- ضرورة خفض الاعتماد شبه الكامل في تمويل الميزانية العامة على النفط وخلق فرص عمل كافية للمواطنين وخفض تشوهات التركيبة السكانية
- لابد للسلطات الثلاث ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والناشطين في قضايا الشأن العام أن يعملوا على مكافحة الشرور بجميع أنواعها
اصدرت الحملة الوطنية لمواجهة استنزاف وتبديد ثروة البلاد وترشيد استخدامها المعروفة بمجموعة الـ 26 رؤيتها حول القضايا الثلاث التي تتصدى لها وهي الهدر والفساد والتنمية، مشددة على ان مشروع التنمية الصحيح لا يتم الا بالحد من تشوهات بناء الاقتصاد بتنمية نمو النشاط الاقتصادي خارج القطاع العام وخفض الاعتماد شبه الكامل في تمويل المالية العامة على النفط وخلق فرص عمل كافية للكويتيين خارج الحكومة مع خفض تشوهات التركيبة السكانية من ناحية الكم والكيف والنوعية. وطالبت المجموعة بمعالجة كاملة لملف الفساد باعتباره «نقيض التنمية»، لافتة الى ان وقف الهدر والاستنزاف واجب وطني. وجاء في بيان مجموعة الـ 26 ما يلي:
لماذا نحن قلقون؟
في بداية القرن التاسع عشر، فقدت كل من الصين والهند ريادتهما للاقتصاد العالمي، بعد أن مثل اقتصادهما نحو 45% منه، وبعد غيبة طويلة في ذيل القوائم الاقتصادية، من المقدر لهما أن تحتلا المركزين الأول والثاني في قائمة أكبر اقتصادات العالم قبل حلول منتصف القرن الحالي. فالاقتصادات التقليدية ذات الموارد الدائمة، قادرة على التعويض متى ملكت الرؤية والإدارة المتفوقة، وحالما تبدأ في توظيف أو إعادة توظيف هذه الموارد في نموذج بناء صحيح.
هذا الخيار، أو خيار التعويض، ليس متاحا للدول ذات المورد الوحيد والناضب مثل الكويت، فالفرصة المتاحة أمامها واحدة، والزمن المتاح لتوظيفها محدود، وإما أن تنجح في استغلالها أو الضياع هو البديل. وأمام حجم المخاوف والمخاطر التي سيتعرض لها الوطن الذي نحبه والناتجة عن احتمال ضياع فرصته الوحيدة التي لو تحققت، لا سمح الله، سيدفع معظم ثمنها الغالبية الساحقة من بسطاء الناس وأجيالهم اللاحقة، حددت الحملة سبيل التصدي لهذا الوضع المؤدي إلى الضياع، بتبني ثلاث قضايا رئيسية، أولاها التنمية بمفهومها الصحيح، وثانيتها مواجهة الفساد المستشري، وثالثتها التصدي لمشروعات الهدر والاستنزاف أو مشروع اقتسام الثروة المؤقتة بدلا من تنميتها.
أولا ـ التنمية
بعد مرور نحو 64 عاما على تصدير أول شحنة نفط من الكويت، لم تعد الكويت تلك التي كانت قبل ذلك التاريخ، فعدد السكان تضاعف أكثر من 40 ضعفا، والاحتياجات تضاعفت مئات المرات. وبمرور الزمن، سيستمر النمو السكاني المرتفع ومعه الاحتياجات، لكن إيرادات النفط التي صنعت من الكويت ما هي عليه الآن، لن تستطيع مجاراة تمويل متطلبات واحتياجات هذه الزيادة، فالمتاح منه للتصدير يتناقص بفعل زيادة الاستهلاك المحلي، وتكاليف إنتاجه تتزايد وتقتطع من صافي دخله نتيجة تقدم عمر المكامن. ووصول أولى مراحل الاختناق حدده تقرير بلير بما يراوح ما بين 5 و 8 سنوات، وقد نختلف حول المدى الزمني حتى بلوغ المرحلة الحرجة، ولكن، لا اختلاف على حتمية بلوغها خلال فترة قصيرة في عمر الشعوب.
