الخامس والعشرون من مايو والتاسع من يونيو علامتان مضيئتان في تاريخ مملكتنا الفتية وفي وجدان أبنائها، نحتفل فيهما بعيد الاستقلال وذكرى جلوس مليكنا المفدى على العرش، حيث تمكن الأردنيون تحت لواء قيادتهم الهاشمية الملهمة من إرساء دعائم الدولة الأردنية الحديثة، وترسيخ معالم المؤسسة والحرية والديموقراطية ووضع الاردن باقتدار على خارطة العالم، ليتبوأ المكانة التي تليق به، رغم شح الموارد وضيق الإمكانيات وعظيم التحديات.
نحتفي بيوم الاستقلال الخالد، يوما فاصلا ومشهودا في تاريخ امتنا العربية، استطاع الاردن فيه تكريس وجوده، واحة للأمن والاستقرار والحرية، حافظا لكرامة إنسانه، مساندا وظهيرا لأشقائه لنيل استقلالهم وبناء دولهم، تجسيدا لرسالة الهاشميين في نصرة الأمة العربية ووحدة موقفها، وداعما لها في نيل استقلالها وتحقيق طموحات وآمال شعوبها.
الأردن ضمير ووجدان أمته العربية، وقلبها الذي يعبق إيمانا بها، وعمان عاصمة الهاشميين كانت ومازالت محط آمال أشقائها، والصخرة التي تتحطم عليها محاولات الطامعين بها، وستبقى على عهدها دائما تضطلع بمسؤولياتها تجاه القضايا القومية، من خلال نهج سياسي واضح الاهداف والرؤى، يعمل في اطار منعته الوطنية، وكرامة شعبه، ومصلحة امته. قوة الاردن المعاصر ومنعته وعنفوانه، انبثقت من عظمة شعبه الذي هو جزء لا يتجزأ من امته العربية، يعمل وفق قناعاته التي تعبر عن المصالح الوطنية لشعبه ومن الرؤى القومية لأمته العربية في منظومة متكاملة ومتناغمة، يخدم فيها الوطني القومي، ويندرج فيها المكون الوطني في اطار قومي، بقيادته الهاشمية، وعملها الدؤوب على تعزيز مكانة الانسان العربي بالحكمة والبصيرة والرؤية التي تجمع ما بين الحكمة الاستراتيجية، والحنكة التكتيكية والتبصر العقلاني بالمستقبل، والصلابة في الموقف، والاستقلالية في الرأي والقرار.
ومن نعم الله التي اسبغها على أردننا الغالي أن حباه الله بقائد فذ، رمحا عربيا هاشميا، يسير على خطى اسلافه الغر الميامين من بني هاشم، الذين ضحوا بالغالي والنفيس خدمة لقضايا أمتهم العربية والاسلامية.
الأردن بقيادته الهاشمية حقق حضورا متميزا على الصعيد الدولي، كنموذج يحتذى للامن والامان والاستقرار، والوسطية والاعتدال والحداثة، ونجح في بناء منظومة من العلاقات القائمة على الاحترام وتبادل المصالح الحيوية مع معظم دول وشعوب العالم، اسهمت في خلق فرص حقيقية للارتقاء بمسيرة البناء والتنمية، وفي كسب التأييد والدعم الدولي، لقضايانا الاردنية والعربية والاسلامية العادلة.
فعلى الصعيد العربي تحظى الجهود والمساعي التي يقوم بها جلالة الملك عبدالله الثاني بالاعجاب والتقدير لاسهاماته الفاعلة في لم الشمل ووحدة الصف والموقف، وصولا إلى استراتيجية تكفل للامة العربية تعاونها وتضامنها وبلوغ اهدافها القومية، انطلاقا من نهج واضح يتسم بالصراحة والوضوح، ويسعى لتعزيز البناء مع جميع الدول، على اسس الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل النزاعات بالطرق السلمية.
اما على الصعيد الاسلامي، فالادرن يؤمن بأن تقدم الامة مرتبط بتعاونها وتعايشها، في ظل السماحة والإخاء، وابراز صورة الاسلام السمحة، القائمة على الوسطية والاعتدال، ونبذ العنف والتطرف والارهاب والدعوة الى الحوار مع الآخر والتواصل بين الشعوب والحضارات، ولعل رسالة عمان ومضامينها نقطة مضيئة تسجل في سفر الاردن وقيادته الهاشمية، وتبرز الصورة الحقيقية والمشرقة لديننا الاسلامي الحنيف.
