تــناول التقرير الشهري لشركة سبائك للإجارة والاستثمار سوق تأجير الطائرات حول العالم والتطورات التي شهدها في الفترة القليلة الماضية ومدى تأثير الأزمة المالية العالمية على هذا القطاع النشيط، حيث اشار التقرير الى ان تحسن أسواق الائتمان العالمية سيجعل الصورة متفائلة نوعا ما، خصوصا إذا علمنا أن السوق العالمي لتأجير الطائرات نما بشكل كبير خلال العقدين الماضيين ليبلغ حجمه 150 مليار دولار اليوم. وتملك شركات التأجير حوالي 34% من 18 ألف طائرة تجارية تجوب السماء، حسب شركة آسند.
واوضح أن خسائر قطاع شركات الطيران يمكن أن تعني أحيانا أرباحا لصناعة تأجير الطائرات، فالخطوط الجوية بدأت خلال الأزمة تقليص نفقاتها في الميزانيات عبر استئجار الطائرات لا عبر شرائها، وهذا ما جعل الكثير من شركات تأجير الطائرات في العالم تستمر في تحقيق الأرباح رغم الركود الذي أصاب الاقتصاد العالمي ومعه حركة الطيران والنقل الجوي.
وأوضح التقرير أن السوق شهد في الفترة القليلة الماضية عقد صفقات تأجير عدة موقعة بين شركات التأجير وخطوط الطيران حول العالم، وقد يؤدي استمرار انكماش الائتمان في الكثير من الدول إلى زيادة اعتماد شركات الطيران على منتج الإجارة.
وبين التقرير أن أغلب شركات التأجير استطاعت تحقيق أرباح خلال عام 2009 بفضل عقودها السابقة وعقود كثيرة جديدة، لكن من نافلة القول انها لم تكن بعيدة عن تداعيات الأزمة المالية العالمية، التي يبدو أنها لم تستثن صناعة التأجير، إذ تأثرت شركات تأجير الطائرات العالمية بالركود الاقتصادي، خصوصا من ناحية صعوبة تأمين السيولة اللازمة لإعادة تمويل أساطيلها أو لدفع فواتير شراء طائرات جديدة.
وذكر التقرير أن أكبر شركة تأجير في العالم هي «جي إي كابيتال» لخدمات الطيران، والتي تملك 1812 طائرة قيمتها الإجمالية 51 مليار دولار، تأثرت بالأزمة منذ البداية بسبب المشاكل المالية التي عانت منها الشركة الأم جنرال إلكتريك، لكن سرعان ما استقر الوضع عندما ضخت الحكومة الأميركية سيولة في جنرال إلكتريك، وتتبع «جي إي كابيتال»، شركة انترناشيونال ليز فايننس، التي تحل في المرتبة الثانية عالميا وتملك أسطولا من 1075 طائرة، وهذه الأخيرة عانت الأمرين خلال الأزمة المالية بحكم ان ملكيتها تعود إلى «إي آي جي» الأميركية، أكبر شركة تأمين في العالم. وكانت «إي آي جي» قد وصلت إلى حافة الإفلاس في نهاية 2008، لولا تدخل السلطات الأميركية وإنقاذها من عسرتها في اللحظات الأخيرة، ولاتزال شركة انترناشيونال ليز فايننس تعاني صعوبات مالية عديدة مما قد يفقدها وضعها القيادي في سوق التأجير العالمي، خصوصا أن الحكومة الأميركية بعد ضخها 182.5 مليار دولار في «إي آي جي» الأم، باتت تدقق في أعمال شركة التأجير يوميا، بالإضافة إلى وضعها حدودا لرواتب المسؤولين والموظفين.
وأشار التقرير الى أن من تداعيات الأزمة المالية أيضا أنه عندما لجأت شركات الطيران والسفر إلى تأجيل عمليات توسيع أساطيلها، اضطرت شركات التأجير إلى تأجيل أو إلغاء طلبيات عدة كانت قد سجلتها على دفاتر أكبر شركتي تصنيع طائرات بوينغ وإيرباص، وبسبب الأزمة، باتت شركات التأجير تركز على تجديد أساطيلها لا أكثر ولا أقل.
وكانت مجموعة سي آي تي الأميركية، إحدى أكبر شركات التأجير والتمويل في الولايات المتحدة الأميركية، أعلنت إفلاسها بسبب صعوبات مالية جمة، لكن ذراعها لتأجير الطائرات «سي آي تي إيروسبيس» استطاعت البقاء على قيد الحياة، مستفيدة من الفصل الحادي عشر من القانون الأميركي الذي يحميها من الدائنين ويعيد هيكلتها، والجدير ذكره أن قطاع الطيران قد تضرر بشدة جراء الأزمة، خصوصا أن 140 شركة طيران أعلنت إفلاسها خلال العامين الماضيين.