والتنمية، لا تتحقق ما لم يترتب عليها نمو اقتصادي موجب مع تطور في بناء الإنسان، وفي نوعية حياته القابلة للاستمرار إلى الأبد، بينما صنع النموذج القديم الذي تبنته الكويت تشوهات هيكلية رئيسية في بنية الاقتصاد وتمويله وعمالته وسكانه. وأصبح لزاما عليها العمل المركب إذا أرادت تحقيق تنمية مستدامة، نصفه علاج تدريجي لتلك التشوهات ـ إطفاء حرائق ـ ونصفه الآخر توجيه عصارة العقل والعضل إلى تحقيق خيارها الاستراتيجي، أي البناء. وبينما يفترض ألا يغيب عن تركيز مسارها التنموي خفض كمي معلوم ومقدر بزمن للتشوهات الرئيسية، مثل خفض نصيب القطاع العام في الاقتصاد البالغ ثلثيه وهي النسبة الأعلى في العالم إذا استثنينا كوريا الشمالية، وخفض نصيب إيرادات النفط في تمويل الموازنة البالغ نحو 94%، وخفض الاعتماد شبه الكلي على الحكومة في فرص العمل للكويتيين البالغة نسبة عمالتهم المباشرة في القطاع العام 77% مع دعم ما هو خارجها، والتشوه في تركيبة السكان ببلوغ الكويتيين أقل من الثلث والأغلبية الساحقة من غيرهم عمالة هامشية. يفترض أيضا أن يتوجه التركيز إلى تحويل الدفة إلى نشاط أو تخصصات واستثمارات تراكمية للتسريع في تحقيق أهداف البلد الإستراتيجية المعلنة، أو التحول إلى مركز مالي وتجاري.
وتحديد خيارنا التنموي بداية المطاف وليس نهايته، ولابد لهذا الخيار، وخلال وقت معلوم، أن يعمل على تخفيض تدريجي لاعتماد الاقتصاد على الحكومة في بنائه وتمويله وعمالته، ودون مزيد من تشوه تركيبته السكانية. والتغيير الجوهري المطلوب، لا يأتي سوى من حراك مجتمعي واع وعام يشمل منظومة قيم مثل السيادة المطلقة للقانون، العمل والمواطنة الشاملة، والأداء قبل الولاء أو الوظيفة للأكثر كفاءة على جميع مستويات الإدارة، والتوازن بين حقوق المواطنة وواجباتها، ويشمل التعليم، وعدالة توزيع منافع التنمية ضمن الجيل الحاضر، وبينه وبين الأجيال المتعاقبة، بالإضافة إلى التحقق الدءوب من نظافة مشروع التنمية وسلامة تخصيص الأموال وحداثة وسائل القياس. ولأن التنمية تعني صناعة مستقبل آمن، تصبح السياسة الخارجية بأهمية السياسات الداخلية، ولابد من توظيفها لخدمة أهداف التنمية، وتحديدا هدف التحول إلى مركز تجاري يخدم الكتلة البشرية الضخمة في شمال الوطن وشرقه.
ويرى أعضاء الحملة، أن، التنمية لا تعني رقم إنفاق عام أو خاص، فالإنفاق مجرد وسيلة لتحقيق هدف وليس هدفا بحد ذاته، والواقع أن التشوهات الهيكلية في الاقتصاد كانت بسبب وفرة الإنفاق العشوائي، وأمام انتفاخ التشوهات وتناقص القدرة على احتمالها مع المخاطر التي يتعرض لها النفط، أصبح مشروع التنمية طريقا وحيدا للخروج من الأزمة، لكنه طريق يضيق بمرور الزمن بما يهدد بتلاشيه. والتنمية المستدامة تتطلب وعيا وإخلاصا وإنكار ذات وربما تضحيات، وتتطلب تغييراتاقتصادية وسياسية واجتماعية جوهرية، ولكنها بتضحياتها مستحقة من أجل هذا الوطن الطيب.
ورؤيتنا بإيجاز لمشروع التنمية الصحيح، هي عندما يترجم الإنفاق على مشروعاتها بالحد من تشوهات بناء الاقتصاد، بتنمية نمو النشاط الاقتصادي خارج القطاع العام، وخفض الاعتماد شبه الكامل في تمويل المالية العامة على النفط، وخلق فرص عمل كافية للكويتيين خارج الحكومة، وخفض تشوهات التركيبة السكانية من ناحيتي الكم والنوعية، وسلامة المواءمة ما بين مشروعات التنمية، والتسريع في تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري.
ثانيا ـ الفساد
إذا كانت التنمية ضرورة ولا خيار آخر للكويت سوى قبول تحدياتها، وإذا كان الزمن لن يتيح فرصة أخرى للوطن إذا فوتها، كما لن يسمح عنصر الوقت الضاغط بالتأني في توقيت تبنيها، فإن الفساد هو طريقها المعاكس. والفساد لا يكتفي بهدر الموارد أو ارتفاع تكلفة المشروعات ورداءة نوعيتها وتحولها إلى عبء بما يفقد الاقتصاد المحلي تنافسيته، ولكنه حكم بالموت على كل قيم المجتمع الإيجابية. فالفساد يزرع عناصره في سلطات الدولة الثلاث ويخربها، وإن خربت السلطات الثلاث، استشرى الفساد على مستوى الجسد، ففساد السلطات مثل فساد الرأس الذي يتوقف عن إرسال الإشارات الصحيحة والصحية لسائر الأعضاء.
