قـال بنـك الكويت الوطني في نشرته الاقتصادية الأخيرة ان حصول قطر على حق استضافة كأس العالم في العام 2022 يعد واحدا من أكثر الأحداث الرياضية التي ستكون لها تأثيراتها الكبيرة على الاقتصاد القطري وبقية اقتصاديات دول الخليج.
وأشار «الوطني» الى انه قبل إعلان «الفيفا» عن فوزها بهذه الاستضافة، كانت قطر قد وضعت خطة لإنفاق 100 مليار دولار، أي حوالي 87% من الناتج المحلي الإجمالي، والذي يقدر في العام 2010 بالأسعار الجارية 115 مليار دولار، على إنشاء بنية تحتية أو تطوير البنية الحالية على مدى السنوات القليلة المقبلة، ويأتي هذا الإنفاق كجزء من الرؤية الوطنية الطموحة للبلاد في العام 2030 والتي تهدف إلى تحديث الدولة.وكجزء من الخطة، ستنفق الحكومة أكثر من 40 مليار دولار على المشاريع، فيما ستتكفل هيئات حكومية مثل قطر للبترول بدفع ما تبقى، وتشكل المشاريع الضخمة جزءا مما ستتضمنه الخطة، خاصة في قطاعي النقل والإسكان، وتتضمن الخطة شبكة قطارات وقطارات أنفاق بقيمة 25 مليار دولار، كانت أصلا مدرجة لتنجز مع حلول العام 2025، رغم أن بعض أجزاء هذا المشروع كان مخطط لها أن تنجز قبل ذلك.كما ان قطر الآن في مرحلة متقدمة من المرحلة الأولى من مشروع بناء المطار الجديد الذي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار، والمسمى مطار الدوحة الدولي الجديد، والذي سيحل لاحقا محل المطار الحالي، ومن المفترض أن تفتتح المرحلة الأولى من المشروع في أواخر العام 2011 أو بداية العام 2012، على أن يتم إنجاز المراحل اللاحقة بين عامي 2012 و2027، وسيكون لدى المطار الجديد عند اكتماله القدرة على خدمة 24 مليون مسافر سنويا.ومن المشاريع البارزة الأخرى، مرفأ بحري بكلفة 7 مليارات دولار ومعبر بقيمة مليار دولار يربط المطار بمشاريع في الجزء الشمالي من الدوحة، كما سينفق مبلغ 20 مليار دولار إضافي لبناء الطرقات وتوسيعها، وإضافة لذلك، توجد حاليا عدة مشاريع للإسكان قيد الإنشاء وهناك خطط لبدء المزيد منها لتأمين السكن لسكان قطر الذين يتزايدون بشكل هائل، إذ ازدادوا بنسبة 128% منذ العام 2004، حيث يبلغ تعداد السكان في قطر حاليا 1.7 مليون نسمة.
لفت «الوطني» الى ان من شأن استضافة كأس العالم قبل كل شيء أن تسرع من وتيرة تنفيذ المشاريع في قطر ووضع إطار زمني ثابت لها، وكخطوة أولى، أعلن المسؤولون في قطر إطلاق عدد كبير من المشاريع يبلغ 200 مشروع في مناطق مختلفة مع بدء الربع الأول من العام 2011، وتعهد المسؤولون أيضا بأن التحضيرات لكأس العالم ستدفع مشاريع القطارات وقطارات الأنفاق قدما وذلك من أجل التمكن من توفير خدمات المواصلات للأعداد المتدفقة من السائحين.وإلى جانب ذلك، قد يحظى الجسر الذي يصل بين قطر والبحرين بالضوء الأخضر لبدء العمل به بعد أن شهد تأجيلات عدة منذ الإعلان عنه. وتصل تكلفة هذا المشروع إلى 4 مليارات دولار.
وفي حين كانت المشاريع قد خطط لها بشكل مستقل عن كأس العالم 2022، ستستفيد قطر أيضا من الإنفاق الإضافي على مشاريع سيتم تنفيذها فقط من أجل كأس العالم. وستلقى قطر دعما غير متوقع من جهتين أساسيتين.
فمن جهة، ينص العرض المقدم على وجود 12 ستادا جاهزة مع حلول العام 2022. وتبلغ تكلفة إنشاء هذه الستادات 4 مليارات دولار، بما في ذلك 3 قائمة حاليا سيتم توسيعها، و9 جديدة سيتم بناؤها حسب أحدث المواصفات بسعة 43.000 لكل منها على الأقل، ومن جهة أخرى، تعتزم قطر بناء 90.000 غرفة فندق إضافية. ورغم أن متطلبات الفيفا تفرض على قطر بناء 65.000 غرفة فقط، إلا أن قطر قد تعهدت ببناء 25.000 غرفة إضافية لضمان سد الحاجة من هذه الناحية.
التأثيرات على الاقتصاد القطري
وستستفيد قطر بشكل ملحوظ من الإنفاق المخطط له حاليا، ومن تأثير استضافة كأس العالم، وأول ما سينتج عن هذه الاستضافة هو استمرار النمو الاقتصادي في وقت كان فيه النمو السريع الذي أحدثه بناء القدرات الهائلة في قطاع الهيدروكربون في السنوات الأخيرة على وشك أن ينتهي، وسيساعد هذا البرنامج العريض للإنفاق على تنويع الاقتصاد بعيدا عن مجال الهيدروكربون، كما سيتمكن القطاع الخاص من لعب دور أكبر، مقلصا بذلك إسهام الحكومة في الاقتصاد.