تقلّب القيم السوقية للأساطيل
وذكر التقرير انه من ناحية أخرى، أضرت الأزمة المالية بالقيم السوقية للطائرات وأسعار تأجيرها، وقد شهدت هذه القيم تقلبات وتذبذبات حادة خلال العامين الماضيين، فمعظم الشركات العاملة في صناعة التأجير باتت معروضة للبيع بسبب الأزمة، مما سبب اضطرابات في السوق فيما يتعلق بالقيم الحقيقية للطائرات، التي تملكها شركات التأجير وفي سجلات الطلبيات الخاصة بها، فشركة بابكوك آند براون الأسترالية، التي تملك أسطولا من 282 طائرة، مازالت معروضة للبيع في الأسواق. كما أن شركة آلكو الاسترالية أيضا تدير مفاوضات لبيعها إلى شركة صينية.
بدورها، انعكست المشاكل المالية التي واجهها «رويال بنك أوف سكوتلاند»، والتي أممته الحكومة البريطانية، على أوضاع شركة آر بي إس افييشون كابيتال، والتي تملك أسطولا من 229 طائرة، وقد ألغت هذه الأخيرة طلبيات بشراء 25 بوينغ من طراز 787، لكنها أبقت على طلبيات شراء إيرباص a320 وبوينغ 737، وتعتبر شركة التأجير البريطانية هذه معروضة أيضا للبيع اليوم.
ووفق شركة آسند لاستشارات الطيران، ومقرها لندن، تملك شركات التأجير العالمية المعروضة للبيع محفظة تضم 1800 طائرة تقريبا، قيمتها 57 مليار دولار، وكانت قيمة الطائرات التجارية قد انخفضت بمتوسط يتراوح بين 15% و20%، أما بالنسبة للطائرات القديمة والتي يتعدى عمرها 10 سنوات، فقد وصل حجم الانخفاض في قيمتها إلى أكثر من 35%.
لكن يبدو أن الأمور سارت بشكل أفضل فيما يتصل بقيم الطائرات الجديدة، ذات المدى القصير والجسم الضيق، كطائرة بوينغ 737 وطائرة إيرباص a320، حيث انخفضت بنسبة تتراوح بين 7% و9% خلال العام الماضي.
وانخفض سعر طائرة البوينغ 800 ـ 737، التي تعد واحدة من أحدث النسخ من طائرتها الأكثر مبيعا، بنسبة 7% ليصبح ثمنها 39.5 مليون دولار كما في نهاية 2009. وتعد الطائرة ذات المحركين طرازا له شعبيته عند شركات النقل متدنية الكلفة، التي تعمل على الخطوط القصيرة كما أنها كفئة نسبيا في حرق الوقود.
وكانت معاناة الطائرات ذات المدى الطويل والجسم الواسع أكبر. إذ انخفضت قيمة الطائرة المستعملة من طراز بوينغ 747 بنسبة 16%، لتصبح 43.25 مليون دولار في 2009. ورغم التحسينات التي أدخلتها عليها بوينغ على مدى سنوات، فإنها كطائرة ذات 4 محركات أقل كفاءة بكثير في حرق الوقود، من عديد من الطائرات الحديثة طويلة المدى وذات محركين.
وتمكنت شركات صنع الطائرات بفضل تطور التكنولوجيا، من أن تخطو خطوات كبيرة على صعيد تحسين كفاءة حرق الوقود في الموديلات الحديثة من طائراتها، الأمر الذي يعد عاملا حاسما بالنسبة لشركات الطيران، التي عانت الارتفاع الكبير في فواتير الوقود التي دفعتها في الأعوام الأخيرة، والتي شكلت نحو 40% تقريبا من تكاليف التشغيل الإجمالية.
وتعتبر الطرز الأصغر ذات الأجسام الضيقة أصول سائلة أكثر من غيرها، خصوصا أنها حافظت على قيمتها بصورة أفضل بكثير من الطائرات ذات الأجسام الواسعة خلال الأزمة المالية، كما أن الطائرة ذات الأربعة محركات، تجد صعوبة أكبر حاليا من الطائرة ذات المحركين بسبب سعر الوقود العالي نسبيا، الذي شهدناه في الأشهر الأخيرة.
