- «نفط الكويت» دعامة الاقتصاد المحلي ورمز الكويت الشامخ
أحمد مغربي
بمناسبة مرور 75 عاما على تأسيس شركة نفط الكويت أصدرت الشركة كتابا عن النفط والتنمية في الكويت للكاتب الإعلامي جوناثان فراير حيث بين الكتاب في فصوله البالغ عددها 15 فصلا تحول الكويت في غضون نصف قرن من مجتمع يعتمد على اقتصاد الكفاف إلى مجتمع عصري يحظى أبناؤه بواحد من أعلى معدلات الدخل على مستوى العالم.
وتناول الكتاب ضمن صفحاته نشأة شركة نفط الكويت التي تولت مسؤولية أعمال الاستكشاف واستغلال الثروة منذ أن تأكد وجود مخزون نفطي هائل في باطن الأرض قبيل الحرب العالمية الثانية، وتكاد قصة نفط الكويت في حد ذاتها فصلا من فصول تاريخ الكويت الحديث، حيث أدرك حكام الكويت أهمية الدور الرئيسي الذي لعبته الشركة في بناء الكويت الحديثة فكانت على الدوام ركنا أساسيا في دفع عجلة التنمية والتطور إلى الأمام وتقاسمت مع الكويتيين آلامهم وأفراحهم في السراء والضراء.
وعرض الكتاب الغزو العراقي الغاشم على الكويت والجروح التي خلفها سنتي 1990 و1991 والتي ستأخذ وقتا طويلا حتى تندمل ويعود الفضل في عملية إعادة الأعمار الناجحة إلى الإرادة السياسية الجماعية للشعب الكويتي والتوجيه الحكيم لأسرة آل الصباح ولعائدات الوفيرة التي درتها عملية إنتاج النفط الذي استأنف بسرعة تدفقه على نحو رائع بفضل الجهود الحثيثة التي بذلتها شركة نفط الكويت.
وبين الكتاب ضمن طياته اعمار الكويت والنهضة الحديثة بعد الغزو وصولا إلى استراتيجية 2020 لنفط الكويت لإنتاج 4 ملايين برميل من النفط يوميا.
علاقات تاريخية وثيقة تربط البنك الوطني و«نفط الكويت»
يرتبط بنك الكويت الوطني بعلاقات تاريخية وطيدة مع شركة نفط الكويت، تلك العلاقة التي أسست على قواعد متينة من الثقة امتدت لأكثر من 57 عاما هي عمر بنك الكويت الوطني.
وبمناسبة مرور 75 عاما على تأسيس شركة نفط الكويت، كشف بنك الكويت الوطني عن عدد من الوثائق التاريخية التي تعود لأوائل خمسينيات القرن الماضي، والتي تؤرخ للعلاقة القوية التي ربطته مع شركة نفط الكويت خلال تلك الفترة المهمة من تاريخ الكويت المعاصر الذي نما وازدهر مع نشأة وازدهار تلك المؤسسات الوطنية الرائدة
وكانت شركة نفط الكويت المحدودة التي وقع وثيقة تأسيسها المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح عام 1934، قد تأسست وظلت تمارس أعمالها في الكويت دون خدمات مصرفية تساعدها على الاضطلاع بأعمالها الفنية، إذ كانت المعاملات المالية تتم مباشرة بين الشركة وإدارة مالية حكومة الكويت في ذلك الوقت. إلى أن انقشع غبار الحرب العالمية الثانية وتبلورت لدى كبار تجار الكويت ورجالاتها فكرة تأسيس بنك وطني كويتي يستطيع سد الفجوة المصرفية في الكويت، تلك الفجوة التي لم يستطع أن يملأها البنك الأجنبي الوحيد العامل في المنطقة آنذاك والذي بدأ أعماله في الكويت أثناء الحرب العالمية.
وبمجرد أن أرسى بنك الكويت الوطني قواعده المصرفية واستعد لمباشرة أعماله وشرع أبوابه مستقبلا عملاءه في 15 نوفمبر 1952، معلنا عن استعداده لتقديم أعماله في خدمة الكويت ومؤسساتها وأفرادها، ومعلنا في الوقت ذاته عن بداية عصر اقتصادي جديد متزعما للنهضة المصرفية التي انبثقت من الكويت لتمتد بعد ذلك إلى جميع دول الخليج العربي.
