تناول تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي أبرز تطورات أرقام الموازنة العامة منذ عام 1989 وحتى 2011 حيث ركز التقرير على معدلات النمو في النفقات العامة بالموازنة مستندا الى رسم بياني يعرض تطور اعتمادات النفقات العامة لـ 22 سنة مالية، وأوضح التقرير ان رقم اعتمادات المصروفات قد قفز ما بين أول سنة مالية والسنة المالية الحالية بنحو 5.4 أضعاف، ولكن هذا لا يعكس الواقع الأكثر خطورة، وهو ان اعتمادات النفقات العامة لم ترتفع خلال الاثنتي عشرة سنة مالية الأولى (1989/ 1990 – 2000/ 2001)، سوى بنحو 20% فقط، بينما ارتفعت خلال عشر السنوات المالية اللاحقة بنحو 4.5 أضعاف، ويظل الأعلى خطرا هو ما حدث من استمرار النهج نفسه، رغم الارتفاع الكبير في الأساس أو حجم النفقات العامة خلال آخر 6 سنوات مالية، حيث ارتفعت اعتمادات النفقات العامة بين السنتين الماليتين 2005/ 2006 – 2010/ 2011 بنحو 2.25 ضعفا، ولو استمر معدل نمو النفقات العامة للسنوات المالية الست القادمة، على مستواه، فإن ذلك يعني انه بحلول السنة المالية 2016/ 2017 ستبلغ اعتمادات النفقات العامة نحو 36.7 مليار دينار، وهو أمر مستحيل لأنها ستكون عملية تصفية وليست عملية بناء.
ولا بأس لو كانت النفقات العامة مستخدمة لوضع الأساس لتنويع مصادر الدخل، لأنها كانت ستؤدي الى خفض دور القطاع العام، تدريجيا، وخلق وعاء ضريبي لتمويل المالية العامة من إيرادات وأرباح قطاعات أعمال منتجة. ولكن ما حدث هو زيادة الفجوات الهيكلية، أي مزيد من الاعتمادات على القطاع العام، في الإنتاج والتوظيف، أو طغيان النفقات الجارية، ومزيد من التبعية لإيرادات بيع النفط الخام ومزيد من التدهور في التركيبة السكانية، ومزيد من تقويض تنافسية الاقتصاد.
أي ان خطر هذا الارتفاع الهائل في النفقات العامة يتمثل في ارتفاع وتيرة النمو، في السنوات الأخيرة، ما يعني نضجا عكسيا، وزيادة في تحقيق كل ما هو مخالف لأهداف الخطة التنموية والدراسات الوفيرة ذات الصلة، التي قدمت نصحا للحكومة الكويتية، والاستمرار في النهج المؤدي لهذا الارتفاع، وبالوتيرة نفسها، مستحيل، وذلك لما يعنيه من تكلفة سياسية – اجتماعية، في غاية الخطورة في المستقبل القريب، وما ينقصنا هو فارق الغيرة على مستقبل البلد، بين الإدارتين، ولا بأس من استعارة أفكار التجربة التركية بدلا من قيادة البلد الى المجهول، كما في تجربتنا الحالية.
الشركات الاستثمارية والعقارية أمام خيارين لا ثالث لهما في 2011 الموت الرحيم أو الدعم الحكومي بغرض الاستثمار!
ناقش التقرير رواج قطاعي الاستثمار والعقار مبينا انه كان زمن الرواج او زمن ما قبل انفجار ازمة العالم المالية في خريف عام 2008 هو الزمن الاكثر خطورة، حيث تحولت صناعة الارباح بعيدا عن العمل الانتاجي الحقيقي، وعمدت الى نفخ فقاعات لاصول حقيقية واخرى وهمية اكثر عددا وتم تمويلها باسراف من مدخرات الناس او ودائع لدى البنوك، ولو تأخر انفجار الازمة لكانت التكلفة اكبر كثيرا، ولأن العالم تصرف بحصافة هذه المرة انخفضت تكلفة الازمة الى حدودها الدنيا مقارنة بأزمات كبرى سابقة، وكان هم قيادات العالم هو وقف اي تكلفة غير ضرورية، وهو ما تحقق، وقد خدم ذلك اقتصادات الاقليم والاقتصاد المحلي، لأنه اعاد التماسك ثم الارتفاع الى اسعار النفط، ما جعلها حاليا تحوم حول الـ 90 دولارا للبرميل، وساهم في خفض تكاليف الازمة اقليميا ومحليا على نحو كبير.
