اصدر الزميل المحامي ناهس العنزي كتابا يحمل عنوان «الجرائم الصحفية والاسرار التحريرية»، وجاء في 724 صفحة من القطع الكامل، وقام برسم غلافه الزميل عبدالسلام مقبول، والكتاب يعتبر بحق اضافة للمكتبتين الاعلامية والقانونية على حد السواء لما فيه من معلومات جمعت واعدت بطريقة سهلة جدا وتناسب جميع الشرائح والفئات، وان كانت بالنسبة لأي رجل اعلام تعتبر اضافة كبيرة ومهمة في كتاب جمع كل شيء تقريبا عن الصحافة تاريخيا وقانونيا بشكل متقن.
والكتاب الذي قسمه العنزي الى 6 فصول بمقدمة جاءت في 27 صفحة تحدث خلالها المؤلف عن الحاجة لمثل هذا الكتاب، موضحا اهمية حرية الصحافة وعلاقتها وتأثيرها في المجتمعات وانعكاساتها على الديموقراطية والحياة الاقتصادية، مدللا على ان الدول الاكثر ديموقراطية تكون عادة اكثر حرية في صحافتها، والدول ذات الصحافة الحرة تكون اكثر تقدما من الناحية الاقتصادية، ويسرد كذلك تأثيرات الصحافة وحريتها على الجانبين الثقافي والاجتماعي.
في الفصل التمهيدي يستعرض المؤلف عدة محاور اهمها تعريف الحرية الصحافية ومدلولها في الشريعة الاسلامية والقانون، ثم يتطرق الى مفهوم الحرية الشامل في الاسلام، وفي المطلب الثاني يؤكد العنزي على ان الحرية هي المدخل الحقيقي للاصلاح، معتبرا ان الحرية هي اساس حقوق الانسان، كما يستعرض في المطلب الثالث للفصل ذاته ضوابط وحدود الحرية في الاسلام.
اما في الفصل الاول من الكتاب فيعدد المؤلف حريات الصحافة في المجتمعات الغربية من خلال استعراض تاريخي للمراحل التي مرت بها الصحافة في المجتمعات الفردية والنظريات الثلاث التي مرت خلالها الحريات وهي نظرية السلطة ونظرية الحرية ونظرية المسؤولية الاجتماعية.
وأهم ما يقدمه خلال الفصل هو حرية الصحافة في كل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الاميركية واليابان والفروقات بين كل تجربة من بين الدول الاربع.
ويعود المؤلف ناهس العنزي في الفصل الثاني الى حرية اصدار الصحف وتداولها مركزا على التجربة الكويتية في هذا المجال، مبينا مواد وقانون اصدار الصحف والتراخيص ويقدم جدولا يضم 38 صحيفة كويتية بتواريخ اصدار كل منها، ثم يرفق المبحث ذاته بجدول عدد الصحف والنسخ والنسب بدول مجلس التعاون مقارنة مع مصر ولبنان وبريطانيا.
وفي الفصل الثالث، يتطرق المؤلف لمبحث مهم جدا، وهو تعريف الصحافي في ظل التشريعات المختلفة، سواء من الناحية اللغوية او القانونية في الكويت ومصر وقطر واليمن.. ليوضح الفوارق التشريعية بين الدول الاربع، وفي المبحث الثاني يبين الحقوق القانونية للصحافي وأمن الصحافي، مستعرضا مدخلا مهما جدا وهو مدى احقية الصحافي في الكتابة تحت اسم مستعار وعدم احقية افصاح الصحافي عن مصادره السرية، مبينا الآراء المؤيدة والمعارضة لهذا الحق.
وفي الفصل الرابع، يفتح المؤلف باب القضايا الاعلامية الشهيرة التي تمت خلالها محاكمة وسائل اعلامية، سواء قنوات او صحف او حتى مراسلين صحافيين، مستعرضا طريقة تغطية وسائل الاعلام لمثل تلك القضايا، ويقدم العنزي 43 قضية متنوعة.
وفي الفصل الخامس يكتفي المؤلف باستعراض واقع ومستقبل حرية الصحافة في الدول العربية.
اما في الفصل السادس فيقدم تفصيلا قانونيا لقانون المطبوعات والنشر الجديد الصادر في العام 2006.
ولعل أهم الأبواب التي قدمها العنزي في كتابه هو بيان الفرق في حرية الصحافة في كل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية.
وجاء في البحث الأول عن حرية الصحافة في فرنسا ان اعلان حقوق الانسان الصادر في 1789 بفرنسا أرسى دعامة حرية اصدار الصحف وحرية الصحافة اذ نصت المادة (11) على حق الانسان في التعبير عن طريق الكتابة او الكلام او الطباعة بحرية كاملة وذلك في الاطار الذي رسمه القانون.
