أشـار بنــك الكويــــت الوطني في موجزه الاقتصادي الأخير إلى أن أسعار النفط شهدت تراجعا حادا خلال شهر مايو الماضي، في أكبر عملية تصحيح لها منذ حدوث الانهيار في عام 2008، فتراجع سعر برميل الخام الكويتي بنحو 18 دولارا، لينخفض من المستوى الأعلى له البالغ 84.3 دولارا الذي سجله في أوائل مايو، وليبلغ 66 دولارا في 26 منه، وهو أدنى مستوى له منذ شهر سبتمبر من العام الماضي. لكن سرعان ما عادت أسعار النفط وعوضت بعضا من هذه الخسائر، مرتفعة إلى حدود 70 دولارا للبرميل بنهاية الشهر. ورأى «الوطني» أن هذا التراجع يعزى بشكل رئيسي إلى تزايد المخاوف من تفاقم أزمة الديون السيادية لدى عدد من الحكومات ـ لاسيما في أوروبا ـ وما قد يرافقها من تدهور اقتصادي واضطرابات مالية جديدة. كذلك، ساهمت هذه المخاوف في ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي بشكل حاد، الذي عادة ما يعتبر الملاذ الآمن للمستثمرين. وقد ارتفع مؤشر الدولار المرجح بالمعاملات التجارية بواقع 4% خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر مايو، ليسجل أعلى مستوى له في عشرة أشهر. ومن المعلوم أن ارتفاع سعر صرف الدولار يضع عادة ضغوطا على أسعار النفط.
قلق متزايد
ولحظ «الوطني» أن هذه البيئة الاقتصادية قد رافقها قلق متزايد حول تأثير البقعة النفطية على عمليات شركة بريتش بتروليوم التشغيلية في خليج المكسيك. ورغم التباين الواضح في تقديرات حجم هذه البقعة النفطية، إلا أن الحكومة الأميركية تقدر حجم التسرب النفطي بين 12 و19 ألف برميل يوميا. وبينما يجري التركيز حاليا على الآثار المدمرة للبيئة لهذه البقعة النفطية ـ التي يتوقع حاليا أن تبقى حتى أغسطس ـ يرى بعض المراقبين أن هذه الأزمة قد تشكل عائقا في المستقبل أمام خطط الشركات النفطية للتوسع في عمليات التنقيب في الولايات المتحدة الأميركية. ورأى الوطني أن تأثير البقعة النفطية انعكس على سعر سهم شركة بريتش بتروليوم ـ الذي خسر نحو ربع قيمته ـ أكثر منه على أسعار النفط وحتى الآن، ربما لأن كمية النفط المهدورة صغيرة نسبيا. ورغم ذلك، سجل سعر مزيج غرب تكساس تراجعا أكثر حدة من الذي شهده سعر الخام الكويتي، منخفضا بنحو 21 دولارا للبرميل من أعلى مستوى له، بينما تراجعت أسعار العقود الآجلة تسليم نهاية 2012 بنحو 18 دولارا إلى 58 دولارا للبرميل.
وأشار «الوطني» إلى أن المحللين يستمرون في مراجعة معدلات النمو المتوقعة للطلب على النفط في العام الحالي، ولو أن معظمهم يتفق على أن الطلب سيشهد ارتفاعا ملحوظا هذا العام. وقد رفع مركز دراسات الطاقة الدولية مجددا معدل النمو الذي يتوقعه للطلب على النفط بمقدار 0.2 مليون برميل يوميا، ليبلغ 1.8 مليون برميل (2.1%)، مقللا من أهمية انعكاس أزمة الديون السيادية في أوروبا على الاقتصاد العالمي، رغم إشارته إلى تزايد مخاطر تدهور النشاط الاقتصادي بشكل إضافي.
وكالة الطاقة
من جهة ثانية، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينمو الطلب على النفط هذا العام بمقدار 1.6 مليون برميل يوميا، أي أدنى قليلا من المعدل الذي كانت تتوقعه قبل شهر، وذلك بعدما رفعت تقديراتها لأسعار النفط، ورغم أن هذه المعدلات المتوقعة لا تعتبر متطرفة، إلا أنها الأعلى. فمنظمة أوپيك، على سبيل المثال، تتوقع نموا بمقدار مليون برميل يوميا فقط هذا العام، مشيرة إلى الآثار السلبية التي قد تنجم عن سحب برامج التحفيز الحكومية. ومازال يتوقع أن تأتي معظم الزيادة في الطلب على النفط هذا العام ـ إن لم تكن كلها ـ من الدول خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ولحظ «الوطني» أن إنتاج أوپيك من النفط ـ باستثناء العراق ـ قد واصل نموه القوي في أبريل، مرتفعا بمقدار 58 ألف برميل إضافية خلال الشهر، ليبلغ 26.905 مليون برميل يوميا. ومازال حجم الإنتاج الإجمالي لأوپيك أعلى من مستواه المحدد وفقا لحصص الإنتاج الرسمية بنحو 2.1 مليون برميل يوميا. وشهدت كل من نيجيريا وإيران ـ اللتين تنتجان أصلا أكثر من المستوى المحدد لهما ـ ارتفاعا في إنتاجهما مقارنة مع الشهر السابق بنحو 25 ألف برميل يوميا. ورغم أن الدول الأعضاء في أوپيك لم تتوقف كثيرا عند التراجع الحاد الذي شهدته أسعار النفط في مايو، إلا أن هذا التراجع قد يدفع المنظمة إلى محاولة الحد من أي زيادة إضافية في الإنتاج. وحتى الآن ـ على الأقل ـ أعلن مسؤولون في أوپيك أن لا نية للمنظمة للبحث في مستويات الإنتاج قبل اجتماعها المقبل المقرر في أكتوبر.
