قالت شركة المشورة والراية للاستشارات المالية الإسلامية في تقريرها عن أداء المصارف الخليجية خلال عام 2009 أن البنوك لم تعد تتوجس من الإعلان عن تدني العائد على حقوق مساهميها، لأن الهدف الأسمى في هذه الأيام هو عدم الإعلان عن نتائج سلبية لاسيما في صافي الدخل، كما لم يعد المودع ينظر إلى «سعر الفائدة أو الربح» الذي سيحققه على وديعته الاستثمارية لدى البنك، حيث أصبح الشغل الشاغل هو حماية رأس المال من الضياع، ولم تعد أسواق الأسهم تشهد كثافة في بيع الهامش والآجل لأن «المستور» كشف وتبين أن أسعار ما قبل سبتمبر 2008 ما هي إلا وهم لا يخلو من سوء الممارسات من قبل بعض اللاعبين في السوق، ولم يعد التنافس بين البنوك على من هو الأعلى في الربحية أو الأكبر في حجم الموجودات، بل أصبح التنافس ينصب على أي البنوك هو الأقل من حيث احتساب مخصصات الخسائر المحتملة في استثمارات ما قبل عصر «ليمان براذرز» وتمويلات «مجموعتي الصانع والقصيبي» وصكوك «دبي العالمية».
ولفت التقرير إلى أنه لم يعد سرا أن تضارب المصالح كان واضحا في كثير من المعاملات بين بنوك أو «مجموعات أم» وبين شركات أخرى تابعة أو مملوكة جزئيا لها، ولم تعد تسهيلات تمويل الأفراد بما فيها «التورق» متاحة مثلما كانت عليه قبل أن يبيع الفرد (منزله وأثاثه، وحلي زوجته) ليسدد خسائر تمويل الهامش في السوق المالي، وخلص التقرير بالقول: «نحن بدأنا نشهد بزوغ عصر من العقلانية التنظيمية بعد سنوات من التهور والطيش في قوى السوق وأياديها الخفية».
التحسن في القيم السوقية مقيد بنمو المخصصات
وأشار تقرير «المشورة «إلى أنه وفقا لقاعدة البيانات المتوافرة لدى الشركة فإن البيانات المالية لـ 51 بنك تجاري خليجي (16 إسلاميا و35 تقليديا) تشير إلى تحسن طفيف على القيم السوقية لتلك البنوك مجتمعة وذلك بتحقيق نمو مقدراه 4% في31/12/2009 مقارنة بنمو سالب بواقع -42% في 31/12/2008 أي بعد ثلاثة أشهر من انهيار الأسواق العالمية آنذاك بسبب إعلان بنك «ليمان براذرز» إفلاسه، ومن أبرز ما تظهره المؤشرات أن أسواق الأسهم لاتزال تعاني من انخفاض ملحوظ وشديد في القيمة السوقية للقطاع المصرفي الذي يعتبر شريان الحياة في أي اقتصاد، فالقيمة السوقية لمجموعة البنوك المختارة في 31/12/2009 كانت أقل بنسبة 39% عن نظيرتها في 31/12/2007، فيما يمكن اعتباره على أنه إشارة على تصحيح السوق لقيم العديد من الأسهم التي كانت متضخمة عدة مرات حتى منتصف 2008.
ووفقا للبيانات ذاتها، فإن انخفاض القيمة السوقية للبنوك الإسلامية المشمولة بالعينة كان حادا في 31/12/2008 ووصل إلى -48% إلا أن تلك البنوك قد ارتفعت قيمتها السوقية في 31-12-2009 بواقع 12% في دلالة على ما يبدو إلى أن قوى السوق ترغب في الاستثمار في هذا القطاع.
