- 25 ألف موظف تم تسريحهم من شركات التأجير الأميركية منذ 2006
- السوق سيرتفع 100 مليون دولار في الشرق الأوسط وأفريقيا إلى 3 مليارات
- حجم سوق تأجير السيارات في أميركا الشمالية الأكبر في العالم بـ 21.2 مليار دولار
- «هيرتز» و«أفيس بدجت» تتنافسان على شراء «دولار ثريفتي» بـ 1.2 مليار دولار
تنــاول التـقــريــر الشهـــري لشــركــــة سبائك للإجارة والاستثمار سوق تأجير السيارات في العالم، حيث طرأت عليه تغييرات جذرية خلال 2009، وفي النصف الأول من 2010. فالأزمة المالية العالمية لم تستثن هذه الصناعة من تداعياتها السلبية، خصوصا أن التأجير مرتبط بالاقتصاد الحقيقي، أي باستهلاك الشعوب ومستوى عيشهم ومدى قدرتهم على التملك والاستدانة. وكان قطاع تأجير السيارات من القطاعات الأشد تأثرا بالركود الذي أصاب الاقتصاد العالمي في 2009، على الرغم من أن التوقعات في بداية الأزمة كانت تشير إلى احتمال تخطي القطاع التأثيرات السلبية بأقل أضرار ممكنة.
وقد تأثر سوق مبيعات السيارات المؤجرة (التأجير المنتهي بالتملك) بشكل كبير بالأزمة المالية التي عصفت بالدول المتقدمة، وكانت لها تداعيات في الأسواق الناشئة. فالمستهلكون خفضوا إنفاقهم بسبب موجات التسريح التي طالت عشرات الملايين من الموظفين حول العالم، خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وبسبب تبخر مئات المليارات من الدولارات من الثروات والمدخرات في مختلف أنواع الاستثمارات، وأيضا بسبب تخفيض مئات الشركات والبنوك لرواتب عمالها وامتيازاتهم، بالإضافة إلى حالات الخوف وعدم اليقين وغياب الثقة التي سيطرت على نفوس البشر.
أزمة حقيقية
وفي ظل هذه الظروف الصعبة، التي تعيشها القطاعات الخاصة الجريحة، والقطاعات العامة، التي أوشك بعضها على الإفلاس بسبب تعثره في سداد دينه السيادي، شهد قطاع تأجير السيارات أزمة حقيقية في الدول المتقدمة، خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية. ولهذه الأزمة أسباب مختلفة، نذكر منها:
أزمة الائتمان التي واجهت شركات التأجير العالمية: فالكثير من المؤسسات وجدت صعوبة في إعادة جدولة دينها وتوفير التمويل اللازم للتوسع والتطوير.
الانخفاض الحاد الذي شهده سوق السفر والسياحة العالمي في 2009.
تراجع أسعار السيارات المستعملة: مما حفز المستهلكين على شراء المركبات بدل استئجارها.
حجم التأجير حول العالم
ونتيجة لذلك تراجع حجم سوق تأجير السيارات في دول أميركا الشمالية وأوروبا الغربية، فحسب أرقام نشرها مركز الأبحاث المتخصص يورومونيتور انترناشيونال، انخفضت قيمة صفقات تأجير المركبات للأفراد في أميركا الشمالية من 23 مليار دولار عام 2008 إلى 21.2 مليارا في 2009، ومن المتوقع أن تنتعش قليلا لتبلغ 21.3 مليارا هذا العام، يذكر أن الولايات المتحدة الأميركية هي أكبر سوق للتأجير في العالم. في حين هبط حجم السوق في أوروبا الغربية من 15.7 مليار دولار في 2008 إلى 15.6 مليارا في 2009، وتشير التوقعات إلى ارتفاعه مجددا إلى 15.8 مليارا في 2010، لكن اللافت في أرقام يورومونيتور هو استمرار النمو في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا رغم الأزمة المالية العالمية. وبلغ حجم سوق تأجير السيارات في المنطقة 2.9 مليار دولار سنويا في 2008 و2009، ومن المتوقع أن يرتفع 100 مليون دولار في 2010 ليصل إلى 3 مليارات دولار، ويصبح بنفس حجم السوق في أميركا اللاتينية. وصناعة تأجير السيارات في الشرق الأوسط وأفريقيا أكبر بكثير منها في دول أوروبا الشرقية على سبيل المثال، حيث لا يتخطى حجم السوق هناك سنويا 500 مليون دولار.