إنتاج أوپيك
وفي حال بقي عند مستوياته الحالية، فسيأتي إنتاج أوپيك هذا العام أعلى من مستواه للعام 2009 بما متوسطه 0.6 مليون برميل يوميا. ورغم أن كلا من حجم الإمدادات والطلب على النفط يتوقع أن يشهد ارتفاعات ملحوظة هذا العام، رأى الوطني أن هناك محاذير لكل منهما. فمن جانب الطلب، قد تولد المصاعب التي تواجهها منطقة اليورو ـ وحتى من دون ركود اقتصادي ـ درجة من الضبابية كافية لأن تؤثر سلبا على الطلب العالمي على النفط. وذلك إلى جانب الشكوك من احتمال أن يشهد الاقتصاد الصيني تباطؤا في نموه، ما قد يكون له أثر أكثر حدة على أسعار النفط. أما من جانب الإمدادات، فتتمثل المحاذير الأساسية بأن تأتي الزيادات الكبيرة في الإنتاج من خارج أوپيك من النفط (0.6 مليون برميل يوميا) ومن الغاز الطبيعي المسال من جانب أوپيك (0.6 مليون برميل يوميا أخرى) أدنى من المتوقع، كما حصل أحيانا في الماضي.
ارتفاع الطلب
وبافتراض عدم تحقق أي من هذه المحاذير على أرض الواقع، أشار الوطني إلى إن ارتفاع الطلب قد يقابله ارتفاع مماثل إلى حد ما في الإمدادات ـ وبواقع 1.8 مليون برميل يوميا تقريبا ـ ما من شأنه أن يترك أساسيات السوق من دون تغيير يذكر لكامل العام الحالي. وفي هذه الحال، قد تبقى الأسعار ضمن نطاقها الحالي الذي يتراوح بين 70 و75 دولارا للبرميل، قبل أن تتراجع قليلا في النصف الثاني من العام إثر تقلص حجم نمو الطلب مقارنة مع العام الماضي بعد القفزة التي حققها في النصف الأول من العام.
وعندها، سيبلغ متوسط سعر برميل الخام الكويتي لكامل السنة المالية 2010/2011 نحو 75 دولارا.
ووفقا لسيناريو أقل إشراقا بالنسبة للاقتصاد العالمي، فقد ينمو الطلب بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا، أي أقل من المعدل المتوقع بنحو 0.3 مليون برميل يوميا. وفي حال لم تخفض أوپيك من إمداداتها إلى السوق، فقد تتراجع الأسعار إلى دون مستوى 60 دولارا للبرميل بنهاية هذا العام، وربما إلى مستويات أدنى في الربع الأول من العام المقبل. وبالنسبة لكامل السنة المالية 2010/2011، فقد تبلغ 64 دولارا في المتوسط.
لكن في حال لم يتحقق الارتفاع الكبير المتوقع في حجم الإمدادات من خارج أوپيك فعليا، وبالتالي أن تأتي إجمالي الإمدادات أدنى من المتوقع بمقدار 0.2 مليون برميل يوميا، فرأى الوطني أن أسعار النفط قد تتعافى بشكل سريع لترتفع إلى حدود 90 دولارا للبرميل مع بداية العام المقبل.
وحينها، قد يبلغ متوسط سعر برميل الخام الكويتي لكامل السنة المالية الحالية 84 دولارا.
وبينما لم يعتمد نهائيا بعد حجم المصروفات الحكومية في ميزانية 2010/2011، تشير سيناريوهات الوطني المذكورة آنفا إلى احتمال تحقيق فائض مالي كبير آخر هذه السنة. وقد تأتي الإيرادات الإجمالية أدنى من تلك المتوقعة للسنة المالية السابقة بنحو 15% أو أعلى منها بنحو 16%. وفي المقابل، فقد ترتفع المصروفات الحكومية بما بين 26% و48% خلال السنة المالية الحالية، وذلك نتيجة ارتفاع المصروفات المعتمدة للمرحلة الأولى من الخطة الخمسية، إلى جانب التحويلات الضخمة المحتملة إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية. وبناء على هذه الفرضيات، رأى الوطني أن الميزانية قد تتوازن في السنة المالية الحالية 2010/2011 أو قد تحقق فائضا يصل إلى 6.3 مليارات دينار، وذلك بعدما يحتمل أن تكون الميزانية قد حققت 7 مليارات دينار فائضا في السنة المالية 2009/2010 (البيانات الرسمية لم تصدر بعد).