بمناسبة العيد الوطني التاسع والثلاثين لمملكة البحرين، يشرفني ان ارفع اسمى آيات التهاني والتبريكات الى مقام حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى والى صاحب السمو الملكي الامير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء الموقر والى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى الأمين، وإلى شعب مملكة البحرين الكريم داعيا المولى عز وجل ان يعيد هذه المناسبة المجيدة وقد تحقق لمملكتنا المزيد من الرقي والتقدم في ظل قيادتها الرشيدة.
شهدت مملكة البحرين نقلة نوعية في شتى المجالات والميادين منذ تولي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين مقاليد الحكم مطلع مارس 1999 وأدرك الدارسون والباحثون والمثقفون والمفكرون اليوم ان الطفرة النوعية التي تحققت في مجال الاستثمار والتنمية في مملكة البحرين منذ تولي جلالته مقاليد الحكم امتدت الى مجمل حقول التنمية المستدامة، ويأتي الانجاز الأكبر في عهد جلالته الزاهر بتدشين ميثاق العمل الوطني في استفتاء شعبي عام وافق عليه 98.4% من شعب مملكة البحرين.
ومما لا شك فيه ان المشروع الاصلاحي لجلالة الملك دشن حقبة سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة في مملكة البحرين وأدى الى ابراز ميثاق العمل الوطني وما نتج عنه من انتخابات بلدية وبرلمانية وتعديل الدستور وتحويل البحرين الى مملكة دستورية.
ولعل أهم العلامات المضيئة للمشروع الاصلاحي الذي قاده جلالته ادراكه أن خير ثروة يمكن استثمارها هو العنصر البشري وبناء الانسان بوصفه الثروة الهائلة والعميقة، والذخيرة الأساسية التي لا يمكن تخطي دورها أو إغفاله، فتعتبر مملكة البحرين التنمية البشرية مطلبا أساسيا للاستثمار في المستقبل، ونتيجة لذلك تعمل المملكة على رفع مستوى المعيشة وتحسين الخدمات الاجتماعية، وقد اثبتت تلك السياسة نجاحها حتى الآن، وحظيت بالإشادة في تقرير التنمية الإنسانية العربية وهو التقرير الذي انتقد الدول العربية الأخرى بسبب الافتقار الى الاصلاح، وليس ادل على ذلك من تمكن المملكة من التنافس على المركز الأول في مجال التنمية البشرية على صعيد العالم العربي، وتأتي جائزة الاهداف الانمائية للألفية التي منحتها الأمم المتحدة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة التي تعد ثالث جائزة دولية ينالها سموه من الأمم المتحدة حيث كانت الأولى جائزة الشرف للانجاز المتميز في مجال التنمية الحضرية والإسكان والثانية جائزة ابن سينا من منظمة اليونسكو عن اهتمامه بالتراث والثقافة فيما جاءت الأخيرة تقديرا لإسهامات سموه في تحقيق الاهداف الإنمائية للألفية، وهذا التقدير الدولي يوضح بجلاء الجهود المميزة التي بذلتها حكومة وشعب البحرين وبالتعاون مع المجتمع الدولي في تحقيق جزء كبير من الأهداف الانمائية للألفية ويمثل حافزا اضافيا لمواصلة المسيرة ولتحقيق المزيد من النجاحات، انطلاقا من رؤية البحرين التنموية المرتكزة على تحسين مستوى حياة الفرد وخصوصا في مجالات التعليم والصحة والاسكان ووضع السياسات الكفيلة بالنهوض بالبلد اجتماعيا واقتصاديا.
