بيروت ـ عمر حبنجر
عيد الجيش في لبنان، صنو عيد الاستقلال ورديفه وقرينه، فلا استقلال فعليا دون جيش وطني العقيدة عالي المعنويات، ولا جيش وطنيا قادرا على ممارسة الدور الذي يتطلع إليه شعبه، ويتأمله منه ويراهن عليه من أجله، في ظل استقلال مشوب بالوهن، أو غير كامل الأوصاف.
اليوم، الأول من أغسطس، لبنان في عيد جيشه، أو بالأحرى معيّد مع جيشه، ولو باللون القاتم. انها دورة شهداء الجيش في الحرب على الإرهاب الذي تسلل الى محافظة الشمال بجلباب منظمة تتلطى بحجاب الإسلام، ما أضطر القيادة الى كسر القاعدة البروتوكولية، القائلة باعتماد اللباس الأبيض أو الفاتح في عيد الجيش، تعبيرا عن الغبطة والفرح، فأمام تضحيات من تحمل هذه الدورة أسماءهم ينحني البروتوكول احتراما وإجلالا.
بين عيد الجيش في الأول من أغسطس، وعيد الاستقلال الثاني والعشرين من نوفمبر 4 شهور تقريبا، ومع ذلك فإن الإحساس برهبة الاستقلال وبالحنين إليه، يبدأ مع عيد الجيش الذي يبدو الاحتفال به عشية الاستقلال كاللازمة الموسيقية للنشيد الوطني.
هذا التكامل بين الجيش والاستقلال، ناجم عن كون المؤسسة العسكرية احد اقوى مرتكزات الاستقلال، الى جانب وحدة الأرض والشعب والمؤسسات والإرادة الوطنية الجامعة، الجيش يأتي في مقدمة المؤسسات المكونة للدولة، انطلاقا من موقعه كرمز للسيادة والاستقلال، ومن وظيفته الأساسية كحام للدولة وللقيم الوطنية الأساسية العليا، وحام للعافية الوطنية المتجسدة بالسلم الأهلي وبالعيش المشترك، بوجه الفيروسات المستوردة والذئاب الشاردة، الغائرة أنيابها في جلد مقومات الدولة، القافزة فوق القوانين باسم القوانين وفوق العدالة باسم الحقيقة الضائعة.
الجيش الذي هو رهان الاستقلاليين في كل مكان وزمان، هو أيضا رهان اللبنانيين على صون السيادة والاستقلال، وهو الى جانب مهماته الأساسية، أي الدفاع الوطني، يتولى في لبنان مهمات أمنية مؤازرا قوى الأمن الداخلي التي شهدت في مرحلتها القيادية الراهنة تقدما باهرا تحت راية اللواء أشرف ريفي والقادة الآخرين، وضمن هذه المهمات الأمنية، بل وفي طليعتها مواجهة الإرهاب ومكافحة التجسس. اضافة الى المهمات الإنمائية والإغاثية المتعددة الجوانب.
هذه المهمات برزت ميدانيا وعملانيا في زمن قيادة الرئيس ميشال سليمان، لكنها تبلورت أكثر في عهد قيادة العماد جان قهوجي، الدائم الحركة والاتصال، من ثكنة إلى ثكنة ومن موقع الى موقع، رافعا شعار «المعنويات ليست أقل أهمية من المعدات»، بدليل ضياع جيوش الأعتدة الضخمة والمعدات الخرافية، أمام دبيب المعنويات الإنسانية والمفاهيم الوطنية المعتمدة على سلاح المشاعر الصادقة، والأحاسيس النقية، الخالية من ملوثات الزمن الحاضر في أكثر من جبهة مفتوحة ومكان مشتعل.
تجديد القسم وصون العلم
في التعريف عن الجيش وواجباته ومهماته يقول موقع مديرية التوجيه في قيادة الجيش.
عاما تلو عام، والشجرة تزهر وتثمر، وكأنها في ربيع دائم، عابر لكل المواسم والفصول.
عاما تلو عام، والشجرة بجذورها الضاربة في الاعماق تحفظ الارض، وبأغصانها الشامخة نحو السماء، تظلل مساحة الوطن من اقصاه الى اقصاه.