وقد صادف هذا الاعلان احتراما لفترة محدودة اذ انه في ظل الامبراطورية الأولى لم يعترف بحرية اصدار الصحف ولم يمنح الحق في ملكيتها الا على سبيل الاستثناء في شكل امتياز كان يمنح بواسطة الامبراطور.
وبعد ان أرسى اعلان حقوق الانسان مبدأ الحرية صدر بعد ذلك قانون حرية الصحافة في 29 يوليو 1881.
وعرف القانون الفرنسي الصحافي في المادة 671/2 من قانون العمل الفرنسي بأنه «كل من يمارس مهنة الصحافة بصفة أساسية ومنتظمة في جريدة او اكثر يومية او دورية او في وكالة انباء ويستمد دخله الأساسي من هذا العمل» ومن هذا التعريف يمكن لنا ان نستخلص الشروط التي تطلبها المشرع الفرنسي في الاشتغال بالصحافة وهي:
1 ـ ممارسة المهنة بصفة أساسية ومنتظمة.
2 ـ يجب ان يستمد الصحافي دخله الأساسي من عمله بالصحافة.
3 ـ يجب ان يمارس الشخص عمله في جريدة او وكالة انباء، ومؤدى هذه الشروط ان العمل بالصحافة في فرنسا يتطلب ان يكون هو النشاط الغالب للشخص.
وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن الصحافي الذي يمارس عمل مندوب اعلان بصفة عرضية يخضع للنظام الخاص للصحافيين.
وكذلك يجب ان يستمد الصحافي دخله الأساسي من عمله بالصحافة وأيضا يجب ان يمارس الصحافي عمله في جريدة او وكالة انباء، لم يشترط المشرع الفرنسي ان يكون مع الصحافي بطاقة تحقيق الشخصية لكي يعمل بالصحافة.
ومما سبق يتبين لنا ان الاشتغال بالصحافة امر متاح للجميع ولا يتطلب مؤهلا معينا او سنا معينة.
الحقوق التي كفلها القانون الفرنسي للصحافي
للصحافي الحق في التعويض في حالة انهاء العقد بالاضافة الى مكافأة نهاية خدمة اذا كان الفصل بغير مبرر مشروع.
وفرق المشرع بين الصحافي الذي قضى خمسة عشر عاما في العمل الصحافي ومن قضى مدة أقل من خمسة عشر عاما من حيث الجهة التي تختص بنظر التعويض المستحق للصحافي، فإذا كان الصحافي قد تجاوزت مدة عمله بالصحافة خمسة عشر عاما يعرض أمره على لجنة تحكيم تشكل من اثنين محكمين يمثلان الهيئات المهنية لأصحاب الصحف واثنين آخرين يمثلان الهيئات المهنية للصحافيين ويرأس اللجنة أحد كبار الموظفين أو قاض متقاعد أو في الخدمة وتختص هذه اللجنة بتقدير التعويض لمن لم يتجاوز تعاقده هذه المدة في حالة ارتكابه خطأ جسيما وتكون لقرار هذه اللجنة قوة تنفيذية بإيداعه المحكمة الابتدائية التي صدر القرار بدائرتها ولا تقبل قرارات هذه اللجنة الاستئناف إلا في حالة مخالفة قواعد الاختصاص أو النظام العام.
كذلك للصحافي حق معنوي في إنتاجه الفكري ويقصد به حق الملكية الأدبية والفنية والهدف من تقرير هذا الحق هو الحيلولة دون اقتباس الغير لهذه الأفكار ونسبتها لنفسه إلا ان هذا الحق لا يكفي لحماية الصحافي إذا ما اعتنقت الجريدة اتجاها أو فكرا جديدا، وآلت الجريدة لمالك آخر أو توقفت عن الصدور نهائيا وذلك لأن الصحافي وان كان أجيرا لدى مالك الجريدة وتربطه به رابطة التبعية إلا ان هذه الرابطة لا تصل الى الحد الذي يتخلى معه الصحافي عن أفكاره ويتغير تبعا لما يطرأ على المنهج الفكري للجريدة من تغيير، فلابد من الاعتراف للصحافي بالحق في فسخ العقد وفي الحصول على جميع التعويضات التي كفلها القانون إذا فسخ العقد بسبب راجع لمالك الجريدة، ولذلك فقد اعتنق المشرع الفرنسي هذا الشرط في القانون الصادر في 1935 بتعديل قانون العمل الفرنسي ويعتبر هذا الشرط استثناء على القواعد العامة.
ويطبق هذا الشرط في حالات معينة وهي:
1- التنازل عن الجريدة.
