قال صندوق النقد الدولي في تقريره عن الاستقرار المالي العالمي ومستجدات الأسواق المالية انه رغم تحسن الأوضاع الاقتصادية ككل ومرور فترة تعاف طويلة بعد فشل بنك ليمان براذرز، حدثت انتكاسة في مسيرة التقدم نحو الاستقرار المالي العالمي مؤخرا، فقد تحققت المخاطر السيادية في أنحاء من منطقة اليورو وانتقلت الى القطاع المالي هناك، مهددة بالانتشار في مناطق أخرى وإعادة تكوين حلقة تتفاعل فيها الآثار المرتدة السلبية مع الاقتصاد، حيث ينبغي القيام بمتابعة حاسمة أخرى للسياسات فوق القومية المعتمدة لمواجهة الأزمة عن طريق دعم الثقة في النظام المالي وضمان استمرار التعافي الاقتصادي.
وأضاف التقرير انه بالرغم من ان تعافي الاقتصاد العالمي لم يتأثر حتى الآن، فإن التقدم نحو الاستقرار المالي تعرض لانتكاسة في أواخر أبريل وأوائل مايو الماضي، وأدت الآثار الانتشارية بين الكيانات السيادية والنظام المصرفي الى زيادة مخاطر السوق والسيولة، فعادت البنوك الى الاحجام عن الاقراض المتبادل بينها، الا بأقصر آجال الاستحقاق، وخاصة للبنوك الواقعة في بلدان منطقة اليورو التي ينظر اليها كبلدان تواجه تحديات أكبر على مستوى السياسات، وإضافة الى ذلك، زاد تقلب اسعار الأصول المالية وتراجع اقبال المستثمرين على تحمل المخاطر، وتسببت هذه المخاطر المالية في زيادة فرص اعادة تكوين حلقة تتفاعل فيها الآثار المرتدة السلبية مع الاقتصاد، وان كانت الأدلة على ذلك لاتزال قليلة حتى الآن. ومنذ ذلك الحين، سجلت الضغوط السوقية الأشد حدة بعض الانحسار على مدار الشهر الماضي او نحوه، وان كانت ثقة الأسواق لاتزال هشة، فقد ارتفعت قيمة الأصول الآمنة التقليدية مثل سندات الخزانة الأميركية والسندات الألمانية والذهب، وخسرت أسعار الأصول الأكثر خطرا مثل أسهم الأسواق الناضجة والصاعدة معظم المكاسب التي حققتها في أوائل العام، ولم تسجل الا انتعاشا مبدئيا في الآونة الأخيرة، وهبطت مجددا أسعار الأولية الى مستوياتها المسجلة في الخريف الماضي، ورغم ان درجة التقلب انخفضت مؤخرا الى حد ما، فهي لاتزال أعلى مما كانت عليه قبل مرحلة التشديد المالي.
ازدياد كثافة المخاطر السيادية
وبين التقرير انه تنبع ديناميكية السوق من استمرار الضغوط المكثفة على بعض أسواق سندات الدين السيادية، ويرجع جانب من هذه الضغوط الى عملية اعادة تقييم جارية لمخاطر الائتمان السيادي في منطقة اليورو، فقد أدت نشأة اليورو الى اختفاء مخاطر اسعار الصرف بين البلدان داخل المنطقة وتوقع حدوث تقارب على مستوى المالية العامة والاقتصاد الكلي بين الأعضاء فيها، وانعكس ذلك على هيئة تقلص شديد في فروق العائد على سندات الدين السيادي في المنطقة حتى فترة قريبة للغاية، وفي أعقاب الاضطرابات المالية التي شهدتها اليونان، بدأ المستثمرون الآن عملية اعادة تسعير لهذه المخاطر عبر بلدان المنطقة، وهو ما يبرز الحاجة الى مواصلة سعي صناع السياسات الى اتباع خطط موثوقة لضبط أوضاع المالية العامة وتعزيز الحوكمة الاقتصادية في منطقة اليورو. ومما ساعد على تخفيف بعض الضغوط التي ازدادت حدة في سوق سندات منطقة اليورو ان البنك المركزي الأوروبي أعلن اطلاق التسهيل والبرنامج الأوروبي للاستقرار المالي بهدف شراء الأوراق المالية، وبعد اعلان برنامج شراء الأوراق المالية في أوائل مايو الماضي، تقلصت فروق العائد على سندات الدين اليونانية والبرتغالية والايرلندية في مقابل السندات السيادية الألمانية، غير ان الأثر بدأ يتلاشى مؤخرا واستمر ضعف السيولة السوقية المتأتية من هذا الدين، وعلى العكس من ذلك، استمرت زيادة الفروق في حالة السندات الاسبانية والايطالية حتى بلغت الآن مستويات أوسع مما كانت عليه في بداية العام، وظهر بعض التمايز في الائتمان السيادي أيضا بين ألمانيا التي استفادت من تدفقات الملاذ الآمن وبلجيكا والنمسا وفرنسا.