انها شجرة الجيش في سنواتها الاربع والستين، تحرسها سواعد الابطال، وترويها دماء الشهداء كلما زغرد النفير، لتظل باسقة خضراء، تنضح بعطر السيادة والحرية والاستقلال.
وصاحب العيد في صمته المدوي ينادي: هذا ارثي وتلك انجازاتي وتضحياتي، وهأنذا اجدد قسمي واعلنه على الملأ، ان اصون العلم بالمهج والارواح، وابقى الاكثر حبا لألوانه، والاوفى لمعانيه، والاشد تضحية في سبيل الحفاظ على كرامته وعنفوانه.
نواة الجيش اللبناني
في 15 نوفمبر من العام 1916، انشأت الحكومة الفرنسية فرقة الشرق في الجيش الفرنسي، التي انضم اليها مئات اللبنانيين، فشكلوا داخلها حالة لبنانية مميزة، وفي 26 يناير من العام 1926، انشئ فوج «القناصة اللبنانية» الذي شكل نواة الجيش اللبناني.
كان الضباط اللبنانيون على درجة عالية من الوعي والمسؤولية، ترجمت برفضهم الانصياع لسلطة الانتداب، وفي 26 يوليو من العام 1941، تنادى اربعون ضابطا منهم، واجتمعوا في بلدة ذوق مكايل، ورفعوا الصوت بالولاء للوطن، رافضين ان يكونوا اداة لتحقيق مصالح الاجنبي، او طرفا في الحرب الدائرة بين الفرنسيين التابعين لحكومة فيشي من جهة، والفرنسيين التابعين لحكومة فرنسا الحرة «الديغوليين» وحلفائهم الانجليز من جهة اخرى، ثم وقعوا وثيقة تاريخية، اقسموا فيها انهم لن يعملوا الا في سبيل لبنان، ولن يكون لهم علاقة الا مع حكومته الوطنية.
قبيل اعلان استقلال لبنان في 22 نوفمبر من العام 1943، ضمت القطع العسكرية اللبنانية المختلفة الى وحدة كبرى، هي اللواء الخامس بقيادة العقيد فؤاد شهاب، وبعد الاستقلال وضع فوج القناصة اللبنانية الثالث، بتصرف حكومة الاستقلال بغية حفظ الأمن، وبقي عظيم القوى المسلحة مندمجا في جهازية الجيش الفرنسي.
بعد مضي سنة ونيف على الاستقلال، شكلت الحكومة اللبنانية وفدا رسميا ليفاوض الفرنسيين حول تسلم الجيش اللبناني، بدأت المفاوضات في 12 يوليو من العام 1945 في سراي شتورة، وانتهت في 31 من الشهر نفسه، بصدور قرار عن «هيئة اركان حرب القيادة المختلطة الانجليزية ـ الفرنسية»، قضى بانتقال الجيش اللبناني الوطني الى كنف الدولة اللبنانية المستقلة، وذلك اعتبارا من الساعة صفر من اول اغسطس العام 1945، وكان عديده 2676 رتيبا وجنديا باستثناء الضباط، وعين الزعيم فؤاد شهاب قائدا للجيش والزعيم سليمان نوفل رئيسا لاركان حرب وزارة الدفاع، وفي هذا التاريخ رفع العلم اللبناني بصورة نهائية على جميع المؤسسات الحكومية، وحضر الرئيس الشيخ بشارة الخوري مع اركان الدولة، اول عرض عسكري للجيش اللبناني امام وزارة الدفاع الوطني، احتفالا بهذه المناسبة.
المهمات الدفاعية
واجب الجيش الاول هو الدفاع عن الوطن والشعب ضد اي اعتداء خارجي، وبذلك يوفر سلامة المجتمع، ضامنا له سبل الاستقرار والتطور في مختلف الميادين.
معركة المالكية
منذ ولادته رسميا في الاول من اغسطس العام 1945، لم يتوان الجيش لحظة في القيام بواجبه الدفاعي، حيث خاض خلال العام 1948 اولى معاركه البطولية في بلدة المالكية، التي استطاع تحريرها من العدو الاسرائيلي، رغم عدم التكافؤ في موازين القوى، ثم توالت بعد ذلك سبحة المواجهات مع هذا العدو، لاسيما في منطقة سوق الخان العام 1970، وعلى محوري بيت ياحون ـ تبنين وكفرا ـ ياطر العام 1972، وفي صور العام 1975، مرورا باجتياحي العام 1978 والعام 1982، وعمليتي تصفية الحساب في العام 1993، وعناقيد الغضب في العام 1996، ومواجهات عرب صاليم والانصارية في العام 1997.