أسعار التأجير تتراجع
واشار التقرير الى أن مع انخفاض قيم الطائرات، بدأت أسعار التأجير أيضا بالتراجع منذ بداية الأزمة، حتى لأكثر الطائرات تفضيلا من قبل العملاء، الأمر الذي أثر بشكل أو بآخر على إيرادات شركات التأجير. وقد عكست أسعار التأجير إلى حد بعيد التراجع في القيم السوقية للطائرات، مع تأثر الطرز القديمة أو ذات الجسم الواسع بشكل خاص. إذ يكلف حاليا استئجار طائرة بوينغ 300 ـ 737 مستعملة، وهي إحدى النسخ من طائرة بوينغ 737 القديمة مبلغ 115 ألف دولار مقارنة بـ 155 ألف دولار في بداية 2009 أي بانخفاض نسبته 26%.
وبالفعل، انخفضت أسعار التأجير بنسب تتراوح بين 15% و25% خلال الأشهر الـ 18 الماضية. وتراجعت أسعار تأجير طائرة إيرباص من طراز 200 ـ a320 وطائرة بوينغ من طراز 800 ـ 737، بنسب تتراوح بين 6% و7% إلى مبلغ يتراوح بين 325 ألفا و340 ألف دولار في الشهر.
وفي ضوء تفكير شركتي بوينغ وإيرباص في استبدال طائرات أخرى بطائراتها الحالية من عائلتي 737 وa320، يعتقد أن هناك إمكانية حقيقية لمزيد من الانخفاض، في قيم عديد من الطائرات التي تشكل الأسطول العالمي.
حركة استحواذات واندماجات
في موضوع آخر، من المتوقع أن يشهد قطاع تأجير الطائرات حول العالم حركة استحواذات واندماجات. وبالفعل قد تم أخيرا الإعلان عن بعض الصفقات في هذا المجال. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أعلنت شركتا آيركاب وجينيسيس الأميركيتين في 18 سبتمبر عام 2009 عن بدء عملية اندماج. وعند إتمام الصفقة، ستصبح «آيركاب آند جينيسيس» ثامن أكبر شركة تأجير طائرات في العالم، تملك أسطولا من 284 طائرة بقيمة 5.8 مليارات دولار.
أما شركة افييشون كابيتال غروب، مقرها كاليفورنيا وتملك أسطولا من 285 طائرة، فأعلنت عند الكشف عن بياناتها المالية لعام 2009 أنها تسعى لتوسيع محفظتها عبر الاستحواذ على شركة تأجير ثانية. تجدر الإشارة هنا إلى أن الشركة حققت واحدة من أفضل النتائج في تاريخها خلال العام الماضي، وتسعى لتوسيع أسطولها ليضم 360 طائرة بحلول عامي 2013 و2014.
تحديات المرحلة المقبلة
في الختام، تتوقع «سبائك» أن تستمر حالة عدم اليقين في قطاع تأجير الطائرات العالمي. فصحيح أن الشركات العاملة في هذا المجال، والتي تملك وتدير أكثر من ثلث الطائرات حول العالم، مستمرة في تحقيق أرباح، إلا أنها دفاتر أغلبها مثقلة بالديون. وعندما سيهدأ غبار الأزمة المالية، ستجد شركات كثيرة نفسها في مواجهة مع تكاليف مرتفعة لقروضها.
ومن المتوقع أن تتضح صورة القطاع وموجة بيع الشركات العاملة فيه على المدى القريب والمتوسط، في ظل تحسن سوق الطيران العالمي.
أما في الخليج، فتبدو الصورة أكثر إشراقا، خصوصا أن أسعار النفط مازالت في مستويات توفر فائضا ماليا لميزانيات دول التعاون، وأن الكثير من البنوك تعمل على إعادة جدولة ديون شركات التأجير التي تعلمت دروس عدة من الأزمة، كما أن سوق السفر مازال يقدم فرص نمو على المديين المتوسط والبعيد.
قطاع السياحة الأقل تضرراً من الأزمة
أوضح التقرير أن سوق الطيران في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعتبر سوقا نشطا، خصوصا أن قطاع السياحة والسفر في المنطقة كان الأقل تضررا من الأزمة المالية العالمية مقارنة ببقية الأسواق على الكرة الأرضية.
وأشار التقرير الى أن عدوى الاستحوذات طالت أيضا شركات التأجير في المنطقة، إذ أعلنت شركة طيران الجزيرة الكويتية عن الاستحواذ الكامل على شركة سحاب لتأجير الطائرات، وهي شركة خاصة تأسست في أواخر عام 2008، بقيمة بلغت 25.6 مليون دينار.
أما الشركة الكويتية آلافكو لتمويل شراء وتأجير الطائرات فمستمرة في التوسع والنمو، والدليل على ذلك ارتفاع أرباحها 53.7% في الربع الأول من السنة المالية للشركة، والذي ينتهي في ديسمبر 2009.