- ارتفـاع أعـداد العمالة الوافدة يترك تأثيراً واضحاً على المؤشرات الاقتصادية الحيـوية بما فيها النــاتـج الإجمـالـي المحلي ومعدل انتشار تكنولوجـيا المعلومات
- الدراسة توصي بضرورة اعتماد ثلاثة مستويات للتعداد السكاني لتوفير صورة واقعية عن البيانات الديموغرافـية وضمــان تحقيـق أعلـى مستويات الدقة والموثوقية في قيــاس المــؤشرات
اعداد: محمود فاروق
كشفت دراسة أجريت مؤخرا من قبل مركز دراسات الاقتصاد الرقمي «مدار» وشركة «أورينت بلانيت للعلاقات العامة والتسويق» عن أن أرقام الإحصاءات السكانية في دول الخليج والمعتمدة من قبل المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، بما فيها «منظمة الأمم المتحدة» (un) و«البنك الدولي» (world bank)، تختلف بنحو 25% أو أكثر عن معظم التقديرات الرسمية، مما يتسبب في إحداث مشكلات حقيقية وتغيير جذري في المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية. ويحظى التعداد السكاني بأهمية كبيرة في الدول على مستويات عدة نظرا لكونه الأساس لحساب مؤشرات الأداء بما فيها نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي ومعدلات الالتحاق بالجامعات ومعاهد التعليم العالي ونسبة انتشار تكنولوجيا المعلومات وعدد الأطباء لكل 1000 نسمة.
وأشارت الدراسة إلى أن بعض الدول تعتمد أكثر من إحصاء سكاني رسمي مع وجود اختلافات كبيرة بين تلك التقديرات كما هو الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تمتلك أرقاما متضاربة معتمدة من قبل كل من «منظمة الأمم المتحدة» و«المجلس الوطني الاتحادي» (fnc) ووزارة الاقتصاد (moe)، ووزارة العمل.
وينتج عن الإحصائيات السكانية المتضاربة ارتفاع مؤشرات أداء الدولة في فئات إحصائية معينة. على سبيل المثال، تشير البيانات الصادرة عن «الاتحاد الدولي للاتصالات» (itu) إلى أن دولة الإمارات سجلت أعلى معدلات انتشار للهواتف النقالة في العالم خلال العام 2007 بنسبة 176.52%. وتأتي هذه النتائج بناء على تقديرات التعداد السكاني في الإمارات البالغة 4.38 ملايين نسمة بنهاية العام ذاته. ومن جهة أخرى، تأتي الإحصاءات السكانية الصادرة عن المجلس الوطني الاتحادي نهاية العام 2007 أكثر واقعية من التقديرات السابقة، حيث بلغت 6.5 ملايين نسمة تقريبا. وبالاعتماد على تقديرات المجلس الوطني الاتحادي لعدد السكان، سجل مؤشر انتشار الهواتف المتحركة معدل 119.06% لينخفض بذلك تصنيف الإمارات من المرتبة الأولى إلى المرتبة السادسة عشرة عالميا.
وجاء مؤشر المجلس الوطني الاتحادي أعلى بمعدل 57 نقطة مئوية من المؤشر الذي تم إعلانه في هذه الدراسة التي أجراها مركز دراسات الاقتصاد الرقمي (مدار) و«أورينت بلانيت للعلاقات العامة والتسويق» والتي استخدمت التقديرات الرسمية الصادرة عن المصادر الحكومية. وبإعادة حساب المؤشر الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات في الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، تظهر العديد من الفوارق الكبيرة التي تصل إلى 56 نقطة مئوية في قطر و46 نقطة في البحرين و16 نقطة في الكويت و8 نقاط في سلطنة عمان و1.58 نقطة في المملكة العربية السعودية. وباستثناء السعودية، تشير هذه النتائج إلى أن معدلات انتشار الهواتف النقالة وفق حسابات الاتحاد الدولي للاتصالات، باستخدام إحصاءات سكانية قديمة أو تقديرات أدنى من الواقع، تم تضخيمها إلى حد كبير دون قصد أو نتيجة قلة الاهتمام، مما أدى إلى توفير معلومات غير صحيحة أو غير موثوق بها حول واقع انتشار الهواتف المتحركة في دول الخليج.
وأفاد تقرير صادر عن «صندوق النقد الدولي» (imf) بأن دولة قطر سجلت أعلى دخل للفرد في العالم من الناتج الإجمالي المحلي وفق معادلة القوة الشرائية (gdp-ppp) في العام 2008 بمعدل 85.868 دولارا وذلك بناء على التعداد السكاني البالغ 1.1 مليون نسمة. وبالاعتماد على الإحصاء السكاني الرسمي الذي يصل إلى 1.45 مليون نسمة الصادر عن جهاز الإحصاء في قطر (qatar statistics authority) منتصف العام 2008، سجل نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي 65.092 دولارا خلال العام ذاته، أي أقل من تقديرات صندوق النقد الدولي بأكثر من 24%. ويؤدي هذا التصحيح إلى تخفيض الترتيب العالمي لدولة قطر مرتبة واحدة فقط لتحتل بذلك اللوكسمبورغ المرتبة الأولى عالميا.