وبفعل صمود الجيش وبسالة المقاومة الوطنية عند خطوط المواجهة، الى جانب تشبث اللبنانيين بحقهم، وتقديمهم اغلى التضحيات في سبيل تحرير ارضهم، اضطر العدو الاسرائيلي مكرها الى الاندحار عن القسم الاكبر من الجنوب والبقاع الغربي، فكان انجاز التحرير في 25 مايو العام 2000، لكن الاحتلال بقي جاثما على ارض مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر، والتي لاتزال تنتظر فك اسرها.
ثم كانت الملحمة الوطنية الكبرى في عدوان يوليو 2006، حيث وقف اللبنانيون بجيشهم وشعبهم ومقاومتهم، صفا واحدا في مواجهة العدو الاسرائيلي، الذي شن حربا وحشية ضد لبنان، في عملية تدمير منهجي لبناه التحتية ومنشآته، واستهداف واضح للمواطنين الابرياء في كل بقعة من الوطن.
وخلال هذه الحرب، كان الجيش في ساحة المواجهة، يعكس صورة الوطن المقاوم، اذ قامت وحداته في اماكن انتشارها، باداء دورها الدفاعي بكل القدرات المتاحة لديها، من خلال التصدي للطائرات المعادية، واحباط العديد من محاولات الانزال والتسلل، مقدما نحو 50 شهيدا وعددا كبيرا من الجرحى، امتزجت دماؤهم مع دماء الشهداء من الاطفال والنساء والشيوخ والمقاومين الابطال، في ساحات الصمود والكرامة.
وبعد مرور اكثر من شهر كارثي ومأساوي على الصعد كافة، على الحجر كما على البشر، مترافق مع صمود لبناني قل نظيره، تبنى مجلس الامن فجر 11 اغسطس وبالاجماع القرار 1701، الذي دعا الى وقف كامل لجميع الاعمال الحربية على امل التوصل الى اتفاق على وقف دائم لاطلاق النار.
عند الثامنة من صباح 14 اغسطس توقف العدوان الاسرائيلي، لتنطلق رحلة عودة النازحين الى ارضهم وبيوتهم، ويسارع الجيش اللبناني للتوجه الى حدوده الجنوبية، بعد غياب جاوز الثلاثة عقود.
حاليا يواظب الجيش على اداء مهماته الدفاعية في الجنوب بمؤازرة قوات الامم المتحدة المؤقتة في لبنان، وهو على جهوزية دائمة للتصدي لاي عدوان اسرائيلي محتمل، بكل الامكانات المتوافرة ومهما بلغت التضحيات، وتشديدا على قدسية هذه المهمة، خاطب قائد الجيش العماد جان قهوجي، العسكريين في امر اليوم الصادر بمناسبة عيد المقاومة والتحرير قائلا: «اعلموا ان الحفاظ على انجاز التحرير، يعتبر من اول واجباتكم والتزاماتكم، لانه في تحقيق هذا الهدف النبيل، تبرون بالقسم، وتحفظون امانة الشهداء، وفي انتشاركم بين اهلكم ومواطنيكم على امتداد الحدود الجنوبية، حيث موقعكم الطبيعي ودوركم الاساسي، انما تؤكدون التمسك بهذا الانجاز، والاصرار على استرجاع ارضنا التي لاتزال قيد الاحتلال، وصولا الى تحقيق السيادة الناجزة على كامل ترابنا الوطني».
وتأكيدا على تمسك الجيش بكل شبر من تراب الوطن، واصلت لجنة عسكرية مختصة بالتعاون مع القوات الدولية، مهمة اعادة وضع المعالم عند الخط الازرق الذي تعرض قسم منه للتشويه، في اثناء عدوان يوليو بحيث تمكنت هذه اللجنة في سياق عملها، من تحديد اراض محررة ومهجورة، تبلغ مساحتها نحو ثلاثة ملايين ومائة الف متر مربع، وتعمل قيادة الجيش بالتعاون مع القوات الدولية والسلطات الرسمية، على تنظيف هذه الاراضي من الالغام وشق طرقات اليها، تمهيدا لتسليمها الى اصحابها.
