- أنعم الله علينا بزيارة أولى القبلتين وثالث الحرمين وتشرفنا بالصلاة فيه بأجواء إيمانية تحت الصخرة المباركة
- حضرنا القداس ليلة الميلاد في كنيسة المهد ببيت لحم وشاركنا إخواننا المسيحيين احتفالهم
- الاحتلال الإسرائيلي يشوّه بشكل منفّر مدينة خليل الرحمن.. ومقامه تحيط به مستوطنات يهودية
بيت لحم ـ الخليل ـ رام الله - القدس - عمّان
يوسف خالد المرزوق
بمبادرة طيبة انطلقت من واجبنا كمسلمين وعرب وخليجيين توجهت مع مجموعة من الزملاء الأفاضل إلى الأراضي الفلسطينية التي منّ عليها الله عزّ وجلّ بأن تكون أرض الديانات السماوية الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية لننقل معاناة شعب هزّت معاناته ضمائر العالم أجمع. وككويتيين، مازلنا نشعر بآلام عميقة في قلوبنا وضمائرنا من موقف بعض الفلسطينيين الذين أيدوا الاحتلال العراقي الغاشم لبلدنا في اغسطس 1990، رغم كل ماقدمته الكويت من تضحيات ودعم للقضية الفلسطينية على مدى عقود، لكننا مع ذلك ندرك أن الكويتيين لم ولن يترددوا يوما في مدّ يد العون لجميع إخواننا المحتاجين والمظلومين في فلسطين وفي كل دول العالم، ونحن نؤمن إيمانا كاملا بقول الله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ولا نقبل بأن يدفع شعب بأكمله ثمن تصرفات البعض ممن تهاونوا في نصرة الحق الكويتي وقضية الكويت العادلة بوجه نظام الإثم والطغيان الذي استحق ما لقيه من قصاص. ضم الوفد أسماء لامعة من الأسرة الإعلامية الكويتية بينهم الزملاء الأفاضل فاطمة حسين وإقبال الأحمد وعبدالرحمن العليان ومبارك القناعي وخالد معرفي وعدنان الراشد وبدر الحماد، ورافقنا خلال الرحلة من سفارة الكويت في الأردن الأخ جهاد محمود عبدالجليل ومن السفارة الفلسطينية في الأردن الأخ عبدالحكيم الزريقي ومراسلة وكالة الأنباء الكويتية في رام الله الأخت نجود قاسم، وكان الوفد رائعا ومنسجما، وقد حرصت شخصيا على الاستفادة من الخبرات الإعلامية الكبيرة في تجربة مهنية قيمة.
بدأت الرحلة من الكويت إلى الأردن حيث كان في استقبالنا أعضاء السفارتين الكويتية والفلسطينية الذين استقبلونا بكثير من الحفاوة، وقمنا بزيارة منزل السفير الشيخ فيصل الحمود المالك الصباح الذي استضافنا على مأدبة غداء في «بيت العرب»، وهي التسمية التي يطلقها الشيخ فيصل على منزله إيمانا منه بأن هذا البيت الكريم يجب أن يكون جامعا لكل العرب.. وهو كذلك.
مفاجأة «أبومالك»
حضر اللقاء في منزل السفير الحمود العديد من كبار الشخصيات والإعلاميين في الأردن وفاجأنا أبومالك بهدية فريدة من نوعها تركت أثرا كبيرا في نفوسنا عندما قدم لنا أحد الإخوة العاملين في السفارة ليعلن إسلامه أمامنا جميعا حيث قام السفير بتلقينه الشهادتين أمام الحضور.
أحاطنا أبومالك بلباقته وكرمه المعهودين منذ نزولنا من الطائرة وحتى عودتنا إلى الكويت، وكان على اتصال دائم بالأخ جهاد محمود عبدالجليل لمتابعة أحوالنا واحتياجاتنا وله منا كل الشكر، وهذا ليس بغريب على سفرائنا وممثلي دولة الكويت في الخارج، وقد أصر أبومالك على أن يستقبلنا شخصيا ويدعونا الى مأدبته ويؤجل عودته الى الكويت رغم التزاماته وضيق وقته.
ليلة الميلاد في بيت لحم
بعدها انتقلنا من الأردن الى الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث كان في انتظارنا موكب الضيافة الذي وجهه الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) ليرافقنا الى بيت لحم التي تحتضن أول وأعظم كنيسة في العالم، كنيسة المهد، المكان المقدس الذي ولد فيه سيدنا عيسى عليه السلام.