أما دول آسيا الباسيفيك فتعتبر ثالث أكبر سوق لتأجير السيارات في العالم بعد أميركا الشمالية وأوروبا الغربية. وقد شهد هذا السوق أكبر نسبة نمو خلال 2009، ليتخطى 9.4 مليارات دولار مرتفعا من 9.1 مليارات دولار في العام الذي سبقه، وتتوقع يورومونيتور أن تسجل دول آسيا الباسيفيك أكبر نسبة نمو أيضا هذا العام، ليصل حجم صفقات تأجير السيارات إلى 9.7 مليارات في نهاية 2010.
وبذلك يكون حجم سوق تأجير السيارات العالمي بلغ 54 مليار دولار في 2009، ومن المتوقع أن ينمو بنسبة أقل من 2% تقريبا في العام الحالي ليصل إلى 54.9 مليارا، بعد انكماش دام حوالي 18 شهرا.
إستراتيجية اللاعبين الرئيسيين
إلى ذلك ردت شركات تأجير السيارات حول العالم على التحديات والصعوبات التي تواجهها بإستراتيجية ترتكز على نقطتين أساسيتين:
أولا: تخفيض الأسعار وإطلاق العروض والحسومات بهدف التمسك بالزبائن الحاليين، وجذب العملاء المحتملين، والمحافظة على الحصص السوقية، وإنعاش معدل الصفقات.
ثانيا: تحسين كفاءة العمل عبر تخفيض النفقات المالية والإدارية، وتطوير فاعلية أقسام المبيعات والتسويق، وغيرها من الأمور والنشاطات التي تصب في هذا المجال.
فعلى سبيل المثال: خفضت شركة هيرتز الأميركية تكاليفها بحوالي 760 مليون دولار في 2009 ليتخطى حجم الإنفاق الذي تنازلت عنه 1.2 مليار دولار في 3 سنوات. واستطاعت «هيرتز» خلال العام الماضي الحصول على إعادة تمويل بـ 3.2 مليارات دولار، وهو قرض جددت فيه أسطولها في الولايات المتحدة. وقد اشترت الشركة العملاقة في 2009 حوالي 80 ألف سيارة جديدة، ليصبح متوسط سير مركباتها بين 15 ألفا و18 ألف ميل.
بدورها جددت الكثير من الشركات الأميركية أساطيلها رغم الأزمة، فعلى سبيل المثال: أعلنت مجموعة انتربرايز القابضة المالكة لعلامتي «ناشيونال» و«ألامو» لتأجير السيارات أنها جددت أساطيلها عبر شراء مركبات جديدة، ومجموعة انتربرايز هي شركة خاصة لا تفصح عن بياناتها المالية، لكن المتحدثة باسم المجموعة صرحت للصحافة الأميركية بأن الشركة «تملك ميزانية قوية، وهي من المؤسسات القليلة القادرة على الاستثمار في هذه الفترة العصيبة»، وقد رفعت أخيرا وكالة ستاندرد آند بورز العالمية تصنيف «انتربرايز» الائتماني، مبررة ذلك بأن الشركة ستستمر في توليد التدفقات النقدية. ومع التوقعات بتحسن الطلب، ستسعى الشركة لزيادة رأس المال التشغيلي لمواجهة الطلب واستبدال السيارات القديمة بأسطولها بوحدات جديدة، إذ يبلغ متوسط سير مركبات «الامو» و«ناشيونال» اليوم 17 ألف ميل، مقابل 13.8 ألفا في مارس 2008، فخلال الأزمة المالية الحالية ارتفع متوسط سير المركبات في جميع شركات التأجير العالمية إلى 25 ألف ميل، مقارنة مع 16 ألفا قبل 4 أعوام.
نتائج 2009 و2010
وفي عام 2008 سجل أغلب اللاعبين الرئيسيين في قطاع تأجير السيارات حول العالم خسائر، لكن في 2009 نجح البعض في تحقيق أرباح ولو متواضعة، في حين استطاع البعض الآخر تخفيض خسائره، فمجموعة دولار ثريفتي الأميركية أعلنت عن أرباح بلغت 11.5 مليون دولار خلال الربع الأخير من 2009 مقارنة مع 72.2 مليون دولار خسائر في الفترة نفسها من 2008، وفي العام الماضي بأكمله بلغت ربحية «دولار ثريفتي» 5 ملايين دولار، مقارنة مع 346.7 مليون دولار خسائر في 2008. أما مجموعة أفيس بدجت، فخسرت 77 مليون دولار العام الماضي، مقارنة مع 1.3 مليار دولار خسائر في العام السابق، وفي الربع الأول من 2010 أفصحت المجموعة عن خسارة بقيمة 38 مليون دولار، وقد انخفض صافي إيراداتها 3.4% إلى 1.15 مليار دولار، كما هبطت النفقات 3.6% إلى 1.2 مليار دولار.
