أشار بنك الكويت الوطني في نشرته الاقتصادية الأخيرة الى ان الاقتصاد المصري استطاع إلى حد كبير تفادي التداعيات السلبية للأزمة المالية والركود الاقتصادي العالمي، وأظهر الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة نموا قويا في العام 2009 ومطلع العام الحالي، ويعزى ذلك في جزء منه إلى الإصلاحات التي شرع في تنفيذها منذ عام 2004 والسياسات المالية والنقدية المتخذة حيال الأزمة، كما لعبت محدودية التكامل المالي لمصر مع النظام المالي العالمي دورا مساعدا في حماية الاقتصاد من تداعيات الأزمة.
ولاحظ «الوطني» ان بيانات الربع الأول من العام الحالي تشير إلى تعاف متسارع، إذ أظهر عدد من المؤشرات الرئيسية نموا إيجابيا، بينما قفز معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.8%، وواصلت عائدات السياحة نموها للربع الثاني على التوالي، بينما سجلت كل من الصادرات والواردات غير النفطية في الربع الأول نموا تعدى الـ 10% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، كما شهدت إيرادات قناة السويس وصافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة ارتفاعا هي الأخرى.
ورأى «الوطني» أنه رغم إيجابية هذه المعطيات، تبقى هناك بعض المحاذير، فمعدل التضخم مازال مرتفعا وثمة حاجة لمزيد من الإصلاحات لتقليص العجز الهيكلي، لكن هذه المحاذير تبقى محدودة ومن غير المرجح أن تنعكس سلبا على مسار التعافي.
الانتعاش الاقتصادي سيكون تدريجياً
وبينما جاءت تداعيات الأزمة العالمية على نمو الاقتصاد المصري خفيفة الوقع، إلا أن «الوطني» رأى أن التعافي سيكون تدريجيا، ومن غير المرجح العودة إلى معدلات النمو المسجلة ما قبل الأزمة، إذ مازالت المؤشرات في بداية مسارها التصاعدي، والدلالات على تعاف مستدام مازالت محدودة، وفي حين تظهر بيانات الربع الأول نموا متسارعا، يبقى ذلك مرهونا باستمرار تعافي الاقتصاد العالمي.
وأشار «الوطني» إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة قد ارتفع إلى 5.1% في الأشهر الـ 9 الأولى ـ التي انتهت في يونيو 2010 ـ من السنة المالية الحالية من 4.9% قبل عام مضى، وذلك بفضل ما اتسم به الربع الأول من 2010 من قوة، وتوقع «الوطني» أن يبلغ معدل النمو 5.2% لكامل السنة المالية الحالية، وأن يصل إلى 5.5% في السنة المقبلة (2010/2011)، ومع ترسخ التعافي في السنة 2011/2012، توقع أن يتسارع معدل النمو إلى نحو 6%.
الإجراءات الرسمية حدت من الأزمة
ولاحظ «الوطني» أن تداعيات الأزمة العالمية على الاقتصاد المصري قد انعكست عبر 5 قنوات رئيسية، هي: انخفاض كل من الصادرات (نفطية في معظمها)، وعائدات السياحة، وتحويلات المصريين العاملين في الخارج، وإيرادات قناة السويس، وتدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وأشار «الوطني» إلى أن رد الحكومة المصرية لمواجهة تداعيات الأزمة جاء عبر إطلاق حزمتين محفزتين في ديسمبر 2008 ومارس 2009، تشملان مصروفات رأسمالية ودعما للصادرات، وإعفاءات جمركية للسلع الرأسمالية، ما يعادل 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد ساعدت هذه الخطوة في تخفيف تداعيات الأزمة على الاقتصاد المحلي، وأرجأت الحكومة عددا من الإصلاحات المالية التي من شأنها أن تخلف أثرا انكماشيا على الاقتصاد.
وفي السياسة النقدية، قام البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة، ونتيجة لذلك، انخفض سعر الفائدة على الودائع لأجل يوم واحد في سوق ما بين البنوك من 10.1% في يوليو 2008 إلى نحو 8.3% في مايو الماضي. ومع تدني أسعار الفائدة دون معدل التضخم تبقى السياسة النقدية توسعية إلى حد ما.
وقد ساهم النمو الاقتصادي السريع قبل الأزمة في خفض معدلات البطالة، رغم أنها ظلت مرتفعة نسبيا، وقد تراجع معدل البطالة من مستوياته المرتفعة عند 11.3% في 2004 إلى 8.7% في 2008 قبل ارتفاعه مجددا إلى 9.4% في نهاية العام 2009.
التضخم يتراجع.. لكنه لا يزال مرتفعاً
ولفت «الوطني» الى أن معدل التضخم قد تباطأ بعدما قفز وبلغ ذروته في العام 2008، نتيجة خفض الدعم الحكومي لأسعار الوقود وارتفاع أسعار المواد الغذائية، لكنه عاود مساره التصاعدي مجددا في أواخر 2009 جراء الارتفاعات الحادة في أسعار الفواكه والخضار، ومنذ ذلك الحين، شهد معدل التضخم العام تباطؤا ليبلغ 10.6% في مايو 2010. لكن معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار الفواكه والخضار المتقلبة بالإضافة إلى أسعار السلع المدعومة من الحكومة، حافظ على وتيرته عند 6.7% دونما أي تغيير يذكر منذ بداية هذا العام.
