أصفهان ـ كونا - منى ششتر
أزقة تكتنز بعبق التاريخ وأريجه وتقرأ على جدران أبنيتها صفحات مشرقة من الحضارة الاسلامية ويسير فيها باعتزاز شعب محب للحياة ووجوه بشوشة رغم الحصار الاقتصادي المفروض عليه، تلك هي صورة أصفهان «نصف جهان».
وهناك حيث تقع عين الزائر على الأبنية الاثرية والمعالم العمرانية البهية لا يرى بينها بناء ذا طابع حديث الا نادرا فهي مدينة تاريخية متكاملة او بالأحرى متحف كبير للعالم الإسلامي يمزج أهلها عيشهم بين معالمه القديمة والحديثة.
وأصفهان هي إحدى محافظات إيران الـ 30 وتقع في منتصف البلاد وتمتد على مساحة تقدر بنحو 107 آلاف كيلومتر مربع وتسمى زهرة الثقافة الإيرانية وعاصمتها «اصــفهان» المديــــنة ومن مدنـها المعروفة كاشان ونطنز وقارون وأبيانه وهمايونشهر.
وتزخر مدينة اصفهان بعدد كبير من الآثار التاريخية والمعالم الحضارية التي تتباين بين قصور وقلاع ومساجد ومعابد وكنائس وحدائق وجسور ومآذن يعجز المتبحر في التاريخ عن عدها أو الانتهاء من دراستها.
ولعل ساحة «نقش جهان» التي بنيت في عهد الملك الصفوي عباس الأول على شكل مستطيل تزيد مساحتها على 80 ألف متر مربع وتتوسطها مجموعة كبيرة من أحواض المياه والنوافير من أهم الساحات التاريخية في العالم نظرا لسعتها وعظمتها ومعالمها التاريخية وهي نموذج لتنوع تلك المعالم في اصفهان.
ويرى الزائر في كل جانب من جوانب الساحة أثرا تاريخيا فعلى الجهة الجنوبية منها يقع جامع الامام الخميني وهو أحد أجمل جوامع العالم الإسلامي فيما تحتضن الجهة الشمالية من الساحة التي يسميها اهل المدينة «ميدان أمام» بوابة السوق الكبرى.
ويعد مسجد الشيخ لطف الله القابع في الجهة الشرقية من الساحة معلما ثالثا من معالم ذلك الميدان فيما يواجهه على الطرف الآخر قصر «علي قابو» الذي أنشئ في القرن
الـ 11 هجريا ويتميز هذا القصر بخدعة بصرية حيث يراه الناظر من الجهة الأمامية كأنه بعلو ثلاثة ادوار فيما يتراءى للناظر من الجهة الخلفية له انه ذو ستة أدوار.
وهناك العديد من الجسور التاريخية التي تميز مدينة اصفـهان وتجلس على ضفاف نهر زايندة وأهمها جسر «خاجو» الذي بني في عهد الشاه عباس الصفوي في عام 1060 هجرية وجسر «سي وسه بل» أي الـ 33 قنطرة الذي يمتاز بعمارته المتناسقة والجـــميلة ويعد من أرقى آيات المزج والانسجام بين الهندسة والفنون المعمارية.
ومن القصور التاريخية التي لاتزال شاهدة على التاريخ في تلك المدينة قصر «جهلستون» اي ذي الأربعين عمودا والذي كان يستخدم لاستقبال الرعية وإقامة المآدب الرسمية وترجع تسمية القصر بذلك الاسم رغم ان البناء يتكون من 20 عمودا الى ان انعكاس تلك الأعمدة على سطح الماء يجعل مجموعها أربعين عمودا إضافة الى قصر «هشت بهشت» اي القصر ذي الجنائن الثماني وتم بناؤه في عهد الملك سليمان الصفوي وسط حديقة تعرف باسم حديقة البلبل.
وتحتضن مدينة اصفهان بين جنباتها عددا من المتاحف أهمها متحف «وانك» الذي يعد احد اكبر واشهر المتاحف الموجودة في اصفهان ويقع داخل كنيسة وانك ومتحف «جهلستون» الذي يضم مجموعة قيمة من الكتب والمخطوطات والصحون الفخارية والنقوش ومتحف «الفنون الجميلة» الذي بني في عام 1995 ويوجد فيه أكثر من ثلاثة آلاف أثر فني تعود الى العصر الصفوي والقاجاري والحديث.
