محمود فاروق ـ شريف حمدي ـ محمد البدري ـ أحمد يوسف
في سابقة هي الاولى من نوعها بسوق الطيران المحلي أعلنت الخطوط الوطنية تعليق عملياتها ووقف جميع رحلاتها دون سابق انذار الامر الذي أثار الدهشة والاستغراب لدى جميع الجهات المعنية بالقرار من مسافرين والادارات العاملة بالشركة سواء بالكويت او بالخارج فضلا عن الجهات الحكومية المسؤولة عنها، الامر الذي دعا الجميع الى التساؤل عن الاسباب التي أدت الى ذلك الايقاف المفاجئ دون سابق انذار وهل ستستطيع الشركة معاودة عملها بعد الخسائر الفادحة التي لحقت بها خلال الفترة الماضية والخسائر المتراكمة عليها منذ عام 2009؟ لقد فرضت شركة الخطوط الوطنية على الجميع أسئلة لا يستطيع احد أن يتكهن باجابتها سوى مجلس ادارة الشركة في وقت أعلنت فيه الشركة عدم الاتصال المباشر بها الا عن طريق البريد الالكتروني دون معرفة الاسباب الامر الذي اثار ربكة في جميع شركات السياحة والسفر على المستويين المحلي والاقليمي، «الأنباء» رصدت الظاهرة الاولى من نوعها في السوق الكويتي وسألت مجموعة متنوعة من الخبراء الاقتصاديين والمتخصصين في قطاع الطيران لمعرفة اسباب التوقف المفاجئ لرحلات شركة الخطوط الوطنية، وما الحلول السريعة لانقاذها من الافلاس؟ التفاصيل في التحقيق التالي:
بداية قال رئيس مجلس الادارة لشركة المزايا القابضة رشيد النفيسي ان الاوضاع السياسية في العديد من الدول العربية كان لها تأثير كبير ومباشر على استمرارية هذه الشركة، كونها تعتمد على الدول العربية بشكل مباشر.
واضاف أن اسعار النفط تعتبر من الاحداث التي كان لها تأثير كبير على الاداء التشغيلي للشركة خاصة انها لا تحصل على أي دعم، غير انه اكد أن ارتفاع اسعار النفط من الاسباب الثانوية لان اسعار النفط ارتفعت بالنسبة لكل شركات الطيران في العالم وليس بالنسبة للخطوط الوطنية فحسب، غير انه بالنسبة للشركة زاد من اعبائها التشغيلية في وقت انخفضت فيه ايراداتها.
ولفت النفيسي الى أن شركات الطيران كي تتجنب خطر الافلاس عليها أن تستعين بادارات ذات كفاءة عالية لرسم سياساتها التشغيلية التي تضمن لها تحقيق الارباح او عدم الخسائر الفادحة في سنوات التشغيل الاولى على اقل تقدير.
واشار الى ضرورة الاعتماد على ادارات المخاطر في جميع الشركات ذات الانشطة المختلفة بما فيها شركات الطيران.
إجراءات روتينية
اما العضو المنتدب لشركة ايفا للطيران فؤاد دشتي فقال ان هذا الامر كان متوقعا ان تشهده صناعة الطيران المحلي في ظل الاجراءات الروتينية وأسلوب التعامل الذي تشهده شركات الطيران الخاصة، مشيرا في هذا الصدد الى أسعار الوقود المرتفعة التي تدفعها طائرات الشركات الخاصة ومن ضمنها الخطوط الوطنية بالمقارنة مع اسعارها المنخفضة في الخارج وانها أحد أهم الاسباب الرئيسية وراء الخسائر التي تعاني منها «الوطنية».
وعبر دشتي عن أسفه لقرار «الوطنية» بالتوقف ولكنه استطرد قائلا «هذا الأمر كان متوقعا» ولم يستبعد ان تلجأ أي شركة أخرى سواء بالكويت او بدول مجلس التعاون الخليجي ايضا الى ايقاف رحلاتها في حال استمرار الخسائر وعدم ايجاد حلول مناسبة للمعوقات والمشاكل التي تواجهها هذه الصناعة.
نتائج سلبية
من جهة أخرى قال الخبير في قضايا الطيران كابتن سامي النصف ان ما حدث مؤخرا لشركة الخطوط الوطنية يأتي في سياق عام، حيث تضافرت مجموعة من المتغيرات والعوامل أدت الى وصول الأمور إلى ما آلت إليه وأوضح النصف انه بداية لابد وأن ندرك أن سوق الطيران المحلي في الكويت هو سوق صغير بالأساس ومن ثم يصبح من الصعوبة بمكان أن يعمل به هذا العدد الكبير من شركات الطيران، لاسيما اذا ما علمنا أن الوصول للربحية في مجال شركات الطيران خاصة في منطقتنا هو أمر بالغ الصعوبة عموما ويزداد الأمر صعوبة مع زيادة عدد الشركات المتنافسة في سوق محدود.
