في ذكرى عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام بعث وكيل المرجعيات الدينية في الكويت السيد محمد باقر المهري لـ «الأنباء» بمقال جاء فيه:
تمر السنون والدهور وقضية الامام الحسين عليه السلام تبقى حية خالدة في التاريخ الانساني والاسلامي فنرى الحسين عليه السلام خالدا في دنيا البطولات والملاحم وفي عالم الشجاعة والتضحية والفداء والايثار وتراه خالدا في قلوب الملايين من المسلمين وغيرهم.اننا لا يمكننا ان نلج آفاق عظمة الامام الشهيد سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ابي عبدالله الحسين عليه السلام الا بمقدار ما نملك من بعد في التصور وانكشاف في الرؤية وسمو في الروح والذات لانه عليه السلام اعظم قربان تشهده مذابح الفضيلة والطهر، انه الدم الطاهر الذي اريق وجرى على رمال كربلاء سنة 61هـ دفاعا عن الحق والعدالة واحياء لدين جده رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان نبضا دافقا يملأ قلب الزمن، وروحا نقية تنسكب في عروق الحياة وقلبا مشرقا في كل ضمير حي، وشعلة وهاجة مضيئة لعشاق الفضيلة ولجميع الثائرين والاحرار حتى اصبح الامام الحسين عليه السلام كعبة لمن كانت افئدتهم تهوي اليه، فقد دخل حب الحسين الى قلوب احرار العالم على اختلاف مشاربهم وتباين مسالكهم لان التضحية في كربلاء يوم عاشوراء مع اهل بيته واصحابه الكرام كانت قمة الفيض والعطاء، وكان يوم الطفوف يوم مأساة التاريخ حيث تكاتفت وتكالبت عوامل الضلال وقوى الشر والنفاق على مر الزمن فبلغت الذروة يوم عاشوراء وكان ضحيتها الحسين وأصحابه وأهل بيته الكرام رضوان الله عليهم.ان حب الحسين الذي دخل في قلوب البشرية حتى عشقته يكون حافزا قويا للدفاع عن الشرف والحرية والكرامة والاستقلال وعاملا مؤثرا لرفض الظلم والطغيان والمستعمرين الذين يريدون ان ينهبوا ثروات الشعوب ويسيطروا على مقدرات البلاد، يقول غاندي الهندوسي باني الهند الحديثة «تعلمت من الحسين كيف اكون مظلوما فانتصر ولو كان لي عشرة رجال من اصحاب الحسين لفتحت الدنيا»، وقد تعلم من مدرسة الحسين عليه السلام فانتصر على المستعمر وقوى الشر.
وقال احد عشاق الحسين واحد طلاب الحقيقة والحرية الحمراء الصحافي المسيحي اللبناني حافظ ابراهيم خير الله، وهو يتخيل ويتصور قضية الحسين وقبره الشريف في كربلاء «الرعشة لابد منها، اطلال مآذن كربلاء من بعيد والمقبل الى العتبات المقدسة في العراق يرتعش لانه مكان محجته.. دخلت الى مقام الحسين فصعقت وذهلت، هو ذا من استشهد فاصبح رمزا للانتفاض على الظلم هو ذا من استشهد في سبيل العدل وترك الملايين تتطلع اليه مثالا للانسان الذي افنى جسده في سبيل الكمال البشري.. المسألة لم تتحمل علامات استفهام.. بعد ربع ساعة وجدت نفسي ابكي ثم ابكي ثم ابكي». ان ثورة الامام الحسين عليه السلام اقضت مضاجع الطغاة على مر التاريخ وبقيت تقلق الظالمين رغم غياب الشهيد القائد عن مسرح الحياة، فقد اصبح الامام مصدر خوف المستكبرين والمستعمرين الى هذا اليوم بعد ان نال درجة الشهادة في يوم عاشوراء وقتل في سبيل الله لاجل ارساء دعائم العدالة والحرية في العالم.
وفي الحقيقة ان الانسانية لم تعهد ولم تشهد شخصا بقيت قضيته خالدة من بعده وعاشت حية مليئة بالحيوية، ورمزا يتحدى عمليات الموت والقتل والتصفيات بل قاومت حياته ورسالته كل عوامل الابادة والفناء والاندثار ليعيش الانسان عزيزا كريما حرا مستقلا.ان الارتباط بالحسين وباهدافه المقدسة وثورته المباركة يجعل الانسان يعيش في عالم مليء بالخير والسعادة والفضيلة، ومفعم بالحيوية والنشاط والسعي لتحقيق العدالة للانسانية المعذبة والمطالبة بالحرية والديموقراطية والكرامة ورفض جميع ألوان الظلم وشتى انواع الفساد.ان التعلق والتمسك بمبادئ الحسين وثورته المباركة يجعلان الانسان يعيش عيشة الاحرار والشرفاء والطيبين والصالحين ويرفض الظالمين والمستعمرين والطغاة لانه عليه السلام علمنا كيف نعيش بعز وكيف نموت كذلك، قال الامام الحسين: ان الحياة عقيدة وجهاد، وقال ايضا مخاطبا الطغاة فوالله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا اقر لكم اقرار العبيد.