في بيت لحم، كما باقي محطات الزيارة الحافلة بالانطباعات الإنسانية العميقة، تعززت في داخلنا القناعة الراسخة بأن القضية الفلسطينية ليست قضية إسلامية وعربية فحسب، بل قضية عالمية جامعة تمس كل إنسان عربي وأجنبي، مسلما كان أو مسيحيا، أو يهوديا.
بعدها توجهنا الى مقر الرئاسة حيث استقبلنا بحفاوة وترحيب الرئيس عباس وتبادلنا معه الحديث حول تطورات القضية الفلسطينية والأوضاع الأمنية في الأراضي المحتلة واتفقنا على أن نلتقي به في اليوم التالي على الغداء لنحظى بفرصة أكبر ووقت أطول للنقاش. ومن ثم اتجهنا الى كنيسة المهد، حيث حضرنا العشاء المقام قبل القداس بحضور الرئيس عباس ورئيس الوزراء الفلسطيني د.سلام فياض وكبار رجال الدين المسيحيين.
وقد ألقى الرئيس عباس كلمة بمناسبة عيد الميلاد أكد فيها على تلاحم الديانات وخاصة المسيحية والإسلامية في هذا اليوم المبارك، وأشار في كلمته الى أهمية مشاركتنا كمسلمين لإخواننا المسيحيين في أعيادهم.
وبعدها ألقى البطريرك فؤاد طوال كلمة مماثلة رحب فيها بالحاضرين وخص بالذكر الوفد الإعلامي الكويتي قائلا: نحيي الوفد الإعلامي الكويتي على هذه الخطوة الجريئة والضرورية لنقل صورة المعاناة الفلسطينية الى العالم ككل، وأشكر حضوركم ومشاركتكم إيانا عيد الميلاد في 24/12/2010.
ثم انتقلنا لحضور القداس في كنيسة المهد، وشعرت بسعادة غامرة لمشاركة إخواننا المسيحيين احتفالهم. وقد ردد البطريرك طوّال عبارات الترحيب بالوفد مما كان له الأثر الكبير في نفوسنا.
لفت انتباهي أداء البطريرك طوال الصلاة بخمس لغات: السريانية واللاتينية والإنجليزية والإيطالية والعربية. بعد حضور القداس عدنا الى الفندق وفوجئنا بتجمهر عدد من أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق للترحيب بالوفد الكويتي ومناشدتهم إيانا نقل صورة معاناتهم، معبرين عن حبهم للكويت أميرا وحكومة وشعبا وعن امتنانهم لوجودنا معهم، كما أصروا على استضافتنا في بيوتهم.
مدينة خليل الرحمن والحرم الإبراهيمي
المحطة التالية كانت مدينة خليل الرحمن وهي أقدم مدينة في العالم وفيها ضريح سيدنا إبراهيم عليه السلام وهي تحتضن الحرم الإبراهيمي الذي تحيط به مستوطنات إسرائيلية.
يشوّه الاحتلال الإسرائيلي الغاصب بشكل منفّر هذه المدينة الغنية بتراثها المعماري البديع، وقد شاهدنا بأم العين المستوطنين وهم يلقون النفايات على بيوت ومتاجر الفلسطينيين الصامدين.
وبعد أن تشرفنا بالصلاة في الحرم الإبراهيمي قمنا بزيارة ضريح سيدنا إبراهيم وسيدتنا سارة وسيدنا إسحق عليهم السلام، وفوجئنا مجددا لدى خروجنا من الحرم الإبراهيمي بجمع من الإخوة الفلسطينيين الذين توافدوا حاملين عبارات الترحيب ودعوتنا الى بيوتهم.
ومن ثم انتقلنا الى مبنى محافظة الخليل حيث استقبلنا المحافظ كامل حميد الذي وزع دروعا تكريمية على أعضاء الوفد وألقى كلمة رحب فيها بنا شاكرا حضورنا ومتمنيا أن ننقل معاناة أهل فلسطين الى العالم بأكمله وأن يتكرر هذا النوع من الزيارات من قبل وفود من كل أرجاء العالم العربي لما يحمله من تشجيع ودعم للشعب الفلسطيني. وأولم المحافظ على شرف الوفد في أحد المطاعم الشعبية، وشعرنا خلال المأدبة حقا بأننا بين أهلنا واخوتنا وعشنا الجو الفلسطيني الحقيقي.