من ناحية أخرى، ساهم الارتفاع السريع والكبير في اسعار النفط بالتأثير سلبا على مجمل شركات الطيران ومنها الخطوط الوطنية.
واضاف النصف أنه من الأمور الأخرى التي يمكن أن تفسر ما آلت إليه أمور «الخطوط الوطنية» هو أنه تم منحها ترخيصا على عجل دون النظر جيدا في مدى المنافسة داخل سوق الطيران المحلي.
وحول سيناريوهات المستقبل، قال ان هناك الكثير من الاحتمالات بالنسبة للمسار المستقبلي لشركة الخطوط الوطنية.
ومن بينها سيناريو إعادة هيكلة الشركة من خلال تقليص عدد الطائرات المملوكة لها او تأجيرها، مؤكدا الحاجة الماسة لوجود دعم من الحكومة لشركات الطيران المحلية سواء كانت شركات حكومية أو خاصة، بحيث يكون هذا الدعم في شكل خفض اسعار الوقود وتقليل كلفة خدمات الشحن والصيانة وغيرها، مبينا ان هذا الأمر موجود في مختلف دول العالم، فقد شاهدنا كيف تدخلت الحكومة الأميركية لانقاذ شركات السيارات التي تعثرت خلال العامين الأخيرين، ونفس الأمر نجده في المملكة المتحدة ايضا.
ارتفاع أسعار الوقود
من جهة اخرى قالت مدير عام شركة برقان للسياحة والسفر داليا جمعة ان قرار مجلس ادارة الخطوط الوطنية بتعليق جميع عملياتها سيؤثر على أكثر من 38 ألف راكب يتعاملون مع الخطوط الوطنية في جميع محطاتها الداخلية والدولية، مبينة ان اسباب التوقف ترجع إلى ارتفاع أسعار الوقود والمنافسة على اسعار التذاكر، فضلا عن تأخر حزمة المساعدات الحكومية التي طلبتها الخطوط الوطنية التي تتمثل في دعم أسعار وقود لطائرات الوطنية وتقديم الدعم اللازم للتشغيل وكذلك الرفع التدريجي لسقف أسعار تذاكر الرحلات الخارجية بالإضافة إلى التمويل الضروري لإطفاء الخسائر المتراكمة.
ورأت جمعة ان من الحلول التي يجب ان يقوم بها مجلس ادارة الخطوط الوطنية السعي إلى إيجاد مستثمرين استراتيجيين على استعداد للاستثمار في الشركة وضخ السيولة الضرورية التي بدورها تمكن شركة الخطوط الوطنية من التشغيل والتطوير، والمضي قدما في مواصلة عمليات التشغيل ومن ثم العودة إلى التداول في سوق الكويت للأوراق المالية.
انعكاسات سلبية
من جانب آخر قال الرئيس التنفيذي لشركة طيران «ناس» سليمان الحمدان ان قرار توقف «الخطوط الوطنية» عن التشغيل ستكون له انعكاسات سلبية على صناعة الطيران والسفر في الكويت وبالتالي فإن توقف الشركة هو بمثابة ضربة موجعة لصناعة الطيران، مشيرا إلى ان المعوقات والمشاكل التي تواجهها صناعة الطيران الاقتصادي في الكويت واضحة وتتمثل في عدم الدعم الحكومي وارتفاع أسعار التشغيل لاسيما أسعار الوقود وعمليات الصيانة.
وأضاف قائلا: للأسف ان بعض الجهات الحكومية عندما تضع خططا واستراتيجيات وأنظمة لا تشرك العاملين في هذه الصناعة أو تلك في وضع اقتراحاتهم عليها وبالتالي تكون نتيجتها سلبية وتؤثر هذه القوانين والأنظمة على العاملين في هذه الصناعة، فضلا عن الضغوط والعوامل السوقية التي أدت إلى تدني مستوى أسعار تذاكر الطيران بالإضافة إلى انخفاض في مستوى حركة الركاب الجوية خلال الفترة من أكتوبر 2009 إلى يناير 2011، وعلى الرغم من أن إيرادات الشركة قد شهدت ارتفاعا كبيرا خلال موسم الصيف، إلا أنها لم تكن كافية للتعويض عن الخسائر العالية التي نجمت عن الفترة الماضية.
أما عضو مجلس إدارة شركة المشاريع العقارية الكبرى (جراند) اياد السري فقال ان هناك خطأ استراتيجيا تسبب فيما آلت إليه الأوضاع في «الخطوط الوطنية»، مشيرا إلى أن هذا الخطأ يتمثل في قيام الشركة باستهداف شريحة محددة من المستخدمين وهي شريحة النخبة التي تمثل نحو 10% وتركت الغالبية العظمى، الأمر الذي أدى إلى تراجع إيرادات الشركة بشكل لافت.