ان الحسين سيبقى رمزا للتوحيد وللرسالة الصادقة وللتضحية والايثار في سبيل العقيدة والمبدأ، وسيبقى يحمل عنوانه الأبدي «ثار الله» سواء كان مرقده مشيدا أو كان مهدما رغم أنف الطغاة والجبابرة الذين حاولوا طمس مرقده ومحو آثاره وتزوير الحقائق وتشويه سمعة آل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وسيكون مرقد الإمام الحسين صرحا شامخا خالدا رغم العواصف الهوجاء وتتابع الانتهاكات الوحشية للحرم الحسيني المبارك، لقد انتهك الحرم الحسيني على أيدي المجرمين في العراق وتعرضت العتبات المقدسة الى اعتداءات متكررة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العصر الحديث فقد هجمت قبل سنوات القوات البعثية الظالمة هجمات قاسية على حرم سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام مستهدفة تقويض أركانه وتسويته مع الأرض ومحو آثاره من الوجود لكي لا يبقى ذكر للحسين في العالم، ولأن اسمه المبارك الشريف يقض مضاجع البعثيين المجرمين ويجعلهم قلقين على كرسيهم وعرشهم، وكذلك اسم الحسين عليه السلام يُخيف الطغاة والجبابرة، ان الأشقياء لم يتركوا سلاحا ثقيلا بأيديهم الا استخدموه ضد مباني الحرم الشريف، فقد قصفوا المرقد الطاهر بالمدافع الثقيلة مضافا للقصف الجوي وأخذت الدبابات الصدامية تقترب لتوجه فوهاتها في مداخل الصحن وتصوب قذائفها الى داخل الروضة الشريفة بمنتهى الجرأة والوقاحة بالرغم من اخلاء المجاهدين العراقيين للحرم وسيطرة الحكومة عليه، فقد استمر القصف المكثف بجميع أنواع الأسلحة حتى قتل الكثير من الأبرياء من زوار الإمام الحسين عليه السلام العزّل من السلاح الذين لم يتمكنوا من الفرار والخروج من الروضة الشريفة وقد أدى هذا القصف الهمجي الوحشي الى سقوط ضحايا من النساء والأطفال والشيوخ وكبار السن وتطايرت جثثهم وتبعثرت أشلاؤهم على بلاطات الصحن الشريف والشوارع المحيطة به.
ان صدام كان يفكر ان بامكانه ان يمحو ذكر الحسين ويمنع الشعائر الاسلامية المتعلقة به عليه السلام ناسيا ان للحرم المطهر تاريخا طويلا وعريقا لا يمكن لأي طاغية ان يهدمه ويقضي عليه، وان المرقد المبارك يبقى طودا شامخا عاليا شاخصا كشموخ وعلو وشخوص الإمام الحسين عليه السلام فبقي اسم الحسين عليه السلام وحرمه المبارك وهلك طاغية العراق صدام المجرم.
ان أعداء الإمام حاولوا ان يعفوا ويمحوا آثار الحسين عليه السلام فقد أشعلوا النار بالحرم وأحرقوا بعض أروقته، وهدموا وقتلوا زواره ولكن دون نتيجة لأن المكان المقدس بقي محط أنظار المسلمين في العالم ومحل أفئدة العارفين ومهبط عشاق الحسين عليه السلام ومهوى قلوب الأحرار، فلقد قالت زينب عليها السلام.. «وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلال في محوه وطمسه فلا يزداد أثره الا علوا».
سلام عليك أبا عبدالله يوم ولدت ويوم وقفت في عرصات كربلاء، ويوم استشهدت ويوم خضبت بدمك الزكي، ويوم وقفت في صحراء الطفوف تنادي «هيهات منا الذلة» ويوم نصرت دين الله ويوم جاهدت في الله حق جهاده، وعملت بكتابه واتبعت سنن نبيه، وسلام عليك يوم رفضت بيعة الظالمين والطغاة وأبيت الا ان تعيش عزيزا، وسلام عليك يا أبا الأحرار وسيد الشهداء الذي علّمنا طريق الشهادة والجهاد في سبيل الله والدفاع عن الإسلام والمظلومين والمحرومين والمضطهدين وعن الحريات والكرامة.
فنم يا أبا عبدالله قرير العين باسم الثغر فنحن على خطاك سائرون وبنورك مستنيرون ومن أعدائك منتقمون حتى يكون الدين كله لله.
ونحن هنا في الكويت نمارس الشعائر الحسينية ونقيم مجالسنا بكل حرية ولكن ينقصنا شيء واحد وهو الإعلان الرسمي والحكومي عن عطلة يوم عاشوراء الذي هو يوم الحزن والبكاء لا يوم الفرح والسرور كما هو عند النواصب وأعداء أهل البيت عليهم السلام، كما نطالب وزير الداخلية بإغلاق مركز الفتن وبؤرة التكفير والنصب والعداء لأهل البيت عليهم السلام.