أحمد سمير
لا يختلف اثنان على ان دبي كانت طوال السنوات القليلة الماضية نموذجا اقتصاديا مميزا في نموه وتوجهاته وطموحاته واهدافه، لا على مستوى المنطقة فحسب بل على مستوى العالم، ولا يكاد يضاهيها فيما ذهبت اليه الا سنغافورة فقط من حيث مشاريعها التنموية والسياحية والبنيوية وفق رؤية مهندس بنائها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حيث بدأ خطته التنموية في العام 2000 فيما ضاقت الارض بطموحاته الاعمارية والاستثمارية، فاتجه صوب البحر لينشئ اكبر مشروع عقاري في العالم مقام على جزيرتين صناعيتين في البحر بمساحة اجمالية تصل الى نحو 13 الف كيلومتر مربع واتجه صوب السماء ليقيم اعلى برج في العالم بارتفاع 800 متر وبكلفة مليار دولار، اما الارض فامتلأت بالمشاريع الهائلة.
وبقدر ما لفتت دبي انظار العالم وجذبت انتباهه اليها في سنوات الاعمار والنمو الصاروخي، بقدر ما زعزعت كثيرا من الثوابت وهزت اسواق المال في العالم فور اعلان شركتين من شركاتها عن تأجيل محسوب لسداد جزء من ديونهما لمدة ستة اشهر فقط.
وثمة من يعلق على الدويّ الاعلامي الهائل الذي واكب اعلان تأجيل سداد بعض الالتزامات المالية بأنه ضجيج اعلامي مبالغ فيه وردة فعل اكبر من الحدث ذاته، وذهب البعض به الى ابعد ما يكون وربما تطرقوا الى امور وقضايا يتمنى البعض ان تكون واقعا حقيقيا متمثلا في ضياع الحلم وسقوط الجواد، فهل هذا هو ثمن الطموح الجامح الذي راهنت عليه دبي وراحت تحققه مشاريع على ارض الواقع؟
انه السؤال الذي بات يطرح نفسه بين اروقة السياسيين قبل الاقتصاديين، فلطالما كانت دبي في دائرة الابهار منذ خططت لتكون مركزا تجاريا وماليا عالميا وليس اقليميا فقط، بل ان البعض قد لمس لغة التشفي والانتقام في تصويره لسيناريو ما ستؤول اليه الاوضاع في الامارة التي لم يتجاوز عدد سكانها 1.4 مليون نسمة 20% منهم فقط اماراتيون ونجحت في ان تدير العالم نحوها وتجذب اليها المستثمرون من كل حدب وصوب.
وفي وجه العاصفة وقف مهندس اعمار دبي الشيخ محمد بن راشد ليدافع عن حلمه وحلم المنطقة، مؤكدا ان دبي قوية ومثابرة، ومعتبرا الحديث العالمي عن دبي سلبا او ايجابا هو دليل خير، مستعينا بقول مأثور قديم عن الشجرة المثمرة المروية التي تصبح دائما هدفا للرشق بالحجارة.
ورغم رسالة التطمين التي ارسلها مهندس اعمار دبي وعززها بدوره رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حين اكد استمرارهم بثبات واصرار في تنفيذ ما تبنوه من استراتيجيات ورسموه من خطط ومشاريع في ظل اقتصاد وطني قوي وسليم، رغم ذلك الا ان المراقبين يعتبرون ان الشفافية هي الغائب الاكبر في مشكلة ديون دبي وان حجم المخاطرة كان اكبر من المجازفة به في مثل هذا المشروع التنموي الهائل، وتقول مصادر لـ «الأنباء» ان ابعادا سياسية خلف الكواليس ربما لعبت دورا في تضخيم الامور وتداعياتها في دبي ولكن ان غدا لناظره قريب بعدما هدأت الامور في الاسواق المالية واستعاد سوق الكويت للاوراق المالية توازنه وارتفع مؤشره 47.4 نقطة وبعد ان اعلنت الشركتان الاماراتيان اتخاذ عدة اجراءات فورية للحد من استفحال ازمتهما المالية سواء من خلال اعادة الهيكلة او لاجتماع دعت اليه لالتئامه في الاسبوع المقبل لمكاشفة الدائنين بحقيقة الموقف وظروفه في ظل تباين ملحوظ عن الارقام المتداولة لحجم المديونية التي قدرتها بعض الجهات بـ 184 مليار دولار، فيما قدرتها «موديز» بـ 100 مليار دولار (ديون دبي وشركاتها التابعة)، وأعلنت دبي العالمية ان القيمة الاجمالية لديونها والشركات التابعة لها التي تخضع لعملية اعادة الهيكلة لا تزيد على 26 مليار دولار، فيما دولاب الاعمار مايزال على دورانه وهناك العديد من المشاريع التي هي قيد التنفيذ منها مشروع النخلة ديرة والنخلة جبل علي ومدينة الألعاب ومشروع جزر العالم وأطول برج في العالم ومدينة الجليد ومدينة دبي الطبية.