أجرى مدير مركز اتجاهات للدراسات والبحوث طلال سعد الكشتي تحليلا منهجيا لمضامين الخطابات السامية لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد التي ألقاها سموه في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك من كل عام وذلك منذ تولي سموه مسند الإمارة في 29 يناير 2006.
وقال الكشتي في بداية تحليله لمضامين الخطابات الخمسة ان الشعب الكويتي اعتاد أن يستمع إلى خطاب صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في العشر الأواخر من شهر الصيام، وهو خطاب تنبع أهميته من شخصية قائله من ناحية وطبيعة مضمونه من ناحية أخرى ودورية إلقائه من ناحية ثالثة.
وزاد الكشتي رأيت عدم اقتصار تحليل المضمون على الخطاب الخامس الذي ألقاه سموه مساء أول من أمس وإنما اتباع البعد المقارن في تحليل بنية الخطاب الحالي مقارنة بالخطابات الأربعة السابقة التي ألقاها سموه في نفس الوقت من كل عام، وظهر جليا أن الاتجاه العام في خطب صاحب السمو الأمير يسلط الضوء على «الكويت من الداخل»، إذ تركز هذه الخطب دائما على توصيف وتحليل الواقع الكويتي وتوقع تطوراته والتخطيط له، حيث يتعلق الوصف والتحليل برصد ملامح الحاضر الكويتي في حين يختص التوقع والتخطيط برسم ملامح المستقبل.
وتابع الكشتي أن الخطب تعد «نافذة» للتعرف على ما يشغل صاحب السمو الأمير في المرحلة المقبلة، حيث ان الكلمات الواردة فيها تعكس الاهتمام بالمستقبل أكثر من الوقوف عند أحداث الماضي، لنكون أمام «كويت المستقبل» أو «كويت الغد». وأضاف الكشتي أن تحليل المضمون أظهر أنه لا توجد فكرة رئيسية واحدة تركز عليها الخطب الخمس، وإنما هناك 15 قضية تتقاطع في بعضها، وتتباعد في بعضها الآخر، مع الآخذ في الاعتبار أن كل «فقرة» في الخطب تعكس «فكرة»، وقد بلغ إجمالي الفقرات في الخطب (70) فقرة، وقد تكون الفقرة سطرا واحدا أو عدة سطور، مشيرا إلى أن تحليل الأفكار التي اشتملت عليها خطب صاحب السمو الأمير يكشف عن تنوع في مضمون القضايا، على النحو التالي:
القضايا الدينية
بحكم أن خطب صاحب السمو الأمير تعد تقليدا سنويا، تلقى في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وما لهذه الأيام من أهمية، برزت فقرات دينية محددة في الخطب الخمس، تناولت موضوعين أساسيين أحدهما يتعلق بالعبادات والطاعات في شهر رمضان الكريم، وبلغ إجمالي تكرارها «15» فقرة، حيث يبرز في الشهر الفضيل صفاء النفوس وفعل الخيرات وتواصل الأرحام بين الناس وتلاوة القرآن وتدبر معانيه والتبصر بما يحويه والبعد عن كل ما حرمه الله، علاوة على ذلك، هناك موضوع آخر تطرقت إليه الخطب وهو رفعة ونهضة الأمة الإسلامية، باعتبار أن الكويت دولة عربية وإسلامية.
القضايا السياسية
على الصعيد المحلي، يعد تواصل العلاقة بين الحاكم والمحكوم واستمرارها منذ النشأة الأولى واحدا من أبرز الموضوعات التي تطرق إليها صاحب السمو الأمير، وهو ما تجسده ظاهرة الزيارات بين الديوانيات والتواصل والتكاتف بين أبناء الشعب الكويتي في كل الأوقات، ويشير سموه إلى أن هذا النمط من العلاقات يتسم بالاستمرارية في السراء والضراء وهناك تذكير أيضا من جانب صاحب السمو الأمير بأن العلاقة بين السلف والخلف في حكم الكويت قائمة على التواصل، حيث استحوذت دائما ذكرى فترات حكم سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد طيب الله ثراه، على اهتمام محوري في خطاب صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد ، حيث يؤكد على طبيعة العلاقة الأبوية الحاكمة بين الأمير الراحل وأبناء وطنه.
ويتسم النهج العام في خطب صاحب السمو الأمير بتغليب التعاون في العمل السياسي والبعد عما يسمى في أدبيات العلوم السياسية بنمط المباريات الصفرية zero sum games، التي تنتهي في نتائجها إلى فائز وخاسر، في حين أن تصور صاحب السمو الأمير قائم على فوز السلطتين التشريعية والتنفيذية معا.. الوطن والمواطن، وأن مقياس قوة الوطن هو تعاون أفراده، فقد تكررت معاني التعاون، على سبيل المثال، في خطاب 2007 13 مرة، عبر مفردات محددة مثل «التعاون» و«التآزر» و»التعاضد» و«تتعاون جميعها» و«العمل معا» و«قلبا واحدا» و«يد واحدة» و«تطلعاتنا وهمومنا واحدة» و«وحدة صفنا» و«التسامح» و«قبول الاختلاف» و«القدرة على إدارة الاختلافات».