وقال عبد القادر كاملي، رئيس ومدير الأبحاث في مركز دراسات الاقتصاد الرقمي (مدار): «يشهد سوق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي دخول وخروج أعداد كبيرة جدا من العمالة الوافدة بصورة متواصلة، الأمر الذي يترك تأثيرا واضحا على الإحصاءات السكانية في بعض هذه الدول من عام لآخر، وينتج عن هذه الاختلافات تضارب في مؤشرات الأداء السنوية بما فيها مؤشر الناتج الاجمالي المحلي ومعدلات انتشار تكنولوجيا المعلومات. ويتسبب وجود العديد من البيانات والاحصاءات السكانية الرسمية الصادرة عن العديد من الهيئات الحكومية في تفاقم هذه المشكلة، وفي هذا الاطار، تتمثل الخطوة الاولى لحل هذه القضية في تعيين هيئة حكومية مستقلة تتولى مسؤولية تحديث قاعدة البيانات والاحصاءات السكانية بصورة دورية والتحقق من البيانات والمعلومات ذات الصلة وفق أفضل الممارسات والمعايير الدولية».
من جهته قال نضال أبوزكي المدير العام لشركة «أورينت بلانيت للعلاقات العامة والتسويق»: «يتسبب انخفاض مستوى موثوقية مؤشرات الأداء وغيرها من الاحصاءات والبيانات الرئيسية في خلق المزيد من التحديات أمام الهيئات الحكومية ومؤسسات قطاع الأعمال في المنطقة لاسيما في مجال اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تؤثر بصورة مباشرة على عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي، ومن هذا المنطلق، لابد من اتخاذ اجراءات فاعلة لضمان تطابق الاحصاءات السكانية والبيانات الديموغرافية في منطقة الخليج».
ويعكس الاحصاء السكاني، فيما لو تم اجراؤه بشكل صحيح، الرقم الدقيق للتعداد السكاني خلال سنة معينة، ليضاف اليه بعد ذلك معدل النمو السكاني للحصول على تقديرات منطقية لتعداد السكان في الدولة المعنية لعدة سنوات متتالية. وفي حال لم يتم حدوث أي تغيير جذري، كما هو الحال في الحروب أو الكوارث الطبيعية، فإن تعداد السكان يزداد عادة وفق نموذج نمو ثابت الى حد ما بناء على معدل الولادات والوفيات والهجرة.
وأشار كل من مركز دراسات الاقتصاد الرقمي «مدار» و«أورينت بلانيت للعلاقات العامة» الى أن الدول الست الأعضاء في دول مجلس التعاون الخليجي تمثل حالة استثنائية في التركيبة السكانية، حيث يلاحظ أن معدلات نموها السكاني وبياناتها الديموغرافية خالفت القوانين والمعايير المعروفة مما أدى الى تجاهلها وتخفيض المؤشرات الخاصة بالتعداد السكاني والمؤشرات الأخرى ذات الصلة، وسجلت كل من الامارات وقطر والكويت والبحرين أعلى مستويات تضارب في البيانات السكانية نظرا لاستقطابها أعدادا كبيرة من العمالة الوافدة، مما يجعلها من بين الدول التي تضم أعلى معدلات نمو سكاني في منطقة الخليج ومن بين أعلى المعدلات في العالم.
واعتمدت دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية على استقطاب العمالة الوافدة لتلبية احتياجات ومتطلبات احدى أكبر وأسرع الطفرات الانشائية والتنموية في العالم، وواصلت هذه القوى العاملة، التي تشمل شريحة واسعة ابتداء من العمال الى الخبراء المؤهلين ذوي الخبرات العالية، نموها على مر السنوات لتشكل بذلك بين 20 و80% من التعداد السكاني في دول المنطقة بنهاية العام 2008.
وعلى الرغم من أنه في معظم دول العالم يتحول جزء من السكان الوافدين الى مقيمين دائمين ليتم في النهاية منحهم الجنسية، الا أن دول الخليج تفرض قوانين صارمة جدا لمنح الجنسية، مما يتيح المجال أمام قلة فقط من الوافدين المقيمين للحصول على احدى الجنسيات الخليجية. وكشفت الدراسة عن أن وجود هذه النسبة المرتفعة من الوافدين مقارنة مع المواطنين تفرض العديد من التحديات والمشكلات التي تتطلب تحديد استراتيجيات فاعلة لتصحيح الأدوات المتبعة في قياس مؤشرات الأداء الوطني.
