- فيضانات باكستان أسوأ من تسونامي وزلزالي هاييتي وكشمير.. وبقاء المساجد سالمة أمر «مثير للعجب»
- «يو اس آيد» جزء من إستراتيجية مكافحة التمرد في أفغانستان: وهناك تخطيط لكيفية العمل في هلمند وقندهار
لندن ـ عاصم علي
أشاد مدير مكتب الكوارث الطبيعية في الوكالة الحكومية الأميركية للتنمية الدولية (يو أس آيد) مارك وارد في مقابلة خاصة مع «الأنباء» في السفارة الأميركية في لندن، بجهود الكويت والإمارات وغيرها من الدول في فيضان باكستان الذي اعتبره أسوأ من كوارث السونامي عام 2004 وزلزالي هاييتي وكشمير عام 2009، لجهة تضرر 20 مليون نسمة يقيمون في منطقة مساحتها تساوي مساحة إنجلترا. كما دعا وارد الذي تشارك وكالته وزارة الخارجية الأميركية في موازنتها للمساعدات الخارجية، الدول العربية الى المساهمة بقوة في مؤتمر لإعادة اعمار المناطق المنكوبة، متوقعا أن تستغرق هذه المرحلة 5 سنوات على الأقل. وفيما يلي نص المقابلة مع وارد في لندن:
كيف يتعامل مكتبكم مع الكوارث عموما؟
وكالتنا هي ذراع المساعدة الخارجية للحكومة، ولديها مكاتب في أنحاء الشرق الأوسط، في مصر ولبنان والأردن وشمال افريقيا. وضمن الوكالة، هناك مكتب الكوارث الطبيعية الذي أديره، ومهمتنا الإغاثة في الكوارث الطبيعية والبشرية، ولدينا مخازن في أنحاء العالم مملوءة بالمساعدات في حال حصول أي كارثة. وأحد هذه المخازن في دبي حيث توقفت أخيرا في طريقي الى باكستان. وعندما تحصل كارثة كبيرة كفيضان باكستان، نرسل فريقا الى هذا البلد للعمل هناك طوال فترة الإغاثة الأولية. وكل كارثة لها 3 مراحل: الإغاثة والتعافي وإعادة الاعمار. إلا أن فيضانات باكستان كانت واسعة النطاق في الجنوب الى درجة أننا مازلنا في مرحلتي الإغاثة والتعافي في آن لأنها منطقة منكوبة بحجم إنجلترا، نساعد العائلات ونحاول إبقاءهم على قيد الحياة. في البداية، كان يلزمنا مروحيات، وخصصت الحكومة الباكستانية كثيرا من مروحياتها العسكرية للإغاثة، وكذا فعلت الولايات المتحدة والإمارات وحتى الجيش الأفغاني. وفي مرحلة الإغاثة، نعمل على المساعدة وتخصيص مأوى مؤقت للعائلات المتضررة، ثم نخصص وقتا كافيا للاهتمام بالشؤون الصحية، إذ عندما يكون هناك 20 مليون متضرر، وهو أكبر عدد رأيناه في كارثة، ستكون هناك مشكلات مثل الأمراض والكوليرا التي قد تبيد الآلاف. كان هناك عدد قليل من حالات الإصابة بالكوليرا، إلا أنها ستبقى تحت السيطرة إن شاء الله.
وفي الشمال حيث بدأ كل شيء ونزلت المياه كالشلالات، هدأت الأمور وبدأ الناس بالعودة، وانطلقت مرحلة التعافي. ذهبت الى منطقة متضررة في الشمال حيث جفت المياه إلا أن هناك أميالا من الأراضي الزراعية المتضررة نتيجة الفياضانات، فلذا نوفر لهم البذور والأسمدة وبعض مواد البناء الأساسية مثل النوافذ والأبواب، ولاسيما أن منازلهم مبنية أساسا من الطين.
أما المرحلة الثالثة، فهي إعادة الإعمار، وهي الأطول والأكثر كلفة إذ علينا إعادة بناء الطرقات والسدود والمدارس. ينتظر العالم والحكومة الباكستانية تقويما للبنكين الدولي والآسيوي لإبلاغنا بما يجب القيام به وما الأولويات للمدى الطويل، تحديدا أي جسور وطرقات وسدود ومدارس يجب إصلاحها أو إعادة بنائها وكم يكلف ذلك. ومن ثم ستدعو الحكومة الباكستانية المجتمع الدولي الى اجتماع في إسلام اباد بعد حوالي شهر للحصول على تعهدات بالتبرع لإعادة الاعمار. وعملية الاعمار ستستغرق وقتا طويلا. فمثلا، مازالت الولايات المتحدة تبني مدارس دمرها زلزال كشمير عام 2005.