وفي ذلك الوقت، بادرت شركة نفط الكويت وقامت بفتح حساب جار لدى البنك الواعد متوسمة فيه الأمل في تقديم حلول مصرفية تساعدها على الاستمرار والتميز في خدمة الاقتصاد الكويتي، حيث حمل حسابها الرقم 0455، الذي كان واحدا من أول خمسمائة حساب في تاريخ بنك الكويت الوطني تم فتحها في خلال أقل من شهرين منذ أن بدأ البنك أعماله، وكان حسابها هذا هو همزة الوصل بينها وبين ادارة مالية حكومة الكويت، ونرفق طي هذا المقال أحد أوائل الشيكات التي تؤرخ لهذه الاحداث والذي حرر بتاريخ 22 يناير 1953، وأودع في حساب الشركة خصما من حساب ادارة مالية حكومة الكويت.
ومن بين الوثائق التاريخية التي كشف عنها الوطني وثيقة تمثل استصدار الشركة لنسخة طبق الاصل من شهادة التسجيل التجاري برقم 7387، بتاريخ 5 أكتوبر1960، لتقديمها الى بنك الكويت الوطني لاستكمال ملفها لديه، ووثائق أخرى توثق لاستمرارية العلاقة من خلال المراسلات بين الشركة والبنك لاعتماد توقيع مسؤوليها المخولين بالتوقيع على حسابها لدى الوطني.
يذكر أن بنك الكويت الوطني يحتفظ في أرشيفه بمجموعة قيمة من الوثائق والسجلات التي تؤرخ لفترة مهمة من تاريخ الكويت الاقتصادي منذ عام 1952، كما تؤرخ في الوقت ذاته لأعمال كبار رجالات الكويت وتجارها الذين نهضت على أكتافهم اللبنات الأولى لنهضة الكويت الحديثة.
سواعد العاملين في الشركة حفرت تاريخاً من نور على مدار 75 عاماً
تناول الكتاب مراحل تطور الكويت مع النفط في 15 فصلا بدأها بالكويت قبل النفط حيث اشار الى ان البحر كان شريان الحياة بالنسبة للكويت حين لم تكن قد عثرت بعد على ثروتها النفطية الدفينة وقبل ان يأتي الكويتيون الاوائل منذ زمن بعيد للاستيطان في هذه البلاد، مثلت الاطراف العليا للخليج العربي محطة استراتيجية هامة لتجارة الترانزيت بالنسبة للسفن التجارية التي تعمل بين بلاد ما بين النهرين (العراق حاليا) من جهة، وشبه القارة الهندية وافريقيا من جهة اخرى.
وبين الكتاب ان مياه الخليج العربي مثلت مصدر الرزق للصيادين المقيمين على طول الشريط الساحلي للكويت، وكانت كميات الاسماك اوفر بكثير مما هي عليه الآن كما امكن الحصول على تشكيلات متنوعة من الاسماك مثل سمك الابراميس البحري وسمك البوري والروبيان بالاضافة الى انواع مختلفة من الاسماك غير المعروفة من اوروبا وشمال اميركا مثل سمك الهامور والزبيدي الفضي.
وقد حقق صانعو الزوارق في الكويت شهرة واسعة في المنطقة في ذلك الوقت كأفضل من يقومون ليس فقط بصناعة زوارق الصيد العادية بل ايضا بتصميم سفن الداو والبوم الشراعية المتينة مما جعل التجارة رائجة عبر انحاء الخليج وخارجه، هذا وقد صممت بعض المراكب لأغراض صيد اللؤلؤ الذي كان من اكثر الانشطة المربحة في المنطقة قبل اكتشاف النفط حيث يتطلب صيد اللؤلؤ الكثير من الجهد والمشقة.
