أشار بنـــك الكويت الوطنـي في موجــــزه الاقتصـــادي الأخير حول أسواق النفط وتطورات الميزانية إلى أن أسعار النفط شهدت ارتفاعا في الشهر الماضي وفي أوائل ديسمبر الجاري رغم التقلبات التي مرت بها خلال هذه الفترة.
فقد ارتفع سعر برميل الخام الكويتي من 79 دولارا في بداية نوفمبر إلى ما يربو على 85 دولارا بحلول الثالث من ديسمبر الجاري، أي بنسبة قدرها 8%، وهو أعلى مستوى له منذ أكتوبر 2008، حين عصفت الأزمة المالية وأدت إلى تدهور الأسعار من المستويات القياسية التي كانت قد سجلتها.
ورأى «الوطني» أن حجم الطلب قد شكل الحافز الأكبر لارتفاع أسعار النفط، بما في ذلك الطلب الصيني القوي والمفاجئ على الوقود المستخدم للطاقة، وكذلك درجات الحرارة الباردة بشكل غير متوقع في أوروبا، والتي أشعلت الطلب على وقود التدفئة.
وبالتزامن مع ذلك، شهدت مستويات المخزونات الأميركية من النفط الخام تراجعا رغم أنها لاتزال مرتفعة مقارنة بمعدلها التاريخي، كما أن الارتفاع الأخير في أسعار النفط تزامن مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل اليورو، وذلك على نحو غير معهود، وبالنتيجة، ارتفع سعر برميل النفط مقوما باليورو بحوالي 8 يورو ليصل إلى 64 يورو في الشهر المنتهي في أوائل ديسمبر الجاري، متحررا من النطاق الذي تم التداول فيه في معظم هذه السنة وهو 50 – 60 يورو للبرميل الواحد.
ولاحظ «الوطني» أن أسعار الخامات المرجعية الأخرى حول العالم شهدت أداء مماثلا خلال الشهر الماضي، إذ تجاوز سعر برميل خام برنت 90 دولارا للمرة الأولى منذ عامين، وبلغ حوالي 92 دولارا في أوائل ديسمبر الجاري، وارتفع سعر خام غرب تكساس، وهو السعر الإسنادي الأكثر ارتفاعا عادة، بشكل أقل قليلا ليصل إلى 89 دولارا للبرميل.
ومع بلوغ الأسعار على ما يبدو نطاقا جديدا أعلى للتداول، بدأ الحديث عن مستوى 100 دولار للبرميل، ويعتبر المسار النزولي لأسعار النفط الخام الآجلة حتى نهاية العام 2013، والتي عكست اتجاهها للمرة الأولى منذ العام 2008 لتصبح الأسعار الآجلة أدنى من الأسعار الفورية، تأكيدا على سرعة تراجع العرض وارتفاع الطلب، وبالتالي ارتفاع الأسعار.
وقد دفعت التقارير التي تشير إلى ارتفاع الطلب العالمي على النفط مؤخرا ببعض المحللين إلى رفع تقديراتهم للطلب على النفط لكامل العام بشكل ملحوظ.، ويتوقع حاليا كل من وكالة الطاقة الدولية ومركز دراسات الطاقة الدولية أن يكون الطلب قد ارتفع بمقدار 2.3 إلى 2.4 مليون برميل يوميا العام الحالي، أي بنسبة 2.8% وبمقدار 0.2 و0.5 مليون برميل يوميا على التوالي مقارنة بتقديراتهما السابقة، وبذلك يكون 2010 قد سجل ثاني أقوى معدل في الطلب العالمي على النفط منذ ما يفوق 30 عاما.
ويتوقع أن يأتي نمو الطلب في العام 2011 أقل بكثير، مرتفعا ما بين 1.2 و1.5 مليون برميل يوميا بسبب تراجع بناء المخزونات، وتأثير تضييق السياسة النقدية على الطلب الصيني، والسياسات المالية الانكماشية المعتمدة على نطاق عالمي تقريبا، خاصة في أوروبا.
وبوجه عام، رأى «الوطني» أن معظم النمو سيأتي من الأسواق الناشئة، حيث يرى بعض المحللين أن الطلب من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سيستأنف تراجعه السنوي.وأشار «الوطني» إلى أن إنتاج أوپيك (باستثناء العراق) قد ارتفع بشكل ملحوظ في شهر أكتوبر بعد بقائه على حاله لمعظم العام الحالي، وازداد الإنتاج بمقدار 165 ألف برميل يوميا منذ شهر سبتمبر ليصل إلى 26.89 مليون برميل يوميا، وهو أعلى مستوى له منذ حوالي عامين، وقد ارتفع الإنتاج بشكل كبير في كل من أنغولا بمقدار 81 ألف برميل برميل يوميا ونيجيريا بمقدار 97 ألف برميل، وهما من أكثر الدول تخطيا لحصصها الرسمية في الإنتاج، بينما جاءت التغيرات في إنتاج الدول الأخرى متضاربة.