ويشير تقرير مدركات الفساد إلى أن الكويت تخلفت خلال العقد الفائت من المركز 35 مكررا في عام 2003، إلى المركز 66 في عام 2009، أي أنها تتجه إلى الأسوأ، ويتسق ما ورد في التقرير مع المشاهدات اليومية في التعامل مع القطاع الحكومي أو مشروعات الحكومة. ففساد البلدية أو رشاها أصبحت مثلا شائعا ومثلا رديئا يقتدى في مؤسسات الدولة الأخرى، والطرق والأرصفة والمجاري بتشوهاتها الخطرة تصدم عيون الناس مع كل مطلع شمس، والمشروعات الكبرى بأوامرها التغييرية معطلة وتستغرق وقتا طويلا وتنتهي رديئة. وسرقات الاستثمارات الخارجية وسرقات قطاع النفط مثال سيء راسخ في أذهان الكويتيين، والاتجار بالبشر من خلال الاتاوات التي تستقطع من قوت البسطاء ببيع الإقامات واذونات الزيارة أساءت جدا إلى إنسانية الوطن وسمعته في المحافل الدولية، ولم تسلم صحة الناس من فساد ما يستهلكون أو من التعديات الصارخة على البيئة وعلى أملاك الدولة.
وعليه ترى الحملة أن مواجهة الفساد تتطلب استعادة الدولة لهيبتها، وتحتاج إلى أمرين، الأول هو تأكيد قاطع لسيادة القانون، والثاني هو الحرص على أن تكون السلطات الثلاث قدوة في نظافة ممارساتها. ووظيفة القانون بالدرجة الأولى ليست عقابية، على أهمية العقاب، لكنها وقائية، فإن طبق القانون على رؤوس كبيرة فاسدة، تكون جرعة التطعيم ضد الفساد قد أتت مفعولها على السواد الأعظم من الناس. أما إذا بدأ السواد الأعظم من الناس يتندر على تفويت جرائم فساد كبيرة ومشهورة، فالانتشار الوبائي للمرض أمر حتمي. والوباء يصبح أكثر انتشارا إذا حصل على المناصب القيادية في السلطات الثلاث من لا يستحقها ذمة وكفاءة، فالسبيل إلى إطالة العمر الوظيفي لضعيف الكفاءة سيكون الفساد، والإثراء غير المشروع هو مكافأة نهاية الخدمة له. إن الفساد وهو نقيض التنمية، مرض يهدد هيبة الدولة وربما كيانها، وهو بمثابة تشييد بناء على قواعد خشبية طالها النمل الأبيض (الأرضة)، ولا يستوي أي حديث عن مستقبل أفضل دون مكافحته، وبعمل جماعي يشمل السلطات الثلاث، ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، والناشطون في قضايا الشأن العام، فمكافحة الشرور مسؤولية جماعية، والفساد أخطرها.
ثالثا ـ الهدر والاستنزاف
في السنة المالية 1999 ـ 2000، بلغ إجمالي المصروفات العامة الفعلية للدولة نحو 4040 مليون دينار، وبلغت تقديرات المصروفات في الموازنة العامة للسنة المالية الحالية 2010 ـ 2011 نحو 16310 ملايين دينار، ذلك يعني أن النفقات العامة تضاعفت 4 أضعاف خلال 12 عاما، بينما الإنجاز العام في ترد. ولو استمر هذا المعدل في نمو النفقات العامة لثمان سنوات أخرى، فسيبلغ حجم الإنفاق العام نحو 43.5 مليار دينار، حينها لابد أن نبيع 3 ملايين برميل نفط بسعر 126 دولارا للبرميل ـ دون حسم التكاليف ـ لكي نغطي 94% من نفقات الموازنة، وهو أمر مستحيل ولن يحدث، ولكنه مؤشر على استحالة الاستمرار في سياساتنا الحالية.
