لم يخرج من دائرة الضوء حتى يعود إليها فبقبعة انديانا جونز التي يعتمرها دائما حاكى زاهي حواس العالم بشقيه العربي والعالمي مؤخراً ليكشف عن أحد أكبر ألغاز الحقبة الفرعونية بإعلانه نتائج تحليل الحمض النووي لمومياء الملك توت غنخ آمون التي اظهرت أنه توفي متأثرا بمضاعفات الملاريا. يلقب بالطفل المدلل لوسائل الإعلام الأميركية التي تعطي اخبار اكتشافاته حيزا بارزا واولوية مطلقة، ومنها اكتشافه مقبرة حتشبسوت في وادي الملوك في الاقصر التي وصفتها الصحافة العالمية بأنها أحد أبرز وأهم الاكتشافات الاثرية في الـ 100 عام المنصرمة. هو ابن التاريخ الذي يفاخر دائما بأنه المصري ابن حضارة الفراعنة الحامل دائما على عاتقه مهمة سبر اغوار التاريخ المصري القديم والغوص في مناقب ذلك العالم الغامض وتقديمه على طبق من ذهب لاصقاع العالم المتلهف لمعرفة كل صغيرة وكبيرة عن غياهب تلك الحقبات.
يهتم د.حواس بتفاصيل التفاصيل ولا يفوت اي تعليق صغيرا كان أو كبيرا حول رأي من آرائه حتى تلك التعليقات التي يرسلها القراء تعقيبا على مقالاته، حيث اعلن عن عزمه جمع تلك التعليقات التي تحتوي على اسئلة يريد اصحابها الاجابة عنها في كتاب يصدر فيما بعد.
بلغ المجلس المصري الأعلى للآثار في عهده شأنا رفيعا، حيث لم ينل عالم آثار شهرة عالمية واسعة كالتي نالها د.زاهي حواس فلم يهدأ ولم يستكن من سجل الانجازات العامر بل اضاف انجازا جديدا عندما خاض معركة اصدار قانون الآثار في مصر وكان له ما اراد في اقراره لحماية الآثار والمحافظة عليها.
تعلُّم الهيروغليفية بالنسبة له واجب وطني ليتعرف الاطفال على كتابة اسمائهم باللغة المصرية القديمة لأن الأطفال عنده هم وقود المستقبل ويجب زرع حب الثقافة والآثار واللغة القديمة فيهم لأن الكبار بحسب رأيه «سيبك منهم دول ممنهمش فايدة».
آراؤه غالبا ما تثير النقاشات ومنها: «الفراعنة ليسوا كفرة» أنا مصري في المقام الأول وكوني مصريا لا يلغي اني عربي لكني في الأساس مصري وقوميتي مصرية، «ناشدني البعض تأسيس حزب الفراعنة» وغيرها من الآراء الصادمة في بعض الأحيان.
الفراعنة وأصلهم
للدكتور حواس العديد من المؤلفات والكتب والمقالات التي ترجمت إلى العديد من اللغات منها «ابوسمبل» معابد الشمس المشرقة و«معجزة الهرم الأكبر» و«سيدة العالم القديم» و«وادي المومياوات الذهبية» وغيرها، ولمقالاته التي نشرها في بعض الصحف العربية نصيب من النقاشات المتعددة، خاصة مقالة «عن الفراعنة وأصلهم».
ففي ذلك المقال فند د.حواس نظرية ان الفراعنة كانوا زنوجا وذلك عن طريق الاستشهاد ببعض التماثيل المصرية القديمة المنحوتة من احجار سمراء خاصة بعد شيوع تلك النظرية حيث بدأ السود في الولايات المتحدة بعقد المؤتمرات لاثبات انهم اصل الحضارة المصرية.
ولدى تواجده في مدينة دالاس اثناء معرض «الملك رمسيس الثاني» حدثت مظاهرات في المدينة امام المعرض ولم تهدأ إلا عندما قال في محاضرته ان مصر تقع في افريقيا وهذا يشير إلى أن الحضارة الفرعونية ذات صلة بأفريقيا.