وسيساعد الاستثمار في البنية التحتية أيضا على التخلص من بعض أوجه القصور التي تراكمت في مجالات عدة، وذلك لأن التوسع في البنية التحتية لم يتمكن من اللحاق بركب النمو السريع للاقتصاد أو للسكان. وستعيد الاستثمارات الجديدة التوازن للاقتصاد وتساعد على تهيئة البنية لمزيد من النمو في المستقبل، ويبشر ذلك أيضا بالخير بالنسبة لخطط قطر في تعزيز السياحة لتصبح قطبا جاذبا في المنطقة.
وسيحدث الإنفاق أيضا ترددات هائلة في القطاع المالي في البلاد، إذ قد يكون القطاع المصرفي والاستثماري أحد المستفيدين الرئيسيين منه، فقد كانت المشاريع المدعومة حكوميا فعالة جدا في العام 2010 في مساعدة القطاع المصرفي على استعادة انتعاشه بسرعة عقب الأزمة المالية العالمية. وستمكن المخططات المستقبلية المصارف من إيجاد إيرادات مستدامة عن طريق إتاحة نمو في بيان الميزانية وزيادة التعاملات التي تخضع لرسوم. وقد ينتج عن هذا المخطط أيضا أسواق مالية أعمق مع لجوء العديد من الشركات لطرح أسهما للاكتتاب العام من أجل تأمين التمويل اللازم. وسيساعد هذا الأمر على تحسين درجة تنافسية قطر ومحاولتها لتصبح واحدا من المراكز المالية في المنطقة.وخلص «الوطني» للقول ان الفوائد ستكون أكبر بكثير من أي تحديات قد تنشأ، حيث ستحتاج قطر إلى معالجة أمور هيكلية بعد النمو الهائل الذي حققته في السنوات الأخيرة، كما ستحتاج لتمهيد الطريق للنمو المستقبلي، ومن شأن استضافة كأس العالم أن تسرع من تنفيذ المشاريع المرصودة وأن تحدد الأطر الزمنية لها، وكما من شأنها زيادة الإنفاق العام واستقطاب الخبرات الجديدة، وأن توفر المزيد من الدوافع والحوافز لتحقيق الرؤية الوطنية لقطر 2030.
التضخم قد يزيد خلال السنوات المقبلة
أشار «الوطني» في تقريره الى انه هناك دائما تحديات يجب أخذها بعين الاعتبار لدى تقييم مشاريع طموحة كهذه، فبداية، ينطوي الإنفاق المخطط له على خطر وضع ضغط قوي على مالية الحكومة في المديين القصير والمتوسط، وقد أصدرت الحكومة عدة سندات في السنوات القليلة الماضية وزادت من اقتراضها من المصارف المحلية. إضافة لذلك، وكما هو الحال غالبا، فإن الإنفاق الفعلي يميل نحو تخطي بنود التكلفة الواردة في الميزانية، مما قد يرفع التكلفة النهائية عبر السنين. ومع ذلك، فإن احتياطات الأصول الأجنبية الكبيرة لدولة قطر والإيرادات الضخمة من قطاع الهيدروكربون ستسدد ما ينتج عن أي ارتفاع حاد غير متوقع في تقييم الإنفاق.
كما أن زيادة النشاط الناتج عن المشاريع المخططة سيضع دون شك ضغطا تصاعديا كبيرا على أسعار السلع والخدمات في قطر، وهو عامل هام خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن التضخم في قطر قد تجاوز معدله في دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات التي تلت الفورة النفطية.
وآخر ما يجب الأخذ به هو الأصول المكلفة التي ستبقى بعد اختتام كأس العالم، فالستادات الاثني عشر التي ستبنى لهذا الحدث تتخطى احتياجات دولة بحجم قطر، رغم أن السلطات تنوي معالجة هذا الأمر عن طريق تفكيك بعض الستادات وإهدائها إلى دول أخرى ما ان ينتهي الحدث.وتواجه قطر أيضا محاذير الإفراط في بعض القطاعات، خاصة في عدد غرف الفنادق.ومع ذلك، كما ذكرنا سابقا، فإن صلب الإنفاق سيجد طريقه إلى مشاريع تحتاجها البلاد وإلى بناء البنية التحتية الصحيحة لقطر بغض النظر عن متطلبات كأس العالم، كما ستتكفل عوائد استضافة الحدث (سياحة، حقوق البث التلفزيوني، إلخ...) بتغطية قسم كبير من التكلفة الإضافية.
التأثيرات على المنطقة
اشار بنك الكويت الوطني في تقريره إلى أن فوائد استضافة كأس العالم في قطر ستطول المنطقة كلها، خاصة بالنسبة للعديد من المقاولين في المنطقة الذين جمعوا مخزوناتهم وعملياتهم فيها قبل التباطؤ الذي نتج عن الأزمة المالية العالمية.
وقد تدفع مشاريع التطوير العاملين في المنطقة الى الاندماج. وبالفعل فقد تم الإعلان عن أول عملية دمج عابرة للحدود بين شركة الخليج للمخازن وشركة «أجيليتي» والتي قد تشكل مبادرة لعمليات مستقبلية مماثلة، وستلقى التجارة داخل المنطقة دعما أيضا، إذ سيتم استيراد كميات كبيرة من المواد الأولية المطلوبة لبناء العديد من المشاريع من الدول المجاورة.
وستستفيد أيضا مؤسسات مالية كبيرة في المنطقة عن طريق المشاركة في تمويل هذا الكم الضخم من المشاريع وتوفير الخدمات المالية له، خاصة مع دخول شركات المنطقة أكثر فأكثر في تنفيذ المشاريع المختلفة وسعيها لتوفير التمويل المحلي والإقليمي.