المهمات الأمنية للجيش اللبناني
كذلك يقوم الجيش بتنفيذ مهماته الأمنية في مختلف المناطق اللبنانية، مستندا في ذلك الى جملة من المبادئ ابرزها: الجيش مؤسسة وطنية جامعة، تنأى بنفسها عن الطائفية والفئوية والتجاذبات السياسية، وتلتزم القوانين والانظمة النافذة وقرارات السلطة الاجرائية، في اطار المصلحة الوطنية العليا.
- التجرد المطلق في معاملة المواطنين وتطبيق مبادئ العدالة والمساواة، حفاظا على الديموقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان.
- تأمين استمرارية تنفيذ الاجراءات والتدابير الأمنية من خلال الشفافية في القيادة والادارة والموقف، والسهر على متابعة الأوضاع، والحزم والسرعة في تنفيذ المهمات وعدم التهاون مع أي إخلال بالأمن.
وقد كان للجيش خلال السنوات الماضية، الدور الأساسي في ضبط الأمن وتثبيت الاستقرار، رغم الانقسامات السياسية الحادة التي شهدتها البلاد، وما رافقها من مظاهرات واعتصامات وأحداث أمنية خطيرة، حيث شكل تدخل الجيش الحازم والسريع لمحاصرة الأحداث ومنع تفاقمها، الفسحة تلو الأخرى، لعودة الجميع الى طريق التلاقي والحوار. وخلال هذا العام نفذت وحدات الجيش في مختلف المناطق اللبنانية حملة واسعة لمكافحة الجرائم المنظمة على أنواعها، حيث تم توقيف مئات الأشخاص المطلوبين للعدالة، بجرائم قتل وسرقة وتزوير عملات واطلاق نار وتجارة مخدرات، كما تم ضبط معمل ضخم لتصنيع هذه المادة، اضافة الى مصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر المتنوعة، وعلى خلفية الحملة المذكورة، تعرضت آلية للجيش لكمين غادر، نصبه مسلحون في منطقة البقاع، ما أدى الى استشهاد 4 عسكريين واصابة ضباط بجروح.
في الاطار الأمني أيضا، حققت القوة المشتركة المكلفة بمهمة ضبط ومراقبة الحدود البرية والبحرية اللبنانية، والتي تضم وحدات من الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام والجمارك، إنجازات مهمة في مجال منع التسلل غير الشرعي، ووقف أعمال التهريب على جانبي الحدود اللبنانية – السورية في منطقة الشمال، وقد تم استحداث معبر حدودي جديد في محلة وادي خالد بهدف التخفيف من أعباء تنقلات المواطنين، في حين يستمر التعاون بين لجان عسكرية من الجيشين اللبناني والسوري، لمعالجة المشاكل الناجمة عن التداخل الجغرافي والسكاني خصوصا فيما يتعلق بقضايا التعليم واستثمار الأراضي الزراعية.
من جهة أخرى، بدأت قيادة الجيش التحضير للمشروع المتعلق بضبط كامل الحدود الشرقية، على ان يباشر تنفيذ المرحلة الأولى مع مطلع العام 2010، وينتهي تنفيذ المرحلة الثالثة مع مطلع العام 2012 ولهذه الغاية تم انشاء فوج الحدود البرية الأول كما يجري الاعداد لإنشاء أفواج أخرى، من شأنها تغطية جميع القطاعات الحدودية.
مواجهة الإرهاب
تعاني شعوب العالم قاطبة من الإرهاب، الذي يتهدد استقرارها الأمني والاجتماعي والاقتصادي، وبالنسبة الى لبنان، يعتبر الارهاب من أشد المخاطر المحدقة بالكيان، كونه يشكل النقيض الواضح للصيغة اللبنانية، القائمة على العيش المشترك بين مختلف مكونات المجتمع اللبناني، وانفتاح هذا الأخير على سائر مجتمعات العالم. ولقد واجه الجيش بكل قوة وحزم الجماعات والتنظيمات الإرهابية في عدة مراحل، كان أبرزها، مواجهة تنظيم «فتح الإسلام» في العام 2007 في نهر البارد، حيث تمكن الجيش مدعوما بالتفاف شعبي عارم، من تحقيق انتصار كامل على هذا التنظيم، بعد ان قدم 171 شهيدا ومئات الجرحى قرابين طاهرة على مذبح الوطن.
