هشام أبوشادي
للخروج من الأزمة الحادة التي تعرض لها سوق الكويت للأوراق المالية في عام 1998، اتخذت الحكومة العديد من الاجراءات أبرزها حث الهيئات والمؤسسات الحكومية على ضخ سيولة مالية في البورصة، ومن ابرز هذه الهيئات الهيئة العامة للاستثمار التي قامت بتشجيع الشركات الاستثمارية والبنوك على تأسيس صناديق استثمارية للاستثمار في البورصة، فقبل أزمة 1998 لم تكن هناك صناديق استثمارية تعمل في البورصة التي كان عدد الشركات المدرجة فيها وقتها يقدر بحوالي 65 شركة. ومع عام 2000، سارعت الشركات الاستثمارية الى تأسيس صناديق للاستثمار بمساهمة رئيسية من الهيئة العامة للاستثمار التي بدأت المساهمة بنسبة 50% من رأسمال الصندوق، ومع تزايد إقبال الشركات على تأسيس الصناديق بدأت «الهيئة» تساهم بأسهم عينية في رأسمال الصناديق، بالاضافة الى المساهمة النقدية، وقد أدى هذا النهج الذي اتبعته الهيئة العامة للاستثمار والهيئات والمؤسسات الحكومية الأخرى الى انتشال البورصة من الأزمة التي تعرضت لها، حيث ضخت الهيئة العامة للاستثمار في الصناديق اكثر من 700 مليون دينار من عام 2000 وحتى عام 2005، وحققت أرباحا فاقت رؤوس الأموال التي ساهمت بها في الصناديق الاستثمارية. فهل تبادر الهيئة العامة للاستثمار الى التشجيع على تأسيس صناديق جديدة وضخ سيولة جديدة في الصناديق العاملة لإنقاذها؟ هناك أوجه تشابه واختلاف بين أزمة 1998 وأزمة 2008 على مستوى البورصة والوضع الاقتصادي المحلي والعالمي.
أوجه التشابه على مستوى البورصة
أولا: في عام 1998 كان عدد الشركات المدرجة في البورصة يتراوح بين 65 و70 شركة.
ثانيا: اسعار العديد من الأسهم حاليا مشابهة لأسعار الأسهم في عام 1998، مع الأخذ في عين الاعتبار الزيادات في رؤوس أموال الشركات المدرجة خلال عام 1998.
ثالثا: كان هناك ما يشبه الأزمة العالمية، ففي عام 2000 كانت هناك أزمة حادة عصفت بالأسواق العالمية والتي أطلق عليها أزمة شركات التكنولوجيا والإنترنت.
رابعا: انهيار مالي لدولة المكسيك التي حصلت على قرض مالي سريع من أميركا قدره 40 مليار دولار، كذلك ما يشبه الانهيار المالي لتركيا التي حصلت أيضا على مساعدات ضخمة من أميركا.
خامسا: تدهور أسواق المال الآسيوية، خاصة بسبب المضاربات الحادة على عملاتها، خاصة العملة الماليزية من قبل اكبر مضارب في أسواق المال الملياردير سورس.
سادسا: انعكست هذه الأوضاع على اسعار النفط في تلك الفترة التي وصلت الى 6 دولارات للبرميل، الأمر الذي عصف بميزانيات الدول الخليجية وجعلها تعاني من عجوزات مالية ضخمة.
سابعا: اقتصادات الدول الكبرى خاصة أميركا واليابان وأغلب الدول الغربية كانت قوية وحالت دون حدوث أزمة عالمية.
أوجه الاختلاف
اولا: في العام 1998 لم يكن هناك وعي للمواطنين او الاجانب بالبورصة، وبالتالي كان تأثير تدهورها على المواطنين محدودا، بل انه كان حادا على المجاميع الاستثمارية التي كانت تعمل انذاك.
ثانيا: لم تكن هناك صناديق استثمارية بل كانت هناك مجاميع مضاربية وتحالفات كانت تحرك السوق حسب رغباتها.
ثالثا: العديد من الشركات المدرجة آنذاك لم يكن لها نشاط سوى التعامل بالبورصة، وهذا وجه تشابه مع العديد من الشركات ايضا خلال الازمة الراهنة، ما يعني ان العقلية الادارية في الكويت لا تستفيد من الازمات.
