أشار بنك الكويت الوطني في موجزه الاقتصادي الأخير عن أسواق النفط وتطورات الميزانية إلى أن سعر برميل الخام الكويتي ارتفع من 73 دولارا في أواخر سبتمبر الماضي إلى 79 دولارا في السادس من أكتوبر الماضي، قبل أن يحافظ على مستواه ويسجل 78 دولارا لكامل الشهر، لكنه استمر في الارتفاع خلال نوفمبر الجاري ليتجاوز مستوى 80 دولارا في أوائل الشهر، ويعتبر هذا الارتفاع تحولا كبيرا في مسار أسعار النفط نظرا إلى أن معدل سعر البرميل في الأشهر الأربعة الأخيرة كان أعلى بقليل من 70 دولارا.
ورأى «الوطني» أن هذا الارتفاع يبدو أكثر صلة بعوامل مالية منه بالأساسيات التي تحرك أسواق النفط، إذ جاء نتيجة ضعف الدولار، فقد تراجع سعر صرف العملة الأميركية بأكثر من 6% مقابل اليورو ما بين شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين، إثر توقعات بأن يبدأ مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي قريبا العمل مجددا بسياسة التسهيل الكمي التي اعتمدها سابقا، ما من شأنه أن يخفض قيمة أسعار النفط بالعملات الأجنبية أي بغير الدولار، وبالفعل، بلغ متوسط سعر الخام الكويتي مقوما باليورو لكامل شهر أكتوبر 56 يورو، أي عند مستواه نفسه للأشهر الثلاثة السابقة.
وإلى جانب هذه العوامل المتعلقة بتحرك العملات، ارتفع سعر النفط في أوائل نوفمبر الجاري عقب تلميحات وزير النفط السعودي بأن «أوپيك» قد تكون مؤيدة لارتفاع أسعار النفط إلى نطاق جديد أعلى من سابقه.
ولاحظ «الوطني» أن أسعار الخامات المرجعية الرئيسية ارتفعت بشكل مماثل في شهر أكتوبر، إذ بلغ متوسط سعر برميل خام غرب تكساس ونظيره مزيج برنت 82 دولارا و83 دولارا على التوالي خلال الشهر ذاته، أي بارتفاع بمقدار 5 إلى 7 دولارات عن متوسطها خلال سبتمبر، كذلك، تجاوز سعر مزيج برنت أيضا مستوى 85 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ مايو الماضي.
أسعار الوقود
أما بالنسبة لأسعار العقود المستقبلية، فجاء ارتفاعها أقل حدة، إذ ارتفع سعر برميل النفط الأميركي الخفيف تسيلم ديسمبر المقبل بمقدار 3 دولارات فقط بين سبتمبر وأكتوبر الماضيين، وقد تعكس هذه الفروقات المتضائلة بين السعر الفوري والسعر الآجل الاعتقاد بأن العوامل الكامنة وراء الارتفاع الأخير هي عوامل غير ثابتة ويمكن للوضع أن ينقلب بسهولة. كذلك رفع المحللون توقعاتهم لنمو الطلب على النفط هذا العام في ضوء البيانات الأخيرة، وتظهر التقديرات الأولية أن معدل الطلب على النفط في الربع الثالث من العام الحالي قد يكون زاد عما كان متوقعا في السابق بمقدار 0.9 مليون برميل يوميا، وذلك جراء الطلب القوي المفاجئ لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وقد دفع ذلك، إضافة إلى توقعات صندوق النقد الدولي بأن يحقق الاقتصادي العالمي نموا أقوى، بوكالة الطاقة الدولية إلى رفع توقعاتها لنمو الطلب على النفط في العام 2010 بمقدار 0.3 برميل يوميا إضافية، لتصل إلى 2.2 مليون برميل يوميا (أي بما نسبته 2.5%).
ولكن في المقابل، خفضت الوكالة نمو الطلب المتوقع على النفط في العام 2011 بمقدار 50 ألف برميل يوميا ليصل إلى 1.2 مليون برميل يوميا (وبما نسبته 1.4%)، وقد رفع مركز دراسات الطاقة الدولي توقعاته لنمو الطلب في العام 2010 أيضا بمقدار 0.3 مليون يوميا إلى 1.9 مليون برميل يوميا العام الحالي، ولو أنه يبقى أدنى من المعدل الذي تتوقعه وكالة الطاقة الدولية، ويأتي هذا النمو المعتدل المتوقع للطلب العالمي على النفط في العام المقبل نتيجة أثار السياسات المالية في الاقتصادات المتقدمة وتباطؤ النمو في الصين. وأشار «الوطني» إلى أن إنتاج أوپيك (باستثناء العراق) قد سجل خلال سبتمبر الماضي انخفاضه الشهري الثالث في الأشهر الخمسة الماضية، إذ تراجع الإنتاج بمقدار 143 ألف برميل يوميا ليصل إلى 26.67 مليون برميل يوميا.