كما أولت مملكة البحرين اهتماما كبيرا بمسألة تطوير نظامها التعليمي باعتباره ركيزة اساسية لتحقيق التنمية البشرية والتنمية المستدامة التي يعتبر الانسان عمادها ومحركها الأساسي، والذي اتضح من تأكيدات جلالة الملك في أكثر من مناسبة على ان تطوير التعليم من أهم مرتكزات المشروع الوطني للإصلاح، كذلك يعطي صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر قضايا تطوير التعليم اهمية خاصة من خلال توجيهات سموه الهادفة للارتقاء بالعملية التعليمية، كما يشدد صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى دائما على اهمية مشروع تطوير منظومة التعليم والتدريب باعتباره احد اهم مبادرات برنامج الاصلاح الاقتصادي الشامل الذي يهدف الى الارتقاء بالقوى العاملة الوطنية ورفع كفاءتها بما ينعكس ايجابا على المستوى المعيشي للمواطن البحريني. ومن خلال تتبع التطورات والمبادرات التي اطلقتها المملكة لتطوير قطاع التعليم خلال السنوات الاخيرة يتضح حجم الاهتمام والرؤية الاستراتيجية والهادفة الى الارتقاء بالتعليم ليصل الى المستوى الذي يحقق اعلى درجات سلم التنمية البشرية ويحافظ على مكانة المملكة المتميزة في هذا المجال، وتأتي شهادة الدكتوراه الفخرية في مجال العلوم الانسانية التي منحتها جامعة الخليج العربي لجلالة الملك المفدى تتويجا لإنجازات عهد جلالته الزاهر الحافل بالانجازات على جميع الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعلمية.
وتعتبر الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين حتى عام 2030 باكورة الجهود الحثيثة والرؤية المستقبلية الثاقبة والرامية الى دفع عجلة التطور والتقدم في مملكة البحرين، والتي ستسهم في تعزيز كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتمهد الارضية للانطلاق نحو مستقبل زاهر للمملكة فهي تهدف الى التسويق للمملكة لدفع عجلة التطور والتقدم ورفعة الاقتصاد البحريني لتصب بالنهاية في مصلحة المواطنين.
وقد عرفت البحرين بأنها من أسرع الدول نموا من الناحية الاقتصادية في العالم العربي وذلك وفقا للجنة الأمم الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا في يناير 2006، كما أن البحرين اكتسبت سمعتها كعاصمة مالية في الشرق الأوسط نتيجة لعدة عوامل، منها القوانين الصارمة والمرنة، الليبرالية الاقتصادية، القوى المحلية المدربة، وقد تم مؤخرا تعزيز سمعة البحرين على أنها العاصمة المالية للشرق الأوسط من خلال مرفأ البحرين المالي والذي يفتح آفاقا جديدة للتنمية ويجمع تحت سقف واحد جميع الأنشطة المتعلقة بقطاع الخدمات المالية، بما في ذلك بورصة البحرين ومركز البحرين الدولي للتأمين.
ولم تقتصر التغيرات الايجابية التي شهدتها البحرين في تلك النواحي، بل إنها اشتملت على تعزيز دور المرأة في الحياة السياسية والاهتمام بحقوق الإنسان والسماح للمنظمات المعنية بحقوق الإنسان بالعمل والدخول إلى البحرين دون قيود، وصار الميثاق أساسا للحكم القائم على العدل والمساواة وسيادة القانون والحرية والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين.
وقد عزز ميثاق العمل الوطني دور المرأة البحرينية في المجتمع بشكل كبير، مما ساهم في توسيع المشاركة الشعبية وإشراك المرأة بشكل فاعل في الحياة السياسية، حيث نص الميثاق على منح المرأة حقوقها السياسية كاملة ترشحا وانتخابا، ومساواتها بالرجل في جميع ميادين الحياة، دون الإخلال بمبادئ الشريعة الإسلامية، وبهذا تعتبر المرأة البحرينية أول امرأة خليجية تدخل قبة البرلمان، وتعزيزا للدور القيادي للمرأة البحرينية، تم مؤخرا تعيين 10 نساء في مجلس الشورى، احدى غرفتي المجلس الوطني البحريني، كما تقلدت المرأة البحرينية العديد من المناصب المهمة في وظائف الدولة بعد المشروع الإصلاحي لجلالة الملك. وعلى صعيد متصل، وتأكيدا للعناية التي توليها القيادة السياسية في المملكة بالمرأة البحرينية، صدر الأمر الملكي السامي بإنشاء المجلس الأعلى للمرأة في الثاني والعشرين من أغسطس عام 2001 برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة صاحب الجلالة ملك البحرين، والذي مثل نقلة نوعية وحضارية في تاريخ ومسيرة العمل النسائي في البحرين، تعزز مشاركة المرأة في وضع دعائم التنمية الشاملة للمجتمع البحريني. وقد جاء تأسيس المجلس الأعلى للمرأة ليكون بمثابة المرجعية الرسمية التي تعنى بشؤون المرأة البحرينية وزيادة تمكينها وتعزيز دورها في عملية التنمية.