وعلى الصعيد الدولي، يتطلع جلالة الملك عبدالله الثاني الى نهج جديد في التعاون الدولي يقوم على احترام الشرعية الدولية، وتعزيز دور الامم المتحدة في الحفاظ على الامن والسلم الدوليين، والمحافظة على حقوق الانسان. وقد حرص جلالته على أن يكون للاردن دور ايجابي في كثير من المبادرات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والثقافية على المستوى الدولي، اضافة لاسهاماته المتميزة في قوات حفظ السلام الدولية في مناطق عديدة من العالم، ومبادراته الانسانية لنجدة وعون الشعوب الشقيقة والصديقة، وما تقوم به الهيئة الخيرية الاردنية الهاشمية الاردنية من جهود واعمال جليلة على مستوى العالم، خير شاهد على ذلك.
حمل الاردن وقيادته الهاشمية هموم وقضايا امته، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية الى العالم، حيث استمر في تقديم كل اشكال الدعم والاسناد للشعب الفلسطيني الشقيق، للحصول على حقوقه المشروعة. ويؤكد الخطاب السياسي الاردني على أن تحقيق المصالح الفلسطينية يصب في تحقيق المصالح العليا الاردنية. ويدعو الاردن الى مفاوضات جادة وفاعلة لحل الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي على اساس حل الدولتين، الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، القابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطيني والتي تعيش بأمن وسلام الى جانب اسرائيل. وقد اعرب جلالة الملك خلال تحركاته واتصالاته في مختلف المحافل والأوساط الدولية، وخطاباته التاريخية امام الكونغرس الاميركي والبرلمان الاوروبي والقمم العربية، وفي لقاءاته مع قادة السياسة والاقتصاد والفكر في العالم، وفي لقاءاته الاخيرة مع الرئيس باراك أوباما، عن قلق وأسف الاردن البالغ لما تمر به العملية السلمية من أزمة، جراء الاجراءات الاسرائيلية احادية الجانب في القدس والاراضي العربية المحتلة، والتي تستهدف تتغير الحقائق على الارض. وحذر جلالته حفظه الله، أكثر من مرة من أن بديل السلام في المنطقة هو المزيد من الصراع والحروب والمعاناة، وان الوضع الراهن لا يمكن القبول به.
كما أكد جلالته على أن الوصول إلى السلام يتطلب ايجاد البيئة الايجابية لاطلاق المفاوضات، من خلال وقف اسرائيل لكل الاجراءات الاحادية غير القانونية في الاراضي المحتلة، خاصة بناء المستوطنات في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية، وقال جلالته «ان ما تقوم به إسرائيل بالنسبة الى القدس تحديدا، هو نوع من اللعب بالنار»، وبأن القدسومقدساتها بالنسبة لكل العرب والمسلمين هي قضية مقدسة، مشددا على ان كل الخيارات السياسية والديبلوماسية والقانونية مفتوحة امام الاردن لحماية القدس والاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية فيها.
وقد كان جلالته حفظه الله واضحا وحاسما في خطابه امام الملتقى الخامس لسفراء جلالته، الذي عقد نهاية الشهر الماضي، عندما قال: يتوجب على اسرائيل ان تختار بين ان تعيش قلعة معزولة في المنطقة، او ان تصل الى سلام مع كل الدول العربية والاسلامية على اساس مبادرة السلام العربية ومن خلال الانسحاب من الاراضي العربية المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة التي تعيش بأمن وسلام الى جانب اسرائيل في اطار سلام شامل يضمن الامن الحقيقي والقبول لاسرائيل.