غير ان يد الارهاب عادت لاحقا لتستهدف الجيش، في 3 انفجارات غادرة، طاول أحدها مركزا عسكريا في محلة العبدة بتاريخ 31/5/2008، وآخران طاولا عسكريين عزلا، أثناء تجمعهم للانتقال الى مراكز عملهم، في محلتي التل والبحصاص في مدينة طرابلس، بتاريخي 13/8/2008 و29/8/2008. ولقد كان رد الجيش حازما وسريعا على مستوى هذه الأحداث الخطيرة، حيث باشرت مديرية المخابرات بالتعاون مع فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، بحملة تقص ورصد وتعقب للمجرمين، أفضت بتاريخ 12/10/2008، وفي أوقات لاحقة الى توقيف معظم أفراد الخلية الارهابية الضالعة في التفجيرات المذكورة، ليتحقق بذلك الوعي الذي أطلقه العماد قهوجي خلال تفقده مكان انفجار البحصاص، حين أكد أن الجناة لن يفلتوا من يد العدالة، وان أي تطاول على الجيش أو اعتداء على المواطنين لن يمر دون ردع وعقاب.
وخلال هذا العام تمكنت مديرية المخابرات في الجيش، من تفكيك العديد من الشبكات الإرهابية، أبرزها شبكة تابعة لتنظيم القاعدة، كانت تعد لتنفيذ تفجيرات ضخمة في لبنان وعدد من الدول العربية.
مكافحة التجسس
تعتبر عمليات التجسس من أهم الوسائل التي يستخدمها العدو الاسرائيلي ضد لبنان في أوقات السلم والحرب، للحصول على معلومات مختلفة يستفيد منها أثناء أعماله العسكرية، أو لتنفيذ اغتيالات وتفجيرات إرهابية، بهدف النيل من وحدة الوطن وصيغة العيش المشترك بين أبنائه، لكن الجيش كان دائما بالمرصاد لهذا الخطر، بحيث استطاع في الأعوام المنصرمة من تفكيك العديد من الشبكات العميلة، أبرزها شبكة محمود رافع الذي اعترف بضلوعه في جرائم عديدة، من بينها جريمة اغتيال الأخوين مجذوب في صيدا بتاريخ 26/5/2006، غير ان الانجاز الأكبر على هذا الصعيد، تحقق خلال العامين 2008 و2009، اثر تمكن مديرية المخابرات بالتعاون مع سائر الأجهزة الأمنية، من كشف عشرات الشبكات المتعاملة مع الموساد الاسرائيلي وتوقيف معظم أفرادها، وقد ضبط بحوذة هؤلاء، أجهزة اتصال وكاميرات تصوير متطورة للغاية، فيما اعترفوا بإقدامهم على جمع معلومات عن مراكز عسكرية وحزبية، ورصد تحركات مسؤولين سياسيين وعسكريين، والتحضير للقيام بأعمال تخريبية لصالح العدو.
وازاء ضخامة هذه الشبكات واستدراج عدد ضئيل من العسكريين اليها، أكد قائد الجيش العماد جان قهوجي، التصميم على اقتلاع أشواك العمالة من جسم الوطن حتى النهاية، وان لا مظلة فوق رأس أحد مهما علا شأنه.