واكثر القطاعات التي تعرضت للاصابة جراء الازمة هما قطاعا الاستثمار والعقار، ويختلف توقيت تعافي هذين القطاعين في الاقليم، فالتعافي اولا سيكون في قطر والسعودية بسبب السخونة الشديدة في الاقتصاد القطري، ولذلك المزيج من حجم الاقتصاد ومرحلة تطور صناعة الاستثمار وفجوة سوق العقار لمصلحة الطلب في الاقتصاد السعودي، وستلحقهما كل من الكويت والبحرين وعمان بسبب الدعم المحتمل من الاقتصاد الكلي للاولى، واثر الطلب من الدول المجاورة للثانية والاصابة الاخف والفجوة لمصلحة الطلب للثالثة، وتبقى الامارات حالة خاصة، فمن جانب هناك قوى دفع من اقتصاد ابوظبي الساخن رغم وجود فائض كبير في السوق العقارية، وهناك قوى شد من جانب دبي، ولا نعلم بوجود رؤية لخفض التكاليف الى حدودها الدنيا هناك.
وفي الكويت، لايزال مبدأ خفض التكاليف للضروري منها فقط غائب، فعلى الرغم من التعافي على مستوى الاقتصاد الكلي، ستعاني وحدات كثيرة في قطاعي الاستثمار والعقار وبعض هذه المعاناة مستحقة، فيما بعضها الاخير غير مستحق وغير ضروري، فخلال عام 2009 والارباع الثلاثة من 2010 حققت الشركات الاستثمارية المدرجة ما قيمته 867 مليون دينار خسائر و155.3 مليون دينار خسائر ايضا على التوالي والعقارية منها فقط 125.2 مليون دينار خسائر و30.2 مليون دينار ارباح على التوالي، وهو مؤشر على ما يعانيه القطاعان بشركاتهما المدرجة وغير المدرجة، وبعد اكثر من سنتين على الازمة لابد ان يكون لدى جهة حكومية ما تصور واضح حول اوضاع كل الشركات، ولابد ان تتخذ اجراءات ما بين الموت الرحيم ومبضع الجراحة وربما بعض الدعم بغرض الاستثمار، وهي اجراءات ستدعم وضع الشركات الجيدة التي ستتولى تعويض فرص العمل الضائعة من الشركات التي لا امل في بقائها او من تلك التي تحتاج دمجا واعادة هيكلة.
وترك الامور على حالها قد يؤدي الى تعثر شركات وافراد مليئين، فالعزوف عن تدخل حاسم سيجعل حالة عدم اليقين مستمرة ويجفف السيولة الضرورية على الشركات والافراد المليئين حاليا ويدفع الاقتصاد تكاليف عالية غير ضرورية، ويبدو ان تداعيات الازمة اصبحت كامنة في القطاعين، واحد المؤشرات على غياب اهمية الوقت قبل علاج ناجع هو ما ينشر يوميا حول شركات كبرى متوقفة لأكثر من سنتين، عند نقاش مشروعات واعادة نقاش مشروعات اعادة هيكلتها، وهو امر غير مفهوم خلالها قامت بنوك وشركات كبرى باعادة ديونها الى الحكومة الاميركية وبعض اوروبا، وحجم تلك البنوك والشركات ووضعها كانا اكثر تعقيدا من اوضاع الشركات الكويتية.