وفي هذا المقام، لابد من الاشارة الى الجهود الهاشمية في دعم صمود المقدسيين من خلال الرعاية الهاشمية للمقدسات الاسلامية في القدس، وذلك لحماية الاماكن المقدسة من اجراءات الضم والتهويد الاسرائيلية، كما ان الاردن لم يأل\ جهدا في المطالبة برفع الحصار عن غزة وفتح المعابر، وهو دائم التواصل مع الشعب المحاصر من خلال ارسال عشرات القوافل من المساعدات للاشقاء هناك وبتوجيهات ملكية سامية اقيم مستشفى عسكري ميداني بتجهيزات كاملة في قطاع غزة واستقبل حتى الآن عشرات الآلاف من ابناء القطاع. وفي اطار دور الاردن وجهوده على الصعيد الاقليمي وسعيه لتأمين الامن والاستقرار في المنطقة، دعا جلالة الملك في مداخلة له في الجلسة الافتتاحية لقمة الامن النووي التي عقدت في الولايات المتحدة مؤخرا الى ضرورة بلورة جهد دولي متكامل لمنع وصول المواد النووية الى المنظمات الارهابية، التي تشكل خطرا على المجتمع الدولي برمته، من خلال ايجاد الاطر المؤسساتية التي تضمن التعاون الدولي الفاعل وتدفق المعلومات وتنسيق الجهود لتحقيق الامن النووي لحماية المواطنين والدول من خطر وصول المواد النووية الى المنظمات الارهابية.
ويدعو الاردن الى شرق اوسط خال من الاسلحة النووية، ويطالب بتعزيز واحترام معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية وضمان التزام جميع الدول الموقعة على الاتفاقية بها وان تشمل الشفافية في التعامل مع الملفات النووية جميع الدول. كما يقف الاردن الى جانب العراق، ويدعم المساعي الهادفة الى ترسيخ امنه واستقراره ومواصلة عملية البناء والتطوير وتحقيق تطلعات شعبه نحو مستقبل افضل. وقد عبر الاردن عن امله في ان تسهم الانتخابات التشريعية العراقية الاخيرة في تعزيز العملية السياسية وترسيخ حالة الوفاق الوطني بين جميع مكونات الشعب العراقي الشقيق.
تجسيدا للمضامين السامية للاستقلال، يقوم جلالته بجهود متواصلة للنهوض بالمملكة وتحقيق آمال وتطلعات الانسان الاردني وتحسين ظروف ومستوى معيشته، فالاردن اليوم يسير بخطى ثابتة لتحسين وضعه الاقتصادي، وايجاد بيئة استثمارية جاذبة حيث استطاعت المملكة تحقيق العديد من الانجازات التي زادت من قدرتها التنافسية من خلال حزمة من الاصلاحات الاقتصادية والتشريعية والادارية في ظل توافر الموارد البشرية والطبيعية، الامر الذي وفر العديد من الفرص الاستثمارية في مختلف القطاعات الاقتصادية والتي سيؤدي استغلالها بلا شك الى تحسين الوضع الاقتصادي وبناء المشاريع التي توفر فرص العمل للمواطنين.
وتعمل الحكومة الاردنية حاليا على تحقيق الاهداف الاقتصادية التي تم رسمها للمرحلة المقبلة، من خلال اربعة محاور رئيسية تتمثل في توفير البيئة الملائمة لجذب مزيد من الاستثمارات العربية والاجنبية وتفعيل دور القطاع الخاص ودعم المشاريع المنفذة وفق آلية الشراكة بين القطاعين العام والخاص ورفع مستوى التنسيق بين السياستين المالية والنقدية وزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد الاردني. وعلى الرغم من التحديات التي واجهت الاردن، خاصة في المجال الاقتصادي، جراء تداعيات الازمة المالية العالمية، والتي تسببت في بعض المشاكل من خلال العجز في الموازنة العامة الاردنية وارتفاع الدين العام الخارجي والداخلي، الا ان المؤشرات الاقتصادية والمالية تؤكد ان الاجراءات والقرارات التي اتخذتها الحكومة الاردنية في الآونة الاخيرة ادت الى تعافي الاقتصاد الاردني واعادته الى المسار السليم، والتي من ابرزها مراجعة القوانين الضريبية واتخاذ حزمة كبيرة من الاجراءات لضبط الانفاق العام بشقيه الجاري والرأسمالي.
أما فيما يتعلق بالتطورات الاقتصادية والتوقعات المستقبلية، فإن الاقتصاد الاردني بشكل عام في وضع سليم، حيث تشير المؤشرات الاقتصادية الى تحسن اداء الاقتصاد الاردني خلال الربع الاول من العام الحالي، حيث نمت الصادرات بحدود 4.5% ونمت المستوردات بحدود 3%، وتحول العجز في الموازنة العامة الى وفر، وسجلت المديونية انخفاضا عن مستواها السابق في نهاية العام الماضي، ووصل حجم الاحتياطيات الاجنبية الى حوالي 11 مليار دولار. وفي هذا السياق، يسجل للاشقاء والاصدقاء من مختلف دول العالم وعلى رأسها الكويت الشقيقة وقوفها الى جانب المملكة في تصديها للمشاكل التي عانت منها المالية العامة الاردنية جراء تداعيات الازمة المالية والاقتصادية العالمية والتي بحمد الله تمت السيطرة عليها ووضع الاقتصاد الاردني على المسار الصحيح.