واستحوذت قضية البيئة على جزء مهم في الرؤية إذ حرص جلالته على وضع الاهتمام بالبيئة والمحافظة عليها كبند أساسي في ميثاق العمل الوطني وتأكيده التزام الدولة بالعمل على الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية غير الضارة للبيئة وصحة المواطن كما اهتم الدستور باتخاذ التدابير للعناية بالبيئة والحفاظ على الحياة الفطرية.
وانطلاقا من التزام جلالة الملك بأنه لا يمكن تحقيق أي هدف من الأهداف السامية لرفعة البحرين من دون ثوابت الأمن الوطني في البحرين وتعزيز ركيزة الأمن وتنميته، كان جلالته متابعا لتطوير قوة دفاع البحرين ووزارة الداخلية والحرس الملكي والوطني وكذلك الأمن الوطني بكل إداراتها وأجهزتها كونه القائد الأعلى، علاوة على ذلك أنه أحد أفراد هذه المهنة الشريفة وشخصية معاصرة لميادين الدفاع، وقد استطاع بعزيمته وإدارته الصلبة ورؤيته المتكاملة للأمن بفكره الواسع جعل كل أجهزة الأمن معنية بالبحث والاطلاع والتطوير لكل ما هو خير لأمن واستقرار هذا الوطن ونشر الطمأنينة والسهر للحفاظ على النظام. ولم ينس تطوير قطاع الرياضة لما له من أهمية لدعم الشباب وراعيا لكل الرياضة بأشكالها لإيمانه بها كونه الفارس والرياضي الأول ولأنها رسالة سامية لرفع علم البحرين في المحافل الدولية.
وحظي التاريخ باهتمام خاص من جلالة الملك فقد كانت لجلالته بصمة واضحة في تأسيس مركز الوثائق التاريخية واحتضانه لما له من أهمية في تدوين تاريخ البحرين، كما عمل جلالته على انشاء مركز البحرين للدراسات والبحوث ليكون نواة لتأسيس قاعدة بحثية علمية في البحرين.
ومن أهم انجازات المشروع الاصلاحي لجلالته ثقافة حقوق الإنسان، حيث تولي مملكة البحرين حقوق الإنسان والحريات الاساسية أهمية بالغة، وذلك ضمن السياسة العامة لجميع الخطط والبرامج الوطنية للمملكة، لاسيما فيما يتعلق بدعم وتعزيز واحترام تلك الحقوق والحريات والعمل على تفعيلها، كونها تتصل بالانسان نفسه، اللبنة الأساسية لبناء المجتمع المتوازن الذي يحظى جميع مواطنيه بحقوق اساسية اصيلة ومتساوية، كما قامت المملكة، ولا تزال، بإنفاذ مبادئ الاتفاقيات والمعاهدات سواء التي صدقت عليها، أو انضمت اليها، ضمت تشريعاتها الوطنية من جهة، أو عملت على نشرها وإدراجها ضمن الخطط الوطنية الرامية إلى تعزيز احترام تلك الحقوق من جهة أخرى، وتعد المملكة طرفا فاعلا في جملة من الاتفاقيات الاساسية المعنية بحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
ومنذ تولي جلالة الملك المفدى مقاليد الحكم وهو يسير على نهج والده الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه في تعزيز دور البحرين الإيجابي والمعتدل عربيا وعالميا، وتعكس تحركات ومواقف مملكة البحرين الديبلوماسية سياستها الخارجية سواء على الصعيد الاقليمي والعربي، او على الصعيد الدولي، والتي التزمت بها قولا وفعلا منذ استقلالها عام 1971، وهي تقوم من واقع حرصها على الاستقرار واستتباب الامن والسلام في منطقة الخليج والعالم العربي بدور نشط في ظل ظروف صعبة ومعقدة وفي ظل تحديات امنية كبرى ومتغيرات اقليمية ودولية تتطلب الحركة وحسن المبادرة، فقد شارك جلالته بصورة شخصية ناشطة