للفترة ما بين ديسمبر 2009 وديسمبر 2010
23% نسبة انخفاض الحسابات النشطة في «المقاصة» و42.6% هبوط في سيولة السوق
ذكر التقرير ان حسابات التداول النشطة في سوق الكويت للاوراق المالية المنشورة على موقع الشركة الكويتية للمقاصة شهدت هبوطا بنحو 23% ما بين ديسمبر 2009 وديسمبر 2010 فبعد ان كانت نحو 30012 حسابا نشطا انخفضت الى نحو 23065 حسابا نشطا، والقراءة الشهرية لحركة الحسابات النشطة توضح ان عدد الحسابات النشطة بدأ هبوطه في شهري يناير وفبراير 2010، وكان ذلك امتدادا لهبوط كبير في ديسمبر 2009 مقارنة بالشهر الذي سبقه (نوفمبر 2009)، ثم اكتسب السوق نشاطا في ثلاثة الاشهر اللاحقة (مارس وابريل ومايو 2010)، ثم بدأت مرحلة هبوط متصل امتدت من شهر يونيو حتى ديسمبر 2010، ورغم ان ارقام الحسابات النشطة او الخاملة ليست اهم مؤشرات نشاط السوق او خموله، الا انها تستحق التحليل.
فالحسابات النشطة تزيد عندما تكثر الاكتتابات العامة، ويروج التداول وتتسع مساحة التسامح مع التداولات الوهمية، ما يعني ان زيادتها ليست بالضرورة صحية وقراءة تطورات ارقامها خلال الاثني عشر شهرا الاخيرة تثبت هذه الخلاصة، ففي اواخر العام الفائت 2009 انحسر التداول مع تعثر صفقة زين فيفاسي وبداية ازمة ديون دبي العالمية، وانعكس ذلك سلبا على اعداد الحسابات النشطة، وفي ربيع عام 2010 نشط التداول بسبب صفقة اصول زين الافريقية ورواج اسواق العالم، واستمر حتى مايو، وخفت مع بداية ازمة ديون اوروبا السيادية.
وبدءا من يونيو حتى ديسمبر 2010 بدأ الانخفاض الحقيقي في الحسابات النشطة وتزامن هذا الانخفاض مع انحسار كبير في سيولة السوق بسبب بدء الحديث عن نفاذ قانون هيئة اسواق المال وحدث مع بداية الفترة هبوط كبير في التداولات الوهمية خوفا من العقوبات المغلظة في القانون الجديد، وهو امر يمكن ان يفسر صحيا، لان هناك حسابات فتحت فقط للتغطية على عمليات التداول الوهمي.
ورغم انه مبرر كاف على انه انخفاض صحي الا ان الانخفاض النسبي في الحسابات النشطة، ما بين ديسمبر 2009 وديسمبر 2010، بلغ نحو 23% بينما هبطت سيولة السوق في عام 2010 بنحو 42.6% او اقل قليلا من ضعف الانخفاض في الحسابات النشطة، اي انه انخفاض نسبي صغير والمقياس الاهم لنشاط السوق هي سيولته واثر هذه السيولة على مؤشره، وكما نعلم فإن انخفاض السيولة في عام 2010 انعكس على توجيهها الى التداول الحقيقي، وكافأ شركات التشغيل المنتجة ويبقى انخفاض عدد الحسابات النشطة مؤشرا يستحق المتابعة ولكنه يمكن ان يقرأ ايضا على انه تطور ايجابي ما لم تتحول المؤشرات الاخرى الى الاتجاه السلبي.