وفي سعيه ليأخذ الاردن مكانته على الخارطة الاقتصادية والاستثمارية، يقود جلالة الملك عبدالله الثاني جهود ترويج الاستثمار في الاردن من خلال التعريف بالبيئة الاستثمارية في الاردن وجذب الاستثمار، حيث يولي جلالته اهتماما كبيرا للبعد الاقتصادي والاستثماري في زياراته الى مختلف دول العالم. كما كان للجهود التي قامت بها الجهات الاردنية من القطاعين العام والخاص المعنية بأداء القطاع الخارجي والاستثماري الاثر الكبير في تحسين البيئة الاستثمارية للمملكة، من خلال انشطتها وبرامجها الترويجية الرامية الى تشجيع الاستثمارات الاجنبية وتحفيز وتمكين الاستثمارات المحلية.
وتميزت البيئة الاستثمارية في المملكة على مدار الاعوام العشرة الماضية بفاعلية السياسات الاقتصادية الكلية والتشريعات الفاعلة الناظمة للعملية الاستثمارية ووجود بنية تحتية ملائمة وموارد بشرية مؤهلة ومدربة، اضافة الى علاقات الاردن الاقتصادية القوية مع مختلف الدول في ظل العديد من الاتفاقيات الاقتصادية واتفاقيات التجارة الحرة معها، كما ان الخبرة التي يمتلكها القطاع الخاص الاردني في الاسواق المجاورة اسهمت في تهيئة البيئة الاستثمارية في المملكة لاستقطاب المزيد من الاستثمارات الخارجية والتي نلمس نتائجها عاما تلو الآخر.يحمل جلالة الملك حفظه الله في ضميره ووجدانه هم المواطن الأردني وتحسين مستوى معيشته وتقديم الأفضل له، وتوفير سبل الحياة الكريمة وضمان مشاركته الفاعلة في صنع حياته ومستقبله، وان تسعى لتحفيز الاستثمار النوعي، لما له من أثر كبير على توسيع قاعدة هذه الطبقة الرائدة اجتماعيا، وتمكينها من القيام بدورها المتقدم في الحياة العامة، بما يضمن تحقيق الأمن الاجتماعي. وقد تضمن كتاب التكليف السامي للحكومة محاور رئيسية تمثلت في: تطوير القطاع العام وتفعيل المساءلة وقياس الأداء الحكومي، الحث على المشاركة السياسية والمدنية، تحفيز بيئة الأعمال والاستثمار، تمكين ودعم كفاءة المواطن الأردني من خلال تزويده بالمهارات اللازمة للدخول الى سوق العمل، تحفيز النمو الاقتصادي، من خلال المضي قدما بمشاريع البنية التحتية الكبرى، توسيع قاعدة الطبقة الوسطى وتمكين وحماية الطبقة الفقيرة، تحسين مستوى ونوعية الخدمات المقدمة للمواطنين، آلية عمل الحكومة بهدف ضمان تعزيز آلية إعداد السياسات، وذلك بما يضمن تحقيق تمكين المواطن الأردني وتحقيق الحياة الفضلى الكريمة له.
