أشار بنك الكويت الوطني في نشرته الاقتصادية الأخيرة إلى أن قطاع المستهلكين في الكويت تمكن من المحافظة على الانتعاش الذي بدأه في النصف الثاني من 2009، وواصل أداءه القوي في النصف الأول من العام الحالي.
وأوضح البنك أن قطاع الإنفاق الاستهلاكي استمر في الارتفاع عن مستوياته قبل عام، كما يبدو أن ثقة المستهلك قد تعززت أيضا. ورغم أن معدل التوظيف تأخر عن ركب النمو الذي شهده قطاع المستهلك، إلا أن إشارات إيجابية بدأت تظهر في هذا الاتجاه في النصف الأول من العام 2010. فيما واصل قطاع الأسر نموه البطيء.
ورأى «الوطني» أن الإنفاق الاستهلاكي حافظ على انتعاشه في العام الحالي، وارتفع الإنفاق ببطاقات الدفع عبر مراكز البيع
بنسبة 18% في الربع الثاني من العام الحالي مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، مع الأخذ في الاعتبار ان بعض هذا الانفاق قد يكون مرتبطا بإنفاق الشركات الصغيرة الحجم. وواصل الانتعاش الذي بدأ في الربع الثالث من العام الماضي على وتيرته القوية لثالث ربع على التوالي. ويشار إلى أن بيانات مراكز البيع، والتي لا تشمل معاملات ماكينات الصرف الآلي، قد تشكل مؤشرا جيدا على الإنفاق الاستهلاكي.
ولاحظ «الوطني» أن مؤشرات ثقة المستهلك تدعم أيضا النظرة التي ترى تحسنا في القطاع الاستهلاكي، إذ بقيت مستويات الثقة لدى المستهلكين مرتفعة نسبيا خلال معظم العام 2010. وسجل مؤشر «آراء» العام 111 نقطة في شهر يوليو الماضي، مرتفعا من 92 نقطة في شهر يناير. وكان هذا المؤشر الذي يقيس نظرة الناس إلى الاقتصاد وتوقعاتهم بشأن مسار إنفاقهم ودخلهم، قد تراجع إلى مستوى 81 نقطة في شهر ديسمبر من العام 2008 في خضم التباطؤ الاقتصادي. من جهة ثانية، أظهر مؤشر «بيت.كوم»، الذي يقيس ثقة المستهلك كل ثلاثة أشهر، مسارا مماثلا مرتفعا إلى مستوى 569 نقطة في شهر سبتمبر الماضي.
ورأى «الوطني» أن المسار الإيجابي لقطاع المستهلكين يبدو واضحا أيضا في تزايد وتيرة تكوين الأسر الكويتية خلال النصف الأول من العام الحالي، إذ ان المستهلك يكون أكثر ميلا إلى تأسيس أسرة إذا ما رأى تحسنا في وضعه المالي والوظيفي. وتسارع نمو عدد الأسر الكويتية من 1.9% في النصف الثاني من العام 2009 إلى 3.7% في النصف الأول من العام 2010، ولكن معدل النمو هذا مازال دون متوسطه لعشر سنوات والبالغ 4.3%.
وأشار الوطني إلى أن الانتعاش في الإنفاق الاستهلاكي قد لقي بعض الدعم من معدل التوظيف، رغم أن الصورة العامة مازالت تشوبها درجة من الضبابية. فقد ارتفع عدد الوظائف (المدنية) الجديدة بين الكويتيين في الربع الثاني من العام 2010 للمرة الأولى منذ بدء التباطؤ الاقتصادي، ليبلغ صافي عدد الوظائف الجديدة 4 آلاف وظيفة في هذا الربع. ولكن هذا العدد لم يكن كافيا للتعويض عن تباطؤ معدل التوظيف في الأرباع الثلاثة السابقة. ونتيجة لذلك، بقي نمو معدل التوظيف معتدلا وبلغ 4.9% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، مقارنة مع 6.3% قبل عام مضى. وفاق مجموع عدد الوظائف الجديدة في الـ 12 شهرا الأخيرة 12.300 وظيفة بين الكويتيين، أي أقل بنسبة 17% عن مستواه للفترة نفسها من العام الماضي. ويعتبر معدل التعيينات هذا الأدنى في السنوات الخمس الماضية، لكنه يؤشر إلى وجود امكانية لتحسن سوق العمل الكويتي.
من جهة ثانية، لاحظ «الوطني» أن معدل التوظيف بين غير الكويتيين (مقاسا بعدد المقيمين الحاصلين على إقامة في الكويت) كان متماسكا بعض الشيء، إذ حقق نموا بنهاية يونيو الماضي بواقع 4.1% مقارنة مع العام الماضي، حين شهد حجم القوى العاملة انكماشا. ويعزى هذا النمو إلى شريحتين من القوى العاملة، هما شريحة العمالة المحترفة من ذوي الدخل المرتفع وشريحة خدم المنازل. فيما استمر التراجع في معدل التوظيف لدى الشرائح الأخرى والتي تشكل صلب القوى العاملة غير الكويتية.