في معظم المؤتمرات والمحافل الدولية المعنية بانشاء السلام العالمي والتخفيف من معاناة الشعوب وكان دائما على الخط الخليجي مبادرا لتعزيز الصف الخليجي، وتأكيد اواصر علاقات التعاون والتنسيق بين الاشقاء الخليجيين في مختلف المحافل العربية والدولية، وسعى الى تعزيز مكانة البحرين الدولية وعلاقاتها الخارجية، كما عمل على ابراز دور المملكة المحوري في العمل من اجل السلم العالمي والاستقرار الاقليمي، كما شارك جلالته في معظم مؤتمرات القمة الخليجية شخصيا، وحافظ على علاقات شخصية رفيعة مع كل قادة وزعماء المنظومة الخليجية وكان دوره في المحافظة على الصف الخليجي وتطوير جوهر التعاون وأدواته ومكتسباته ملهما وبارزا على نحو اساسي، كما ان اكبر دليل على حرص القيادة على امن واستقرار منطقة الخليج قيامها باستضافة العديد من المؤتمرات التي تعنى بهذا الشأن حيث تمت استضافة مؤخرا منتدى «حوار المنامة» في الفترة 3 – 5 ديسمبر 2010 للعام السابع على التوالي تم خلاله طرح ومناقشة العديد من القضايا الامنية والسياسية المهمة في المنطقة.
ويشرفني بهذه المناسبة ان انوه بالعلاقات التاريخية المتجذرة التي تربط بين مملكة البحرين والكويت الشقيقة والتي تبلغ ازهى عصورها في عهد جلالة الملك المفدى لانها تجسد تاريخا طويلا من الاخوة في اسمى معانيها واجمل صورها وتعتبر نموذجا يحتذى به في العلاقات حيث وصلت الى مرحلة اضحت جميع المفردات السياسية عاجزة عن وصفها، وبالتعاون المشترك بين البلدين في جميع المجالات والاصعدة، مشيدا بما تقدمه الكويت من دعم ومساندة، وما يحققه هذا الدعم في التنمية الاقتصادية لمملكة البحرين، وهي تحرص دائما على تعزيز علاقاتها مع الكويت في ضوء ما يربط الشعبين والقيادتين من صلات وثيقة. وتؤكد الزيارات المتبادلة لقادة البلدين وكبار المسؤولين عمق هذه العلاقات وترابطها وتعبر عن امتنان مملكة البحرين واعتزازها بالدور الذي تقوم به الكويت الشقيقة من خلال اسهاماتها الفعالة في مشاريع التنمية.
وفي اطار هذه العلاقات المتميزة انشئت اللجنة العليا المشتركة بين مملكة البحرين والكويت والتي يترأسها وزيرا خارجية البلدين الشقيقين الشيخ خالد بن احمد بن محمد ال خليفة والشيخ د.محمد الصباح، وذلك لحرص القيادتين على استمرارية هذا التعاون، وقد حققت هذه اللجنة خلال اجتماعاتها الاخيرة التي عقدت في مملكة البحرين الاهداف التي انشئت من اجلها، كما تم إبرام عدة اتفاقيات من شأنها دعم مسيرة التعاون والتواصل بين البلدين، ووضع الآليات لتبادل الخبرات والدراسات في المجالات المختلفة والمعنية بالتنمية السياسية والاقتصادية والاستمرار في التشاور والتنسيق حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وفي الختام إنه لمن دواعي غبطتي وسروري ان اعبر عن امنياتي الخالصة للكويت الشقيقة وشعبها الكريم بالتقدم والازدهار والامن والامان في ظل القيادة الرشيدة لباني نهضتها المعاصرة وقائد مسيرتها حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد ومساندة اخيه وسمو ولي عهده الامين الشيخ نواف الاحمد ورئيس وزرائه الموقر سمو الشيخ ناصر المحمد حفظهم الله جميعا وجعلهم ذخرا وسندا لكويت العز والفخار.