الميراث لزاهي
نسمع ونشاهد احيانا كثيرة احداثا في الافلام او في الروايات نخالها غير حقيقية الا ان ما حدث مع رئيس المجلس الأعلى للآثار المصرية في منتصف العام 2006 كان حقيقة حيث اوصى رجل اعمال استرالي الجنسية، يدعى بروس كلارك، في وصيته التي تم الاعلان عنها عقب وفاته بمنح د.زاهي حواس رئيس المجلس الأعلى للآثار المصرية مبلغ 5 ملايين دولار، وقال في الوصية انه خصص هذا المبلغ تقديرا منه لجهود د.زاهي في تنمية العمل الاثري في مصر.
وفور تلقيه الخبر قال د.حواس انا لا اعرف هذا الرجل ولم اقابله ولو مرة واحدة في حياتي، ولا اعلم ان كان قد جاء لزيارة مصر ام لا، وقد فوجئت بالخبر عندما ابلغتني به محاميته على الهاتف، وقررت التنازل عن المبلغ لصالح المجلس الأعلى للآثار، خاصة انني شعرت بان الرجل اراد من وراء تلك الوصية مساعدتي على الاهتمام بآثار مصر التي اعشقها وكرست لها كل حياتي، لا ان انفقها على نفسي او عائلتي، ولهذا كان قراري بتخصيصها للإنفاق على مشروعات المجلس وعلى تمويل قطاع التربية المتحفية للأطفال ورفع الوعي الاثاري لديهم لتعريفهم بالتراث المصري الفرعوني القديم.
صيَّاع سويسرا
خاض معركة شرسة منذ ثلاثة اعوام عندما ظهرت مؤسسة عجائب الدنيا السبع الجديدة لتعلن عن استفتاء عالمي شعبي لاختيار عجائب جديدة وطالب حينها بتجاهل نتائج الاستفتاء لأنه لا يخضع لأي مؤسسة علمية، كما ان المواطنين ليست لديهم القدرة على الاختيار، مؤكدا ان اختيار العجائب يجب ان يتم على أيدي العلماء والفلاسفة المتخصصين.
وشدد حواس على ان الهرم الأكبر هو العجيبة الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا السبع ولم نصل بعد الى سر بنائه حتى الآن، ولم تؤثر فيه الزلازل التي دمرت باقي العجائب لأن المصري القديم بنى حجرات لتخفيف الضغط فوق حجرة الدفن، وقال لا يمكن بعد كل ذلك ان نسمح لصايع من صياع سويسرا بإزالة: الهرم من قائمة العجائب.
واضاف: مصر دولة عظمى في الآثار وتتعامل مع المؤسسات، واشار الى ان رئيسة لجنة الثقافة باليونسكو طالبت بإهمال برنارد ويبر صاحب مؤسسة العجائب، متسائلا: كيف نضع يدنا في يد رجل يقول انه يسعى لترميم تمثال بوذا الذي دمر تماما ولا يمكن ترميمه، مستطردا: «صاحب هذه المؤسسة نصاب».
زاهي «الأمين»
«الأمين على كل آثار مصر» مهمة من بين المهمات الرائدة التي يضطلع بها زاهي حواس هي حرصه الدائم على الحفاظ على ثروة بلاده عبر ضرورة التعرف على طبيعة الآثار المصرية الموجودة في المتاحف العالمية، حيث يقسمها الى جزأين: فإما انها خرجت في شكل قسمة مع البعثات الأجنبية أو في شكل إهداءات من جانب أفراد الأسرة العلوية الذين كانوا يقدمونها الى رموز عالمية على نطاق واسع.
فمن منطلق التمسك بمبدأ العمل على عودة كل قطعة آثار مصرية الى وطنه يتبع الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار طريقة يراها أنجع من الإجراءات القانونية وهي إحراج الدول التي تقتني الآثار المنهوبة أمام المجتمع الدولي للضغط عليها لإعادة ما لديها من آثار.
