أشــار بنــــك الكويــــت الوطنــــي في نشرته الاقتصادية لدول الخليج إلى أن آفاق الاقتصاد الإماراتي تبدو إلى حد ما ضبابية مع بداية النصف الثاني من العام 2010. إذ رغم استقرار البيئة المالية وتحسن درجة الثقة واحتمال أن تستفيد بعض القطاعات ـ لاسيما قطاعا التجارة والسياحة ـ من انتعاش الاقتصاد العالمي، إلا أن الاقتصاد عموما سيتطلب وقتا أطول للنهوض مجددا. ومع ولوج عدد كبير من الشركات في مساعي إعادة هيكلة ديونها، وفي ظل النقص الذي تعانيه في التمويل وارتفاع حجم المديونية، توقع الوطني أن يبقى النمو الاقتصادي دون المستوى للعامين المقبلين على الأقل. لكن في المدى الطويل، هناك مجال لعودة قطاع الأعمال على نحو أفضل مما كان عليه قبل الأزمة. ولاحظ الوطني ان مجموعة «دبي العالمية» المملوكة من الحكومة (والشركات التابعة لها) تقترب على ما يبدو من الاتفاق مع دائنيها على إعادة جدولة 24 مليار دولار من الديون. وينص هذا الاتفاق على تحويل ما قيمته 10 مليارات دولار من الديون المستحقة لصالح المؤسسات الحكومية الأخرى إلى أسهم، بينما سيتم إعادة جدولة القيمة المتبقية ـ والبالغة 14 مليار دولار ـ والعائدة للبنوك وتلك المستحقة للمقاولين والمطورين. ففي الحالة الأولى، ستعاد جدولة الديون المستحقة للبنوك بقروض جديدة بفائدة أدنى من السعر السوقي ولأجل يتراوح بين 5 و8 سنوات. أما بالنسبة للمقاولين، فيحصلون على ما نسبته 40% من قيمة الديون المستحقة لهم نقدا، فيما ستحول نسبة الـ 60% المتبقية إلى سندات قابلة للتداول وتحمل فائدة.
إلا أن هذه المقترحات مازالت تنتظر موافقة الدائنين قبل أن تتحول إلى اتفاق نهائي بين الطرفين. وبينما وافقت اللجنة الممثلة للبنوك ذات المديونية الأكبر على المقترح المتعلق بالبنوك، يبقى الأخير بحاجة لموافقة البنوك الأخرى ذات المديونية الأصغر. وقد تأخذ هذه المفاوضات أشهرا قبل التوصل إلى اتفاق نهائي. وفي المقابل، رغم أن أكثر من نصف الشركات قد وافقت منتصف شهر مايو الماضي على شروط الدفع المقترحة لصالح المقاولين، إلا أن «دبي العالمية» لا تملك نسبة 65% المطلوبة من حجم هذه الأموال لتبدأ عملية الدفع.
ضعف القطاعات
ورأى الوطني أن المخاوف حول حجم الانكشافات القائمة على «دبي العالمية» والشركات الأخرى المرتبطة بالحكومة، شكلت عاملا إضافيا على تشدد البنوك في الإقراض. فالنمو في حجم مطلوبات البنوك على القطاع الخاص وصل إلى حدود الصفر خلال العام 2009 بعدما عانت البنوك من شح في التمويل وركزت على إعادة بناء ميزانياتها عبر الحد من القروض الجديدة ورفع حجم احتياطاتها وتعزيز مشترياتها من السندات الحكومية «الآمنة». ويقدر حجم انكشاف البنوك المحلية في الإمارات على «دبي العالمية» بمبالغ كبيرة، ما يتركها عرضة لشطب نسبة من هذه الديون في المستقبل. أما بالنسبة للعام الحالي، فقد ارتفع حجم مطلوبات البنوك على القطاع الخاص بواقع 4% فقط حتى شهر مارس الماضي. وبما أن الائتمان الممنوح من البنوك قد شكل حجر الأساس للنمو الاقتصادي السريع الذي شهدته دبي في السنوات السابقة، فإن بيئة الأعمال قد تغيرت سريعا أمام الشركات المحلية نتيجة هذه التطورات.
وأشار الوطني إلى أن قطاع العقار أظهر بدوره علامات قليلة على التعافي. فضعف الائتمان وعدم الاستقرار الوظيفي وقلة عدد الصفقات العقارية التي تمت بهدف المضاربة جميعها عوامل انعكست سلبا على الطلب على العقار السكني، لاسيما في دبي. وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار خلال الربع الأول من العام الحالي بنحو 11% من المستويات المنخفضة التي سجلتها في الربع الثاني من العام الماضي، إلا أنها تبقى أدنى من الذروة التي بلغتها في الربع الثالث من العام 2008 بواقع 45%. كما أن المعروض الجديد يواصل ضغطه على السوق العقاري الذي يعاني أصلا من فائض. وتتوقع شركة «كولييرز» ان يرتفع عدد الوحدات السكنية في دبي بنحو 12% هذا العام، ما من شأنه أن يعزز الخلل في السوق ويحد من نمو الأسعار بشكل إضافي.