وجاء هذا التدهور رغم الارتفاع الكبير في الإنتاج في فنزويلا والبالغ 112 ألف برميل يوميا، والذي قابله انخفاض أكبر في معظم الدول الأعضاء الأخرى، بما في ذلك أنغولا (107 آلاف برميل يوميا) وإيران (44 ألف برميل يوميا) ونيجيريا (33 ألف برميل يوميا) والسعودية (26 ألف برميل يوميا).
ورأى «الوطني» أن إنتاج أوپيك قد شهد استقرارا إلى حد ما منذ بداية العام، ورغم أن هذا الإنتاج يبقى أعلى من المستويات الرسمية المستهدفة بنحو 1.8 مليون برميل يوميا، فإن المنظمة قد تكون في طور التحول نحو مسار أقل تسامحا تجاه الدول الأعضاء التي ترفع إنتاجها دون الرجوع للمنظمة، ويكمن أحد أسباب ذلك في توقعات المنظمة بانخفاض نمو الطلب على النفط، والتي باتت تبدو قديمة بعض الشيء بعد المفاجآت التي تضمنتها البيانات الإيجابية الأخيرة، وهناك سبب آخر هو توقعات أوپيك بارتفاع إمدادات النفط من خارج المنظمة، إذ انها تتوقع أن ترفع هذه الدول إنتاجها بما فيه الغاز الطبيعي المسال التي تنتجها دول أوپيك بواقع 1.5 مليون برميل يوميا العام الحالي و0.8 مليون برميل يوميا العام المقبل، وتعتقد أوپيك أن هذا الارتفاع في إمدادات النفط قد يقلب موازين أسواق النفط المكتفية حاليا من حيث الإمداد.
وأشار «الوطني» إلى أن توقعاته لنمو الطلب على النفط مبنية على الإجماع القائم حول ارتفاع الطلب على النفط بواقع 1.6 مليون برميل يوميا في العام 2010 و1.4 مليون برميل يوميا في العام 2011، ويتوقع أن تزداد إمدادات النفط من الدول من خارج أوپيك كما تتوقع المنظمة، وتوفر هذه التطورات أسعارا ثابتة نوعا ما في الفترة المقبلة، مع تراجع طفيف في الطلب، ما يسمح بارتفاع متواضع للمخزون خلال الشتاء في الدول الشمالية، قبل أن تبدأ الأسعار بالارتفاع في النصف الثاني من العام 2011 مع انتعاش الطلب العالمي، ويتوقع أن يستقر سعر برميل الخام الكويتي عند نحو 76 دولارا في الأرباع الـ 3 المقبلة قبل أن يرتفع أكثر بعد هذه الفترة.
لكن «الوطني» أشار إلى أن ارتفاع إنتاج الدول من خارج أوپيك قد يأتي أقل بمقدار 0.2 مليون برميل مما ذكر سابقا، وذلك إما بسبب التأخير في المشاريع النفطية أو توقفها غير المتوقع، وفي هذه الحالة، سيتخطى سعر برميل الخام الكويتي عتبة الـ 80 دولارا في الربع الثاني من العام 2011، مع احتمال ارتفاعه إلى ما يقارب الـ 95 دولارا في النصف الثاني من العام المقبل، وبالنظر إلى تحركها الأخير لدعم الأسعار إلى نطاق أعلى من السابق على ما يبدو، فإن أوپيك قد لا ترى حاجة لتغيير سريع جدا في الإنتاج في حال ارتفاع الأسعار. ومن ناحية أخرى، فإن الأسعار قد تتراجع في حال جاء نمو الطلب على النفط في العام المقبل أقل مما هو متوقع حاليا (1.2 مليون برميل يوميا) والذي قد ينجم عن انخفاض المخزون الصيني، ووفق سيناريو كهذا، يمكن لسعر النفط الكويتي أن ينخفض إلى الحد الأدنى لنطاق أسعار أوپيك، أي إلى 72 دولارا للبرميل، مع حلول الربع الأول من العام 2011. وأشار «الوطني» إلى أن هذه السيناريوهات الـ 3 تضع متوسط سعر برميل الخام الكويتي ضمن نطاق ضيق يتراوح بين 74 و77 دولارا لكامل السنة المالية 2010/2011، لكن مع نطاق أوسع في السنة المالية المقبلة، وبهذا، يكون سعر برميل الخام ـ وفق أي من هذه السيناريوهات ـ أعلى بكثير من السعر المعتمد في الميزانية والبالغ 43 دولارا، وبالتالي سيخلق فائضا كبيرا جديدا في الميزانية. ولفت «الوطني» الى ان البيانات الصادرة مؤخرا للنصف الأول من السنة المالية الحالية تظهر أن الإيرادات الفعلية قد فاقت تلك المقدرة في الميزانية لكامل السنة، وإذا جاءت المصروفات الفعلية، كما يتوقع، أقل من تلك المعتمدة في الميزانية بما نسبته من 5% إلى 10%، فإن السنة الحالية ستشهد غالبا فائضا في الميزانية يتراوح بين 3.4 و5.3 مليارات دينار، وذلك قبل استقطاع مخصصات صندوق احتياطي الأجيال المقبلة، على رغم الزيادة الكبيرة في المصروفات على المشاريع والتحويلات الاستثنائية بقيمة مليار دينار إلى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.