الطريق الى برقان
في 30 مايو 1936 تمت التجربة الاولى في البحث عن نفط الكويت فتم حفر البئر رقم 1 في بحرة بعد اسابيع من الجهد المضني لنصب برج الحفر وجمع المعدات والتجهيزات اللازمة حيث تطلب الامر صبرا طويلا وقدرة على التحمل بسبب الصعوبات الكثيرة، وبعدها جهز لحفل كبير حضره سمو الأمير الراحل الشيخ احمد الجابر حيث أعطي اشارة البدء بعمليات الحفر. الا ان خيبة الامل من بحرة حولت انتباه «نفط الكويت» من جديد الى برقان وخلال خمسة اشهر تابع الفنيون البريطانيون من المختصين بالنفط عمليات الحفر في برقان، وبعدها اكتشف الفنيون رمالا حاوية للنفط الامر الذي اقنع سكوت مدير شركة نفط الكويت بأنهم حققوا تلك المرة انجازا هاما.
في اوائل عام 1946 جرى مد انبوب تحت سطح البحر يبلغ قطره 12 بوصة في المنطقة الواقعة بين الفحيحيل والشعيبة ، وفي 30 يونيو من ذلك العام كان كل شيء جاهزا لتدشين المنشآت الجديدة حيث رست ناقلة النفط «بريتيش فيوزيلير» عند الرصيف الجديد، وقد ادخل صمام فضي خاص في خط الانابيب لكي يتمكن الشيخ احمد من تدشين تدفق النفط بمجرد ادارة العجلة.
حدائق في الصحراء
بعد ان رسخت الكويت مكانتها كدولة منتجة للبترول باتت الخطوة المقبلة هي انشاء بنية تحتية مناسبة ومستدامة لضمان وزيادة ناتج البترول الخام وتوفير سبل الراحة في المعيشة والعمل لطاقم عمال شركة نفط الكويت.
ورغم ان شركة نفط الكويت احتفظت بمكتبها الاداري المحلي الرئيسي في بلدة الكويت لفترة وذلك لضمان سهولة الاتصال بالسلطات الكويتية وتدبير امور الشحنات الواصلة الى الميناء، الا انه تم الاتفاق على بناء مجتمع جديد في الصحراء عند مرتفع الظهر كمدينة نفطية بالكويت يعيش فيها جميع العمال والموظفين.وفي عام 1946 كان هناك خط أنابيب واحد فقط تحت سطح البحر ينقل النفط من منطقة الصهاريج الى المحطة من ميناء الأحمدي وبعد 4 أعوام فقط أصبح هناك 10 خطوط من الأنابيب، كما بني رصيف بحري في ميناء الأحمدي عام 1949.
عهد التوسع
كان على الكويت ان تقدم حصة كبيرة من النفط الخام وتتزايد باضطراد الى الشركات الأم شركة النفط الانجلو ـ ايرانية (آيوك) التي سميت لاحقا بريتش بتروليوم «bp» وشركة نفط الخليج وذلك لتنامي انتاج نفط الكويت خلال السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
مضت شركة نفط الكويت قدما في عمليات التطوير المهمة وسعت الى استكمال مشروع هائل لتوسيع ميناء الأحمدي اذ كان من المقرر ان ترسو به ناقلة البترول رقم 50 ألف وتضمن هذا المشروع إنشاء محطة تصدير بحرية جديدة تقع على بعد حوالي 16 كيلومترا من الشاطئ وتتصل بالشاطئ بواسطة خط أنابيب للزيت الخام.
وانتهى العام 1969 نهاية سعيدة مع قيام الشيخ صباح السالم بافتتاح محطة أم العيش الأرضية للاتصالات عبر الأقمار الصناعية حيث وفرت المحطة الجديدة خدمات هاتف وتلغراف وتلكس.
عام عصيب
في جلسة نقاش لمجلس الأمة عقدت بتاريخ 30 مارس 1974 عبّر النائب أحمد النفيسي عن استيائه من الاتفاق الذي تم بين شركة بريتش بتروليوم (bp) وشركة نفط الخليج كونه لا يلبي الطموحات الوطنية لأنه يحتاج الى المطالبة بالتأميم التدريجي لأن هذا هو المقصود من الشراكة النفطية مع بريتش بتروليوم، وفي مايو 1978 ضاعفت شركة نفط الكويت من مساهمتها في رخاء البلاد وذلك حين تولت عمليات انتاج النفط التي كانت تقوم بها سابقا شركة النفط الأميركية المستقلة «أمينويل».