كما عممت قيادة الجيش – مديرية التوجيه، نشرة توجيهية على العسكريين بعنوان «خطر التجسس الاسرائيلي» جاء فيها: «لقد كان واضحا ان العدو الاسرائيلي لن يسكت عن هزيمته في حرب يوليو 2006، وقبلها اندحاره عن الجزء الأكبر من الأراضي اللبنانية المحتلة في مايو العام 2000 لذلك جاء تركيزه على تجنيد العملاء ومحاولة اختراق الساحة اللبنانية وزرع الشقاق بين اللبنانيين بهدف تحويل هزيمته الى انتصار»، وفي أي حال، ان النصر يصنعه كبار النفوس لا صغارها، والقوة العسكرية الاسرائيلية التي فشلت في تحقيق أي هدف خلال مواجهة بلد صغير كلبنان، لن تستطيع تعويض هذا الفشل بأساليبها الدنيئة، فنحن أقوياء بوعينا الوطني، ومتانة جبهتنا الداخلية، كما ان مؤسستنا قوية بثوابتها الوطنية والعسكرية، والكل يدرك أن الجسم القوي قادر على لفظ أي طارئ دخيل، والعميل كما هو واضح وثابت، لا يمثل إلا نفسه.
المهمات الإنمائية
ارتبط الجيش اللبناني منذ نشأته ارتباطا وثيقا بالمجتمع، ليس من خلال المهمات الدفاعية والأمنية المنوطة به وما يترتب على ذلك من علاقات مع المواطنين فحسب، انما أيضا من خلال اهتمامه بالمجالات الاجتماعية والخدمات التي يؤديها حيث تدعو الحاجة، ادراكا منه ان الامن والنهوض الانمائي والاقتصادي في البلاد، هما توأم لا ينفصل.
ومن المهمات الانمائية التي نفذها الجيش ولا يزال: المشاركة في تأهيل المرافق السياحية والمواقع الاثرية، القيام بحملات تنظيف للشواطئ وبأعمال تشجير واخماد حرائق، شق طرقات في الاماكن النائية، رفد بعض الادارات الرسمية بالخبرات والوسائل والطاقات البشرية، تقديم المساعدات اللازمة لمؤسسات المجتمع المدني والهيئات الفنية والثقافية والاجتماعية، القيام بعمليات اخلاء وإنقاذ، وتشكيل لجان لتخمين الاضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية والحوادث الطارئة.
مليون «عنقودية» و550 ألف لغم
من ناحية ثانية، اولى الجيش اهتماما خاصا بمشكلة الألغام المتصلة بالأمن والانماء معا، نظرا لما لها من تأثير مباشر على حياة المواطنين واعمالهم اليومية واستثمارهم لارزاقهم، وقد بدأت هذه المشكلة مع انتهاء الاحداث في العام 1990، وتفاقمت على اثر اندحار العدو الاسرائيلي في مايو من العام 2000، اذ استفاق اللبنانيون على احتلال من نوع آخر، تمثل في وجود نحو 550.000 لغم خلفها هذا العدو وراءه في مناطق الجنوب والبقاع الغربي، ثم بلغت المشكلة ذروتها مع عدوان يوليو، حيث اسقط العدو الاسرائيلي اكثر من مليون قنبلة عنقودية فوق ارض الجنوب، وقد تمكن الجيش بالاشتراك مع فرق مختصة من دول شقيقة وصديقة، ومنظمات دولية غير حكومية، حتى تاريخ 1/7/2009 من انجاز ما يلي:
- - نزع وتفجير 125000 لغم مضاد للاشخاص والآليات، و41000 قذيفة وقنبلة غير متفجرة، و195000 قنبلة عنقودية، و511 قنبلة وصاروخ طيران، و75000 جسم مشبوه.
- - تنظيف مساحة 91 كلم2 من اصل 165 كلم2 من الألغام والقذائف غير المنفجرة.
- - تنظيف مساحة 38 كلم2 من اصل 48 كلم2 من القنابل العنقودية.
من جهة اخرى يستمر المركز اللبناني للاعمال المتعلقة بنزع الألغام، بالتعاون مع اللجنة الوطنية للتوعية من مخاطر الالغام، بتنفيذ حملات الارشاد والتوعية في جميع المناطق اللبنانية، حيث ادت الجهود المبذولة الى انخفاض كبير في معدل الضحايا سنويا.
سليمان من القيادة إلى الرئاسة
شاءت الظروف الاستثنائية التي مرت بها البلاد خلال العام المنصرم، ان ينتقل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، من قيادة الجيش الى موقع الرئاسة، من دون ان تجرى مراسم التسلم والتسليم اللازمة وفقا للمعتاد، وهذا ما حدا بقياد الجيش على تنظيم حفل تكريمي لفخامته في البرزة بتاريخ 6/2/2009، حضره الى جانب فخامة الرئيس، وزيرا الدفاع والداخلية، وقائد الجيش العماد جان قهوجي واركان القيادة وكبار ضباطها، ومدعوون آخرون.