ركزت الدراسة الصادرة عن مركز دراسات الاقتصاد الرقمي «مدار» و«أورينت بلانيت للعلاقات العامة» على تحليل أرقام الاحصاءات المستخدمة من قبل المنظمات التابعة للأمم المتحدة خلال السنوات الخمس الماضية (2004 ـ 2008) بهدف حساب معدلات النمو السكاني في كل من الدول الست الأعضاء في دول مجلس التعاون الخليجي، وتمت مقارنة هذه النتائج مع معدلات النمو التي تم التوصل اليها وفق التقديرات الرسمية المتوافرة عن كل عام، وأظهرت المقارنة وجود فوارق كبيرة في معدلات النمو، حيث سجل معدل النمو السكاني في الامارات 2.66% خلال العام 2008 وذلك وفق بيانات الأمم المتحدة، في حين بلغ 13% بناء على البيانات الرسمية، وسجلت مختلف معدلات النمو السكاني لدولة الامارات اختلافات عديدة لتزداد بذلك الفجوة بين بيانات الأمم المتحدة والاحصاءات الرسمية عاما بعد عام.
وأظهرت معدلات النمو السكاني اختلافا كبيرا بالنسبة لدولتي الكويت وقطر، حيث أشارت البيانات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة الى أن معدلات النمو السكاني في الكويت سجلت 3% خلال العام 2005 في حين وصلت الى 8.62% وفق التقديرات الحكومية الرسمية. أما معدلات النمو في السعودية فلم تظهر اختلافا كبيرا، اذ كشفت التقديرات الرسمية عن معدل نمو منخفض يصل الى 1.84% أي أقل من المعدل الصادر عن الأمم المتحدة، وفي المملكة يوجد العديد من المؤشرات التي تدل على أن الاحصاءات السكانية الرسمية الصادرة عن الجهات الحكومية خلال السنوات القليلة الماضية جاءت منخفضة بشكل مبالغ فيه، ومن المتوقع أن يسهم الاحصاء المقرر اجراؤه قبل نهاية العام الحالي في تصحيح بيانات التعداد السكاني في السعودية.
أفادت المعلومات الصادرة عن كل من مركز دراسات الاقتصاد الرقمي «مدار» و«أورينت بلانيت للعلاقات العامة والتسويق» ان الركود الذي يشهده الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي يشكل أحد العوامل المؤثرة في تغير التعداد السكاني والتركيبة السكانية، وعلى سبيل المثال ستفرض الأزمة المالية الراهنة على أعداد كبيرة من الوافدين، الذين أحضروا عائلاتهم للعيش في دول الخليج، اعادة أسرهم الى أوطانهم حيث تكاليف المعيشة أقل مقارنة مع المنطقة. وبالتأكيد سيترك هذا التوجه أثرا واضحا على تغير توزيع الفئات العمرية ونسبة الذكور الى الاناث فضلا عن العديد من المؤشرات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية ومؤشرات انتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
ويضيف وجود أعداد كبيرة من السكان المؤقتين من العمال غير المهرة أو ذوي المهارات المتدنية بين الوافدين المزيد من التعقيدات والاختلافات بين مؤشرات الأداء، وشكل هؤلاء العمال الذين تم استقدامهم بشكل رئيسي من جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا نحو 35% من اجمالي سكان الامارات و45% في قطر ونسبا أقل في كل من الكويت والبحرين، في حين تركزت أقل النسب في سلطنة عمان والسعودية وذلك خلال العام 2008.
حلول مقترحة
أفادت دراسة مركز دراسات الاقتصاد الرقمي «مدار» و«أورينت بلانيت للعلاقات العامة والتسويق» بأنه تم البدء بتشكيل هيئة حكومية مستقلة مسؤولة عن انشاء قاعدة بيانات رسمية وتحديثها بشكل دوري لتضم جميع الاحصاءات السكانية والبيانات الديموغرافية المتنوعة ذات الصلة في دولتين أو ثلاث من دول مجلس التعاون الخليجي، وأشارت الدراسة الى أن هذه الهيئة ستتولى أيضا مسؤولية استخدام القنوات المناسبة لتزويد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى بنتائج الاحصاءات السكانية والتعداد السكاني والبيانات الديموغرافية ذات الصلة، كما يتوجب على الهيئة مراقبة التقارير والأبحاث العالمية لضمان دقة ومصداقية البيانات المستخدمة.
وأوصت الدراسة بضرورة اعتماد ثلاثة مستويات للتــــعداد الســـكاني لتوفير صورة أكثر واقعـــية عن البـيانات الديموغرافية والتوزع السكاني وضمان تحقيق أعلى مستويات الدقة والموثوقية في قياس المؤشرات ذات الصلة، ويتضمن المستوى الأول لتعداد السكان المواطنين الأصليين فقـــط في كل دولة من دول الخليج، في حين يشـــمل المستوى الثاني المواطنين والوافدين باستثناء العمالة المؤقتة ويضم المستوى الثالث مجموع السكان بمختلف الشرائح بما فيها القوى العاملة المؤقتة.