2- التغيير الجذري في خصائص أو اتجاه الجريدة أو الدورية إذا ترتب على هذا التغيير مساس بكرامة أو بسمعة الصحافي أو بحقوقه المعنوية.
وفي المبحث الثاني حول حرية الصحافة في بريطانيا، يوضح العنزي ان انجلترا كانت اسبق الامم الى الحرية، اصدرت العام 1556 اول صنوف الرقابة في البلد الحر وكان هدفها سياسيا ودينيا معا، ولقد تميز القرنان السابع عشر والثامن عشر بالصراع الدائم بين الصحافة والرقابة الحكومية حتى تمكنت الصحافة في بريطانيا من الحصول على قدر كبير من الحرية في السنوات الاخيرة في القرن الثامن عشر ومع بداية القرن التاسع عشر، وذلك بفضل ما تحقق من سيطرة الطبقة البورجوازية البريطانية على مقاليد السلطة في البلاد واعتمادها للفلسفة الليبرالية بما تعنيه من حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير، وهو الامر الذي ادى الى ظهور كبار الصحافيين والكتاب البريطانيين امثال دانيل ديفو واديسون وسويفت ثم جون ولتر منشئ التايمز ودانيل ستيوارت مؤسس المورتغ بوست ونورتكيف صاحب الديلي ميل.
وعلى الرغم مما بلغه الشعب الانجليزي من الوعي، فإن ما بين الصحافة والحكومة لم يكن دائما صفاء ولا بين الصحافة والجمهور (القراء) حتى ساءت العلاقات بين الثلاثة الى درجة ان الحكومة التي كانت قائمة في عام 1953 كونت لجنة ملكية تنظر في امر الصحافة وشتى علاقاتها بالجمهور وبالحكومات.
ودرست اللجنة ما درست وكشفت عن كثير من عيوب الصحافة القائمة، ومن امثال ما دل على ان الصحافي يدخل الصحافة وهو يحمل بين جنبيه فضائل ورذائل حملها اولاد آدم ومنها اقتحامات على حرية الجمهور واقتحامات لحرمة المنزل هذا الى حزبية تجعل من الأبيض أسود ومن الأسود أبيض حتى حرية القول التي تنادي بها الصحف أو نداء اتضح انها عملت على تعطيلها الحين بعد الحين».
ونصحت اللجنة الملكية المذكورة بإقامة مجلس صحافة واقترحت ان يتألف من رجال الصحف. وفي عام 1964 أعيد النظر فيه لأن المجلس مال إلى الدفاع عن الصحافة والصحافيين على حساب المواطنين وتغير الكثير من أساليب إجراءاته ومن أهم اختصاصات المجلس:
1- دراسة كل ما من شأنه ان يؤدي الى تقييد حرية تدفق الأخبار.
2- مراقبة كل ما من شأنه أن يؤدي الى قيام تركز أو احتكار.
3- تلقي الشكاوى من كل شخص أو هيئة تعمل في مجال الصحافة.
4- العمل على تطوير وتأهيل الصحافيين وتشجيع البحوث المهنية أيا كانت طبعتها.
وقد أدى مجلس الصحافة دورا رائدا في ضمان حرية الصحافة وكان مثالا اقتدت به مجالس الصحافة في الدول الأخرى فكان له دور مهم في إعادة الثقة للصحافة البريطانية.
تعريف حرية الصحافة
للصحافة دور مهم وكبير فهي تبصّر الرأي العام، إذ انها هي المرآة التي تكشف جوانب النقص في المجتمع ويرى من خلالها عيوبه وتعمل الصحافة على دفع الجهات المسؤولة الى اصلاح وتكملة هذا النقص، سواء كان هذا النقص من الناحية السياسية او الاجتماعية او الثقافية. فالصحافة الحرة بمفهومها الحقيقي هي التي تستطيع ان تحقق أهدافها.
فحق الانسان في الحرية هو هبة او تفضل من المولى سبحانه وتعالى ولهذا صارت الحرية قيمة خالدة في الضمير الانساني تزداد حينا بعد حين، وتزداد هذه الحرية قيمة وتربو مكانة حينما تقترن بالصحافة، وترتبط بها وذلك للمكانة التي تتبوأها الصحافة كإحدى وسائل التعبير عن الرأي في المجتمع المعاصر. وتعتبر حرية الصحافة رافدا من روافد الحرية وهي امتداد لحرية الفكر والاعتقاد حينما تبرز الى العالم الخارجي وتتجاوز مرحلة الفكرة التي يؤمن بها الشخص الى مرحلة اشراك الآخرين في هذه الفكرة او العقيدة بعرضها عليهم. إذن فما المقصود بحرية الصحافة؟ وما طبيعة هذه الحرية وحدود هذه الحرية؟