اعداد: احمد يوسف
خلصت دراسة أعدها اتحاد مصارف الكويت الى ان جميع القطاعات الاقتصادية قد تضررت من تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية وان كان بدرجات متفاوتة.
واكدت الدراسة التي أعدها الباحث بوحدة البحوث والدراسات باتحاد مصارف الكويت محمد سليمان على ان الاقتصادات الخليجية لم تكن بمنأى عن تلك الازمة.
وجاء في الدراسة ان تداعيات الازمة قد اثرت بشكل مباشر وغير مباشر على القطاع المصرفي الكويتي تأثرا بالبيئة التشغيلية غير المواتية الناتجة عن تأثير الاقتصاد الكويتي بوجه عام بالازمة ومن ثم باتت فرص التحويل والاستثمار للبنوك المحلية محدودة.
وقالت الدراسة ان انعكاسات الازمة سيطرت سلبيا على ارباح كثير من الشركات، وتعثر بعضها، الامر الذي جعل البنوك تبدي حرصها وتتوخى اقصى درجات الحيطة والحذر ليس فقط بالنسبة للائتمان المقدم في فترات سابقة من خلال زيادة المخصصات وانما ايضا في منح الائتمان الجديد مما ادى في المحصلة النهائية الى تراجع ارباح البنوك المحلية.
وفيما يلي التفاصيل.
سبتمبر 2009 شهد مرور عام على تفجير اقوى الازمات المالية العالمية، فقد كان العام الاسوأ بما شكله من تحديات وتداعيات عنيفة وحادة انتشرت في معظم دول العالم، وطالت مختلف القطاعات الاقتصادية، وعصفت بعدد من البنوك والمؤسسات المالية والتجارية على مستوى العالم، وقد نجحت البنوك المركزية من خلال سياستها النقدية، مدعومة بحزم مالية تحفيزية، في توفير السيولة ومنع انهيار الاسواق المالية، ولم تكن الكويت والدول الخليجية بمنأى عن تلك الازمة، حيث واجهت الاقتصادات الخليجية تحديات عدة تفاوت التعامل معها بين الدول، وقد ساهم قيام الكويت بإصدار تشريعات بشأن ضمان الودائع وتعزيز الاستقرار المالي والاجراءات الاحترازية والضوابط التي وضعها بنك الكويت المركزي لحماية القطاع المصرفي في تخفيف حدة الانعكاسات السلبية لتداعيات تلك الازمة على البنوك المحلية وتعزيز اوضاعها المالية وتحقيق الاستقرار، وعلى الرغم من انكسار حدة الازمة وظهور بوادر ايجابية الا ان اجواء تداعياتها لاتزال تخيم على الاسواق.
وقالت الدراسة انه منذ بداية الازمة المالية العالمية تباينت وجهات النظر حول تداعياتها وآثارها على القطاعات الاقتصادية المختلفة، واضافت الدراسة انها ستركز على القراءة التحليلية لانعكاسات الازمة المالية العالمية على المؤشرات النقدية والمصرفية بشكل اساسي (وفقا للبيانات الصادرة عن بنك الكويت المركزي) بعد عام من ظهور هذه الازمة (السنة المنتهية في سبتمبر 2009)، حيث تبرز تأثيرات تداعيات الازمة على القطاع المصرفي الكويتي وانعكاساتها على تطور مجموعة من المتغيرات والمؤشرات النقدية وعناصر التدفقات المالية للبنوك المحلية في ظل توجهات السياسة النقدية لبنك الكويت المركزي والاجراءات التي تم اتخاذها وذلك من خلال ثلاثة محاور أساسية:
التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لتداعيات الأزمة
باشرت تداعيات الازمة تأثيرها على صافي الموجودات الاجنبية لدى البنوك المحلية، وأدت الى ارتفاعها نتيجة لتراجع المطلوبات الاجنبية (شكلت نحو 19.4% من اجمالي المطلوبات في سبتمبر 2008) بمعدل يفوق التراجع في الموجودات الاجنبية (شكلت نحو 23.6% من اجمالي الموجودات في سبتمبر 2008)، وقد ترتب على ذلك قيام البنوك بتغيير هيكل توظيفاتها والهيكل التمويلي لديها، كما اثرت تداعيات الازمة على القطاع المصرفي بشكل غير مباشر عبر البيئة التشغيلية غير المواتية الناتجة عن تأثر الاقتصاد الكويتي بوجه عام بالتداعيات السلبية للأزمة، ومن ثم محدودية الفرص التمويلية والاستثمارية المتاحة للبنوك المحلية.