فضلا عن ذلك اتسمت آراء سموه بأنها مطابقة للتفكير العلمي ومضادة للتفكير التآمري، وهو ما برز في تعبيرات محددة مثل «البعد عن الطروحات المسيئة» و«التشكيك في النوايا» و«تصيد أخطاء بعضنا البعض» و«تأزيم المواقف»، كما تركز خطب سموه على الإعلاء من قيمة التحلي بروح المسؤولية، وقد تكررت كلمة المسؤولية 3 مرات في خطاب 2006 و4 مرات في خطاب 2007 و5 مرات في خطاب 2008 و3 مرات في خطاب 2009.
كما أشارت خطب صاحب السمو الأمير إلى ضرورة التعاون بين الحكومة ومجلس الأمة نظرا لطبيعة الشد والجذب بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ومنطقة التفاعل الساخنة بينهما على عدد من القضايا.
وعلى الصعيد الخارجي، ركز صاحب السمو الأمير في خطاب 2010 على السياسة الخارجية الكويتية في الإغاثة الإنسانية لدول العالم الإسلامي، وكان آخرها الدعم الرسمي والشعبي الكويتي الموجه لفيضانات باكستان، التي نتج عنها خسائر بأكثر من 43 مليار دولار وشردت أكثر من 8 ملايين شخص وفقا لتقديرات الأمم المتحدة حيث أطلق الحملة سموه بتخصيص عشرة ملايين دولار لمساعدة المناطق الباكستانية المتضررة من الفيضانات.
القضايا الاقتصادية
وردت في خطب صاحب السمو الأمير إشارات مستمرة لقضايا التنمية في الكويت مع اختلاف في السياق الحاكم والشروط المصاحبة لهذه الكلمة أو تلك العبارة، فهناك خطب تربط التنمية بالاستثمار في رأس المال البشري، باعتبار أن الإنسان الكويتي هو محور التنمية وغايتها، وهو ما يتحقق من خلال تطوير النظام التعليمي وخلق عقول مبدعة قادرة على العطاء، وهو ما عبر عنه خطاب 2006 بإشارة سموه إلى «تحويل الطاقات الشابة التي يزخر بها المجتمع الكويتي إلى طاقات إنجاز وتحد حضاري، تستفيد من البحث والتحصيل العلمي، لبناء الغد».
وقد احتلت الكويت الترتيب الأول عربيا والترتيب الأربعين عالميا على سلم مؤشر دولي لتصنيف دول العالم من حيث توافر عناصر الحياة الجيدة لسكانها انطلاقا من مجموعة من المعايير أصدرته مجلة «نيوزويك» الأميركية مؤخرا تتعلق في المقام الأول بجودة التعليم والحالة الصحية والظروف الاقتصادية والحريات السياسية، وتذهب تحليلات إلى القول بأن حصول الكويت على المرتبة الأولى عربيا يعود لدعم الدولة لقطاعات التعليم والصحة.
وقد أشارت خطب أخرى لصاحب السمو الأمير إلى موضوع آخر وهو الرغبة في تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار في المنطقة، وذلك في ضوء الرؤية الاستراتيجية للدولة «كويت 2035»، بحيث يقود القطاع الخاص «قاطرة» النشاط الاقتصادي في البلاد، مع توافر بنية أساسية قوية وتشريعات متطورة وبيئة أعمال مشجعة.
القضايا الاجتماعية
تعددت القضايا الاجتماعية في خطب صاحب السمو الأمير حيث اتجهت في معظمها ـ إن لم يكن كلها ـ إلى الإعلاء من شأن الوطن «باعتباره الوجود الثابت والملاذ الآمن» والتأكيد على قيمته ووضع المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار من خلال التكاتف الاجتماعي، فقد حظيت كلمة «الوطن» بالنصيب الأكبر في المفردات التي استخدمها صاحب السمو الأمير في خطاب 2006 بإجمالي تكرار «13 مرة» وفي خطاب 2007 بإجمالي تكرار «14 مرة»، وتلتها كلمة «الكويت» وهي إشارة إلى الوطن أيضا، وتكررت 10 مرات، وتكررت كلمة الوطن في خطاب 2008 «6 مرات» وتكررت كلمة الكويت في نفس الخطاب «6 مرات» أيضا، وتكررت كلمة الوطن في خطاب 2009 «14 مرة»، وتكررت كلمة الكويت في نفس الخطاب «3 مرات»، وتكررت كلمة الوطن في خطاب 2010 «5 مرات».