وأوضح التقرير ان بعض ضغوط أسواق السندات الحكومية يأتي انعكاسا لكثرة احتياجات تجديد الديون، فبلدان منطقة اليورو التي تشهد اتساعا كبيرا في فروق العائد على سنداتها السيادية مقارنة بالسندات الألمانية تحتاج الى اعادة تمويل ديون بقيمة 300 مليار يورو تقريبا يحل موعد استحقاقها في الربعين الثالث والرابع من هذا العام ونتيجة لذلك، ستواجه منافسة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وبلدان أخرى في منطقة اليورو التي تبلغ احتياجات تجديد الديون لديها مستويات مرتفعة للغاية يصل مجموعها الى 4 تريليونات دولار يحل موعد استحقاقها في الربعين الثالث والرابع من العام.
انتقال الآثار إلى البنوك
وبين التقرير ان انعكاسات تصاعد المخاطر السيادية كانت كبيرة على الاستقرار المالي، مما يعكس انكشاف البنوك الأوروبية الراهن للديون السيادية، فقد تكثفت التحركات المشتركة لفروق العائد على مبادلات مخاطر ائتمان البنوك الأوروبية مقابل مبادلات مخاطر الائتمان السيادي منذ صدرت تقديراتنا في عدد ابريل 2010 من تقرير الاستقرار المالي العالمي ويعكس هذا ضخامة حيازات البنوك من الدين السيادي، كما يعكس ايضا تزايد مخاطر حلقات الآثار المرتدة السلبية بين القطاع السيادي والمالي والتأثير المحتمل على الميزانيات العمومية الحكومية، في حالة احتياج البنوك الضعيفة الى الدعم.
ومع ازدياد عدم اليقين بشأن سلامة بعض البنوك، يتزايد متوسط فروق العائد على مبادلات مخاطر الائتمان المصرفي في المملكة المتحدة والولايات المتحدة ومنطقة اليورو، ويرجع جانب من تفاقم الضغوط على البنوك الى تركة العمل الذي لم ينجز بعد في تنقية الميزانيات العمومية المصرفية على السنوات الثلاث سنوات الماضية ـ وهي عملية سارت بوتيرة أبطأ في منطقة اليورو منها في المملكة المتحدة والولايات المتحدة ـ مما اسفر عن جيوب متبقية للمخاطر، والطاقة الزائدة والربحية الضعيفة على الأقل في بعض انواع البنوك، ومما يزيد عدم اليقين لدى المستثمرين الافتقار الى معلومات تفصيلية عن انواع التنظيم المصرفي او الرسوم المزمع فرضها والجدول الزمني لتنفيذها.
وتمثل الانكشافات المصرفية العابرة للحدود وسيلة لانتقال المخاطر السيادية الى البنوك وامتدادها الى اجهزة مصرفية اخرى في المنطقة وما عداها، فبالرغم من المنافع التي تنطوي عليها هذه العلاقات في أوقات اليسر من حيث تنوع النشاط، فهي تمثل ايضا قنوات للعدوى في أوقات الضغوط.