وانطلاقا من ثقة جلالته بالمواطن الأردني، وقدرته على العطاء والانجاز، ومشاركته الفاعلة في صياغة مستقبل الوطن وبنائه، وتنفيذا لدعوته السامية لتعديل قانون الانتخاب وتحسين جميع اجراءات العملية الانتخابية، لضمان ان تكون الانتخابات القادمة نقلة نوعية في مسيرة المملكة التطويرية التحديثية، بحيث يتمكن كل الأردنيين من ممارسة حقهم في الانتخاب والترشح وتأدية واجبهم في انتخاب مجلس نيابي قادر على ممارسة دوره الدستوري في التشريع والرقابة، والإسهام بفاعلية في استكمال مسيرة البناء، وفي تكريس الديموقراطية ثقافة وممارسة في وطننا الحبيب، فقد أقرّت الحكومة مؤخرا تعديلات جديدة على قانون الانتخاب والدوائر الانتخابية. ونحن نحتفي بهذه المناسبات الوطنية الغالية، نستذكر من معاني الاستقلال وأهدافه السامية، تعزيز علاقات المملكة مع أشقائها العرب، تعمر قلوبنا مشاعر فياضة بالسعادة والارتياح لما وصلت اليه العلاقات الأردنية ـ الكويتية، من زخم وتواصل على جميع المستويات، والتي باتت أنموذجا يحتذى به في العلاقات العربية ـ العربية، وقد عزز ذلك الزيارات العديدة لجلالة الملك الى دولة الكويت، ولقاءاته مع أخيه صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح، حفظهما الله ورعاهما، كما كان للزيارة التاريخية التي قام بها صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير البلاد حفظه الله الى بلده الثاني الأردن، خلال الأسبوع الماضي، دورا كبيرا في تكريس العلاقة الأنموذج، بين القيادتين والبلدين الشقيقين، ودفعها الى مجالات وآفاق أرحب.
وقد حظيت زيارة سموه حفظه الله بترقب واهتمام وترحيب كافة الأوساط الأردنية أخا كريما وضيفا عزيزا على أخيه صاحب الجلالة الهاشمية، وعلى كل الأردنيين، الذين ترددت على ألسنتهم عبارة «حياكم الله في بلدكم الثاني». وسيكون لهذه الزيارة الهامة التي مثلت محطة هامة ومنارة مضيئة في مسيرة علاقات القيادتين والبلدين نتائجها الايجابية على مجمل علاقاتهما. وقد تم خلال الزيارة الكريمة بحث وتنسيق المواقف حيال العديد من الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وكذلك كافة جوانب العلاقات الثنائية والتوقيع على عدد من الاتفاقيات الهامة.
بحمد الله وتوفيقه، وبتوجيهات قيادتي البلدين الحكيمة، شهدت العلاقات الأردنية ـ الكويتية نموا مضطردا في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال الزيارات المتبادلة والتواصل المستمر بين المسؤولين على مختلف المستويات والجهات المعنية في البلدين، والتنسيق السياسي الرفيع، وتطابق وجهات النظر والمواقف حيال العديد من القضايا والملفات.
ولابد من التنويه الى العلاقات الاقتصادية التاريخية والروابط العميقة الجذور التي جمعت بين المملكة الأردنية الهاشمية ودولة الكويت الشقيقة، والتي أسهمت في مجملها في تعزيز جهود وخطط التنمية في المملكة، الأمر الذي عكس الدور المحوري لدولة الكويت الشقيقة، ودعمها للجهود الاقتصادية والتنموية، حيث تعتبر المملكة من أوائل الدول التي أبدى المسؤولون الكويتيون تفهما لاحتياجاتها التنموية، حيث أصبحت الكويت الشريك الاستثماري الأول للمملكة على المستويين العربي والأجنبي، بحجم استثمارات يقارب الـ 8 مليارات دولار، في قطاعات الاستثمار ذات القيمة المضافة العالية (الصناعة، العقار، الاتصالات، تكنولوجيا المعلومات، السياحة، الإنشاءات والخدمات العامة واللوجستية، النقل، البنية التحتية والطاقة والقطاع المالي والتجاري وقطاع الاتصالات)، الأمر الذي يدلل على متانة الاقتصاد الأردني وعلى توافر المناخ والبيئة الاستثمارية الملائمة، وما يتمتع به رجال الأعمال والمستثمرون الكويتيون من رؤية سديدة في اختيارهم الأردن، بلدهم الثاني، كمنطقة جاذبة وحاضنة لاستثماراتهم.
وعلى صعيد العلاقات التجارية بين البلدين، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بينهما من 44 مليون دولار عام 2000 ليصل الى 160 مليون دولار عام 2009، وهناك محاولات من الجانبين للارتقاء بمستوى التبادل التجاري، ودفعه لمستويات تتناسب مع مستوى وحجم امكاناتهما.