وقد ألقى فخامة الرئيس كلمة بالمناسبة، شكر فيها القيادة على اقامة الحفل، واكد ان الجيش هو بمثابة العمود الفقري للدولة، وهو صمام الامان في مواجهة الاخطار الثلاثة التي تتهدد لبنان، والمتمثلة بالعدو الاسرائيلي والارهاب والفتنة الداخلية. من جهته القى العماد قهوجي كلمة اكد فيها الالتزام بالثوابت الوطنية، وبالنهج الذي ارسى دعائمه فخامة الرئيس في المؤسسة العسكرية، ومما قاله: «حين اتيت الى قيادة الجيش متسلحا بثقتكم الغالية، شعرت بملء الفخر والاعتزاز وانا اشهد بأم العين بصماتكم الواضحة فيما تحقق من انجازات مشرقة، هي ثمرة سهركم الدائم وعصارة جهودكم اللا محدودة، ووجدت انه من السهولة بمكان، السير قدما في عملية تطوير المؤسسة اكثر واكثر، لاسيما واننا نرى في موقعكم الجديد سندا دائما لها، وفي رعايتكم الكريمة خير معين ونصير».
تعتبر عملية تطوير المؤسسة العسكرية، من اهم العوامل التي تسهم في تعزيز قدرات المؤسسة والحفاظ على كفاءتها القتالية، بما يتناسب مع حجم المخاطر والتحديات التي يواجهها الوطن، وقد اولت القيادة مواضيع العديد والتدريب والتجهيز الاهتمام الاقصى، فعمدت الى تمديد الخدمات لبعض المجندين السابقين وتطويع الراغبين منهم بصورة تدريجية، كما عمدت الى تكثيف الدورات التدريبية في الداخل والخارج على مختلف المستويات، الى جانب تفعيل التعليم في كلية فؤاد شهاب للقيادة والاركان وفي سائر المعاهد والمدارس، بهدف تأهيل الضباط القادة لتسلم وظائف قيادية عليا، وتنشئة ضباط ورتباء وافراد جدد، يتحلون بكفاءة عسكرية عالية.
وفي اطار سعيه الحثيث لتأمين الاسلحة والتجهيزات الضرورية للجيش، زار قائد الجيش العماد جان قهوجي، كلا من الجمهورية العربية السورية والولايات المتحدة الاميركية وجمهورية مصر العربية ودولتي قطر والكويت، حيث عرض خلال لقائه مع مسؤولين سياسيين وعسكريين لحاجات الجيش، واطلع على المساعدات الممكنة، وقد اثمرت هذه الزيارات نتائج جيدة، خصوصا في مجالي التدريب واللوجستية، وقد اكدت قيادة الجيش مرارا، اعتزازها بعلاقات التعاون العسكري مع الدول الشقيقة والصديقة، وقبولها المساعدات العسكرية منها، شرط الا تشكل هذه المساعدات وسيلة للتدخل في شؤون المؤسسة العسكرية وادائها، او حجة لتعديل دورها الوطني، النابع فقط من الارادة الوطنية الجامعة والقرار السياسي للسلطة الاجرائية.
في مجال آخر واظبت القيادة على تحسين الاوضاع الاجتماعية والمعيشية للعسكريين، لاسيما من خلال رفع مستوى الطبابة العسكرية، لجهة رفدها بالاجهزة الطبية المتطورة وبالكفاءات البشرية، اضافة الى تفعيل عمل جهاز الاسكان العسكري، واستحداث مبان ومنشآت اضافية، من بينها المبنى الجديد للنادي العسكري المركزي في محلة المنارة ـ بيروت، الذي تم تشييده بالاعتماد على اشتراكات الضباط، والقدرات الذاتية للمؤسسة العسكرية، مع الاشارة الى ان قيادة الجيش قد انجزت الدراسات الهندسية المطلوبة لانشاء مستشفى عسكري نموذجي، وهي في انتظار تحقيق التمويل اللازم للبدء بتنفيذ هذا المشروع.