لا يكف عن البحث في الطرق التي تؤدي به الى عودة الحق إلى نصابه وهو في هذا السبيل لا ينكر ان مصر ليس لها حق قانوني باستعادة القطع المهداة الى دول العالم خلال حقبة الأسرة العلوية والتي خرجت قبل عام 1972 وان بعضها خرج بطرق رسمية، وان الجزء الأكبر منها خرج في ظل الاحتلالين البريطاني والفرنسي لمصر، إلا انه يؤكد في المقابل انه «ليس معنى ذلك عدم المطالبة باستعادة هذه الآثار، فالأمر يتطلب تفهما لطبيعة الإجراءات التي ينبغي القيام بها، والظروف التي خرجت فيها هذه الآثار، ومع ذلك فالعالم لا يعترف بمصرية هذه الآثار، كما ان مصر تقوم بإجراءاتها لاستعادة ما يمكن استرداده».
محاولة اعتداء
لا يسلم زاهي حواس كحال أي شخصية عالمية من الانتقادات التي تصيبه حيث يُتهم باحتكار عمليات البحث عن الآثار في مصر بوضعه العراقيل للبعثات الأجنبية لمنعها من الوصول للمواقع الأثرية بغية البقاء دوما في الصورة، اضافة الى اتهامه بتجيير اكتشافات العلماء المبتدئين لنفسه غير ان الحادث الأبرز عندما حاول احد نواب مجلس الشعب الاعتداء عليه والتعرض له صارخا في وجهه «عيب عليك عيب عليك». ويأتي رد حواس دائما بتجاهل المهاترات والعمل على تطوير عمليات البحث والاكتشافات لتضاف إنجازات اخرى الى رصيد بلده.
مسيرة حافلة
ـ بدأت شهرة حواس عندما ظهر في قناة «ديسكفري» في أفلام تسجيلية عن مصر والقدماء المصريين، كما سجل حلقات عرضها التلفزيون الأميركي في برنامج «البحث عن الحقيقة»، ناقش فيها مواضيع تهم المشاهدين مثل المومياوات والأهرامات المصرية، وتوت عنخ امون وكيلوباترا ورمسيس الثاني.
ـ في سنة 1990 كانت أهم اكتشافاته الأثرية مقابر العمال المصريين الذين قاموا ببناء الأهرامات، مما يثبت ان بناة الأهرامات كانوا المصريين لا غيرهم، كما اكتشف وادي المومياوات الذهبية الذي يقع في الواحات البحرية، حيث اكتشف 192 مومياء مغطاة بالذهب، وكان من أكبر اكتشافاته وقتها، بعدها تم اكتشاف مقبرة حاكم الواحات البحرية وأسرته.
ـ ولد د.زاهي حواس في قرية العبيدية بالقرب من مدينة دمياط في 28 مايو 1947 ويعتبر من أشهر الأثريين المصريين المعاصرين ويحظى بتقدير عالمي في مجال علم الاجيبتولوجي (المصريات) وهو الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية، نائب وزير الثقافة، كما شغل سابقا منصب مدير اثار الجيزة.
ـ تخرج حواس في كلية الآداب جامعة الإسكندرية في قسم الآثار اليونانية ـ الرومانية، وحصل على دبلومة في الآثار من جامعة القاهرة، ثم منحة تعليمية الى أميركا ليكمل تعليمه العالي هناك، ويحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا سنة 1987، ومن هناك بدأ يدرس ويحاضر في جامعات كاليفورنيا ثم الجامعة الأميركية في القاهرة.
ـ في سنة 2002 تم تعيينه أمينا عاما للمجلس الأعلى للآثار في مصر حتى الآن.
ـ تمت كتابة اسم زاهي حواس على الـ «سي دي» المرسل الى كوكب المريخ في رحلة الاستكشاف سنة 2003.