وفي هذا السياق، يرتبط البلدان بالعديد من الاتفاقيات وبروتوكولات التفاهم، التي تنظم العلاقة بينهما في جميع المجالات، والتي أسهمت في الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والثقافية، وغيرها من المجالات، حيث عقدت اللجنة الفنية التجارية المشتركة بين البلدين ثلاث دورات متتالية خلال الفترة 2007 ـ 2009، كما ان الاتصالات جارية حاليا لعقد اجتماعات الدورة الثالثة للجنة العليا الأردنية ـ الكويتية المشتركة، برئاسة وزيري الخارجية، والتي ستعقد في الكويت بمشيئة الله خلال العام الجاري، لبحث العلاقات الثنائية في جميع المجالات ومراجعة وتفعيل أكثر من 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم وتعاون بين البلدين، معظمها في الجانب الاقتصادي.
وعلى الرغم من تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، فقد شهد عام 2009 تطورا ملحوظا في العلاقات الثنائية بين الكويت والأردن في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والسياحية، وذلك من خلال تفعيل الاتفاقيات والبروتوكولات ومذكرات التفاهم الموقعة سابقا بين البلدين، وبانتظار توقيع المزيد منها خلال الاجتماعات المقبلة للجنة العليا المشتركة.وفي هذا السياق فقد حافظت الاستثمارات الكويتية – الأردنية خلال عام 2009 على مستويات جيدة، حيث بلغت قيمة الاستثمارات التي تقدمت للاستفادة من قانون تشجيع الاستثمار الاردني والمناطق التنموية خلال العام 2009 حوالي 110 ملايين دولار، كما تم منح مشاريع استثمارية كويتية في قطاعات نقل الركاب على الطرقات والخدمات تصل قيمتها الى حوالي 50 مليون دولار، حصلت على موافقات استثنائية من خلال السماح لها بالتملك بنسب اكبر مما هو منصوص عليه في قانون الاستثمار الاردني، وكذلك قيام عدد من الشركات الكويتية بتوقيع مذكرات تفاهم مع جهات اردنية من القطاع الخاص لدراسة اقامة مشاريع مشتركة في قطاعات السياحة والعقار والرعاية الطبية والخدمات اللوجيستية وادارة الخدمات السياحية.
كما حافظت الكويت على المرتبة الأولى في عام 2009 من حيث عدد المستثمرين غير الاردنيين في سوق الاوراق المالية الاردنية، حيث بلغ عددهم 3267 مستثمرا، وبمجموع مساهمات قيمتها نحو 2 مليار دولار بمختلف القطاعات، وفيما يتعلق بالجانب السياحي فان الكويت قد حافظت في عام 2009 على المرتبة الأولى خليجيا والثانية عربيا فيما يتعلق بعدد الزوار الكويتيين الذين زاروا الاردن نسبة لعدد السكان، حيث بلغ عددهم في عام 2009 حوالي 140 ألف زائر.
ولا يفوتنا بهذه المناسبة الغالية تسجيل الاعجاب والتقدير والتثمين العالي للجهود الكبيرة والمستمرة التي يقوم بها الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية ذراع الكويت الخير الممدود لاشقائه على صعيد المساهمة الفاعلة في جهود وخطط التنمية في المملكة الاردنية الهاشمية، الأمر الذي يعكس الدور المحوري والريادي للكويت الشقيقة ويعكس ويجسد رؤى صاحب السمو الامير الشيخ صباح الأحمد ومبادراته على الصعيدين الاقتصادي والتنموي والتي تهدف الى تحسين الواقع الحياتي والمعيشي والاقتصادي للانسان العربي.
فقد ساهم الصندوق منذ المراحل الأولى لتأسيسه بفاعلية في جهود التنمية الاقتصادية في المملكة، من خلال تمويل العديد من المشاريع التنموية ذات الأولوية في مختلف القطاعات، خاصة تلك التي تمس الواقع الحياتي والمعاشي للمواطن الاردني، وعلى مدار 48 عاما من التعاون والعمل التنموي المثمر بين الطرفين، نقول وبكل فخر إن الاردن كان من اوائل الدول التي استفادت عبر العقود الماضية من الخدمات التي يقدمها الصندوق حيث قام خلالها بتمويل العديد من المشاريع الاقتصادية التنموية من خلال قروض بلغت قيمتها الاجمالية حوالي نصف مليار دولار توزعت على قطاعات الرعاية الصحية، الزراعة، البنية التحتية (السدود والمياه والصرف الصحي وتوليد الطاقة الكهربائية)، والمشاريع المتعلقة بخامات الفوسفات والبوتاس، اضافة الى قطاعي النقل والخدمات المالية، كما قدم الصندوق عددا من المنح والمعونات الفنية بقيمة نحو 8.5 ملايين دولار لتمويل دراسات جدوى اقتصادية وفنية لمشاريع في مختلف المجالات.
