- الجراد يطبخ ويؤكل وتجفف كميات كبيرة منه وتحفظ في أوانٍ وأكياس خاصة لتؤكل كغذاء متوافر طيلة السنة ويقدم كوجبات سريعة جاهزة
- مجاميع «الدبا» غزت المزارع عام 1930 فأكلت المزروعات وتركت الأشجار جرداء وكأنها تعرضت لحريق هائل
في الجزيرة العربية وردت الكثير من القصص والأمثال المأثورة عن الجراد ومن هذه الأمثال «إذا جاد (ظهر) الجراد كب (اسكب أو انثر) الدواء. وإذا جاء الفقع (الكمأ) صر (احفظ) الدواء».
وللجراد حكاية في الذاكرة الشعبية الكويتية، كما قال الباحث والمؤرخ أحمد البرجس لـ «كونا»، أبرزها ما شهده خريف عام 1929 أي قبل نحو 80 عاما، حيث هطلت أمطار غزيرة على الكويت استبشر بها الناس خيرا تلاها غزو لأسراب هائلة من الجراد أحالت ذلك النهار الى ما يشبه الظلام.
وأضاف البرجس ان أعمدة أسراب الجراد آنذاك حجبت ضوء الشمس وواصلت تقدمها من الشرق الى الخليج العربي وتكرر في ذلك الشتاء ظهور أعمدة كثيفة وطويلة من الجراد تصل بين الأرض وترتفع على مد النظر في السماء ملتهمة في طريقها، كما يقولون، «الأخضر واليابس».
وذكر ان المزارعين حاولوا إيقاف زحف الجراد والدفاع بكل السبل عن مزارعهم إلا ان معظم محاولاتهم فشلت أمام إصرار الجراد وزحفه المتواصل بأعداد هائلة.
وبين أن دام فيوليت ديكسون زوجة المعتمد البريطاني في الكويت ديكسون ذكرت في كتابها «40 عاما في الكويت» هذه الحادثة وكتبت انها كانت أول تجربة لها مع هذه الكائنات وانها رأت السماء تحجبها أسراب الجراد الطائر واختفت الشمس وكأنها قد كسفت تقريبا.
ونقل عن كتاب فيوليت ان أسراب الجراد عندما كانت تتساقط في شوارع الكويت شارك الأطفال في جمعها وان الجراد أثار فضول طفليها (سعود وزهرة) وقد شاركا الجميع في التقاط بعض منه لأكله و«قد استمتعا بمذاقه».
صحي ولذيذ
وأوضح البرجس ان الجراد طعمه جيد وصحي ومذاقه ممتاز ولا يسبب أي مرض للجسم وكان يطبخ قديما بقدور كبيرة يوضع فيها الماء مع قليل من الملح وتنصب القدور على النار وعندما يغلي الماء تفرغ فيها أكياس الجراد.
وأشار الى أنه عندما ينضج الجراد من الطبخ تنزل القدور من على النار ويؤكل الجراد وتجفف كميات كبيرة منه وتحفظ في أوان وأكياس خاصة لتؤكل كغذاء متوافر طيلة السنة ويقدم لأفراد الأسرة كوجبات سريعة جاهزة عند الطلب.
وقال ان الأولاد قديما كانوا يملأون مخابئ الثياب وجيوبها بالجراد المطبوخ المجفف لأكله في المدرسة أو أثناء اللعب أو عندما يسرحون مع (حلالهم)، أي إبلهم ومواشيهم، وفي سنين (الدهر) المحل والجدب يطعم الإنسان إبله وخيله منه.
واستذكر البرجس ما أورده الرحالة السويسري جون لويس بوركهارت في مذكراته انه في عام 1811 أغار الجراد على مدن وقرى شبه الجزيرة العربية والتهم المزروعات ونفذت أسراب الجراد الى المساكن الخاصة وخربت حتى جلود (قرب) الماء.
وأشار الى ما أورده بوركهارت في مذكراته من أن أسراب الجراد الهائلة كانت تأتي من الشرق كل 4 أو 5 سنوات وان أهل نجد والحجاز وبدو الجزيرة العربية اعتادوا أكله و«لقد شاهدت في المدينة والطائف حوانيت لبيع الجراد كما كان البعض يملأ أكياس الجراد بينما يأكله البعض الآخر مقليا في الزبد وأحيانا يستخدمونه على الإفطار مع الخبز غير المخمر المغموس بالزبد».