كليوباترا ورمسيس الثاني
لاتزال الآثار المصرية القديمة ملهما رئيسيا ونهرا لا ينضب لصناعة الدراما العالمية فعربيا سنشاهد مسلسل «كليوباترا» للنجمة سولاف فواخرجي وعالميا، قررت قناة «بلانت» الفرنسية تنفيذ فيلم عن اكتشاف مومياء رمسيس الثاني، يحتوي على مادة تسجيلية ولقاءات مع شخصيات بارزة لها علاقة بعمليات ترميم المومياء، وبينها لقاء مع عالم الآثار زاهي حواس والرئيس الفرنسي الأسبق ديستان والعالم الفرنسي كريستينيو بلون المشارك حاليا في ترميم مقبرة رمسيس الثاني، هذا علاوة على خبراء اثريين واطباء عالجوا مومياء رمسيس الثاني سنة 1976. وبما انه يستحيل تصوير المومياء الحقيقية بالتقنيات المعتمدة في الدراما تم صنع نموذج طبق الاصل في فرنسا من اجل فيلم «رمسيس الثاني.. الرحلة الكبرى» الذي تموله جهات انتاج فرنسية، كما تشارك مصر بنسبة 17% من انتاجه عن طريق وضع استديوهات ومعدات تصوير في الخدمة.
زاهي والليدي ديانا
يروي الكاتب الكبير محمود صلاح عينة من عينات لقاءات حواس بمشاهير وحكام ورؤساء العالم ومنها هذا اللقاء التاريخي حيث يروي قائلاً:
فوجئ الاثري زاهي حواس بالسفير البريطاني في القاهرة يتوقف بسيارته امام مكتبه الذي يقع على هضبة تواجه هرم خوفو تماما.
وقال له السفير البريطاني: لقد سمعت الاميرة ديانا عن الاكتشافات الاثرية الاخيرة في المنطقة، وهي خاصة بالعمال بناة الاهرامات، تريد سموها ان تقوم بزيارة غدا الى المنطقة.
ويتذكر د.زاهي حواس كيف قضى ذلك اليوم بطريقة عادية دون ان يلحقه اي توتر من زيارة الاميرة المرتقبة فهو قد تعود على مرافقة الشخصيات المهمة خلال زياراتهم للاهرامات، وديانا لن تكون الشخصية الشهيرة الوحيدة التي يلتقي بها.
لكن رغم ذلك كله فإن زاهي حواس لم ينم بسهولة ليلتها: وجاءت ديانا في الصباح وسألته: د.حواس قل لي من فضلك، كيف قام المصريون ببناء هرم خوفو الضخم هذا؟
وقبل الاجابة عن سؤالها، مضت ديانا تشرح بعض النظريات التي قرأت عنها من قبل حول لغز بناء الاهرامات.
ويعترف حواس بعد سنوات من القصة بروعة وبساطة الاميرة ديانا التي سألته عن العمال الذين قاموا ببناء الهرم فقال لها: هؤلاء العمال كانوا يمثلون حوالي 80% من الشعب المصري، انهم افراد الشعب الذين بنوا الاهرامات والمعابد وصنعوا هذه الحضارة العظيمة، لان الملوك والأمراء وموظفي الدولة كانوا يمثلون نسبة الـ 20 % هذه في بلادي.
جوائز وتكريم
ـ وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
ـ جائزة فخر مصر في استفتاء جمعية المراسلين الأجانب بمصر عام 1998.
ـ جائزة الدرع الذهبية من الأكاديمية الأميركية للإنجازات عام 2000.
ـ وسام الجمهورية الفرنسية بدرجة ضابط في الفنون والآداب وهي أول مرة تقوم بها الحكومة الفرنسية بتقليد احد العاملين في قطاع الآثار وذلك لجهوده في حماية تراث مصر الثقافي والحضاري.
ـ جائزة العالم المصري المميز من جمعية العلماء المصريين بالولايات المتحدة الاميركية.
ـ تم اختياره من قبل مجلة تايم الاميركية ضمن قائمة أهم 100 شخصية في العام.
ـ فوزه بجائزة «أوسكار إيمي» وهي أغلى وأقوى جائزة على مستوى العالم تمنحها أكاديمية فنون التلفزيون والإعلام لأحسن وأفضل الأفلام التلفزيونية. ـ اختياره سفيرا للنوايا الحسنة لمصر في اليابان وجاء اختياره كونه أكثر المصريين شعبية في اليابان.