رابعا: هناك 205 شركات مدرجة حاليا في البورصة، الامر الذي زاد من قاعدة المساهمين وبالتالي المتأثرون بالازمة.
خامسا: هناك حوالي 22 صندوقا استثماريا تعمل في البورصة مع تنوع في ادواتها الاستثمارية ما بين صناديق للتعامل في الادوات النقدية والتي قدمت قروضا لشركات، وما بين صناديق تتعامل في الاسهم.
وقد تأثرت هذه الصناديق بشدة، الامر الذي جعلها في امس الحاجة الى سيولة مالية جديدة للاستفادة من الفرص المواتية.
سادسا: هناك العديد من الشركات المدرجة حاليا اداؤها وخبرات ادارتها افضل بكثير مما كانت عليه في 1998.
سابعا: رغم الازمة المالية العالمية الحادة، الا ان ميزانيات دول الخليج لم تتأثر بالانخفاض الكبير في اسعار النفط، فعلى مستوى الكويت كانت الميزانية مقيمة على سعر 35 دينارا للبرميل، وفي فورة الازمة لم تتراجع اسعار النفط عن 36 دولارا للبرميل، والآن الاسعار تتحرك ما بين 70 و73 دولارا للبرميل.
ثامنا: على المستوى العالمي، فإنه في العام 1998 كان الاقتصاد الاميركي جيدا، اما في العام 2008 فإن انهيار المؤسسات المالية والعقارية في اميركا ادى لانهيار اقتصادي اميركي تبعه انهيار اقتصادي عالمي.
تاسعا: الازمة الراهنة عصفت واثرت على اغلب البنوك والشركات الكويتية التي لايزال بعضها مهددا بالافلاس.
جهود هيئة الاستثمار
منذ بداية الازمة في شهر اغسطس 2008 ومع زيادة حدتها بعد الاضرار التي لحقت ببنك الخليج، قامت هيئة الاستثمار بضخ مباشر في البورصة لحوالي 500 مليون دينار لم يظهر تأثير لها على السوق الذي واصل تدهوره.
وبعد اقرار قانون الاستقرار المالي الذي ظل حبرا على ورق حتى الآن ولم تدخل اي شركة تحت مظلته، قامت الحكومة بالاعلان عن تأسيس محفظة مالية برأسمال 1.5 مليار دينار تم ضخ حوالي 500 مليون دينار من رأسمال هذه المحفظة، وهناك حوالي مليار دينار من رأسمال المحفظة الحكومية ليس موجودا تحت يد شركتي الكويتية للاستثمار والامان للاستثمار باعتبار انهما المسؤولتان عن ادارة اموال هذه المحفظة والتي فشلت في تحقيق اهدافها وفق آراء العديد من المسؤولين في الشركات والاقتصاديين، خاصة في جعل السوق مستقرا ومؤسسيا.
اقتراحات الإنقاذ
ترى أوساط استثمارية ان الهيئة العامة للاستثمار يجب ان تقوم بدور اكبر لإنقاذ السوق مع بدايات عام 2010، وذكرت هذه الاوساط مجموعة من الاقتراحات:
أولا: توزيع المليار دينار المتبقية من رأس مال المحفظة الحكومية على خمس شركات لإدارتها من خلال رقابة شديدة على آلية عمل هذه الشركات على الاموال التي ستديرها، وذلك اما من خلال فتح محافظ مالية أو صناديق استثمارية.
ثانيا: ان ترصد الهيئة العامة للاستثمار بالتعاون مع الهيئات والمؤسسات الحكومية الاخرى نحو 1.5 مليار دينار لتأسيس صناديق استثمارية جديدة بحوالي مليار دينار، وضخ حوالي 500 مليون دينار سيولة مالية جديدة في الصناديق المالية العاملة للاستفادة من الفرص الاستثمارية الراهنة، خاصة ان انقاذ الشركات والبنوك ايضا يكمن في رفع قيم الاصول التي تتراجع بشدة، واستمرار معاناة الشركات من عدم قدرتها على معالجة ديونها وفق قانون الاستقرار المالي الذي مر على اقراره ثمانية اشهر ولم تدخل اي شركة تحت مظلته.