مناطق جديدة لم تكتشف
ترأس الشيخ علي الخليفة الصباح وزير النفط مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية على امتداد عقد الثمانينيات مما أضفى نوعا من الاستمرارية على التعاطي في سياسة البلاد النفطية، وتزايدت أعمال التكرير والتسويق والتوزيع بشكل كبير في السنوات القليلة التي أعقبت تأسيس مؤسسة البترول الكويتية، وفي عام 1980 كانت صادرات الكويت من منتجات النفط المكرر تقدر بخمس كمية صادراتها من النفط الخام خلال معظم سنوات الثمانينيات.
الهدوء قبل العاصفة
بلغ عدد الأشخاص العاملين لدى مؤسسة البترول الكويتية 15.4 ألف موظف في ابريل 1988 مما جعلها ثاني أكبر رب عمل في البلاد بعد جهاز الموظفين الحكوميين بكامله، كما شعرت بفخر كبير لأن جميع المديرين التنفيذيين لديها باتوا كويتيين منذ أواسط الثمانينيات.
ولجأت الحكومة مع ازدياد الأعمال النفطية الى تشريع قانون النظافة العامة في عام 1987 ليصبح الأول في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تم الشروع في تحويل الشواطئ الى بقاع تكسوها الخضرة وذلك خوفا من الأسباب البيئية المتراكمة.
إستراتيجية 2020
وها هي «نفط الكويت» تقف اليوم مشرئبة الرأس هادفة لاستراتيجية 2020 لتطور طاقتها الإنتاجية لتصل الى 4 ملايين برميل يوميا وزيادة الاحتياطيات النفطية الى أقصى حد ممكن مع الالتزام بقواعد الصحة والسلامة وحماية البيئة لكي تصبح رائدة في التأقلم مع التكنولوجيا الجديدة المناسبة وتكييفها وكذلك تطوير قوى عاملة تتميز بالمهارة مع أقصى نسبة ملائمة من التكويت.
الشويب: رعاية وحضور صاحب السمو الأمير دلالة على أهمية الحدث
أكد الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية سعد الشويب ان رعاية وحضور صاحب السمو الأمير احتفال شركة نفط الكويت بمرور 75 عاما على تأسيسها المقررة اليوم دلالة على أهمية الحدث ووسام على صدر كل من عمل في القطاع النفطي. وقال الشويب
لـ «كونا» أمس: «ونحن نحتفل اليوم بمرور 75 عاما على تأسيس شركة نفط الكويت نتذكر بمزيد من الاعتزاز والفخر تاريخا حافلا بالعطاء من قبل أناس عرفوا قيمة العمل الذي يقومون به فاخلصوا وضحوا من اجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة». وأضاف ان الكلمات تعجز مهما عظمت عن وصف ما حدث خلال هذا العمر المديد لشركة نفط الكويت في مجال الصناعة النفطية بالكويت مع الأخذ بسبل العلم والتكنولوجيا.
وأوضح الشويب ان التاريخ اليوم يشهد ان شركة نفط الكويت تحملت مسؤوليتها بكل نجاح في قطاع الاستكشاف والتطوير والإنتاج لتسهم في نقل الصناعة النفطية بالكويت نقلة حضارية ونوعية.
وقال: «الآباء سطروا بأحرف من نور خلال عمر شركة نفط الكويت المديد تاريخا جديدا لدولة فتية استطاعت خلال بضع سنين احتلال مكانة متميزة على الصعيدين الإقليمي والعالمي فطيلة 75 عاما مضت قادت شركة نفط الكويت مسيرة التقدم والتنمية باقتدار وحرفية فلم يتوقف النجاح عند زيادة العائد المادي للكويت وحسب بل حرصت شركة نفط الكويت على تحقيق العديد من الأهداف الحيوية الأخرى».
وبين ان من هذه الأهداف المشاركة في العديد من الأنشطة التعليمية والثقافية والرياضية وغيرها من الأنشطة التي تؤكد الرؤية والمسؤولية التي تحملتها اضافة الى سعيها الدؤوب لخلق صناعة نفطية يضطلع بها مجموعة من الشركات التي انضوت جميعها تحت مظلة مؤسسة البترول الكويتية التي تعد من كبرى الشركات النفطية في العالم ولاعبا أساسيا في أسواق النفط العالمية.