وبدورها «هيرتز» استطاعت تخفيض خسائرها من 1.2 مليار دولار في عام 2008 إلى 126 مليون دولار في 2009م، لكنها سجلت خسائر في الربع الأول من 2010 بحوالي 150.4 مليون دولار.
أما فيما يتعلق بأوضاع الموظفين في شركات تأجير السيارات العالمية فيبدو الوضع ليس بالوردي أبدا، إذ أجبر الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة شركة انتربرايز على تنفيذ أول عملية تسريح لموظفين في تاريخها. فلقد طردت في بداية 2009م حوالي 2500 عامل من أصل 50 ألفا يعملون في مكاتبها. وكذلك فعلت شركة هيرتز التي تخلت عن 4 آلاف موظف، أي نسبة 12% من قوتها العاملة. وبدورها شركة أفيس بدجت -التي شهدت عوائدها انخفاضا لستة أرباع متتالية منذ الربع الثاني في 2008- سرحت 8 آلاف موظف خلال العامين الماضيين. وهذه التسريحات تمت بهدف تخفيض التكاليف، وبسبب انخفاض الطلب على السيارات المؤجرة من قبل العملاء خلال الأزمة. وبحسب قسم إحصاءات العمالة في الولايات المتحدة بلغ عدد المسرحين من شركات تأجير السيارات 25 ألف موظف منذ عام 2006 عندما كان يعمل في القطاع 139 ألف موظف.
بالنسبة لأسهم الشركات العالمية لتأجير السيارات فقد حلقت خلال عام 2010 -بعد أن انهارت بشكل كبير في عامي 2008 و2009- وشهدت أسهم كل من «هيرتز» و«أفيس بدجت» و«دولار ثريفتي» ارتفاعات كبيرة في الأشهر القليلة الماضية، فعلى سبيل المثال انخفض سهم شركة دولار ثريفتي إلى أقل من 1.16 دولار خلال العام الماضي، إلا أنه عاود الارتفاع الصاروخي ليصل إلى 33 دولارا في نهاية الربع الأول من 2010، فأي مستثمر أو موظف كان ذكيا أو محظوظا واشترى الأسهم لا شك أنه أصبح اليوم في عداد أصحاب الملايين.
من ناحية أخرى نشط الحديث في أسواق المال العالمية حول توقعات اندماجات واستحواذات في قطاع تأجير السيارات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تسعى شركة هيرتز منذ مارس 2010 للاستحواذ على نظيرتها «دولار ثريفتي» بقيمة 1.2 مليار دولار، وقال المسؤولون في «هيرتز» إن الصفقة ستتم عبر تبادل أسهم ودفع نقدي، ولو كتب النجاح لهذا الاستحواذ ستصبح «هيرتز» أكبر شركة من حيث الحصة السوقية في قطاع تأجير السيارات عبر المطارات الأميركية.
يذكر هنا أنه على الرغم من الصعوبات التي مر بها قطاع تأجير السيارات خلال العامين الماضيين، تعتبر «دولار ثريفتي» من الشركات القليلة المعروضة للبيع، خصوصا أن القطاع شهد موجة اندماجات لا مثيل لها منذ بداية القرن الواحد والعشرين، فمنذ عامين فقط استحوذت مجموعة انتربرايز القابضة على العلامتين «ألامو» و«ناشيونال».
