ورد في الموجز الاقتصادي للبنك الوطني أن القراءة الأولية لتطورات العام الحالي تشير حتى الآن إلى تواصل التعافي الاقتصادي حول العالم، ولو بوتيرة ضعيفة.
وقال: كما هو متوقع، كل خبر إيجابي يقابله آخر سلبي، فما أن تبرز مؤشرات عن تحسن اقتصاد بلد ما أو قطاع معين حتى تبرز مؤشرات سلبية عن اقتصاد أو قطاع آخر.
وأضاف انه بعدما ساد تفاؤل بالتطلعات الاقتصادية حول أوروبا لفترة من الوقت منتصف العام الماضي، يتكون انطباع حاليا بأن التعافي في الولايات المتحدة سيتجاوز مستواه في أوروبا، إذ تواجه الأخيرة مشكلات الديون السيادية (في المملكة المتحدة واليونان والبرتغال واسبانيا وايطاليا وايرلندا)، وتابع: ان البيانات المشجعة لسوق العمل ومبيعات التجزئة في الولايات المتحدة تبعتها مؤشرات ضعيفة عن قطاع السكن.
وأكد أن التعافي قد انطلق، ويبدو أقوى حاليا عما كان عليه قبل 6 أشهر، لكن المخاطر والشكوك لم تتغير بشكل دراماتيكي حتى الآن، ومن هذا المنطلق تقترب أسعار الأسهم من أعلى المستويات التي سجلتها في عام 2009، وتشهد أسعار الفائدة ارتفاعا ليبلغ العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات 3.95% حاليا.
وأفاد الموجز بانه ومع تحسن بيئة النمو الاقتصادي عالميا، يبرز القلق من أثر وقف الإجراءات التحفيزية، أو على الأقل تلك الاستثنائية منها، فقد عمد بنك إنجلترا إلى تعليق إجراءاته الكمية لتحفيز الاقتصاد، مشيرا إلى أن مجلس الاحتياط الفيدرالي قام برفع سعر الخصم، وهي خطوة رمزية لكنها كافية لأن تدفع إلى التفكير بالخطوات المقبلة لوقف برامج التحفيز الاستثنائية.
وقال ان الحديث ينحصر حاليا في الإجراءات الاستثنائية فقط. فمجلس الاحتياط الفيدرالي، على سبيل المثال، الذي كان قد أنهى برنامج شراء سندات الخزانة في العام الماضي أنهى أيضا في الشهر الماضي برنامج شراء الأصول المدعومة برهون عقارية، بعدما اشترى ما قيمته 1.1 تريليون دولار منها.
وأضاف أن معظم التسهيلات الكمية الاستثنائية انتهت في الشهر الماضي، ويبقى برنامج واحد أصغر حجما يتوقع أن ينتهي في يونيو المقبل، وأحد جوانب هذا القلق من وقف البرامج التحفيزية يتمثل في ارتفاع أسعار الرهونات العقارية بعد توقف مجلس الاحتياط الفيدرالي عن الشراء.
الإجراءات «الاعتيادية»
واشار الى انه على صعيد الإجراءات «الاعتيادية»، فقد كرر الاحتياط الفيدرالي في الشهر الماضي أنه يتوقع معدلات فائدة «شديدة الانخفاض» و«لفترة من الزمن»، ولفت الى ان المعدلات المنخفضة مازالت مبررة حتى الآن في ظل التوقعات بأن يأتي النمو بوتيرة معتدلة ويبقى معدل التضخم منخفضا.
وأفاد بأن معدل التضخم الأساسي مازال دون 1% في أوروبا، ودون 1.5% في الولايات المتحدة (حتى مع ارتفاع المؤشر العام لأسعار المستهلك نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة)، لافتا الى انه وفي أوروبا يفضل البنك المركزي الأوروبي، الذي يستهدف معدل التضخم فقط، أن تبقى أسعار الفائدة منخفضة لاسيما في ظل التعافي الضعيف في منطقة اليورو والضغوط التي تواجه مالية حكوماتها.
وبين انه في شهر يناير الماضي، تراجع معدل البطالة في الولايات المتحدة من 10% إلى 9.7%، وبقي عند هذا المستوى في شهري فبراير ومارس الماضيين. وكان مارس قد شهد زيادة 162 ألف وظيفة جديدة، مقارنة بفقدان ما متوسطه 350 ألف وظيفة شهريا منذ أغسطس الماضي.
وقال إن سوق العمل في الولايات المتحدة يظهر نوعا من التحسن، وقد يبدأ بتحقيق المكاسب في الربع الثاني من العام الحالي. مستدركا بان سوق العمل مازال بعيدا عن عودته إلى نشاطه القوي والضروري لاستعادة الوظائف المفقودة ويعيد معدل البطالة إلى 7% أو أدنى.
وتوقع أن يستمر سوق العمل، في التأثير سلبا على وتيرة التعافي العام خلال 2010 ولو واصل تحسنه بوتيرته الحالية.
وأشار إلى أن الاقتصاد الأميركي يواجه عائقين آخرين أمام نموه السريع: قطاع السكن والقطاع المصرفي اللذين يواجهان عمليات التعثر في سداد الرهونات العقارية. ومازال نمو الائتمان في الولايات المتحدة سالبا على أساس سنوي، وذلك للمرة الأولى منذ العام 1949، كذلك فإن البنوك تعاني من ضخامة حجم الاحتياطيات الفائضة لديها، وتقوم بشراء سندات الخزانة الأميركية بكميات كبيرة.
وأفاد الموجز بأن المشكلة المالية في اليونان وديونها جاءت نتيجة سنوات من تراكم الأعباء المالية، مشيرا الى انه مع عجز بنسبة 12% من الناتج المحلي الإجمالي في 2009، ومعدل ديون يفوق الـ 110% من الناتج المحلي الإجمالي (واستمراره بالارتفاع)، أصبحت اليونان في وضع مالي حرج، وباتت الأسواق المالية تطلب سعر فائدة أعلى لتمويل الدين اليوناني. ومؤخرا حمل إصدار من السندات الحكومية لأجل 10 سنوات سعر فائدة يبلغ 6.25%.
وأشار الموجز الى ان اليونان ليست وحدها الغارقة في المشاكل المالية، إذ أن معظم الاقتصادات المتقدمة، ومنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لديها هي الأخرى مشاكلها والأسواق تراقبها بحذر.
وقال ان وكالة موديز للتصنيف الائتماني أعلنت مؤخرا أن خفض التصنيف السيادي للولايات المتحدة والمملكة المتحدة من «aaa» لم يعد بعيد الاحتمال كما كان سابقا، ولو أنه في الوقت نفسه ليس في الأجل القريب. فالجنيه الإسترليني بات تحت ضغوط، كما أن النقاش حول إصلاح النظام الصحي في الولايات المتحدة وتكلفته يدور في وقت حساس جدا.
وقال الموجز ان اقتصاديات الأسواق الناشئة تبقى في وضع أفضل من نظيراتها عالميا، رغم أن القلق من معدل التضخم وانفجار الفقاعة المالية والعقارية في الصين يدفع الأخيرة إلى تبني سياسات انكماشية على دفعات، بدورها قامت الهند برفع أسعار الفائدة الرسمية.
وتوقع الموجز أن تتعافى الاقتصادات الخليجية وأن تحقق أداء قويا في 2010، لاسيما المملكة العربية السعودية وقطر، مشيرا الى ان أن الكويت تسير حاليا في هذا الاتجاه، وستحقق قفزة ملحوظة بمجرد أن تدخل الخطة الخمسية التي تتجاوز قيمتها 30 مليار دينار حيز التنفيذ.