واضاف «ونحن نشارك شركة نفط الكويت احتفالاتها نتطلع بما عهدناه عنها وعن كل من يعمل فيها الى مستقبل أكثر ازدهارا من خلال تحقيق إستراتيجية القطاع النفطي وهي الاستراتيجية التي ستجعلنا نواجه المستقبل بعزيمة اكبر.
أبناء الكويت كافحوا لإطفاء آبار الشركة عقب اندحار الاحتلال الغاشم
في الساعة الثالثة من فجر الخميس الثاني من أغسطس عام 1990 استيقظ رئيس مجلس إدارة شركة نفط الكويت محمد الغربللي على رنين الهاتف وكان على الطرف الآخر أحد مشرفي منصات الحفر في شمال الكويت الذي ابلغه ان الطائرات المروحية العراقية في الأجواء هناك ودخل 100 ألف عنصر من القوات الغازية بينهم 30 ألفا من الحرس الجمهوري.
وجاء في الكتاب الذي اعدته شركة نفط الكويت بمناسبة مرور 75 عاما على تأسيسها ان القوات العراقية اتخذت من المقار الحكومية الرئيسية في مدينة الكويت هدفها الأول منذ بداية الغزو فقد سلبت ودمرت قصر السيف الذي كان يضم الديوان الأميري. وعند وقوع الغزو كان عدد من كبار موظفي «نفط الكويت» خارج البلاد فقد درجت العادة ان يهرب الناس من الجو اللاهب في ذروة الصيف في رحلات للعمل أو العلاج أو لتمضية اجازاتهم السنوية.
لكن بدا أولا كأن العراقيين يحاولون إبقاء عملية انتاج النفط مستمرة، وفعلا كُلف أشخاص ممن عملوا لدى نفط جنوب العراق بإدارة عمليات شركة نفط الكويت حيث تابع بعض الأعضاء العاديين للطاقم الفني وطاقم المساندة عملهم هناك، ونجح أعضاء هذا الطاقم في تزويد حكومة المنفى ومكتب شركة نفط الكويت في لندن بانتظام بمعلومات وافية عما كان يجري على أرض الواقع، وسارت عملية الإنتاج بشكل جيد لكن النفط المستخرج كان يكفي فقط لتشغيل محطات توليد الكهرباء. وفي شهر فبراير تدهورت الأوضاع فجأة في الكويت فقد انقطعت الطاقة الكهربائية ولم تعد خطوط الهاتف تعمل وشحت امدادات الطاقة، وغدا جنود الاحتلال أشد توترا وأكثر إمعانا في سلوكهم التدميري، فقد انذروا بالانسحاب في موعد أقصاه الساعة الثامنة من مساء 23 فبراير، وهي المهلة التي أخفق المقبور صدام حسين في الالتزام بها بشكل رسمي، ومثلما فعلوا سابقا اخذوا معهم ما استطاعوا حمله وارتكبوا كل ما اشتهته أنفسهم من أعمال تخريبية انتقامية في الساعات الأخيرة. وفي 25 فبراير وهو اليوم الثاني الذي تلا الحرب البرية في عملية «عاصفة الصحراء» انسحبت القوات العراقية بشكل جماعي وسرعان ما أصبح الطريق المؤدي شمالا الى البصرة مكتظا بالشاحنات والحافلات التي تعرضت لقصف شديد من قوات التحالف.