إن كل العبارات التي استخدمها صاحب السمو الأمير في خطبه الموجهة للرأي العام الكويتي تمثل ـ بدرجة أساسية ـ رسالة للأجيال الجديدة بفضل الكويت عليها، وأنه لا يقدر بثمن بل أن المردود المقابل هو زيادة جرعات العطاء في شرايين المواطنين، ووفي هذا الإطار، يؤكد صاحب السمو الأمير في خطبه أيضا على قدرة الشباب الكويتي على مواصلة مسيرة البناء التي أطلقها الآباء والأجداد، ومنح الشباب المزيد من الفرص، فيما يعرف بتواصل أو حراك الأجيال، وهي دعوة صريحة للأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل للأجيال القادمة.
ومن أبرز القضايا الاجتماعية التي تركز عليها خطب صاحب السمو الأمير ما يتعلق بدعم الوحدة الوطنية والمحافظة عليها وصونها من كل محاولات العبث بها، وهو لن يتحقق بغير إرادة أبناء المجتمع الكويتي، فضلا عن سياسات الحكم التي تتسم بالعدل والإنصاف والمحبة والمساواة، فالوحدة الوطنية هي الركيزة الأساسية في تماسك المجتمع الكويتي، وهي ليست مسؤولية فردية بل هي مسؤولية جماعية، لأنها مؤشر على أمن واستقرار وتقدم وازدهار الوطن، وقد تكررت مفردات للتعبير عن الوحدة الوطنية في خطب مختلفة مثل «تعزيز الروح الوطنية» و«نبذ الفرقة والتشاحن بين أبناء الوطن الواحد» و«إشاعة روح المحبة»، فالكويت وطن واحد لا يفرق بين أبنائه، ويعرف بتسامحه ووحدته منذ القدم.
كما برز أيضا موضوع التنشئة الاجتماعية لمواطني الكويت على احترام دولة القانون، ووفقا لرؤية سموه، فإن تقدم الوطن مرهون بالأنظمة والقوانين التي تحفظ حقوق المواطن وترشده إلى واجباته وتحديد مسؤولياته، وفي حال إهمال هذه القوانين، ستصبح الحياة الإنسانية فوضى، وتنعدم الثقة لدى أفراد المجتمع، أي يتراجع رأس المال الاجتماعي social capital كما يقول فرنسيس فوكاياما في مؤلفه الشهير «الثقة: الفضائل الاجتماعية وتحقيق الازدهار».
ويسلط صاحب السمو الأمير الضوء على واحد من أحداث الحزن التي خيمت على الكويت منذ أكثر من عام وهو الحريق الذي اندلع في إحدى الخيم المخصصة للنساء خلال زفاف أقيم في منطقة العيون بمحافظة الجهراء وراح ضحيته نحو 50 امرأة وطفلا من الأبرياء، وكان لتعاطف سموه وموقفه المشهود من هذه الفاجعة، أبلغ الأثر في التخفيف عن أسر الضحايا.
القضايا الإعلامية
ركزت بعض خطب صاحب السمو الأمير على دور وسائل الإعلام في تنوير الرأي العام الكويتي، حيث تتبنى بعض وسائل الإعلام المحلية أسلوب الفتن والاستغلال. وهناك تأكيد أساسي من جانب سموه على أن الرسالة الأساسية للإعلام الكويتي، المرئي والمسموع، هي معالجة قضايا الوطن بالحيادية والموضوعية، والبعد عن الإثارة القائمة على التهويل والتهوين والحرص على المصداقية، وعدم العزف على المتناقضات باسم حرية الإعلام وتعدد الآراء. فالحرية، وفقا لتصور صاحب السمو الأمير، هي الحرية «المسؤولة» وليس الحرية «المتهورة» التي تقود إلى الفتن وإثارة الضغائن، وهو ما اتضح جليا في الخطاب الأخير.
القضايا الصحية
برزت تحذيرات في أحد خطب صاحب السمو الأمير (2009) من مخاطر انتشار الأمراض الوبائية مثل إنفلونزا الخنازير، وهي احد أبرز أنماط التهديد غير التقليدية التي تواجه الكويت وغيرها من دول العالم، حيث لم تعد التهديدات التي تواجهها الدول، ذات طابع عسكري أو سياسي تقليدي، والتي اعتاد الباحثون والرسميون التفكير في مصادرها والعمل ضد نتائجها.. فقد شهدت السنوات القليلة الماضية تصاعدا لنوعية جديدة من مصادر التهديد، تلقى بتأثيرات حادة على أمن الدول وهياكل اقتصادياتها، لدرجة تصل إلى «حد الخطر»، الأمر الذي يفرض على حد تعبير صاحب السمو الأمير تكثيف الحملات التوعوية لتجنب الإصابة به.
الوطن
حظيت كلمة «الوطن» بالنصيب الأكبر في المفردات التي استخدمها سموه في الخطابات الخمسة في خطاب 2006 بإجمالي تكرار «13 مرة» وفي خطاب 2007 بإجمالي تكرار «14 مرة».