دمونة وزعيري
وذكر البرجس ان أنثى الجراد تسمى عند أهل البادية «دمونة» وجمعها «دمون» وعند أهل الحاضرة (مكنه) وجمعها (مكن) ولونها بني وهي سمينة لوجود البيوض في بطنها ومذاقها ممتاز أما الذكر فأصفر اللون وأنحف من الأنثى ويسمى عند أهل البداية «زعيري» وعند أهل الحاضرة «عصفور» وسمي بذلك للونه الأصفر المشابه للون العصفور.
وبين ان أنثى الجراد تحفر حفرة عمقها 10 سنتيمترات في أرض رطبة وتضع بيوضها فيها، حيث يخرج من بطنها جراب البيض وفيه 100 بيضة تقريبا وتدفن الجراب في الحفرة قبل ان تتركه وتطير وبعد 20 يوما تقريبا يفقس البيض داخل الحفرة وتخرج منه الحوريات وتسمى حسب تسلسل أطوارها.. لدى الفقس تسمى (سروة) ثم (دبى أو دبا) ثم (غوغاء) ثم (خيفان) ثم (كتفان) ثم (جراد) وصغار الجراد لا تؤكل وما يؤكله الجراد فقط.
وقال ان أخطر صغار الجراد على الاطلاق هو «الدبى أو الدبا» الزحاف الذي يزحف بأعداد هائلة جدا على شكل بساط أسود ممدود متموج قد يصل طوله لستة كيلومترات وعرضه نحو ثلاثة كيلومترات وكل «دباة» تزحف بمحاذاة الأخرى والدبا الزاحف يلتهم كل نبتة أو ورقة خضراء يجدها أمامه.
وذكر البرجس انه في ربيع عام 1930 ظهر «الدبا» بأعداد هائلة جدا وصلت الى مزارع الكويت فأكلت المزروعات وتركت الأشجار كالنخيل وغيرها جرداء وكأنها تعرضت لحريق هائل.
وبين ان مجاميع الدبا الزاحفة وصلت الى البيوت والغرف الداخلية في كل بيت وسببت كثيرا من التلف في الأغراض والمحتويات كالملابس والطعام والأثاث وكان الناس يكافحون هذا الدبا الزاحف على مزارعهم بطرق بدائية كحفر الخنادق حول المزارع التي تمتلئ فيما بعد بأعداد هائلة من الدبا أو بضرب الصفائح المعدنية لتخرج أصواتا من شأنها طرد الدبا من مزارعهم.
وقال ان البعض لجأ لتغطية مزرعته بألواح الصفيح الأملس أو بأوراق القصدير الملساء بغية جعل الدبا ينزلق عندما يصعد عليها ليسقط داخل الخندق المحفور حول المزرعة فيسهل القضاء عليه.
جرد الأرض
وبين ان الجراد سمي كذلك لأنه يجرد الأرض من النبات ويطلق على الذكر والأنثى ويشبه العرب فخذي الجرادة بفخذي البعير وساقاها بساقي النعامة وجناحيها بجناحي النسر ووجهها بوجه الفرس وعينيها بعيني الفيل وعنقها بعنق الثور وقرنيها بقرني الآيل وصدرها بصدر الأسد وبطنها ببطن العقرب وذنبها بذنب الحية.
واضاف ان العادة جرت ان يخرج الناس في الفجر أو (الغبش) لصيد الجراد حيث يكون نائما و(مقرورا أو بردانا) على الأشجار والشجيرات والحشائش فيجمعونه من على شجره وشجيراته وبعضهم يقلع الشجيرة من منبتها ويفرغ الجراد عليها في (العدل) وهو كيس منسوج من الوبر أو الصوف.
وأشار الى ان البدو يظنون ان الجراد يأتي من صوب سهل تهامة الشهير في المملكة العربية السعودية ويمتد على الساحل الشرقي للبحر الأحمر علما ان الجراد يصل الى هذا السهل قادما من أفريقيا ويتكاثر فيه ويقولون للدلالة على الكثرة «جاء إلينا قوم مثل عمود الجراد».
وذكر ان عدد الجراد في عمود (سرب) واحد يفوق ألف مليون جرادة تغطي مساحة تبلغ في المتوسط 20 كيلومترا مربعا وغالبا ما يكون طيران الجراد نهار أما ليلا فينام على الأشجار والأعشاب.