وارتفع معدل التوظيف في شريحة العمالة المحترفة من ذوي الدخل المرتفع من غير الكويتيين بواقع 4.4% بنهاية يونيو الماضي مقارنة بـ 2.1% قبل عام. وكانت هذه الشريحة، التي تشكل 13% من إجمالي القوى العاملة غير الكويتية، قد شهدت معدلات نمو تراوحت بين 9% و10% قبل التباطؤ الاقتصادي، كما كانت
الوحيدة التي واصلت النمو خلال الأزمة في وقت كان
معدل توظيف القوى العاملة غير الكويتية يشهد انكماشا. وشهد معدل توظيف غير الكويتيين في القطاع العام، والذين معظمهم من ذوي الدخل المرتفع، مسارا مماثلا، إذ ارتفع عددهم بواقع 4.7% بنهاية يونيو الماضي، مقارنة بـ 2.7% قبل عام.
وأشار الوطني إلى أن حجم العمالة المنزلية شهد ارتفاعا قويا بلغ 17% خلال النصف الأول من العام الحالي، مدعوما بشكل رئيسي بالطلب القوي وتزايد عدد الأسر. وكانت هذه الشريحة قد شهدت انتعاشا ضئيلا في معدل التوظيف خلال النصف الثاني من العام 2009، قبل أن يتسارع منذ ذلك الحين. ويذكر أن حجم العمالة المنزلية قد شهد أكبر انخفاض بين جميع شرائح القوى العاملة خلال الأزمة الاقتصادية، بلغ 11% بسبب السماح للمخالفين بتعديل أوضاعهم، فإنه ليس من المفاجئ أن تشهد هذه الفئة الانتعاش الأقوى من بين سائر الفئات.
ومع ذلك، لاحظ الوطني أن الانتعاش في معدل توظيف غير الكويتيين لا يشمل كل الشرائح. فالشريحة التي تتضمن حاملي الشهادات الثانوية وما فوق ارتفعت بنسبة 0.5% فقط بعد أن تراجعت بنسبة 1% خلال العام 2009، وكان النمو الايجابي قد تحقق غالبا في شريحة العمالة من ذوي الدخل الأعلى. وفيما عدا الشريحتين المذكورتين، يواصل معدل التوظيف تراجعه، إذ انكمش بنسبة 2.6% بنهاية يونيو مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، بعد أن كان قد تراجع بواقع 1.4% في العام الماضي.
ورأى الوطني أن صافي عدد القادمين عبر مطار الكويت الدولي (أي عدد القادمين ناقص عدد المغادرين على مدى 12 شهرا) يعتبر مؤشرا ـ ولو أوليا ـ على ضعف معدل التوظيف بين غير الكويتيين. لكن رغم المحاذير التي تشوب هذا المؤشر، إلا أنه يوفر قياسا تقريبيا لعدد القادمين إلى الكويت سواء للعمل أو للالتحاق بأسرهم، إذ ان النمو في القوى العاملة غير الكويتية لابد أن تنتج عنه أرقام إيجابية قوية لصافي عدد القادمين. ففي الفترة ما بين منتصف العام 2003 ومنتصف العام 2006، بلغ متوسط صافي عدد القادمين إلى الكويت 166 ألفا، فيما تراجع بواقع 12 ألفا في منتصف العام 2010. ورغم أن هذا الرقم يعتبر تحسنا مقارنة بالعام الماضي حين تراجع صافي عدد القادمين بنحو 23 ألفا، إلا أنه يبقى أقل بكثير مما نتوقعه حين يكون معدل التوظيف قويا.
الوظائف الجديدة
وأشار الوطني إلى أن القطاع الخاص حافظ على دوره كأكبر موفر للوظائف للكويتيين في العام 2010، وهو ما يقوم به منذ عدة سنوات. ففي الاثني عشر شهرا المنتهية في يونيو 2010، بلغت نسبة الوظائف التي وفرها القطاع الخاص 69% من مجموع الوظائف المدنية الجديدة للكويتيين. ولا يوجد ما يشير إلى تراجع دور القطاع الخاص في هذا المجال. فقد ارتفعت نسبة الكويتيين العاملين في القطاع الخاص إلى واحد من كل ستة موظفين كويتيين، بعد أن كانت هذه النسبة واحدا من كل 22 كويتيا.
تباطؤ نمو مديونية الأسر
وخلافا للنمو القوي في الإنفاق الاستهلاكي، تباطأ نمو مديونية الأسر في العام 2010. فقد بلغ معدل نمو هذه المديونية خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام الحالي (مقاسا لـ 12 شهرا) 3.8% مقارنة بـ 10.5% في العام 2009. وقد شهد الربع الثالث من العام 2010 ارتفاعا معتدلا في نمو مديونية الأسر إلى 4.8% (مقاسا ل12 شهرا)، ما يدعم الرأي القائل بوجود انتعاش إضافي.
ورأى الوطني أن هناك دلائل قوية تشير إلى انتعاش قطاع المستهلكين بوتيرة صحية في العام 2010، وذلك عقب الركود الذي شهده العام 2009، لكن تسارع وتيرة الانتعاش في الإنفاق الاستهلاكي يتطلب تحسنا أكثر قوة واستدامة في معدلات التوظيف ومستويات الثقة. وفي المدى المتوسط، توقع الوطني أن يعتمد النمو في هذا القطاع بدرجة كبيرة على وتيرة المصروفات الرأسمالية للحكومة وعملية الخصخصة، إذ من شأن ذلك أن يرفع معدلات الاستثمار والتوظيف، وبالتالي، الإنفاق الاستهلاكي في العام المقبل وما بعده.