جرت عملية التحرير والمهمات الملحقة بها مباشرة تحت سحابة سوداء بمعنى الكلمة، فغمامة الدخان الضخمة التي غطت السماء اخذت تزداد مع الأيام، وكانت الأولوية القصوى لشركة نفط الكويت هي اخماد الحرائق للحد من آثار التلوث والحفاظ على احتياطي النفط. وفي اعقاب تحرير الكويت، عثر على وثيقة عسكرية عراقية تقشعر لها الأبدان في بيت الضيافة في الأحمدي الذي كان مقرا للمهندسين العراقيين ممن كانوا يعملون في شركة نفط الكويت اثناء الاحتلال ضمت شرحا مفصلا لكيفية ضبط شحنات المتفجرات بحيث تلحق أقصى قدر ممكن من التدمير برؤوس آبار النفط، وتجعل عملية اصلاحها بالغة الصعوبة ان لم تكن مستحيلة وتم التخطيط لاستخدام ثلاث طرق مختلفة لتفجير الشحنات على سبيل الاحتياط، فإذا لم تعمل احداها كانت هناك طريقتان بديلتان جاهزتان للمساعدة على تنفيذ المهمة. ووفقا للخطة فقد وضعت وسائل ربط داخلية بين الابار التي وزعت على مجموعات تضم كل منها 25 بئرا، ومن ثم تم تقسيمها على سلاسل كانت كل منها مؤلفة من خمسة آبار، فإذا حصل عطل ما في أي من المواقع عند إعطاء الأوامر بالتفجير ستنجو خمس آبار فقط من الخراب. وباشرت القوات العراقية عمليات تفجير الآبار في برقان والأحمدي في شهر فبراير فعم الدمار وتصاعدت السنة اللهب العملاقة التي كانت بمثابة الخلفية لعملية التحرير، كما اشرنا سابقا ودُفنت الكويت لتسعة أشهر تحت بساط سميك من الدخان الاسود حين كان رجال الاطفاء من مختلف أنحاء العالم يحاولون السيطرة على النار المتوهجة. كان لدى شركة نفط الكويت فريق خاص من رجال الاطفاء الذين يتمتعون بمستوى عال من الكفاءة، والذين دأبوا على القيام بتدريبات منتظمة على كيفية معالجة الكوارث خلال الخمس عشرة سنة الماضية. واعتبارا من مارس 1991، انضمت ثلاث فرق اميركية وشركة كندية واحدة الى عملية مكافحة النيران ثم التحق بهم عدد آخر من الشركات المنافسة بالاضافة الى فرق أخرى، من بريطانيا، وفرنسا، وهنغاريا، ورومانيا، والصين، وروسيا، وايران، وكان فريق شركة نفط الكويت يتمتع بحماس شديد لاسيما أن شعورا بالفخر قد غمره بسبب قدرته على إخماد 41 بئرا مشتعلة خلال فترة لا تزيد على 53 يوما، وهي النسبة الأعلى لإخماد حرائق الآبار في اليوم الواحد التي حققها أي من الفرق المشاركة في العملية.
ونقلت مجلة «دايجيست» في عددها الصادر في يناير ـ مارس 1993 عن مهندس البترول عيسى بو يابس قوله ان «كل حريق كان يتميز عن غيره من الحرائق». واوضح انه من الصعب الحديث عن حرائق آبار النفط الكويتية وكأنها نماذج تشترك مع بعضها البعض بمواصفات وخصائص كثيرة «إذ لم يكن أي منها يشبه الآخر في طبيعته. كان لكل حريق شكله وارتفاعه وتوجهه ولون وحجم دخانه الخاص به. وهكذا كلما أخمد حريق ما فإنك لن ترى حريقا آخر مثله مرة أخرى». وكان فريق الاطفاء الكويتي استثنائيا حسب المعايير المحلية، إذ ضم بين أعضائه مهندسة البترول سارة أكبر التي ذاع صيتها في وسائل الإعلام على المستويين المحلي والعالمي، ونظرا للمخاطر الشديدة التي تنطوي عليها اعمال التنقيب عن النفط وانتاجه، كادت شركات النفط الا توظف عادة سوى خبراء واختصاصيين من الذكور في هذا المجال لكن سارة أكبر كانت حالة استثنائية خاصة وعندما منح برنامج الأمم المتحدة للبيئة فيما بعد سارة جائزة global 500 في أحد اجتماعاته في بكين، جاء في كلمة التنويه ان «سارة أكبر حسين تقف شامخة في قطاع النفط في الكويت، ليس لمجرد كونها مهندسة نفط، ولكن لما هو أهم من ذلك، إذ انها لعبت دورا اساسيا في إخماد الحرائق فيما يزيد على 700 من آبار النفط التي تم اشعالها من قبل القوات العراقية المنسحبة عام 1991 إبان حرب الخليج. إن كون سارة امرأة لم يردعها عن القيام بما توجب عليها فعله.