وانعكاسا للاوضاع السائدة في السوق خلال عام من الازمة، شهدت السنة المنتهية في سبتمبر 2009 تباطؤا في وتيرة نمو الائتمان المصرفي للقطاع الخاص، والذي يعتبر احد المحفزات الاساسية لعملية النمو والتنمية، ويمثل مصدرا مهما لربحية البنوك باعتباره يشكل نحو 62.9% من اجمالي موجودات البنوك، حيث سجل نموا نسبته 7.5% مقابل 23.4% في الفترة المناظرة، الامر الذي ينبغي معه توفير البيئة الاقتصادية والتشريعية المناسبة لتفعيل دور القطاع الخاص وزيادة الفرص الاستثمارية، بما يساهم في تحسين البيئة التشغيلية للبنوك المحلية ويدعم قدرة الاقتصاد على التعافي، وتحقيق معدلات نمو اكبر في السنوات المقبلة.
الانعكاسات على مؤشرات السيولة والاستقرار النقدي
تناولت الدراسة استخدام بنك الكويت المركزي لأدوات السياسة النقدية خلال الازمة المالية والاجراءات المتخذة لتنظيم مستويات السيولة والحفاظ على الاستقرار النقدي، وبيان انعكاساتها على المتغيرات النقدية والمصرفية، وذلك من خلال ابراز العوامل التوسعية والانكماشية واثرها على مستويات السيولة المحلية والانعكاسات الايجابية للأزمة على تراجع الضغوط التضخمية واستخدام البنك المركزي لتحركات اسعار الفائدة لضبط ايقاع السوق النقدي، فضلا عن ابراز تطورات سعر صرف الدينار.
وتبرز المؤشرات ان الدور التحفيزي لبنك الكويت المركزي من خلال ضخ السيولة وزيادة الودائع الحكومية قد ساهم في الحفاظ على توازن السيولة لدى البنوك المحلية، وموازنة الاثر السلبي الناجم عن انخفاض المطلوبات الاجنبية على البنوك المحلية، وعلى الرغم من ان اساس ظهور الازمة المالية العالمية كان وجود ازمة نقدية وشحا في السيولة طال عددا من البنوك وجعلها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها ودفعها الى الافلاس، وادى الى سيطرة اجواء سلبية على مجمل الصناعة المصرفية في العالم، الا ان المؤشرات تؤكد ارتفاع مستويات السيولة في الاقتصاد الكويتي، حيث سجل عرض النقد m2 بعد عام من الازمة ارتفاعا بنسبة 14.8% وهي نسبة قاربت الزيادة المحققة في السنة المنتهية في سبتمبر 2008 والبالغة 17.5%، ويعزى نحو 94.7% من هذه الزيادة للارتفاع في ودائع شبه النقد لدى البنوك المحلية بنسبة 18%، كما تؤكد المؤشرات ان البنوك المحلية تتمتع بدرجة عالية من السيولة جعلتها تتجه الى الزيادات المستمرة في اجمالي مطالبها لدى بنك الكويت المركزي، وهو ما يعكس استعدادها لزيادة الائتمان حال تحسن الاوضاع.
الانعكاسات على البنوك المحلية
واستعرضت الدراسة اثر الانعكاسات المباشرة وغير المباشرة للازمة، وما تم اتخاذه من سياسات واجراءات على زيادة المخصصات العامة والمحددة لدى البنوك وتراجع ارباحها، اضافة الى تحليل انعكاساتها على تطور الاجماليات المالية والهيكل التمويلي وهيكل الموجودات للبنوك المحلية وعناصر التدفقات المالية لديها في اطار المعاملات المحلية والاجنبية للبنوك.
وخلال عام من الأزمة اتخذت بعض عناصر الموجودات والمطلوبات والتدفقات المالية اتجاهات مغايرة لاتجاهاتها خلال سنوات سابقة، فقد سجل صافي الموجودات الاجنبية ارتفاعا قياسيا نتيجة لقيام البنوك بتقليص موجوداتها الاجنبية وخاصة ودائعها لدى البنوك الاجنبية وتسوية 62% من اجمالي المطلوبات الاجنبية وخاصة ودائع غير المقيمين، واتخذت التدفقات المالية التي تمت في اطار كل من المعاملات المحلية والمعاملات الاجنبية خلال السنة المنتهية في سبتمبر 2009 اتجاها مغايرا عن الفترة المناظرة حيث اسفرت المعاملات المحلية عن صافي موارد (اعتمدت هذه المعاملات في مواردها على الزيادات الملحوظة في كل من ودائع القطاع الخاص والودائع الحكومية، وتركزت استخداماتها في زيادة التسهيلات الائتمانية وزيادة المطالب على البنك المركزي)، وقد تم استخدامه في تغطية صافي الاستخدامات المحقق في اطار المعاملات الاجنبية (التي اعتمدت في مواردها على تقليص الودائع لدى البنوك الاجنبية وتركزت استخداماتها في تسوية ودائع غير المقيمين من البنوك وغيرها).