وفي قطاع العقار التجاري في دبي، فالوضع أكثر سوءا. ووفقا لـ «كولييرز»، بلغ معدل إشغال المكاتب ما متوسطه 71% خلال الربع الأول من العام الحالي. لكن حجم المعروض من المساحات المكتبية قد يتضاعف تقريبا بحلول العام 2013، من دون أي زيادة مشابهة في حجم الطلب. ما يشير إلى أن ضعف الأسعار سيستمر لبعض الوقت. إلا أن الصورة تبدو أفضل في أبوظبي، حيث مازال السوق يعيش تحسنا في حجم الطلب. لكن السوق العقاري في أبوظبي يبقى أصغر بكثير منه في دبي (حجم الأول يقارب 40% من حجم الثاني)، ما يجعله أقل تأثيرا على السوق الإماراتي عموما.
وأخيرا، يواصل قطاع الإنشاءات ـ الذي ساهم بنحو 20% من نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للإمارات بين عامي 2002 و2008 ـ معاناته، وذلك بسبب المشاكل التي تواجه التدفقات النقدية، وصعوبة الحصول على تمويل للمشاريع، وحالة عدم التيقن باستمرارية المشاريع عموما. ووفقا لـ «ميد»، بلغت قيمة المشاريع (المدنية) المخطط لها نحو 1.3 تريليون دولار، لكن نحو 0.5 تريليون دولار منها قد علق حاليا أو ألغي. ومما لا شك فيه فان العديد من هذه المشاريع كانت لاتزال في مراحل التخطيط المبكرة، وبالتالي لن يكون للخسارة الناجمة عن تعليقها أو إلغائها أثر كبير على الناتج المحلي الإجمالي. لكن هذا الحجم الهائل من المشاريع المعلقة يشير بوضوح إلى حجم الصعوبات التي يواجهها القطاع. كما أن العديد من المشاريع التي يجري تنفيذها سيتأخر موعد تسليمها.
آفاق النمو
وتوقع الوطني أن تتواصل حالة الضعف المخيمة على القطاع المالي والعقاري والإنشاءات، ما سيؤثر سلبا على النمو الاقتصادي خلال العامين المقبلين. ومن شأن ذلك أن يحد من قدرة الإمارات على الاستفادة من انتعاش الاقتصاد العالمي وتحسن نموه. وبعد انكماش الناتج المحلي الإجمالي للإمارات بالأسعار الثابتة بواقع 2.7% خلال العام الماضي، توقع الوطني أن ينمو بنحو 1.7% هذا العام، وبنحو 2.6% في العام المقبل. وسيقود هذا النمو قطاع النفط والغاز الذي يتوقع أن ينتعش تدريجيا مع عودة أوپيك إلى رفع إنتاجها النفطي بعد سلسلة التخفيضات الاستثنائية التي قامت بها خلال العامين الماضيين. ويقدر الوطني أن ينمو الناتج النفطي بالأسعار الثابتة (مع استثناء قطاعي التكرير ومعالجة الغاز) بنحو 2% هذا العام و3% في العام 2011. يشار إلى أن هذا القطاع يساهم بنحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة.
وفي الوقت نفسه، توقع الوطني أن يبقى نمو القطاع غير النفطي بالأسعار الثابتة ضعيفا، ليبلغ 1.5% في العام الحالي و2.5% في 2011. لكن من بين الإمارات السبع، من المرجح أن يشهد اقتصاد أبوظبي نموا قويا يتراوح بين 4% و5% سنويا، مدعوما من أسسه القوية والسياسة المالية التوسعية. وفي المقابل، فقد يشهد اقتصاد دبي انكماشا هذا العام قبل أن ينمو بشكل معتدل في العام المقبل، حين يتحسن قطاع الأعمال بشكل إضافي. إذ تواجه بيئة الأعمال في دبي حاليا صعوبة في الحصول على التمويل وخفضا في المصروفات الحكومية (بهدف مساعدة خدمة الدين المتراكم). لكن الوطني رأى أن العام 2012 قد يكون أفضل للاقتصاد الإماراتي.
وأكد الوطني أن التوصل إلى اتفاق نهائي بين «دبي العالمية» ودائنيها على إعادة جدولة الديون من شأنه أن يوفر دعما قويا لمستوى الثقة في دبي، وقد يدعم أسعار الأسهم لوقت قصير. لكننا لا نتوقع أن يؤدي إلى انتعاش اقتصادي ملحوظ. إذ يقدر أن يكون حجم خدمة الدين مرتفعا والدفعات كبيرة، ويقدر البعض أن تقوم دبي بتسديد 15 مليار دولار في العام الحالي، و24 مليار دولار في العام المقبل، أي ما يوازي 20% و32% على التوالي من ناتجها المحلي الإجمالي المقدر للعام 2009. ومن شأن هذه الدفعات ـ ولو أنها ستخفض بفعل إعادة الجدولة ـ أن تنعكس سلبا على حجم الطلب في الاقتصاد وتقلص من الموارد المتوافرة للاستثمار.