ونحو 51% من الكويتيين دون الـ 21 عاما، معظمهم لم يدخل سوق العمل، وأمامهم سيل من الاحتياجات الضرورية مثل تكوين أسر بكل مستلزماتها من صحة وتعليم ووظيفة وسكن.. إلخ. وتحتاج الكويت إلى خلق نحو 520 ألف فرصة عمل خلال 20 سنة، أو فرص أكثر بنحو 200 ألف فرصة عمل عن كل ما خلقته الكويت منذ 64 عاما. وتوظف الحكومة نحو 270 ألف كويتي حتى نهاية عام 2009، ونصفهم لا عمل حقيقيا لهم بما يعنيه من هدر لطاقة رأس المال البشري، والإنسان هو هدف التنمية وغايتها، وتدعم وظائف أقرانهم في القطاع الخاص، وبلغت تكلفة رواتبهم وأجورهم المباشرة وغير المباشرة في السنة المالية الحالية نحو 7.2 مليارات دينار أو أقل قليلا من ضعفي كل النفقات العامة قبل 12 عاما. والعجز عن مواجهة توظيفهم أو الضروري من احتياجاتهم ـ وهو حتما قادم ـ يعني زرع قنبلة موقوتة في جسد الدولة، تتضخم ويزداد حجم ضررها مع كل تلكؤ في الاعتراف بالمشكلة ومواجهتها مبكرا. وتتجلى جهود الاستنزاف والهدر بوجود عشرات مشروعات القوانين أو الاقتراحات بقوانين من قبل الحكومة وأعضاء في مجلس الأمة، وهي مشروعات تنذر بمزيد من الهدر والاستنزاف على حساب الصغار والأجيال القادمة، وهم في معظمهم بسطاء الناس أو من لم يولدوا بعد، ولا فرق ما إذا كانوا بدوا أو حضرا، أو سنة أو شيعة، فالجميع سيكونون ضحايا جشع الجيل الحاضر وسياساته. وثقافة اقتسام الثروة الناضبة بدلا من تنميتها ثقافة استشرت بسبب ضعف الوعي والبذور التي زرعتها الحكومات المتعاقبة في سياساتها غير المسؤولة، حتى انتهت إلى سياسات وإجراءات دغدغة مشاعر، بعضها شديد الرخص يراهن على مصير الوطن وأهلها من أجل التكسب السياسي، وأصبح التصدي لها عالي الكلفة. من جانب آخر، لن يسعف البلد الحظ في الاستمرار في الإبحار العشوائي وهو نهجنا الحالي، فالنفط الذي ينتج لن يعوض، ومع تقادم المكامن وثبات إنتاجها ترتفع تكاليف إنتاج كل برميل، وترتفع التكلفة بشكل كبير مع تحولها إلى الإنتاج المتناقص، وقد تلجأ الكويت إلى «النفوط» الصعبة عالية التكاليف، ويبقى أصل مؤقتا وزائلا، كما أن نمط الإنفاق الاستهلاكي المنفلت، يشجع على مزيد من الاستهلاك المحلي للنفط على حساب النفط المخصص للتصدير، إضافة إلى ارتفاع الاستهلاك بسبب الزيادة المضطردة في السكان. وحذر رئيس «آرامكو» في المملكة العربية السعودية مؤخرا من أن استمرار ارتفاع معدلات الاستهلاك المحلي على حالها يعني استهلاك نصف الإنتاج النفطي محليا بحلول عام 2028، وهي حالة تنطبق على معظم دول الخليج النفطية.
لذلك أصبح وقف نهج الهدر والاستنزاف واجبا وطنيا، لاشك أنه قد يبدو غير شعبي في بداياته، ولكننا بلد فيه شعب خلاق، لو وضع على المحك وطلب منه التضحية في سبيل بقاء الوطن الذي نحب، فسوف يفهم ويقبل ويدعم ضرورة مبدأ التوازن بين حقوق المواطن وواجباته تجاه وطنه. لابد لأحد ما أن يتحمل مسؤولياته ويجتهد للمساهمة في تحويل ثقافة الاقتسام إلى ثقافة بناء، وثقافة التقسيم إلى دعوة مخلصة إلى الالتحام تحت راية المواطنة الشاملة.
واقرأ ايضاً:
«الشؤون» تفتش عن مخالفات الجمعيات الخيرية في رمضان ..و14 وافداً بـ «كروت زيارة» جمعوا أموال تبرعات
رؤساء دول وحكومات 139 دولة يجتمعون اليوم لتسريع جهود مقاومة التحديات الإنمائية في العالم
بوشهري: إعادة طرح مناقصات النظافة تثير الكثير من الاستفهامات
«البابطين» تدعم خطة تعريب جزر القمر على مدى 15 عاماً
هيكل: السادات أعد قهوة مسمومة لعبدالناصر!