ويفوق إنتاج أوپيك مستويات الحصص المقررة بحوالي مليوني برميل يوميا، وفي الوقت ذاته تواصل المنظمة القول في بياناتها العامة إن العرض في السوق لايزال جيدا وإنها قلقة بشأن استمرارية الانتعاش الاقتصادي العالمي، وإضافة إلى ذلك، قد يفضل بعض أعضاء أوپيك قيودا أقل صرامة على الإنتاج فقط في حال تخطي سعر برميل النفط 100 دولار، ويعزى ذلك جزئيا لتأثير تراجع سعر صرف الدولار في انخفاض قيمة الإيرادات النفطية المقومة بالعملات المحلية.
وبحسب تقديرات «الوطني»، فقد ينمو الطلب على النفط بمعدل 1.3 مليون برميل يوميا في العام 2011، بعد أن نما بمقدار 2.4 مليون برميل يوميا في العام 2010.
وفي الوقت ذاته، يتوقع أن ترتفع إمدادات من الدول من خارج أوپيك بمقدار 0.6 مليون برميل يوميا في العام 2011، فيما سيرتفع إنتاج أوپيك من الغاز الطبيعي المسال، الذي لا يخضع لنظام الحصص، بمقدار 0.5 برميل يوميا.
ويبدو أن النتيجة النهائية لهذه التغييرات تشير إلى الحاجة لزيادة إنتاج أوپيك من أجل تفادي هبوط المخزونات في العام 2011، وقد يكون ارتفاع إنتاج أوپيك من النفط الخام بحوالي 0.5 مليون برميل يوميا، ربما برفع الإنتاج من الحقول العراقية التي أعيد تأهيلها، كافيا لإبقاء الأسعار تحت السيطرة.
وبموجب هذا السيناريو، يبقى سعر برميل الخام الكويتي أعلى بقليل من 80 دولارا للبرميل في الربع الأول والربع الثاني من العام 2011، وقد يرتفع قليلا في النصف الثاني من العام. وسيبلغ معدله لكامل السنة المالية 2010/2011، 77 دولارا نتيجة لذلك.
ورأى «الوطني» أنه إذا ما أبقت أوپيك على إنتاجها عند المستويات الحالية– إما بتصميم منها أو لأن الإنتاج العراقي لم يحقق التوقعات، فقد تشهد الأسعار ارتفاعا ملحوظا إضافيا، ولكن معظم الارتفاع سيحصل على الأرجح في النصف الثاني من العام 2011، حين تنخفض مستويات المخزونات التي تكون لاتزال مرتفعة حينها. وفي هذه الحالة، سيبلغ سعر برميل الخام الكويتي نحو 84 دولارا للبرميل في الربع الثاني من العام 2011، قبل أن يتخطى 100 دولار بحلول الربع الأخير من العام 2011، ولكن نظرا إلى عدم رغبة أوپيك في السماح للأسعار ببلوغ هذه المستويات، فمن المحتمل أن ترفع إنتاجها لمنع حدوث ارتفاع حاد كهذا في الأسعار. وفي المقابل، قد تنخفض الأسعار إذا ما جاء نمو الطلب على النفط في العام 2011 أقل من المتوقع، وهذا أمر منطقي بالنظر لطبيعة الظروف الاقتصادية غير المستقرة في دول عديدة، فإذا ما نما الطلب بمقدار 0.8 مليون برميل يوميا فقط في العام المقبل، فقد ينخفض سعر برميل الخام الكويتي دون 60 دولارا للبرميل في نهاية العام. ومرة أخرى، يأتي معظم التعديل في الأسعار بعد السنة المالية الحالية.
وأشار «الوطني» إلى أن هذه السيناريوهات تبقي سعر برميل الخام الكويتي في السنة المالية 2010/2011 ضمن نطاق ضيق يتراوح بين 75 و78 دولارا للبرميل، رغم أن فروقات أكبر بكثير قد تظهر في السنة المالية القادمة.
وعند هذا المستوى، يبدو أن الميزانية الكويتية ستشهد على الأرجح فائضا كبيرا آخر، رغم الزيادة الكبيرة في الإنفاق على المشاريع العام الحالي، وإذا جاءت المصروفات الفعلية أقل من تلك المعتمدة في الميزانية بنسبة 5% إلى 10%، كما يتوقع، فسيتراوح الفائض هذه السنة غالبا ما بين 3.5 و5.3 مليارات دينار قبل استقطاع مخصصات احتياطي الأجيال القادمة، أي ما يعادل نحو 9% إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع للعام الحالي 2010، كما سيكون الفائض السنوي الثاني عشر على التوالي في الميزانية.