ضرورة الاستعانة بالنموذج الاقتصادي لتركيا والنظر إلى طموحاتهم الاقتصادية لعام 2020
أشار التقرير الى النموذج التنموي التركي الناجح، مطالبا بضرورة الاستعانة بها، ممتدحا الانجاز الكبير الذي حققته تركيا منذ تولي الحكومة الجديدة للسلطة، مبينا ان حجم الناتج المحلي الاجمالي تضاعف اسميا بنحو 3.2 أضعاف، خلال 8 سنوات، من نحو 230 مليار دولار، الى نحو 740 مليار دولار، عندما تصدر البيانات الرسمية عن كامل 2010. وحقق الاقتصاد التركي معدل نمو يزيد عن 8% أي قريبا من معدل نمو الاقتصاد الهندي، في عام 2010 وتسعى الحكومة التركية الحالية الى تعظيم حجم الاقتصاد التركي ليحتل الترتيب العاشر في العالم، بحدود 10 سنوات قادمة، وهو الاقتصاد الذي يقبع في الترتيب السادس عشر حاليا.
ولكن ما يستحق الاشادة وكان سببا فيما حققته وتحققه تركيا هو ذلك الانقلاب في نمط التفكير المشابه لما حدث في الصين في ثمانينيات القرن الفائت، ثم بعدها في كل من الهند والبرازيل وهو انقلاب جوهري، أفضى الى تسييد تفكير عميق وذكي وغير أناني، لأنه يركز على صناعة دولة متفوقة وليس عبادة أصنام بشرية.
وفي تركيا يحكم حزب اسلامي ولكنه ملتزم تماما بنصوص دستور علماني وضعي يحاكي في محتواه وتطبيقاته التجربة الغربية، في تحول من حكم هيمن عليه العسكر تحت حجة حماية العلمانية بعد تجربة دولة الخلافة المحبطة. ويظل الهوى التركي ـ رغم كل نشاط تركيا باتجاه الشرق ـ وسيظل كذلك كما نعتقد، عربيا لعشر سنوات قادمة، على الاقل، وما لم يتم قبول تركيا خلالها ضمن مشروع الوحدة الاوروبية سيكون بديلها جاهزا بالاندماج مع الشرق دون حاجة لاستجداء الغرب والواقع انه ذكاء مفرط، من جانب الادارة التركية دمج اهداف المدى القصير بأهداف المديين المتوسط والطويل فرئيس الوزراء التركي يقول: اذا كانت قطر ستنفق 140 مليار دولار، خلال السنوات العشر المقبلة، فأنا ضمن وفد من 500 سياسي ورجل اعمال أزورها، لأبين أننا قادرون على التعاون لتنفيذ مشروعاتها، فتركيا على المدى القصير حاضرة لاستقبال رؤوس الاموال وتنفيذ عقود المشروعات وزيادة حجم التبادل التجاري وعلى المدى المتوسط ضامنة لإمدادات الطاقة، وعلى المدى الطويل، حاضرة لإصدار شهادة بأن 80% من حصيلة صادراتها السلعية مع الغرب حاليا، أصبحت في المرتبة الثانية، وعلى الغرب ـ ان أراد مدخلا الى الشرق ـ أن يلجأ اليها.
والأتراك يعرفون ان الثقل الاقتصادي ينتقل الى الشرق بوتيرة أسرع مما كان قبل أزمة العالم المالية، ويعرفون ان التنافس مع الشرق يحتاج الى انتاج سلعي وخدمي يتفوق في النوعية ومقارب للسعر. ويعرفون ان موقعهم على بوابة الشرق من الغرب أو العكس أمر ـ لو أحسنوا ادارته ـ يمنحهم حظوة لدى الطرفين، كما يعطيهم مدخلا على تفوق نوعية الانتاج الغربي، ويجعلهم حريصين على الحفاظ على تنافسية اقتصادهم بضمان السيطرة على التكلفة أو أسعار إنتاجهم أسوة بالشرق. وبقدر ما يبذلون من جهد مبكر لتعظيم كل عوامل القوة لديهم، حاليا بقدر ما يصبح هدفهم الطموح ببلوغ حجم اقتصادهم المرتبة العاشرة في العالم بحلول عام 2020، هدفا قابلا للتحقق رغم اتساع أفق هذا الطموح.