«ناصر المحمد.. حياة حافلة بالانجازات» هو عنوان الكتاب الجديد للكاتب الصحافي في جريدة «السياسة» الزميل عايد العنزى، يقع الكتاب في 144 صفحة من القطع المتوسط، ويضم بالإضافة إلى مقدمته فصلين، يسلط أولهما الضوء على التجربة السياسية لسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، بكل أبعادها وتحدياتها وتجلياتها، فيما خصص الفصل الثاني لعرض جملة من المواقف السياسية لسموه في قضايا الداخل والخارج. الكتاب الجديد هو محاولة للإبحار فيما يمكن وصفه بـ «أصول وقواعد مدرسة ناصر المحمد السياسية»، بذل فيها المؤلف أقصى الجهد، وأعمل فيها أدواته التحليلية والبحثية، لفهم أبعاد هذه الشخصية الوطنية الكويتية الفذة، التي اضطلعت بواحد من أهم واخطر الأدوار السياسية في تاريخ الكويت الحديث والمعاصر، ومازالت وستظل قامة سامقة وهامة شامخة في سماء السياسة الكويتية والعربية والدولية.
ويؤكد الكاتب ان سمو الشيخ ناصر المحمد حينما تولى منصبه كرأس للسلطة التنفيذية في البلاد بعد ان نال ثقة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد في فبراير 2006 لم يكن حديث عهد بالسياسة، فللرجل باع طويل في العمل الوطني، خبر فيه السياسة ودهاليزها وسبر أغوارها منذ نعومة أظافره، عندما عين عام 1964 سكرتيرا ثالثا في وزارة الخارجية، ليرتقى السلم بأناة وتمهل، ويتقدم بثبات نحو صدارة المشهد السياسي، لذا اعتبر ترشيحه للمنصب تجسيدا رائعا ومثاليا لمقولة «الرجل المناسب في المكان المناسب»، وحظي ترشيح سموه للمنصب بقبول واسع وتأييد منقطع النظير من قبل كافة أوساط الشعب الكويتي بكل فئاته وطوائفه، وحتى الذين عارضوه واستجوبوه في وقت لاحق وصفوه آنذاك بأنه «رجل اصلاحي بامتياز».
ويشير الكاتب إلى السنوات الطوال التي قضاها سموه في مطبخ السياسة الكويتية ممارسا ومتأملا، مفكرا ودارسا، عالما ومتعلما وتأثير هذه الفترة في خبرة واسعة تجلت سلوكا وممارسة وحكمة وعقلانية وروية في صناعة القرار السياسي والاستراتيجي.
ويقدم الكاتب للقارئ الكويتي والعربي ما يمكن وصفه بـ «مفاتيح فهم شخصية الشيخ ناصر المحمد» ومنهجه في صناعة القرار، ويشير بشكل خاص إلى تدرجه في المناصب في السلك الديبلوماسي الذي ترك بصماته في شخصية سموه، بدت واضحة وجلية في القرارات التي تتطلب سرعة بديهة وحسن تصرف، فضلا عن دماثة الخلق وسعة الأفق ورحابة الصدر والصبر على المخالفين في الرأي.
ويعرج الكاتب على الفترة التي شغل فيها سموه منصب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الذي قضى فيه قرابة احد عشر عاما، وأكد ان هذا المنصب جعله بطبيعة الحال قريبا من حاجات الناس وهمومهم، لاسيما كبار السن والمعاقين وذوى الاحتياجات الخاصة، وقد ابرز هذا المنصب الصفات التي عرف بها سموه دائما، وشهد له بها القاصي والداني من عطف على الفقراء والمحتاجين ورقة لحالهم، واستعداد دائم لمساعدتهم ومد اليد إليهم.
وينتقل الكاتب إلى عرض بعض جوانب التجربة السياسية لرئيس الوزراء وفى الصدارة منها إرساء مفاهيم الرقابة والمحاسبة والشفافية، ويتوقف طويلا أمام الخطوة الجبارة التي خطاها سموه والانجاز التاريخي الذي سجل اسمه بحروف من نور في تاريخ الكويت والمنطقة العربية، وذلك حين بادر سموه طواعية إلى القبول بصعود المنصة للرد على محاور الاستجواب الذي قدمه إلى سموه النائب فيصل المسلم حول بعض الإجراءات والتصرفات المالية المتعلقة بديوان سموه، وكان سموه بهذه الخطوة أول رئيس وزراء في تاريخ الكويت يصعد المنصة للرد على استجواب برلماني، ومن ثم أعاد تفعيل المواد 100 و101 و102 من الدستور الكويتي بعدما بقيت لنحو نصف قرن من دون تطبيق حقيقي وفاعل، كما حرر العلاقة الملتبسة والمرتبكة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من اسر خبرات وتجارب الماضي القريب والبعيد والتي شابها الكثير من الاختلالات والتهديدات وتسببت بحل مجلس الأمة واستقالة الحكومة أكثر من مرة، فيما أسهمت خطوة المحمد في إعادة الاستقرار إلى النظام البرلماني ووضع الديموقراطية الكويتية على الطريق الصحيح.
وفي الفصل الثاني يعرض الكاتب لعدد من المواقف المختلفة لسمو الشيخ ناصر المحمد ومن ذلك موقفه إبان الاحتلال العراقي الغاشم عام 1990، حيث عين آنذاك وزيرا للدولة للشؤون الخارجية وضرب أروع الأمثلة في التفاني والإخلاص للكويت، وجاب دول العالم حاملا قضية الكويت ومحنتها في سويداء قلبه، وعرفته عواصم الدول الكبرى مدافعا عنيدا ضد الغزو الغاشم، ومؤيدا مخلصا لحق الكويت في الحرية، والاستقلال الوطني.
ويشير الكاتب إلى قيم التسامح والاعتدال والوسطية لدى سمو رئيس مجلس الوزراء، وهي القيم التي تنطلق من فهم عميق للإسلام الحق وتؤكدها علاقاته الواسعة والقوية مع عدد كبير من الزعامات الدينية في مختلف دول العالم على رأسهم بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر، فضلا عما يتمتع به آلاف الوافدين والمقيمين على ارض الكويت من أتباع الديانات والطوائف الأخرى من حرية في ممارسة عباداتهم وطقوسهم الدينية في ظل المناخ الصحي والسليم الذي أسهم سموه في إرسائه خلال سنوات توليه مسؤولية السلطة التنفيذية. ثم يعرج الكاتب إلى نهج سموه في التعامل مع شريحة الشباب الذين شملهم برعايته الواسعة واهتمامه الكبير، وكذلك الحال بالنسبة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة الذين صدر لصالحهم أول قانون شامل خلال حكومة سموه، أعطى لهم حقوقا وامتيازات هائلة للتيسير عليهم وتوفير الحياة الحرة الكريمة لهم وتمكينهم من الاندماج في مجتمعهم بلا مشكلات. ويختتم الكتاب بمجموعة هائلة من الصور لسمو رئيس الوزراء بينها صور نادرة، ومن ثم يعرض الكاتب لبعض من مقالاته وتحليلاته وآرائه التي نشرت في عدد من الصحف الكويتية، وأخيرا يمكن القول ان الكتاب إطلالة رائعة وفريدة على شخصية سمو رئيس الوزراء تضعه في مكانه اللائق به بين كوكبة الرجالات الذين صنعوا مجد الكويت وحاضرها الزاهر، ومازالوا يعملون من اجل مستقبل مشرق ومكان مستحق لها تحت الشمس.