وأضاف السري أن هناك عوامل مساعدة أدت إلى إفلاس الشركة وهو ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير ما زاد من التكاليف التشغيلية بشكل كبير، مبينا أن هناك عاملا مساعدا آخر وهو زيادة حدة التوترات السياسية في المنطقة العربية وهو ما أدى الى توقف عدد من الرحلات للأسواق الرئيسية التي تستهدفها الشركة خاصة السوقين المصري والبحريني.
وأشار إلى أن المطلوب لتجنب خسائر شركات الطيران هو ضغط التكاليف إلى أقصى درجة ممكنة بما يتيح لهذه الشركات تحقيق ارباح خاصة انها تقدم عروضا على مدار العام في ظل المنافسة مع الآخرين.
جهد كبير
من جهته أوضح نائب رئيس إدارة الأصول الخليجية في بيت الاستثمار العالمي (جلوبل) بدر الغانم أن ابرز أسباب توقف شركة الخطوط الوطنية عن نشاطها هو ضعف قدرتها على المنافسة في ظل عصر الأجواء المفتوحة.
وقال ان صناعة الطيران بشكل عام تعتبر من الصناعات الصعبة في العالم بأسره وليس في الكويت فحسب، مشيرا إلى أن تحقيق الأرباح فيها يحتاج إلى جهد كبير.
وذكر أن «الوطنية» شركة حديثة العهد ولاتزال تعاني من تكاليف التأسيس وانها شهدت ظروفا صعبة تمثلت في الأحداث السياسية التي ألقت بظلالها الصعبة على كل المجالات الاقتصادية في المنطقة العربية ما أثقل كاهل الشركة بالأعباء، مشيرا إلى أن ارتفاع أسعار النفط كان من العوامل السلبية التي تعرضت لها الشركة.
وأشار الغانم إلى ان «الخطوط الوطنية» حاولت تقديم كل خدمات الطيران المتكامل في وقت تسعى فيه شركات منافسة الى تقديم اقل الخدمات، ما وفر لهذه الشركات ميزة نسبية جعلتها محط اهتمام العملاء مقارنة بالخطوط الوطنية وبالتالي صعوبة الاستمرار.
وأوضح أن التخطيط السليم والقدرة على تحقيق الأهداف من أهم أسباب الاستمرار والمنافسة وهو ما يجنب شركات الطيران الإفلاس، فضلا عن إجراءات أخرى مساعدة منها تكاليف مصاريف التشغيل والاعتماد على العمالة اللازمة فقط من دون زيادة لا مبرر لها، وكذلك محاولة تكوين مخزون لمواجهة ارتفاع أسعار النفط.
الديون والتدفقات
من جانبه قال رئيس مجلس إدارة شركة «أعيان» للإجارة سليمان الوقيان ان عدم وجود ربط بين الديون والتدفقات النقدية التي تعود على الشركة جراء عمليات التشغيل كان من أهم أسباب فشل الشركة في الاستمرار.
وأضاف أن تكاليف التشغيل كانت على ما يبدو أعلى بكثير من الإيرادات وهو ما أدى إلى التوقف المفاجئ من دون سابق إنذار، مشيرا إلى أن الأوضاع السياسية وارتفاع أسعار النفط عززا من زيادة الفجوة بين تكاليف التشغيل والإيرادات.
وأشار الوقيان الى أن الإجراءات المطلوبة لتجنب شركات الطيران خطر الإفلاس تبرز في عدم التوسع في ظل ضعف السيولة، مشيرا إلى ان التوسع لابد أن يكون مدروسا بعناية وليس بشكل عشوائي.
من جانبه، قال خبير الطيران في مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية م.عبدالمانع الصوان ان ارتفاع أسعار وقود الطائرات يشكل عبئا كبيرا على ميزانيات شركات الطيران.
وأضاف ان نسبة من 30 إلى 40% من ميزانيات شركات الطيران تذهب إلى أسعار وقود التشغيل، وان شركات الطيران تلجا الى الشراء بالأجل عندما تنخفض أسعار الوقود عالميا.
وأكد على ان التحديات التي تواجه شركات الطيران في السوق المحلي كثيرة، لاسيما ان هناك تنافسا شرسا بين الشركات العاملة بالإضافة الى حرب في أسعار تذاكر الطيران بأقل من سعر الكلفة، وهو ما يحملها أعباء لا تتحملها على المدى الطويل.
وأشار إلى ان بعض شركات الطائرات تلجأ الى عقود صيانة خارجية، وان عدم امتلاك هذه الشركات لهناجر للصيانة يزيد ويضيف اعباء كبيرة تتمثل في كلفة الصيانة.