وضع رأسمالنا في المرتبة 1 وأيضا في الأوراق المالية العامة بعد تحويل أسهم الأفضلية وأضفنا أيضا 24 مليار دولار الى احتياطي خسائر القروض».
واشار الى انه بوجود نحو 100 مليار دولار كأوراق مالية عامة وأكثر من 800 مليار دولار كإيداعات يعتبر «سيتي» حاليا من بين أفضل المؤسسات المالية رسملة في العالم.