كم ستكلف عملية إعادة الإعمار تقريبا؟
أتمنى لو كنت أعلم، لكن علينا انتظار التقويم من البنكين الدولي والآسيوي، ثم سيكون على الحكومة الباكستانية الموافقة عليها، لتكون خطتها هي. كل ما أعرفه أنها ستكون بالمليارات، وسنحتاج بالتأكيد الى المساعدة من دول الشرق الأوسط مثل الكويت التي شاركت بقوة في عمليات الإغاثة عبر المساعدات، وكذلك الإمارات، ودول بنك التنمية الإسلامي ومؤسسات كثيرة لأنها ستكون فاتورة باهظة. وعلى حكومة باكستان تسديد حصتها، إذ لا يمكنها الاعتماد فقط على المجتمع الدولي. لكنني أعلم أن دولا كثيرة وخصوصا في الخليج العربي مثل الكويت، قدمت تعهدات كبيرة مشكورة للمساعدة.
كنت في باكستان بعد زلزال كشمير عام 2005، ثم في الفيضان الأخير، كيف تطور الرد العربي على الاغاثة؟ سمعنا وزير خارجية باكستان شاه محمود قريشي يشيد مثلا بالكويت بأنها من أوليات الدول التي هبت لنجدة بلاده.
أعتقد أن رد الجميع في الفيضانات كان بطيئا في البداية...لأن الفيضانات لم تحصل دفعة واحدة مثل الزلزال ليصل نبأ الكارثة الى العالم، وخصوصا أن الفيضانات تحصل خلال موسم المطر في باكستان، ولذا اعتبر العالم أن هذا الأمر يحصل عادة وليس كارثة. لكن تبين لاحقا أن أكبر ثلاثة أنهار في البلد تفيض معا، وهذا لم يحصل منذ 90 عاما، وأن الفيضانات متواصلة دون انقطاع. عندما لاحظ العالم حجم الكارثة، بدأت باكستان بالحصول على الدعم، وأطلقت الأمم المتحدة نداء للاغاثة. وأعتقد أن مرحلة الاغاثة والتعافي في وضع جيد بسبب المشاركة الواسعة مثلا مساعدات الكويت وارسال الامارات مروحيات كانت مفيدة جدا خلال المرحلة الأولية لنقل الغذاء جوا للمنكوبين. المناطق المنكوبة تحتاج الى جهود مستدامة خلال عملية اعادة الاعمار، وسينظر الى كل الدول الخليجية والشرق أوسطية وبقية دول العالم للمساعدة. لكن لدينا مصلحة في النظر في كيفية صرف المال والمحاسبة في هذا الشأن واتباع الشفافية لنعرف كيفية الانفاق. لذلك نتمنى أن تقدم لنا حكومة باكستان تقريرا في مؤتمر الشهر المقبل لتوضيح كيفية تنسيق صرف المساعدات من الكويت ومن الخليج ومن الغرب ومن اليابان، ومن سيقرر أين ستنفق. وأعلم أن الدول العربية تنظر الى هذا الأمر الآن لتضمن الاستخدام الفاعل لتبرعاتها.
ذكرت آنفا أن مرحلة اعادة الاعمار بعد زلزال عام 2005 في كشمير مازالت مستمرة، هل لديك تصور كم ستستغرق هذه العملية بعد الفيضانات الأخيرة؟
أقول إنها ستستغرق فترة أطول. إن الفيضانات غطت ربع مساحة باكستان، وهو بلد كبير أصلا. الزلزال حصل في منطقة صغيرة جغرافيا. وأتوقع أن تستمر عملية اعادة الاعمار 5 سنوات على الأقل. ما زلنا ننهي بعض العمل الذي بدأناه في أتشه بعد السونامي عام 2004، وأعتقد أن علينا أن نخصص وقتا كافيا لاعادة البناء في شكل أفضل مما كان قائما لتتحمل الأبنية كوارث مماثلة أو أقوى... أحد الأمور التي يتعجب فيها الناس في كارثة الفيضانات وقبلها السونامي هي «لماذا نجا المسجد وحده؟». يقول البعض إن الله يتكفل بحمايته، وقد يكون هذا صحيحا. لكن أيضا أعتقد أن تصميمه وكونه مفتوحا للخارج أكثر من غيره من الأبنية، يسهل للمياه الدخول اليه والخروج منه. علينا أن ننتهج المقاربة ذاتها فيما نعيد البناء.