كذلك الحال، فقد يكون هناك المزيد من عمليات إعادة الجدولة، كما يبدو من خطوة «دبي القابضة» الدخول في مفاوضات مع دائنيها لإعادة جدولة جزء من ديونها المقدرة بـ 14 مليار دولار. ولذلك، فقد تستمر حالة الضبابية المخيمة على حجم الديون الإجمالية لدبي. من جهة ثانية، رأى الوطني أن وضع الإمارات المالي يبقى مريحا إلى حد ما، بفضل الإيرادات النفطية المرتفعة التي سمحت لحكومة أبوظبي بمراكمة الأصول الأجنبية، والتي تتعدى بشكل ملحوظ حجم الديون المتراكمة على الشركات المرتبطة بحكومة دبي. لكن، في الظاهر، قد تكون الحكومة الإماراتية قد سجلت في العام الماضي أول عجز في ميزانيتها منذ العام 2003 ـ من دون احتساب كافة الإيرادات التي لا تدخل في الميزانية ـ وبما نسبته 7% من الناتج المحلي الإجمالي، مدفوعا بتراجع الإيرادات النفطية بواقع 45% وارتفاع المصروفات بنحو 15%، ومن ضمنها المصروفات الرأسمالية بواقع 20%. لكن هذه البيانات لا تشمل كلا من عائدات الأصول الأجنبية الضخمة التي تملكها الحكومة الإماراتية وأرباح شركة النفط أدنوك التابعة لحكومة أبوظبي. ولو تم احتساب هذه الإيرادات، لحققت الميزانية توازنا. وأشار الوطني إلى أن التوقعات المتعلقة بالميزانية الإماراتية تشوبها الكثير من احتمالات الخطأ وعدم الدقة، ليس فقط بسبب تذبذب أسعار النفط، بل لكون خطط أبوظبي الإنفاقية لا تعلن بشكل مسبق. لكن وفقا لفرضيات منطقية، فمن شأن الارتفاع في الإيرادات النفطية (نتيجة ارتفاع أسعار النفط) والانخفاض الطفيف في المصروفات أن يقلص العجز إلى ما نسبته 5% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وإلى 3% في العام المقبل. لكن مع احتساب الإيرادات من خارج الميزانية المذكورة آنفا، توقع الوطني أن تحقق الميزانية فائضا سنويا يتراوح بين 3% و5% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي حال ارتفعت أسعار النفط فوق مستوى 70 دولارا للبرميل المفترض، فقد يأتي الفائض أعلى من ذلك.
التضخم
ولاحظ الوطني أن معدل التضخم قد تباطأ في 2009 إلى نحو 1.6% في المتوسط، أدنى مستوى له منذ ما يقارب العقد من الزمن. ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى تباطؤ نمو أسعار المواد الغذائية والإيجارات. وقد استفاد معدل التضخم من الارتفاع الذي شهده في بداية العام 2009، بينما كانت الأسعار قد تراجعت فعليا في النصف الثاني من العام، مقارنة مع الفترة نفسها من 2008. ما يعني أن معدل التضخم قد بدأ العام الحالي من مستوى منخفض. لذلك، توقع الوطني أن يواصل التضخم تباطؤه خلال 2010 إلى 1%، وأن يبقى منخفضا خلال العام المقبل رغم تسارع النمو الاقتصادي.
ويبقى ارتفاع أسعار السلع وانخفاض سعر صرف الدولار ـ الذي يرتبط به الدرهم الإماراتي ـ بشكل حاد من العوامل التي قد تدفع معدل التضخم إلى الارتفاع. لكن الوطني رأى أن أيا من هذين العاملين لا يبدو محتملا في القريب العاجل. فالدولار الأميركي قد يواصل تحقيق المكاسب نتيجة ضعف الآفاق الاقتصادية في منطقة غريمه التقليدي اليورو. وفي الوقت نفسه، ورغم احتمال ارتفاع أسعار المواد الغذائية هذا العام، إلا أن تأثيرها قد يتبدد نتيجة ضعف الضغوط التضخمية لأسعار المجموعات الأخرى في سلة المستهلك. كما أن تأثير ارتفاع أسعار السلع على معدل التضخم قد يتبدد قريبا في حال لم يستمر هذا الارتفاع لفترة من الوقت.
وأخيرا، مع بقاء الضغوط التضخمية عند مستويات منخفضة، قد لا تكون الإمارات بحاجة لتغيير نظام سعر الصرف أو أسعار الفائدة لديها. ومع الإبقاء على نظام الربط مع الدولار، توقع الوطني أن يشهد سعر الريبو ارتفاعا طفيفا فقط خلال الأشهر الـ 18 المقبلة.