أشار بنك الكويت الوطني في موجزه الاقتصادي الأخير عن اسواق النفط وتطورات الميزانية، إلى أن سعر النفط الخام الكويتي بقي ضمن نطاق 70 إلى 75 دولارا للبرميل طوال سبتمبر تقريبا، وذلك للشهر الخامس على التوالي الذي تراوح فيه معدل سعر البرميل في هذا النطاق الضيق، وكان سعر النفط قد راوح لمدة أحد عشر شهرا من الاثني عشر شهرا الماضية في النطاق الأوسع قليلا والبالغ 70 إلى 80 دولارا للبرميل الواحد، وهو ما يعتبر تغيرا ملحوظا مقارنة مع التقلبات التي شهدتها السنوات القليلة السابقة.
ورأى «الوطني» أن أسعار النفط الخام فشلت في مماشاة الارتفاع السريع في أسعار السلع الأخرى في الأسابيع الأخيرة، رغم ارتفاعها الملحوظ عن المستويات المنخفضة التي هبطت إليها في مارس 2009، وعلى سبيل المثال، ارتفع مؤشر مكتب أبحاث السلع المراقب عالميا بنسبة 15% منذ منتصف شهر يوليو، بسبب الارتفاع السريع مؤخرا في أسعار المواد الغذائية والمعادن الثمينة مثل الذهب، وفي المقابل ربما تكون أسعار النفط قد بلغت حدها الأقصى بسبب النمو المتواصل في إمدادات النفط، بما في ذلك التزام منظمة أوپيك بإبقاء الأسعار عند مستويات «معقولة».
ولاحظ «الوطني» أن أسعار الخامات المرجعية الرئيسية ارتفعت فوق مستوى 80 دولارا بقليل في نهاية سبتمبر بعد أن بقيت معظم الشهر في حدود 75 دولارا للبرميل، ويرتبط هذا التحرك على الأرجح بتراجع قيمة الدولار، واستمر تداول مزيج برنت بسعر أعلى قليلا من نظيره الأميركي، مزيج غرب تكساس، ويعتبر هذا التداول معاكسا للمسار التاريخي له، فقد تم تداول مزيج برنت عند مستوى قريب من 84 دولارا عند بداية أكتوبر الجاري، أي أعلى بدولارين من السعر الذي بلغه مزيج غرب تكساس.
وقد ارتفعت أيضا أسعار عقود النفط الآجلة قليلا، إذ يتم التداول الآن بعقود النفط الخام الخفيف تسليم ديسمبر 2012 عند مستوى 89 دولارا للبرميل، وهو المستوى الأعلى لها منذ شهر مايو، ما يعكس الآمال أن تتحسن الظروف الاقتصادية العالمية تدريجيا، وبالتالي الطلب على النفط.
لكن على الرغم من وجود هذه الآمال، لاحظ «الوطني» أن معظم التوقعات تشير إلى أن نمو الطلب العالمي على النفط سيتراجع قليلا في العام القادم بسبب تراجع الإنفاق الحكومي وتلاشي حزم التحفيز، حيث ترى وكالة الطاقة الدولية أن نمو الطلب سيتباطأ من 1.9 مليون برميل يوميا (أو 2.2%) في 2010 إلى 1.3 مليون برميل يوميا (أي 1.5%) في 2011، لكن الوكالة تقر بأن سيناريو أكثر تشاؤما قد يقود إلى تبدد أي زيادة تقريبا في الطلب في العام المقبل.
من ناحية أخرى، يتوقع مركز دراسات الطاقة العالمية أن يتراجع النمو على الطلب من 1.6 مليون برميل يوميا العام الحالي إلى 1.4 مليون برميل في العام 2011، لكن هذه التوقعات تأخذ في الحسبان تسارعا في النصف الثاني من 2011 بناء على نظرة أكثر تفاؤلا ترى أن الاقتصاد العالمي سيكون قد تجاوز حينها أضعف فترة له.
وبعد ارتفاعه بمقدار 0.9 مليون برميل يوميا (وبما نسبته 3%) بين شهري مارس وديسمبر من العام الماضي، تباطأت وتيرة ارتفاع إجمالي إنتاج أوپيك (باستثناء العراق) في العام 2010، مرتفعا بنحو 0.2 مليون برميل يوميا في الأشهر الثمانية حتى شهر أغسطس، ويبلغ إجمالي إنتاج أوپيك حاليا 26.8 مليون برميل يوميا، أي أعلى بما يقارب مليوني برميل يوميا من المستوى المحدد وفقا لحصص الإنتاج التي اعتمدتها المنظمة في نهاية العام 2008 والتي تشهد خروقات متكررة، ويعكس هذا الارتفاع الطفيف في إنتاج أوپيك على الأرجح استعدادها للحفاظ على الأسعار عند المستويات المرغوب فيها في ضوء تحسن ظروف الطلب وازدياد الثقة تجاه السلع عموما.