تعيش باكستان اضطرابا أمنيا حاليا نتيجة نشاط حركة «طالبان» الباكستانية والمقاتلين الأجانب الناشطين معها. كما أصدر أيمن الظواهري نائب زعيم «القاعدة» تسجيلا يحض فيه على الاهتمام بالاغاثة. هل أثر هذا الوضع في عملكم؟
حتى الآن لم يؤثر. وسمعنا مثل هذه الرسالة بعد الزلزال. نعي بأن بعض هذه الجماعات ناشطة هناك، لكن لم يحصل معنا أي مشكلة. وسمعت بالدعوة الى تشكيل صندوق للمسلمين في العالم للمشاركة في الاغاثة، ولكن برأيي باكستان لا تحتاج الى ذلك لأن لديها مجتمعا مدنيا قويا ومنظمات غير حكومية يمكنها الذهاب الى مناطق لا يمكنني أنا مثلا الوصول اليها لأسباب أمنية.
مرت على باكستان كوارث طبيعية عديدة خلال العقود الماضية، هل تدرسون تنمية قدراتهم المحلية لمواجهتها؟
قطعا، ولهذا أقول إن أحد الأبطال وكالة ادارة الكوارث الطبيعية الباكستانية.
هل تحتاج الى تعزيز قدراتها؟
نعم. وآمل أن تأخذ عملية اعادة الاعمار في الاعتبار بناء قدرات الوكالة حتى تكون أقوى المرة المقبلة عند وقوع كارثة.
هل هناك دوافع سياسية وراء مساعداتكم؟ وكيف يتخذ القرار بارسالكم للعمل في بلد منكوب؟
أولا، يتخذ القرار في البلد المعني، ويرسل السفير الأميركي فيه، وبالتشاور مع الحكومة المحلية، ما نسميه «اعلان كارثة» وأنا بصفتي مدير مكتب الكوارث نرسل سريعا في المرحلة الأولى مساعدات قليلة بقيمة 50 ألف دولار، ثم نرسل فريقا لاجراء مسح على الأرض لمعرفة مستوى الكارثة، واجراء اتصالات بالحكومة هناك لتنسيق المساعدات المالية والعينية والبشرية. لدينا مثلا مخزن مليء بالمساعدات مثل القوارب والمحركات الكهربائية الكبرى في دبي، خصصناه للكوارث في آسيا. وعندما حصل الفيضان في باكستان، أفرغنا المخزن من محتوياته وأرسلناها كلها الى باكستان من اليوم الأول... قدمنا كل ما طلبه منا فريقنا، والولايات المتحدة هي أكبر متبرع الآن، بعدما قدمت حوالي 400 مليون دولار ترتفع يوميا.
ماذا تقول للكويت والدول العربية الأخرى قبل المؤتمر المقبل؟
أعتقد أن الرسالة بسيطة، وهي أن كل دول العالم التي يمكنها المساهمة يجب أن تطرح أسئلة صعبة الآن: ما هي الخطة؟ ويجب أن يسألوا حكومة باكستان، كيف ستتصرفين بالمساعدات؟ هل لديك طريقة شفافة في الانفاق لابلاغنا أين أنفقت الأموال وضمان تنسيق جيد في هذا المجال؟ أقول لها اطرحي أسئلة صعبة لأن المؤتمر يطلب استثمارات كبيرة. أنا متأكد من أن لدى الحكومة خطة جيدة للشفافية المالية الآن لأنهم يعلمون أنها مفتاح مؤتمر ناجح. وإذا كان جواب الأسئلة هذه نعم، فأتمنى أن يأتي العالم الى اسلام أباد في نوفمبر بموقف يتسم بالكرم لأنني أعلم بأن فاتورة الاعمار ستكون باهظة.
في خصوص أفغانستان، يقول خبراء أميركيون إن وكالتكم تعمل بالتنسيق مع القوات الأميركية «في معركة العقول والقلوب» في اطار المواجهة مع حركة «طالبان»، فإذا حصلت عملية في هلمند مثلا تدخل شاحناتكم محملة بالمساعدات. هل حقا تلعبون هذا الدور؟
أنا عشت في أفغانستان سنتين. وفي أفغانستان، نعم، «يو أس آيد» جزء من استراتيجية مكافحة التمرد، وليس هناك أدنى شك في ذلك. وهكذا، هناك تخطيط مدني ـ عسكري لكيفية العمل في هلمند وقندهار ومناطق أخرى من أفغانستان. هل يسهل ذلك عملنا؟ كلا، من الصعب توفير المساعدات التنموية في وضع أمني رهيب لأن القتال متواصل والظروف هي الأسوأ لعملنا. لكن ليس أمامنا خيار ثان. يمكنك طرد «طالبان» بالسلاح الآن، لكن إذا لم تفعل شيئا يغير حياة الناس الذين يقدمون لهم (مقاتلو طالبان) الملاذ، فالأمور ستعود الى نصابها.