وتابع التقرير نشأت ضغوط تمويلية كبيرة فيما بين البنوك بسبب عدم اليقين المحيط بانكشافات البنوك تجاه الدين السيادي المستحق على البلدان التي تتعرض لتحديات على مستوى السياسة، وادى قلق الاطراف المقابلة الى اتساع جديد في الفروق بين سعر ليبور والسعر السائد في سوق المبادلات الأطول اجلا لأسعار الفائدة لليلة واحدة، ولتخفيف هذه الضغوط التمويلية، اعاد البنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي الفيدرالي الاميركي بعض المرونة لعمليات السيولة، فعلق البنك المركزي الاوروبي اشتراطات الضمان على الدين السيادي اليوناني واعاد تشغيل بعض عملياته الطويلة الأجل، بينما اعاد الاحتياطي الفيدرالي تشغيل خطوط تبادل النقد الأجنبي، وبالرغم من هذه الجهود الرامية الى تحسين كفاءة اسواق المعاملات بين البنوك، فقد عادت بنوك منطقة اليورو الى اختزان السيولة ووضع هذه الارصدة في تسهيل الايداع لدى البنك المركزي الأوروبي.
وفي سوق المعاملات بين البنوك، يلاحظ ارتفاع الطلب على التمويل قصير الأجل بالدولار، فعلى سبيل المثال، تواصل صناديق سوق المال في الولايات المتحدة تقليص انكشافها للمؤسسات المالية الأوروبية، مما خفض مصادر التمويل الدولاري المتاح لهذه المؤسسات، وتعززت الثقة بمساعدة خطوط تبادل النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية، والتي اعيد تشغيلها لدعم السوق وإن لم تستخدم إلا نادرا.
ولفت التقرير الى ان البنوك ايضا تواجه ضغوطا تمويلية كبيرة من ناحية السندات التي اقترب موعد استحقاقها، كما اكد عدد ابريل 2010 من تقرير الاستقرار المالي العالمي، ان البنوك تواجه جدارا من آجال الاستحقاق المتقاربة في السنوات القليلة المقبلة، وخاصة منطقة اليورو وقد ادت الاضطرابات الاخيرة الى اضعاف السوق الأولي لإصدارات سندات المؤسسات المالية مؤقتا على الأقل.
المخاطر التي تهدد تعافي الاقتصاد
وقال التقرير إنه بالرغم من ان انتقال المخاطر السيادية لايزال يكتسب طابعا ماليا في المقام الأول، فقد ظهرت إمكانية نشوء حلقات من الآثار المرتدة السلبية التي تتفاعل مع الاقتصاد، وكما اشار عدد يوليو 2010 من تقرير مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي، حدث ارتفاع حاد في مخاطر التطورات السلبية التي تهدد تعافي الاقتصاد. فقد تؤدي ضغوط التمويل المصرفي الى تعجيل العملية الجارية لخفض نسب التمويل بالديون، ولايزال من المبكر الحكم على ما إذا كان نمو الاقراض المصرفي الفعلي سيزداد سوءا في منطقة اليورو بعد ان استقر مؤخرا عند معدلات موجبة بالكاد، محسوبة على اساس سنوي مقارن، وتفيد المؤشرات المبكرة بأن الاتجاه التنازلي الذي اتخذته معايير الاقراض المصرفي في منطقة اليورو قد انحسر الآن إلى حد ما، حيث بدأت هذه المعايير تزداد شدة من جديد.
وإضافة الى التأثير السلبي المحتمل على الإقراض المصرفي، جاءت اضطرابات السوق الأخيرة واتساع فروق اسعار الفائدة على الائتمان بالتوازي مع انهيار اصدار السندات من الشركات غير المالية في مايو الماضي، وبالرغم من الارتداد الإيجابي الأخير في شهر يونيو الماضي، كان الإصدار من الشركات الأوروبية ضعيفا للغاية، وأقل مما كان عليه في الفترة القريبة من إفلاس بنك ليمان، واذا استمرت شدة الأوضاع على النحو الراهن، فيمكن أن تبدأ في إحداث أثر سلبي كبير على توافر الائتمان للشركات.
تأخر الخروج
وبيّن التقرير أنه نشأت تعقيدات في عملية سحب سياسات المالية العامة والسياسات النقدية والمالية التي بدأ تنفيذها منذ بضعة شهور، وذلك نظرا لمخاطر التطورات السلبية المحتملة في الاقتصاد والضغوط في أسواق المعاملات بين البنوك والأسواق السيادية، وتتوقع الاسواق الآن إطالة الفترة الممتدة للسياسة النقدية عالية التيسير، والواقع ان البنك المركزي الأوروبي لم يتوقف عند إعادة تشغيل بعض العمليات الاستثنائية لتوفير السيولة، وإنما اعلن ايضا برنامجا لشراء الديون السيادية.
