قيمة الأموال تكمن في قوتها الشرائية وليس عدد الأصفار التي تحتويها العملة فالتضخم وارتفاع الأسعار تراجيديا عاشتها بعض الشعوب وأبرز تلك القصص التي تقترب الى الخيال شهدتها زيمبابوي في العام 2008 عندما تخلت حكومة عن عملتها المحلية لصالح الدولار الأميركي في محاولة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الذي لم يتحسن لتلجأ لاعتماد عملة محلية جديدة في 2016 مع ضمان مبادلتها بالدولار الأميركي من البنك المركزي وهي الخدعة التي لم تنطل على من لدغ من نفس الجحر مرات عديدة من قبل وفقا لـ«أرقام».
ولكن كيف يمكن أن تتحول أوراق النقد من العملات المحلية الى ورق لا قيمة له ليصبح بنفس قيمة ورق التواليت، فقصة زيمبابوي تجسيد واضح لها وهي القصة التي بدأت عام 2000 عندما كانت الدولة قوية اقتصاديا ولديها زراعة مزدهرة وموارد طبيعية وفيرة ليقرر الرئيس روبرت موغابي إعادة توزيع الأراضي، والتي قام بانتزاعها بالقوة والعنف من أصحابها البيض وتوزيعها على المزارعين السود. تدهور الإنتاج الزراعي لعدم وجود رأسمال كافي للإنفاق عليه من أصحاب المزارع الجدد من السود وازداد الوضع سوءا بعد أن فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي عقوبات على زيمبابوي وتبعها هروب كبير للاستثمارات الأجنبية.
وفي وقت قصير أصبح 25% من سكان زيمبابوي بحاجة إلى المساعدة الغذائية و72% منهم يعيشون في فقر مدقع.
وتوجت كل تلك الخطوات الكارثية بظهور بـ 100 مليار دولار زيمبابوي للتداول في السوق مقابل 3 بيضات فقط!!.
القوة الشرائية
كمية النقود الموجودة في دائرة التداول النقدي يجب أن تتناسب مع حجم ما ينتجه الاقتصاد من سلع وخدمات ولكن هل يمكن للحكومة طباعة أي كمية من العملة وطرحها؟ الإجابة نعم ولكن أين قيمة ما تساويه كل ورقة من سلع وخدمات؟ هذا ما يجيب عنه المثال الآتي:
٭ لنفترض أنه لديك تفاحة و6 تمرات. إذا رغبت في تسعير التفاحة ستقول إنها تساوي 6 تمرات.
٭ إذا زاد عدد التفاح لـ 2 فتصبح الواحدة تساوي 3 تمرات بدلا من 6.
٭ وهكذا كلما زاد التفاح (العملات) وثبت الإنتاج من السلع (التمر) ستستمر المأساة.
التضخم الصحي
التضخم كفكرة مقبول، أو بالأحرى هو مرغوب فيه من قبل أي اقتصاد لأنه يعزز النمو. وتحاول معظم البلدان الحفاظ على معدل التضخم لديها عند مستوى قريب من 2%. لكن زيمبابوي تواجه تضخما غاية في الإفراط. التضخم لديها اقترب من 90 سكستليون (9 أمامها 22 صفرا).
ففي زيمبابوي فقد المواطنون ثقتهم في العملة، وأصبحوا لا يثقون في ثبات قيمتها ولو لساعة واحدة، فالورقة النقدية التي يمكنهم بها شراء بيضة اليوم من الممكن جدا ألا تساوي شيئا بحلول صباح الغد. ولذلك متى حضر المال في يد أحدهم يذهب به فورا لشراء أي شيء يمكن أن يشتريه. أي شيء ولكن لا يبقي المال في جيبه.
وهنا يلجأ الجميع لادخار سلع أو ذهب أو عملات أجنبية أكثر ثقة من العملة المحلية فكيف يمكن لمواطن يعيش في زيمبابوي أن يحمل كيس مليء بالنقود من أجل شراء رغيف خبز ويذهب للتسوق ويجد فنجان القهوة يساوي تريليونات الدولارات.