حديث إذاعي
الإعلاميون الفلسطينيون حرصوا، بدورهم، على استضافة الوفد في إذاعتهم المحلية عبر مقابلة مباشرة على الهواء، تحدثت خلالها الزميلة إقبال الأحمد معبرة باسم الوفد عن السعادة لما قوبلنا به من حسن استقبال وحفاوة. وبصدقية عالية أشارت الزميلة إقبال الى الأثر السلبي الذي خلّفه موقف السلطة الفلسطينية في نفوس الكويتيين إبان الغزو الغاشم مع تأكيدها على رغبة أهل الكويت في طي تلك الصفحة الأليمة من التاريخ وفتح صفحة جديدة بيضاء عنوانها تجديد التضامن مع أهلنا في فلسطين المحتلة وإصرارنا على دعم قضيتهم العادلة.
المصالحة والدولة الفلسطينية
من الخليل، توجهنا الى رام الله حيث تجدد لقاؤنا بالرئيس أبومازن الذي أقام مأدبة غداء على شرف الوفد داعيا إيانا الى أن نسأل ما نشاء عن الأوضاع في الأراضي المحتلة، ومؤكدا أنه سيجيب بكل شفافية على كل الأسئلة، انطلاقا من منهجه في هذا المجال.
أجاب أبومازن عن كل الاستفسارات بما فيها عن حركة حماس وتأثير الانقسام الفلسطيني على عملية السلام، مشددا على دعوته الى تكاتف الفلسطينيين ومصالحتهم أولا وتضامن العرب والمسلمين لإقامة الدولة الفلسطينية ثانيا. وأكد الرئيس الفلسطيني أنه لا دولة بوجود انقسام ونزاع على السلطة، مشيرا الى انه شخصيا قدم الكثير من التنازلات لتتحقق المصالحة دون أن يجد ردا «من الإخوة في حماس»، لكنه أبدى تفاؤله بأن تبصر الدولة الفلسطينية النور في سبتمبر المقبل.
اتسم كلام أبومازن بكثير من الصراحة والشفافية، وتحدث عن إيمانه، رغم الصعوبات، بأن يحقق السلام لشعبه واستعادة حقوقه، لاسيما في قوله: «أنا شفاف مع الجميع وكل المبالغ التي نتلقاها من جميع دول العالم مثل الكويت ودول الخليج وأميركا وأوروبا والصين نعلن عنها في ميزانية شفافة، وأنا مستعد للتنازل عن الرئاسة إذا كان في هذا مصلحة الدولة الفلسطينية».
رفض الغزو.. والاعتذار للكويت
وعن موقفه إبان الغزو الصدامي الغاشم للكويت قال أبومازن: موقفي كان واضحا وكنت ضد الغزو وقلتها بصريح العبارة للرئيس ياسر عرفات آنذاك.
مضيفا: كما قدمت اعتذارا للإخوة الكويتيين أثناء زيارتي للكويت، والكويت وأميرها أصدقاء حميمون لي ولا أنسى مواقفهم أبدا.
عبدالحسين وسعاد
وتحدث أبومازن عن علاقته الخاصة بالكويت وأهلها مستشهدا باطلاعه على أعمال مسرحية كويتية للفنانين القديرين عبدالحسين عبدالرضا وسعاد عبدالله.
بعد اللقاء، ودعنا الرئيس أبومازن وأعطانا أجمل هدية هي زيت الزيتون العابق بتراب فلسطين.
ولعلها مناسبة ندعو الله فيها أن يوفق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه وإنشاء دولته ولنحيي جهود الرئيس عباس الحثيثة ونشكره على حسن ضيافته وكرم أخلاقه.
زيارة القدس.. والفرحة
بفرح غامر استقبلنا خبر الموافقة على زيارتنا للقدس الشريف، وسبقها لقاء رئيس الوزراء الفلسطيني د.سلام فياض الذي طلبنا منه اختصار اللقاء لنتمكن من أداء الصلاة في الحرم القدسي الشريف.