وتوقع «الوطني» ان ينخفض معدل التضخم بشكل طفيف إلى 10% في السنة المالية 2010/2011 وإلى 9% في السنة المالية 2011/2012. ومع ذلك، فإن أي تخفيض إضافي في الدعم الحكومي لأسعار الوقود، الذي يبقى كبيرا، من شأنه أن يدفع بمعدل التضخم إلى الارتفاع مجددا، ولو بصورة مؤقتة.
الحساب الجاري
وسجل الحساب الجاري عجزا للمرة الأولى في 8 سنوات نتيجة للركود الاقتصادي العالمي، ورغم العجز في الحساب الجاري، حافظت احتياطات البنك المركزي على مستواها المرتفع، لتقارب 9 أضعاف قيمة الواردات الشهرية، وقد أسهمت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة وفوائض الحساب الجاري في تمكين مصر من بناء مركز قوي على صعيد الاحتياطات على مدى السنوات الـ 5 الماضية.
العجز المالي مازال مرتفعاً
ورأى «الوطني» ان العجز في الميزانية الحكومية يشكل أحد أبرز التحديات، إذ إنه بقي مرتفعا نسبيا على الرغم من النمو الاقتصادي القوي، ومنذ اندلاع الأزمة، تفاقم العجز ليرتفع إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2008/2009، وقد اتخذت الحكومة المصرية إجراءات إضافية لتعزيز العائدات الضريبية من خلال تبني أساليب حديثة لجبايتها وهياكل ضريبية أكثر فاعلية، غير أن الأزمة تسببت في تأخير الكثير من هذه الإجراءات التي يتوقع الآن أن تجد طريقها للتطبيق بحلول السنة المالية 2014/2015.
ورغم هذا العجز، أشار «الوطني» إلى أن حجم الديون الخارجية لمصر كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي تراجع إلى 15%، وبدلا من ذلك، يجري تمويل العجز بالدين المحلي. ويبرز بصورة خاصة الاعتماد الكبير على سندات الخزانة القصيرة الأجل، ما يطرح بعض المحاذير في حالة تغيرت درجة ثقة المستثمرين.
الإصلاحات أسس النمو
وشهد إجمالي الناتج المحلي قبل اندلاع الأزمة المالية نموا بما متوسطه 7% على مدى 9 سنوات متتالية، بفضل التطبيق الناجح لبرنامج الإصلاح، وأحد المكاسب الرئيسية لهذا البرنامج يتمثل في ازدياد الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي بلغت في ذروتها في السنة المالية 2007/2008 نحو 13.2 مليار دولار، أي ما نسبته 9% من الناتج المحلي الإجمالي. ونتيجة للأزمة المالية، تراجعت هذه الاستثمارات بشكل ملحوظ، لكن يتوقع أن تعود إلى مسارها التصاعدي. ويعزى هذا التراجع، إلى جانب تأثرها بالمنحى العالمي ـ من دون شك ـ إلى إنجاز عدد من المشاريع الضخمة بمشاركة مستثمرين أجانب، ولاسيما في قطاع النفط والغاز.
لكن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر ما تزال تتسم بالقوة إذا ما أخذنا بالاعتبار بيئة الاستثمار العالمية.
نمو سريع للصادرات
وعلى الرغم من تدهور النشاط الاقتصادي عالميا، شهدت الصادرات المصرية نموا قويا منذ تطبيق الإصلاحات في العام 2004، وفي الوقت الذي تنامت فيه الصادرات النفطية في السنوات الأخيرة على خلفية الاستثمارات الضخمة في هذا القطاع، فقد شهدت الصادرات غير النفطية نموا ملحوظا هي الأخرى، وباتت تشكل جزءا هاما من إستراتيجية النمو الحكومية.
وقد تنامت هذه الصادرات بمعدل سنوي قدره 16% في السنوات الـ 10 التي سبقت التباطؤ الاقتصادي العالمي، وحاليا، تمثل الصادرات غير النفطية 7.6% من الدخل المحلي الإجمالي.
«تنظيف» القطاع المصرفي
كما أشار «الوطني» إلى أن الجهاز المصرفي في مصر تفادى العدوى المالية في أعقاب الأزمة العالمية، ويعزى ذلك في جزء منه إلى الإصلاحات الهامة التي أدخلت إلى هذا القطاع منذ العام 2004، وكانت الحكومة قد اندفعت بقوة على طريق تنفيذ هذه الإصلاحات في محاولة منها لخفض المعدلات المرتفعة للقروض المتعثرة ولتحسين الحوكمة الضعيفة في البنوك المحلية. ويتوقع أن يواصل البنك المركزي المصري التزامه بالإصلاحات في هذا القطاع وتحسين عمليات الإشراف والمعايير الاسترشادية وتطبيق بازل 2، كما يرجح أن تتواصل الجهود لتحسين فاعلية البنوك المملوكة الدولة.
آفاق إيجابية
وتوقع «الوطني» ان يشهد الاقتصاد المصري آفاقا إيجابية في ظل برنامج الإصلاح الذي يرجح أن يعزز النمو في السنوات المقبلة، حيث خرج الاقتصاد من الأزمة المالية العالمية سالما نسبيا.