ومن عجائب الفن المعماري في اصفهان «منار جنبان» او المئذنتين المهتزتين ويشتمل البناء على منارتين متقابلتين وايوان ويعود تاريخ بناء الايوان الى فترة حكم السلالة المغولية وكثيرا ما يطرح البناء تساؤلات في أذهان من يشاهدونه عن السبب وراء حدوث اهتزازات وحركة محسوسة في إحدى المنارتين وفي البناء برمته عندما يقوم احدهم بتحريك المنارة الأخرى إلا ان احدا لم يجب حتى الآن على تلك التساؤلات.
واصفهان مدينة الزهور ذات المناخ المعتدل لا تشيخ ولا تهرم لاسيما ان نهر زايندة الفياض الولود يجري في عروقها فيحيلها الى عروس في ريعان شبابها حتى ان مر عليها أكثر من سبعين قرنا وهو عمرها الحالي.
وفي اصفهان يجد الزائر أغنى أسواق العالم التراثية حيث تعد الأطول والأكبر بين أسواق ايران قاطبة وتتفرع الى أسواق متعددة تتفرد كل منها بسلعة خاصة ولا يكاد الزائر ينتهي من المرور فيها مهما طالت مدة إقامته في تلك المدينة.
وفي جوار شارع «جهار باغ» او الحدائق الأربع يقبع فندق عباسي الذي كان في يوم من الأيام خانا للمسافرين ضمن سلسلة من 20 خانا كانت تعج بها أصفهان وهذا الفندق ما هو الا كنز ثمين من التراث والقصص حيث تحكي جدران كل غرفة من غرفه ودهاليزه حكاية عن ذلك الزمان الذهبي.
ويضم الفندق الذي بني في عهد الشاه سلطان حسين الصفوي (1694 ـ 1723م) نحو 230 غرفة وجناحا والعديد من المطاعم والصالات وقاعات الضيافة الفخمة إضافة الى متحف للقرآن الكريم.
ولا بأس من قضاء عدة ليال في فندق عباسي والتمتع بما يحويه ذلك الفندق التاريخي من جمال المعمار ورائحة الماضي وعراقته وزخارف ومنمنات ولوحات ومقرنصات ونقوش يعجز عن وصفها اللسان ومطاعم يسيل لما تقدمه اللعاب.
«نحن قوم نفتخر بحضارتنا اكثر مما نفتخر بقوميتنا»، جملة يرددها ويؤمن بها الايرانيون في اصفهان ولا عجب ان كانت الحضارة التي تزخر بها مدن تلك المحافظة جامعة شاملة لعصور عديدة واتجاهات اربع».
ويقول الاستاذ الجامعي ابراهيم مهمان دوست وهو مترجم مرافق للوفد الإعلامي الكويتي الذي يزور اصفهان ان حضارة إيران القديمة التي بدأت قبل ظهور الإسلام بآلاف السنين تمازجت مع حضارات الديانات الأخرى التي اعتنقها أهل البلاد بعد ذلك مثل المسيحية واليهودية وبلغت تلك الحضارة مكانة من الرقي والعلو حتى جاء الإسلام ليتوج عرشها في العهد الصفوي.
وتشتهر كل محافظة من محافظات ايران بنوع خاص من الحلوى ولا تختلف في ذلك عنها محافظة اصفهان التي تشتهر بحلوى «المن والسلوى» والتي تسمى بلغة أهل تلك البلاد «كز» فيما يعرفها الكويتيون قديما باسم «قبيط» وهي حلوى بيضاء مطعمة بالفستق واللوز وتقدم اما على شكل لقيمات صغيرة او قطع معفرة بالطحين.
وأصفهان مدينة تغنى أهلها بجمالها ومعالمها وعشقها غيرهم فكانوا يسمونها «نصف العالم» بل يمكن تسميتها «كل العالم»، تلك هي أصفهان التي جمعت بين فنون الشرق والغرب وتراثه ومعماره فكانت حقا كل العالم.
الوفد الإعلامي
ضم الوفد الإعلامي الزملاء: عدنان الراشد (رئيس الوفد)، جنان حسين وبلقيس مجيد ويوسف المطيري وإبراهيم المليفي وفهد المياح ومنى ششتر وفادي مطر وهاشم أسد الله ومحمد حمودة وفريال حماد.
واقرأ ايضاً:
الجميري لـ «الأنباء»: «القطرية» تبدأ بتسيير رحلات إلى العاصمة التركية أنقرة 5 مايو الجاري
«الجزيرة» تقدّم عروضاً للأسبوع الثاني... مشهد بـ 24 ديناراً
«لوفتهانزا» إلى نيويورك بـ 378 ديناراً وأسعار تذاكر القارة العجوز على حالها
فاخوري: رحلات «ميدل ايست» بين بيروت والكويت طبيعية
هيسار البلغارية... سياحة وعلاج بين الينابيع
«الهولندية» تحط بلندن من الكويت بـ 143ديناراً