ازدياد شدة أوضاع التمويل
ولفت الى ان الاسواق الصاعدة تتأثر حاليا بتكثف المخاطر في منطقة اليورو عن طريق انخفاض الاقبال على تحمل المخاطر بشكل عام، مما تسبب في شدة أوضاع التمويل فقد حدث تراجع جزئي في تدفقات الحافظة الى الاسواق الصاعدة، بعد ارتفاعها الكبير لمدة تقرب من العام بين مارس 2009 وابريل 2010، كما انخفضت تقييمات اسعار الاصول. واضافة الى ذلك تعطل في شهر مايو الماضي اصدار سندات واسهم الشركات والكيانات السيادية في الاسواق الصاعدة، وان كانت بعض المناطق قد تأثرت بدرجة اقل من غيرها وقد يكون معظم ذلك بمنزلة عرض مؤقت فالإصدارات الآسيوية لم تتأثر تأثرا حادا بهذا التطور، على سبيل المثال.
ومن غير المستغرب ان تكون اوروبا الصاعدة هي اكثر المناطق شعورا بانتقال الآثار من اوروبا الناضجة نظرا لقوة الروابط المباشرة معها، فقد وقع الضرر الأكبر على اسواق الاسهم في رومانيا وهنغاريا ومنطقة اوروبا الصاعدة، مقارنة ببلدان ومناطق الاسواق الصاعدة الأخرى ويلاحظ ان البنوك الأوروبية الناضجة هي الأكثر انكشافا لأوروبا الصاعدة وتشير هذه الانكشافات الى ان بعض الاسواق الصاعدة قد تتعرض لضائقة ائتمانية جديدة اذا دفعت الضغوط التمويلية البنوك الأوروبية الى سحب تدفقاتها الائتمانية العابرة للحدود.
وقد بدأ انحسار المخاوف الأولى بشأن اسواق العقارات الآسيوية مع تزايد استقرار التدابير الاحترازية، فحدث انخفاض في نمو قيم المعاملات العقارية، الى جانب التراجع المستمر في القروض العقارية كنسبة من الاقراض المصرفي الجديد وان كانت الاوضاع الراهنة تدعو الى استمرار مراقبة التطورات.
تصاعد مخاطر أسعار الصرف
وذكر التقرير ان انخفاض سعر اليورو يحقق ميزة التعويض الجزئي لما يسببه ارتفاع المخاطر السيادية والمصرفية من اثر سلبي على النمو في منطقة اليورو، لكن اجتماع مخاطر الائتمان السيادي والقطاع المصرفي والاقتصاد الكلي أدى ايضا الى احتمال التصحيح غير المنظم لأسعار الصرف، وقد تعرض اليورو لضغوط خافضة كبيرة حتى اقترب الآن مما يعتبر في تحليل أساسيات الاقتصاد على المدى المتوسط بمنزلة مستوى ملائم من منظور متعدد الأطراف، وفي الوقت نفسه لايزال تقلب الأسواق مستمرا.
.. ويرفع توقعاته بالنمو العالمي إلى 4.6%
استبعد صندوق النقد الدولي أمس احتمال انكماش عالمي جديد على الرغم من حالة عدم الاستقرار التي يمر بها القطاع المالي جراء ارتفاع الدين العام لدى العديد من الدول، وقال الصندوق في أحدث تقرير له لتوقعات الاقتصاد العالمي على موقعة على شبكة الانترنت، ان «الانتعاش العالمي سيتواصل رغم المزيد من الاضطرابات المالية» في أسواق الدين العام.
وأشار الصندوق إلى أن نتائج النصف الأول من العام الحالي جاءت أفضل مما كان متوقعا «عموما بفضل نمو متين في آسيا» وهو ما دفعه إلى رفع توقعاته للنمو العالمي خلال هذا العام من 4.2% حسب توقعاته في أبريل الماضي إلى 4.6%.