ورأى «الوطني» أن الأنباء خارج منظمة أوپيك تبدو أقل إيجابية، إذ يبدو أن الارتفاع السريع في إمدادات النفط الخام من خارج أوپيك أواخر العام 2009 إلى أوائل العام 2010 قد تباطأ، ولفت الى توقعات بعض المحللين أن يبقى الإنتاج من خارج أوپيك على حاله أو أن يتراجع في العام المقبل، وفي حين يتوقع أن يرتفع إنتاج أوپيك من الغاز الطبيعي المسال بمقدار 0.5 إلى 0.6 مليون برميل يوميا في العام 2011، تشير الأرقام إلى أنه قد يتوجب على المنظمة أن ترفع إنتاجها من النفط الخام بشكل كبير في العام المقبل لتفادي ارتفاع أكبر في الأسعار.
ويقوم السيناريو الأساسي لدى «الوطني» في هذا الخصوص على أن نمو الطلب على النفط سيتبع المسار الذي أرساه مركز دراسات الطاقة العالمي، فيما يتوقع أن ترتفع الإمدادات من خارج أوپيك (مع احتساب إنتاج أوپيك من الغاز الطبيعي المسال) بشكل طفيف في الفصول الربعية المقبلة، وسيهيئ ذلك لتراجع تدريجي في أسعار النفط في الفترة المتبقية من العام الحالي، وردا على هذا التراجع، ستعمد أوپيك إلى خفض الإنتاج قليلا بمقدار 0.2 مليون برميل يوميا في بداية العام 2011، وستبدأ الأسعار في الارتفاع مجددا في منتصف العام 2011 مع تحسن نمو الطلب على النفط، وفي ظل هذه الافتراضات، سيتراجع متوسط سعر النفط الكويتي من 73 دولارا للبرميل في الربع الثالث من العام 2010 إلى 68 دولارا في الربع الأول من العام 2011، قبل أن يرتفع مجددا إلى ما يقارب 75 دولارا في الربعين التاليين.
أما السيناريو الأكثر تشاؤما، فيفترض نمو الطلب بمقدار 0.8 مليون برميل يوميا فقط في العام المقبل بسبب ارتفاع مستوى البطالة باستمرار وتدهور الأوضاع الاقتصادية. ووفقا لهذا السيناريو، توقع «الوطني» ألا يرتفع سعر النفط الكويتي في الربع الثاني من العام 2011 ليبقى في نطاق الـ 65 دولارا للبرميل، بافتراض أن التراجع في الأسعار لن يكون حادا بما يكفي لحمل أوپيك على تغيير سياستها.
لكن في حال جاء فصل شتاء أبرد من المتوقع، فذلك سيؤدي إلى تغيير ديناميكية السوق بحلول العام الحالي، ليرتفع الطلب على النفط ما بين 0.1 و0.2 مليون برميل يوميا في الربع الأخير من العام 2010 والربع الأول من العام 2011، فينتج عن ذلك سحب أكبر من المخزون النفطي في بداية العام 2011، وبموجب هذا السيناريو، لن ينخفض سعر النفط الكويتي دون الـ 70 دولارا للبرميل، بل على العكس قد يرتفع أكثر من ذلك بكثير إذا ما فشلت أوپيك في زيادة الإمدادات.
ووفقا لهذه السيناريوهات الثلاثة، أشار «الوطني» إلى أن معدل سعر النفط الكويتي في السنة المالية 2010/2011 يبقى ضمن نطاق ضيق يتراوح بين 72 و73 دولارا للبرميل، وسيكون تأثير هذه الفروقات على الأسعار ملحوظا أكثر في العام المقبل.
مع ذلك، توقع «الوطني» ان تحقق الميزانية فائضا كبيرا جديدا مهما كان السيناريو، لافتا الى انه إذا جاءت المصروفات الحكومية الفعلية أقل من تلك المقدرة في الميزانية بما يتراوح بين 5% و10% كالعادة، فقد تحقق الميزانية فائضا يتراوح بين 2.3 و3.9 مليارات دينار العام الحالي، وذلك قبل استقطاع 10% من الإيرادات الإجمالية إلى صندوق احتياط الأجيال المقبلة، ويتباين ذلك بوضوح مع العجز البالغ 6 مليارات دينار الذي كان متوقعا في ميزانية 2010/2011، استنادا إلى سعر شديد التحفظ يبلغ 43 دولارا للبرميل.