وإذا استطاعت شركة هيرتز الاستحواذ على «دولار ثريفتي» فستتمكن هي و«افيس بدجت» و«انتربرايز» من السيطرة على الصناعة ككل تقريبا، والبالغة 21 مليارا إلى 23 مليار دولار، فكما في نهاية 2009 تسيطر علامات «انتربرايز» و«ألامو» و«ناشيونال» على 31% من إيرادات تأجير السيارات عبر المطارات الأميركية، وتملك شركة أفيس بدجت 30% من هذه الإيرادات، في حين تحصل «هيرتز» على حصة 26%، وشركة دولار ثريفتي 12%، لذا يعتبر استحواذ «هيرتز» على «دولار ثريفتي» رفعا للحصة المشتركة إلى 38% من السوق الأميركي، فلدى «هيرتز» 2165 فرعا في أميركا الشمالية، منها 515 مكتبا في المطارات، أما «دولار ثريفتي» فتدير 740 فرعا، كما ستجعل صفقة الاستحواذ «هيرتز» أكبر شركة لتأجير السيارات في العالم، وترفع عدد مكاتبها وفروعها 30% ليصل الإجمالي إلى 9800، فإيرادات الشركة من الخارج نمت 6.1% في الربع الأول من 2010 إلى 1.7 مليار دولار. لكن المفاجئ في القضية أن مجموعة أفيس بدجت دخلت الشهر الماضي على خط المنافسة على شراء «دولار ثريفتي»، والأيام القادمة ستظهر النتائج من هذه المنافسة الحامية الوطيس.
توجهات مستقبلية للصناعة
من جهة النظرة المستقبلية لسوق تأجير السيارات العالمي يمكن تحديد اتجاهات عامة أبرزها:
1 ـ نمو قطاع تأجير السيارات بهدف الرفاهية لا التملك، بفضل توقعات انتعاش سوق السفر العالمي وزيادة أعداد السياح.
2 ـ ستساهم الابتكارات التقنية في إنعاش السوق من خلال السيارات الصديقة للبيئة، أو ما يعرف بالمركبات الخضراء، التي ستدخل إلى القطاع من بابه العريض خلال السنوات الثلاث المقبلة، وقد بدأت شركات بالفعل مثل هيرتز وأفيس بدجت في تسويق وتأجير سيارات هجينة، في حين وقعت شركة يوروب كار أخيرا عقدا مع المصنع الفرنسي رينو لشراء أسطول من السيارات الكهربائية، وقد تهيئ مكاتبها حول العالم لتجهيز المعدات اللازمة لشحن بطاريات هذه المركبات ابتداء من 2011.
3 ـ من المتوقع أن تشهد الصناعة نموا قويا في حجوزات السيارات المؤجرة عبر المواقع الالكترونية، فالكثير من شركات الطيران ومكاتب السفر والمؤسسات السياحية تعمل على الترويج لهذا القطاع الحيوي عبر الانترنت، حيث يسهل الوصول إلى شريحة واسعة من العملاء في جميع أنحاء العالم، كما باتت شركات تصنيع الموبايلات مثل أبل تقدم خدمات التأجير عبر منتجها آي فون.
4 ـ ستعمل الشركات في الفترة المقبلة على تطوير الخدمات المرافقة لعملية التأجير مثل الخدمات المساندة والصيانة على الطرقات وغيرها.
إلى ذلك عادت شركات تصنيع السيارات إلى التفكير مجددا في تنشيط قطاع التأجير لديها، بعد أن عانى القطاع نفسه الأمرين خلال الأزمة، وهذا يعني بالطبع أن المصنعين لديهم الثقة بقيمة سياراتهم، كما أن قطاع التأجير بات جذابا في هذه الفترة الصعبة على المستهلكين، الذين يرغبون في اقتناء السيارات، ولا يجدون التمويل المناسب.
توقعات إيجابية في الدول الناشئة
أشارت «سبائك» في ختام تقريرها الشهري إلى التوقعات الإيجابية التي تحوم حول قطاع تأجير السيارات في المنطقة العربية والأسواق الناشئة، بعد فترة من الظروف الصعبة التي يعيشها، فصحيح أن الكثير من التحديات مازالت ماثلة أمام هذا القطاع، إلا أنه من المتوقع أن يشهد السوق موجة من الاندماجات بين الشركات، خصوصا الصغيرة والمتوسطة منها، بهدف البيئة التنافسية الشديدة ووجوب ضخ الاستثمارات التي تفرضها التكنولوجيا والسيارات الحديثة. وتعتبر دول الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية بالإضافة إلى الهند والصين من أبرز الأسواق التي ستشهد نموا في قطاع تأجير السيارات، نظرا لانتعاش سوق السفر والسياحة فيها، بالإضافة إلى ارتفاع الطلب من قبل الشركات الحديثة وزيادة دخل المستهلك.