وأوضح الصندوق في أحدث تقاريره أن «التقدم نحو الاستقرار المالي العالمي شهد نكسة في الآونة الأخيرة ومخاطر الدين العام لدى بعض أطراف منطقة اليورو تحققت وتوسعت لتصل إلى القطاع المالي في هذه المنطقة مهددة بالانتقال إلى دول أخرى وبالتسبب في دوامة سلبية أخرى للاقتصاد».
وشدد صندوق النقد الدولي مطولا على المخاطر التي «ازدادت بقوة» منذ أبريل، كما لفت إلى أن هذه التوقعات ستكون متفائلة إن تفاقمت الاضطرابات في الأسواق المالية».
وأشار التقرير أيضا إلى توقعات نمو مرتفعة بالنسبة لمعظم الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة إلى 3.3% واليابان 0.5% والصين 10.5%. لكنه بقي على مستواه في منطقة اليورو 1.0% وتراجع بالنسبة لفرنسا 1.4% وبريطانيا 1.2%.
ضرورة وضع إستراتيجيات أفضل لإدارة الدين العام .. خاصة في أوروبا
قال تقرير صندوق النقد الدولي ان هناك احتياجا قائما لاتخاذ إجراء على مستوى السياسة في جبهات متعددة من أجل دعم الثقة ومواصلة العمل على تحقيق الاستقرار في الأسواق المالية.
ويجب معالجة أصل المشكلة، أي المخاطر السيادية، وينطبق هذا بشكل خاص على بلدان منطقة اليورو التي تعاني ضغوطا سوقية مكثفة، حيث يتعين ان تحقق تقدما أكبر يُعتد به في معالجة عجز المالية العامة، مع وضع استراتيجيات أفضل لإدارة الدين العام، ونظرا لضغوط التمويل، كان على هذه البلدان الشروع بالفعل في عملية ضبط عاجل لأوضاع المالية العامة، وقد حققت بالفعل تقدما كبيرا في هذا الاتجاه، وبشكل أعم، ينبغي ان يأتي تصحيح أوضاع المالية العامة في سياق خطط لضبط الأوضاع على المدى المتوسط وينبغي ان تكون هذه الخطط موثوقة حتى تتجنب رد الفعل المعاكس من السوق عند اتخاذ اجراءات ضبط مركزة اخرى، وترى الأطراف المشاركة في السوق ان إعلان خطط لضبط أوضاع المالية العامة أمر ضروري ولكنه ليس شرطا كافيا لإبقاء الديون عند مستوى يمكن تحمله، لأنهم لايزالون يشعرون بالقلق من احتمال ان تجد الحكومات صعوبة في تحقيق نمو اسمي كاف في بيئة يغلب عليها الانكماش، ومن هنا ينبغي الجمع بين إعلان خطط موثوقة لضبط أوضاع المالية العامة واتخاذ تدابير هيكلية لدعم إمكانات النمو، ويدور النقاش حاليا بالفعل حول تحركات ملموسة في هذا الاتجاه في عدد من بلدان منطقة اليورو.
وفي المجال المالي، بالإضافة الى الإجراءات القوية التي اتخذت بالفعل، يمكن ان يحدث تحسن كبير في ثقة الأسواق إذا اتخذت التدابير التالية:
1ـ ادخال «التسهيل الأوروبي للاستقرار المالي» بتمويله البالغ 440 مليار يورو حيز التنفيذ الكامل بعد ان تم بالفعل إنجاز مهمة إنشائه الصعبة.
2 ـ مواصلة البنك الأوروبي تقديم السيولة الداعمة لأسواق السندات الثانوية، فالأسواق لم تقتنع بعد بأن البنك المركزي ملتزم بزيادة المشتريات عند الضرورة منعا لمزيد من التدهور في كفاءة عمل السوق.