واظهرت الدراسة ان الميزانية المجمعة للبنوك المحلية سجلت ايضا معدلات نموها في عشر سنوات (0.5%) فعلى جانب الموجودات ابرزت المؤشرات الاستقرار النسبي في هيكل توظيفات البنوك لموجوداتها وزيادة الموجودات السائلة وارتفاع نسبتها الى الودائع تحت الطلب والادخارية، وزيادة الاستثمارات المحلية للبنوك، وقد تباطأت وتيرة النمو في ارصدة التسهيلات الائتمانية لمعظم القطاعات وسيطرت التسهيلات الشخصية والتسهيلات الممنوحة لقطاع العقار على الهيكل القطاعي لاجمالي ارصدة التسهيلات وانخفضت ارصدة مقتنيات البنوك المحلية من ادوات الدين العام وتراجع نشاط السوق النقدي بين البنوك رغم انخفاض سعر الفائدة.
وفي جانب المطلوبات اظهرت التطورات استمرار سيطرة الودائع المصرفية على الهيكل التمويلي للبنوك المحلية وتقدم ترتيب حقوق المساهمين والودائع الحكومية كما اظهرت ارتفاع الاهمية النسبية لمصادر التمويل الداخلية، وابرزت المؤشرات ارتفاع الودائع الحكومية الى اعلى مستوياتها كما ابرزت استمرارية تفضيل الدينار الكويتي كوعاء ادخاري، وزيادة الودائع الادخارية ولأجل رغم تراجع اسعار الفائدة اضافة الى ارتفاع الودائع بالعملة الاجنبية واتخاذها اتجاها نزوليا منذ مايو 2009.
واكدت الدراسة ان تداعيات الازمة المالية العالمية بدأ تأثيرها على صافي الموجودات الاجنبية لدى البنوك المحلية، كما اثرت هذه التداعيات على القطاع المصرفي بشكل غير مباشر عبر البيئة التشغيلية غير المواتية الناتجة عن تأثر الاقتصاد الكويتي بوجه عام بالتداعيات السلبية للأزمة ومن ثم محدودية الفرص التمويلية والاستثمارية المتاحة للبنوك المحلية.
وعلى الرغم من ان معظم النشاط الائتماني والاستثماري للبنوك المحلية موجه الى قطاعات النشاط الاقتصادي المحلية الا ان تداعيات الازمة اثرت بشكل مباشر على البنوك المحلية من خلال صافي الموجودات الاجنبية لديها حيث ادت الى ارتفاعها نتيجة لتراجع المطلوبات الاجنبية على البنوك (شكلت نحو 19.4% من اجمالي المطلوبات في سبتمبر 2008) بمعدل يفوق التراجع في موجوداتها الاجنبية (شكلت نحو 23.6% من اجمالي الموجودات في سبتمبر 2008، منها نحو 22.1% موجهة الى استثمارات اجنبية)، وقد ترتب على ذلك قيام البنوك بتغيير هيكل توظيفاتها والهيكل التمويلي لديها على النحو الذي سيرد ذكره لاحقا.واثرت الازمة المالية العالمية على البنوك المحلية بشكل غير مباشر، حيث اضفت ظلالا من عدم اليقين على مجمل الاوضاع على الصعيدين المحلي والعالمي، فقد اثرت التداعيات السلبية للازمة وحالة الركود العالمي على قطاعات النشاط الاقتصادي المحلية، وتباطأت بشكل ملحوظ وتيرة النشاط الاقتصادي، وسيطرت انعكاسات سلبية على ارباح الكثير من الشركات وتعثر بعضها، الأمر الذي جعل البنوك حريصة على توخي درجة عالية من الحيطة والحذر ليس فقط بالنسبة للائتمان المقدم في فترات سابقة من خلال زيادة المخصصات ولكن ايضا في منح الائتمان الجديد، حيث تباطأت بدرجة كبيرة وتيرة النمو في الائتمان المصرفي، وكانت المحصلة النهائية هي تراجع ارباح البنوك المحلية.