حدثنا الرئيس فياض عن الأوضاع العامة في المنطقة وعن ظروف الاقتصاد الفلسطيني وجهود حكومته لتحسين ظروف الشعب الفلسطيني، شاكرا حضورنا وزيارتنا التي وصفها بالجريئة وأشار الى انها تحمل الأمل للشعب الفلسطيني.
الصلاة في الأقصى
أنعم الله علينا بزيارة أولى القبلتين، المسجد الأقصى الشريف حرره الله، من الاحتلال الإسرائيلي الغاشم وأعاده الى المسلمين قريبا إن شاء الله.
دخلنا الأقصى وتشرفنا بالصلاة فيه، بأجواء إيمانية تحت الصخرة المباركة التي عُرج منها بالرسول صلى الله عليه وسلم الى الله سبحانه وتعالى.
ترميم الأقصى على نفقة ملك الأردن
لاحظنا عمليات الترميم في المسجد من الداخل، ولدى سؤالنا عن الجهة القائمة على الترميم أبلغنا بأنه جلالة الملك عبدالله بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية على نفقته الخاصة، جزاك الله خيرا عن الأمة الإسلامية يا أبا حسين لقيامكم بهذه الأعمال الجليلة بالنسبة للإسلام والمسلمين.
من القدس إلى الأردن
من القدس عدنا الى الأردن والتقينا بوزير الدولة لشؤون الإعلام الأردني علي العايد الذي رحب بنا وسألنا عن الزيارة، فنقلنا له ما عايشناه من معاناة الشعب الفلسطيني تحت نير الاحتلال.
وتوجه العايد للوفد بالقول: أشكركم على خطوتكم الجريئة ومبادرتكم وأرجو أن تكونوا قدوة لباقي الدول العربية ليأتوا ويعيشوا هذه المعاناة بأنفسهم كما فعلتم. وأعرب العايد عن أمله بزيارة الكويت قريبا قائلا: سألتقي بكم في الكويت بلدي الثاني ونحن نقول لك يا معالي الوزير إنه من دواعي سرورنا أن تحل ضيفا كريما علينا.
كلمة أخيرة
طريق العودة الى بلدنا الحبيب كانت مناسبة استرجعت خلالها محطات زيارة عشتها كحلم جميل، ودعوت الله عزّ وجلّ أن يمنّ على كل المسلمين بفرصة الصلاة في القدس وأن يخلّص إخوتنا في فلسطين من معاناتهم. وفي النهاية من واجبي أن أنقل دعوة المسؤولين والشعب في فلسطين المحتلة الى كل الوفود العربية والإسلامية وكل من يناصر المظلومين في العالم من مختلف المشارب السياسية والرياضية والثقافية ليزوروا الأراضي المحتلة ويدعموا اخوتهم، وقضيتهم العادلة.
كثر الله خيركم
أتقدم بشكري وتقديري لكل من:
الجانب الكويتي
سعادة الشيخ فيصل الحمود المالك الصباح – سفير دولـة الكويت في المملكة الأردنية الهاشمية
الزميل عادل بورسلي – مديرة ادارة العلاقات العامة بمؤسسة الخطوط الجوية الكويتية
الزميل نجم الشمري – مدير مكتب «كونا» بعمان
الزميلة نجود قاسم – مراسلة وكالة الأنباء الكويتية في رام الله
الجانب الفلسطيني
سعادة الاستاذ عطا الله خيري محمود – سفير دولة فلسطين – المملكة الأردنية الهاشمية
الفاضل الاستاذ الطيب عبدالرحيم – أمين عام الرئاسة
الفاضل الدكتور حسين الأعرج – رئيس ديوان الرئاسة
الفاضل اللواء نظمي مهني – مدير عام الادارة العامة للمعابر والحدود
الفاضل الاستاذ كامل حميد – محافظ الخليل
الفاضل البطريريك فؤاد طوال
الفاضل اسماعيل جحشن – مدير مكتب وزارة الاعلام في الجنوب
الفاضل محمد أبوحلاوة – ممثل وزارة الاعلام
الفاضلة نداء يونس – مدير مكتب الصحفي في وزارة الإعلام الفلسطينية
الجانب الأردني
سعادة الأستاذ علي العايد – وزير الدولة لشؤون الاعلام
السلطات الأردنية – مطار الملكة علياء
وفي الختام يعجز اللسان عن تقديم اسمى معاني الشكر والامتنان وبالكويتي مشكورين وكثر الله خيركم