3 ـ السعي لزيادة الشفافية واختبار قدرة البنوك الأوروبية على تحمل الضغوط، وتتمثل القضية الأساسية حاليا في عدم اليقين بشأن انكشافات بنوك معينة، بما في ذلك انكشافها للدين السيادي، الأمر الذي يدعو الى تحسين مستوى الإفصاح من جانب البنوك الأوروبية، ومن الخطوات بالغة الأهمية في هذا الخصوص قيام لجنة مراقبي البنوك الأوروبية بنشر نتائج الاختبارات الجارية لقياس القدرة على تحمل الضغوط وتطبيق هذه الاختبارات على عدد أكبر من البنوك، وفي الوقت نفسه ينبغي وضع خطة تحدد كيفية التعامل مع المؤسسات التي تفتقر الى رأس المال الكافي كإجراء مكمل للإفصاح عن نتائج اختبارات تحمل الضغوط لكل بنك على المستوى القومي، وبوجه عام ينبغي تحسين معايير الإبلاغ والإفصاح المصرفي للبنوك التي لا تطرح أسهمها للتداول العام والبنوك التي لا تصدر تقارير ربع سنوية.
4 ـ تنفيذ حلول موثوقة للتعامل مع البنوك الضعيفة، فهذه البنوك تتسبب في تكثيف الضغوط في أسواق التمويل، ومن الضروري ايجاد آلية أكثر شمولا لتسوية أوضاع مثل هذه المؤسسات أو إعادة هيكلتها أو إعادة رسملتها، ولهذا الغرض، ينبغي المضي دون تأخير في تشغيل الآليات الحكومية القائمة أو آليات جديدة على المستوى القومي، وحيثما اقتضى الأمر، ينبغي تنفيذ ترتيبات على المستوى فوق القومي لمعالجة المشكلات المصرفية.
ويتعين السعي الجاد لتنفيذ تدابير السياسات آنفة الذكر حتى تتعزز ثقة السوق، وتتراجع المخاوف بشأن الديون السيادية وصحة النظام المصرفي، ويتوافر الدعم اللازم لتعافي الاقتصاد في منطقة اليورو.
ومن المهم بنفس القدر ان يتجنب صانعو السياسات عثرات السياسة، فالتدابير غير المنسقة التي تتخذ لمرة واحدة من أجل إيقاف التداول في أسواق معينة لا تحقق إلا نقل المخاطر الى أسواق أو مناطق اختصاص اخرى وزيادة عدم اليقين بشأن أنواع التدابير الآتية فيما بعد.
وينبغي ان يكون التركيز في كثير من الاقتصادات المتقدمة الواقعة في مناطق اخرى على دعم عملية متوسطة الأجل لضبط أوضاع المالية العامة، وكما ورد بالتحليل في عدد يوليو 2010 من تقرير مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي، تعلق أهمية قصوى على اتباع استراتيجيات موثوقة لتخفيض عجز المالية العامة على المديين المتوسط والطويل، وتحتاج هذه البلدان ايضا الى القيام في الوقت نفسه بطرح سياسات هيكلية لرفع إمكانات النمو الاقتصادي بغية تخفيف الضغوط الدافعة الى ضبط الأوضاع والتعامل مع الإنفاق على المستحقات المرتبطة بتقدم السن، وبالمثل لايزال من الضروري في الوقت الراهن تقديم دعم من البنوك المركزية، بما في ذلك التيسير الكمي أو الدعم الصريح لأسواق الائتمان والسندات.
ومع انخفاض تدفقات رأس المال الداخلة، تواجه بلدان الأسواق الصاعدة عدم اليقين المحيط بما إذا كان عدم الاستقرار في منطقة اليورو سيؤدي بالمستثمرين الى الانسحاب بشكل عام من الأسواق الأجنبية، أم ان التدفقات الى الأسواق الصاعدة ستستأنف مع بحث المستثمرين عن أسواق بديلة لأسواق البلدان المتقدمة الأكثر تقلبا، وتواجه هذه البلدان احتمال زيادة التقلب في تدفقات رؤوس الأموال الداخلة إليها حول اتجاه عام صعودي، ومن ثم فهي تحتاج الى تعزيز سياساتها الاقتصادية الكلية والاحترازية من اجل تخفيض درجة تعرضها لتوقف مفاجئ في النشاط أو تصاعد مفرط في أسعار القروض أو الأصول، وإضافة الى السياسات الاقتصادية الكلية السليمة والسياسات الاحترازية المحددة بدقة، من المهم ايضا اتخاذ تدابير هيكلية تهدف الى تطوير النظم المالية في بلدان الأسواق الصاعدة، ويمكن ان يساعد تحسن البنية التحتية المالية على الصمود في مواجهة التدفقات المتقلبة.