حب للشهادة والتضحية.. وعشق للحياة
حين يتعانق حب الشهادة مع حب الحياة، تفيض عين الوطن صورا مشرقة، تبشر بربيع مزهر وحصاد وفير، ويتجلى وجه جيشنا الآخر، وجه الحياة، عبر مشاركته في ميادين المجتمع المدني كعنصر فاعل بكل ما للكلمة من معنى.
فعسكريو الجيش بمختلف رتبهم، يتخرجون في المؤسسات التعليمية حاملين الشهادات المهنية والثقافية، ويقتحمون مختلف النشاطات الفكرية.
وفي عالم الموسيقى تشارك موسيقى الجيش في مهرجانات واحتفالات تعزف فيها الاناشيد الوطنية، والاغاني الفولكلورية والمقطوعات الكلاسيكية العالمية.
وفي مجال الطب والهندسة والتكنولوجيا، يشارك اطباء الجيش ومهندسوه وتقنيوه في مؤتمرات كثيرة، محلية وعالمية، وأينما حلوا كانوا موضع ثناء وتقدير.
وفي الحياة الثقافية بأوجهها كافة تشارك قيادة الجيش عبر ممثلين للقائد في معظم وجوه الثقافة مع افتتاح مهرجانات ومعارض فنية، الى توقيع كتب واقامة ندوات فكرية، وكان من بين النشاطات البارزة هذا العام، مشاركة الجيش بنشاط في المعرض الامني الذي نظمته شركة «inegma» في البيال، برعاية فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان.
وفي المجال الرياضي دخل الجيش بقوة عالم الرياضة، فكان له دور بارز بين الاتحادات الرياضية الوطنية، وشاركت بعثاته في معظم البطولات العسكرية العربية والدولية، وفي حدث رياضي مميز هذا العام، نظم الجيش خلال شهري مارس وابريل المنصرمين سباق اغارة الارز في التزلج، بين بلدتي تنورين وبشري، وسباق تحدي القمة في جبل المكمل، شاركت فيهما فرق رياضية من الجيش والاجهزة الامنية وقوات الامم المتحدة المؤقتة في لبنان، الى جانب رياضيين مدنيين من الذكور والاناث.
في الذكرى الرابعة والستين لتأسيسه، يستمر الجيش في اداء رسالته، بإيمان راسخ وعزيمة لا تعرف الكلل، يمناه تحمي ويسراه تجمع، وشعلة تضحياته تدحر الظلمات عن وجه الوطن، وتفتح له دربا الى الشمس، ليبقى كما شاءه الاجداد والآباء، وكما تحلم به الاجيال، وطن الحرية والكرامة والانسان.
توفير الأمن لانتخابات نيابية في يوم واحد
ليست المرة الأولى التي تجري فيها الانتخابات النيابية في لبنان، ويضطلع الجيش بمهمة توفير الأمن لها على أكمل وجه، بيد ان التحدي الكبير الذي واجهه الجيش خلال الاستحقاق الانتخابي الأخير، هو اجراء هذا الاستحقاق في مختلف المناطق اللبنانية وفي يوم واحد، اضافة الى ما رافقه من شحن إعلامي غير مسبوق، واصطفافات سياسية حادة.
لكن قيادة الجيش احتاطت جيدا لحجم المهمة، وما يمكن ان تواجهه من صعوبات، فقامت بحشد أقصى الطاقات والجهود، ووضع خطة مفصلة ودقيقة، شاركت في تنفيذها معظم وحدات الجيش بما فيها الوحدات الإدارية واللوجستية، فيما تم اجراء عدة تمارين تجريبية قبيل الانتخابات للتأكد من حسن التنفيذ.
رسالة شكر
«الأنباء» اذ تتوجه بالتهنئة للجيش اللبناني بعيده الـ 65 فإنها تتوجه بالشكر الى قيادته وضباطه وأفراده على ما قدموه لإنجاح جولتها.
وتخص بالشكر قائد الجيش العماد جان قهوجي ومدير مكتبه العقيد محمد الحسيني.
كما تشكر مدير التوجيه المعنوي العميد صالح الحاج سليمان ومساعده العميد أسعد مخول.
وكذلك تشكر قيادة وضباط اللواء التاسع على ما بذلوه من جهود.