قال التقرير الشهـــري لشركـــــة سبائـــــك للإجارة والاستثمار ان قطاع النقل البحري شهد خلال الأزمة المالية العالمية، التي اندلعت في منتصف 2008 موجة تراجع في الأسعار وصلت إلى الحضيض، ففي حين بدأت شركات الشحن معركة أسعار غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية انهارت المستويات السعرية أكثر من 80% مقارنة مع مستويات قبل أقل من عامين، ويرجع هذا الهبوط في الأسعار إلى الركود الذي أصاب التجارة العالمية في 2008 و2009 وانخفاض حركة الصادرات والواردات بسبب الأزمة المالية وتداعياتها على القطاعات الاقتصادية والصناعية، وقد اضطرت بعض شركات النقل البحري العالمية لعرض خدماتها بأسعار متدنية خلال العام الماضي، بهدف تشغيل أساطيلها فقط، خصوصا أن مئات البواخر العملاقة لم تجد عملا طوال العام 2009، وبقيت رأسية في موانئ دول شرق آسيا وأوروبا في انتظار أي طلب. وأوضح التقرير أن حركة التجارة العالمية، التي انهارت خلال الأزمة، بدأت تعود إلى الانتعاش مدفوعة بالطلب المتزايد من الدول النامية، إلا أن سوق الشحن البحري شهد في المقابل ازدياد السعة المضافة عبر السفن الجديدة التي تصنعها أحواض البناء حول العالم. ويشير مجلس الشحن العالمي ـ الذي يمثل الصناعة ـ إلى أن أكبر 400 شركة شحن بحري تنقل 60% من التجارة البحرية العالمية، أما الباقي فتحمله على الأغلب ناقلات النفط والغاز والسفن الضخمة التي تنقل الفحم والحبوب والمعدات الثقيلة. ويعد المسار الذي يربط أوروبا بالدول النامية في آسيا أهم المسارات العالمية.
وبيّن التقرير أن الصين -التي تحتل بضائعها العالم- أعلنت أن صادراتها ارتفعت بنسبة 17.7% في نهاية ديسمبر 2009، وتشهد الدول النامية الأخرى طلبا قويا على الشحن، خصوصا على منتجات مثل الإسمنت أو الصلب لبناء المشاريع، لكن أنواع السلع هذه تعني حصول شركات الناقلات والحاملات الضخمة على هذه الطلبات، وليس سفن الحاويات، لذا يبدو أن عمل الحاويات لن يعود إلى مستويات ما قبل الكساد حتى عام 2012م أو ما بعده، وفي هذا الإطار تتوقع شركة «دروري شيبنغ» نمو حجم التجارة العالمية بنسبة 2.4% هذا العام بعد تراجع وصل إلى 10.3% في 2009، أما شركة الشحن العملاقة كيه سي، والتي تتخذ من هونغ كونغ مقرا لها، فكانت أقل تفاؤلا، إذ تتوقع زيادة طفيفة في الطلب العالمي على الشحن البحري، خصوصا من الصين، معتبرة أن المشكلة تكمن في جانب الإمداد.
توسعة الموانئ
وأشار التقرير إلى أنه حتى عام 2008 كانت شركات النقل البحري قد وصلت إلى أوج تألقها، وكانت أحواض بناء السفن مشغولة ببناء سفن أكبر حجما نظرا إلى توسعة الموانئ والخدمات الجديدة وانخفاض النفقات.
وذكر التقرير انه تاريخيا كانت صناعة تأجير السفن حول العالم تصاب بضربات موجعة مع كل أزمة. وقال اتحاد شؤون الشركات الملاحية الأوروبية عن الأزمة الحالية: «لم نشهد أمرا مماثلا كهذا من قبل، إنه أسوأ موقف نشهده منذ بداية عصر الحاويات في الستينيات».
وقد اضطرت شركات النقل البحري ومؤسسات تأجير السفن على مدار العقود الماضية أن تتكيف مع الدورات الاقتصادية والتحولات في الأنماط التجارية والجيوسياسية، فخلال سبعينيات القرن الماضي، أصيبت الشركات بصدمة النفط وإعادة افتتاح قناة السويس، والتي خفضت الطلب على ناقلات النفط العملاقة التي تدور حول جنوب أفريقيا، وقد استغرق الانتعاش عقدا من الزمن ليعوقه الكساد الذي ضرب العالم في الثمانينيات. وذكر التقرير أن الركود الاقتصادي الأخير لم يضرب شركات النقل البحري ومؤسسات التأجير فقط، بل والموانئ أيضا، خصوصا الأوروبية والأميركية منها، وحسب شركة الأبحاث والاستشارات (آي إتش إس غلوبال إنسايت) تعتبر صناعة الشحن البحري العالمية مسؤولة عن 13.5 مليون وظيفة بصورة مباشرة وغير مباشرة، وقطاع التوظيف الضخم هذا تعرض لموجة تسريح للموظفين كغيره من القطاعات العالمية.
وذكر التقرير أن الأزمة أدت إلى تباطؤ النشاط التجاري العالمي، وإلى ظهور عدد كبير من السفن غير مؤجرة ولا تجد لها عملا، لذا لجأت شركات حاملات الحاويات وشركات التأجير إلى خطط طوارئ، وأبرز ما فعلته هو خفض سرعة خططها لإنتاج السفن، ولقد تم تأجيل تسليم عدد كبير من السفن الجديدة لأصحابها بسبب التأخر في سداد الأقساط على الأغلب، فعلى سبيل المثال لا الحصر أفصحت شركة النقل البحري العملاقة (سي إم إيه سي جي إم) أخيرا عن أنها تناقش قضية الإلغاءات والتأجيلات مع مصنعي السفن في كوريا الجنوبية. وحسب معلومات شركة «ألفا لينر» من المتوقع أن تسلم شركات بناء السفن حوالي 371 سفينة هذا العام، ليزيد أسطول الشحن العالمي بنسبة 14% في 2010، و10% في العام التالي، وهو ما يعني احتدام المنافسة أكثر بين شركات الشحن على الحمولة.
إلى ذلك عانت أغلب شركات النقل البحري من الأزمة، مما أثر بشكل مباشر على قطاع تأجير السفن، فحين يصاب العميل بنكسة، يتعرض صاحب السلعة إلى ضربة أيضا، ومن بين شركات النقل البحري التي عانت من الركود شركة الملاحة الألمانية (هاباغ ليود) والمجموعة الهولندية (إيه بي مولر ميرسك)، وعلى غرار البنوك العملاقة التي أصابتها أزمة الرهون العقارية المحفوفة بالمخاطر، تدفع شركات الشحن البحري ثمن توسعاتها المفرطة خلال فترة الانتعاش.
وتقدر شركة دروري شيبنغ كونسالتانت أن الناقلات الرئيسية، وجميعها من آسيا وأوروبا، خسرت 20 مليار دولار عام 2009، وتشير شركة «ألفا لينر» إلى أن 7 شركات نقل صغيرة أغلقت أبوابها العام الماضي، من بينها شركة «كونتينيمار» الإسبانية.
زيادة المنافسة
وعادة يستبق التجار حلول شهر رمضان المبارك بشهرين على الأقل لتوفير السلع والمواد الغذائية، لكن توافر طاقات الشحن والاستقرار النسبي لأسعار الوقود وزيادة المنافسة بين شركات النقل وخطوط الملاحة، كلها عوامل قد لا تؤدي لارتفاع كبير في أسعار تأجير السفن.