ولابد من التنويه هنا الى ان هذه المشاريع قد توزعت على مختلف مناطق المملكة وخدمت كل شرائح المجتمع الاردني، الأمر الذي اسهم بشكل ايجابي في توزيع مكتسبات التنمية على مختلف مناطق المملكة، والتي بلا شك كان لها الدور الكبير في تعزيز مسيرة التنمية الاقتصادية في الاردن، وبدأ يظهر اثرها التنموي الان وبشكل واضح.
كما بلغت علاقات البلدين مستوى متميزا على صعيد التبادل الثقافي والتربوي والتعليمي بوجود نحو ثلاثة آلاف طالب كويتي في بلدهم الثاني وبين اشقائهم يتلقون علومهم في ارقى الجامعات والمعاهد وفق نظام تعليمي دقيق ومعايير صارمة وفي بيئة اجتماعية مماثلة لبلدهم الشقيق ويحظون بالرعاية والاهتمام وتقدم لهم جميع التسهيلات من قبل الجهات ذات العلاقة، وننظر اليهم كسفراء للبلدين يسهمون في تعزيز وتوطيد الترابط والتواصل بين الشعبين الشقيقين. وتجدر الاشارة الى ان الكويت تستوعب ما نسبته 14% من اجمالي العمالة الاردنية في دول الخليج، وهناك مؤشرات على زيادة هذه النسبة، نظرا لتميز العامل الاردني وكفاءته في شتى المجالات، والتسهيلات التي تقدمها الكويت الشقيقة في هذا الاطار، حيث تحظى الجالية والعمالة الاردنية بثقة الجانب الكويتي ويحرص ابناؤها على خدمة الكويت اسوة بحرصهم على خدمتهم وعطائهم لوطنهم، ويعملون بالقطاعات الصحية والتعليمية والتجارية والمؤسسات العامة ويتميزون باحترامهم وحبهم للكويت ويكنون لقيادتها وشعبها النبيل كل الاحترام والتقدير.
وفي غمرة الاحتفال بهذه المناسبات الوطنية الاردنية الغالية نتوجه بالتحية والاكبار للكويت الشقيقة، وصاحب السمو وولي عهده الامين وحكومتها وشعبها العزيز بوافر التقدير والعرفان، على كل ما يبذل من جهود تصب في تعزيز العلاقات الاخوية بين البلدين، كما لا يفوتنا ان نعبر عن الشكر والامتنان على ما تحظى به الجالية الاردنية المقيمة على هذه الارض الطيبة من رعاية واهتمام من لدن صاحب السمو الامير، حفظه الله ورعاه، ومن جميع الجهات ذات الصلة. بهذه المناسبات الوطنية الغالية تتجلى صورة مملكتنا الشامخة، القيادة، الوطن والانسان، في ابهى حللها واجمل تجلياتها وقد اخذت موقعها ومكانتها التي تليق بشعبها العربي الاصيل تحت الشمس، وعلى خارطة الوطن العربي والعالم، بما حققته من انجازات تصل الى درجة اجتراح المعجزات، هامة عزيزة مرفوعة لا تنحني الا لله عز وجل.
ختاما، ندعو الله جلت قدرته ان يحفظ الحمى الاردني الهاشمي العربي ومليكنا المفدى وان يكلأه برعايته ويمده بعونه وتوفيقه خدمة لشعبنا الوفي وامتنا العربية والاسلامية وان يحفظ الاردن والكويت وان يسبغ على شعبيهما نعمة الامن والاستقرار والخير والازدهار تحت ظل قيادتيهما الحكيمتين.
وكل عام وانتم بخير
واقرأ ايضاً:
الأمير أطلع مجلس الوزراء على نتائج جولته العربية: لمست حرص القادة على تقديم كل جهد يسهم في دعم التضامن وتعزيز العمل العربي المشترك
الأمير بحث مع رئيس سيراليون التعاون الثنائي
ولي عهد قطر: نتائج زيارتي للكويت ستسهم في تعزيز الروابط بين البلدين
محمد الصباح: أزمة اليورو أقنعت دول التعاون بالتفكير قبل إقرار العملة الخليجية الموحدة
سفيرنا في كوريا: نجاحات متواصلة للجمعية الكورية ـ العربية