ولفت التقرير إلى أنه من الأمور التي أسهمت بشدة في الحفاظ على تدني القيمة السوقية كان الارتفاع الهائل في نمو مخصصات خسائر الاستثمار والتمويل، فقد نمت هذه النسبة في العام 2009 بواقع 59% بعد أن نمت بواقع 82% في العام 2008، وقد نمت هذه النسبة في البنوك التقليدية بواقع 62% في العام 2009
و54% في العام 2008، في حين أن نمو المخصصات في البنوك الإسلامية قد بلغ 51% في العام 2009 بعد أن حطم حاجز 298% في العام 2008.
«التقليدية» تساوت مع «الإسلامية» في الموجودات وتفوقت عليها في الودائع
ورأى تقرير «المشورة» أن معدل نمو الموجودات لدى البنوك الإسلامية كان مرتفعا عن البنوك التقليدية، وذلك لسبب أساسي يتمثل في انخفاض أساسات الاحتساب، ومع ذلك انخفض معدل نمو موجودات البنوك الإسلامية في 2008 ليصل إلى 23% بعد أن كان 36% في العام 2007 وعاد لينخفض مجددا في 2009 ليصل إلى 8% فقط ويعزى هذا الانخفاض الملموس في نمو الموجودات لأسباب عدة منها على سبيل المثال: إعادة تقييم الأصول المالية والعقارية، مع العلم أن البنوك الإسلامية تمتلك في محافظها نسبا مرتفعة من الاستثمارات العقارية (تصل إلى 20% وفقا لتقارير سابقة لموديز)، ومنها أيضا انخفاض معدل نمو الودائع في البنوك الإسلامية من 7% في 2008 إلى 4% في 2009 وهو معدل متدن إذا ما قورن بنسبة إسهام موجودات البنوك الإسلامية بإجمالي مجودات البنوك محل الدراسة والبالغة 20%، وإذا ما قورن بمعدل نمو إجمالي الودائع في البنوك التقليدية الخليجية والذي بلغ في العام 17% في العام 2009.
البنوك التقليدية تتفوق بنمو إجمالي وصافي الدخل
من جانب آخر، أشار التقرير إلى إسهام البنوك الإسلامية بما لا يقل عن 27% من إجمالي دخل البنوك التجارية الخليجية في العام 2009، وهو مرتفع بالمقارنة مع أحجام تلك البنوك التي تشكل 19% في إجمالي أحجام البنوك الخليجية، ويعد مؤشرا قويا على مدى إسهام البنوك الإسلامية في فاعلية الجهاز المصرفي الخليجي، بالإضافة إلى أنها شكلت صمام أمان ضد الاستثمار في الأصول المسمومة خلال الأزمة المالية العالمية.
وأكد التقرير أن الأثر الاقتصادي للأزمة العالمية ظهر على البنوك الإسلامية بشكل أكبر من تأثيره في البنوك التقليدية، وذلك نتيجة احتفاظ البنوك الإسلامية بجزء من موجوداتها على شكل أصول عينية ومالية انخفضت قيمتها مع هبوط الأسواق، الأمر الذي حدا بتلك البنوك إلى أخذ مخصصات لمواجهة خسائر محتملة إما لإعادة تقييم الاستثمارات أو تضخم محفظة الديون المشكوك في تحصيلها، وهو بدوره أدى إلى انخفاض صافي دخل البنوك الإسلامية بشكل ملحوظ ليسجل أدنى انخفاض له بالتاريخ ويصل إلى -32% في الوقت الذي انخفض فيه صافي دخل البنوك التقليدية بواقع -4% فقط في العام 2009.
ولفت التقرير إلى أن صافي دخل البنوك الإسلامية بدأ ينخفض منذ العام 2006 (30%) ليصل إلى (28%) في 2007، علما أن النفقات التشغيلية بدأت بالارتفاع منذ العام 2006، وقد وصل معدل نمو مخصصات انخفاض قيم الاستثمارات ومخصصات خسائر التمويل المحتملة إلى 299% في العام 2008 للبنوك الإسلامية ثم نمت المخصصات بواقع 51% في 2009.