ضجت مسامعي وضاقت نفسي مما اسمع ومما ارى فمللت صوت المذياع وكرهت مشاهدة التلفاز وكذلك اخبار الصحف والتي تعيد نفس الاسطوانة المشروخة ذات اصوات النشاز عن تناحر ابناء وطني بين مفاهيم جديدة لبعض الدخلاء على نسيجنا الاجتماعي المترابط فصرنا نسمع لفظ الطائفية والعرقية ولفظ القبلية والطبقية، اسطوانة لا اسمع منها الا صوت التناحر بين حكومة ومجلس واشاهد فيها ان حكومتنا قد حلت كل مشاكلها السياسية بمفهومها القديم والذي تسبب بكوارث تاريخية بقيت جروحها الى يومنا هذا ألا وهي سياسة الدينار وصارت تعتمد على ان توصل الى المجلس التشريعي بعض «الارجوزات» الذين هم اليوم هانت عليهم مبادئهم لكي يأتي لنا المستقبل بمن سيهون عليهم ما هو اكبر، رأيت نفسي اليوم في زمن الاحرار يتولى امرهم اشباه الرجال رأيت الصادق يحارب وتعلو تجارة الدجال رأيت النفاق والشخص الأفاق تعلو مراتبه في الآفاق ورأيت الشهامة وشموخ الهامة تندثر في غبار الفتن وتاريخ هذا الزمن فأطلقت نظري الى السماء معاتبا وابحث عما يفرج هم نفسي من ذكرى لاشخاص افتخر بوجودهم في تاريخي ولهم الاثر العظيم الذي منه نقشت قيما احيا بها واورثها لاجيال تعشق ان تعيش احرارا وتموت احرارا.
لا تسقني ماء الحياة بذلة
بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
ماء الحياة بذلة كجهنم
وجهنم بالعز أطيب منزل
فرأيت في الأفق وجه عادل شميلان العازمي رفيق الكفاح والسلاح ايام الغزو الاسود وما ان نظر الي حتى اختفى فكأنه كره نظرة الحزن في ملامحي وهي نظرة لم يعتد عادل على رؤيتها حتى ان كان تعارفنا في ايام حزن وغزو لكننا وقتها نعيش حياة سمو وعزة في وقت رخصت فيه ارواحنا ودماؤنا فهان علينا مصابنا وأخذت ابحث عنه لكي احدثه وافرج عن نفس ضاقت بما تسمع وترى فرأيت وجه اسرار ـ رحمهما الله جميعا ـ وعزاؤنا فيهما ان الشهيد حياته تبدأ يوم مماته فسألتها اتذكرين ايتها الشهيدة الشجاعة اول يوم عرفتك فيه في الخفجي حين تم استدعائي مع اخيك البطل ابوسعود حفظه الله خلال ايام الغزو العراقي الغاشم على بلدنا وكنا نحمل على عاتقنا هاجس مقاومة المحتل ونحمل ارواحنا بيميننا بكل رخص لاجل تراب الكويت؟ اتذكرين كيف كانت هي امانينا لوطننا سامية وجميلة اتذكرين؟ كيف كانت الكويت هي الهواء الذي نتنفسه وهي الروح التي كنا نحيا بها لكي اراها اليوم سلعة في سوق الاكتتابات والمناقصات او بما يعرف معناه اليوم بالاستجوابات.
اتذكرين.. حين عدنا من الخفجي الى الكويت ونحن نقف على مركز الحدود البري كيف كانت ثقتك بنفسك شامخة حين قلت: «حين يتم القبض علينا من العراقيين قول لهم انني اختك من امك وانني مجنونة مو صاحية وخل الباقي علي» فأدرك منها قيم الشجاعة وكيف هو معنى الثقة في النفس، فنعم الاخت كنت فأنت حقا ـ رحمك الله ـ كنت أخت رجال، هذه الكلمة التي يجب ان تبقى خالدة تدرس لاجيال عن معنى الولاء للوطن بمعنى يختلف عما نعايشه اليوم وتدرس عن معان سامية عن الثقة بالنفس والشجاعة، اتذكرين.. حين اشتد وابل الرصاص علينا وكنا فرحين ونحن ننشد قصيدة «تل قلبي منك يا صافي الثنية..» وكنا فرحين ونحن نلعب مع الموت وكانت الامور كلها هينة لاجل تراب هذا الوطن لكي ارى اليوم من يبيع الوطن لاجل كرسي ومنصب ولاجل معاملة ناخب او مناقصة باطل.
اسألك بالله ونحن من نحيا اليوم على تراب هذه الارض التي تعطرت بدمك الطاهر ان تجيبيني اين الكويت.. اليوم.. فكان جوابها الصمت ودمعة نزلت على خدها تبعتها دموع من عيني جمعتها وكتبت بها هذه الاسطر التي لم اكتبها بحبري بل بدمعي حين رأيت دمعة أسرار على كويت اليوم، نحيا اليوم في وطن اصبح الاحرار فيه يعيشون عيشة الغرباء واصبح من ينادي بالمبادئ لمصلحة الوطن اناسا معقدين او اناسا غير ديبلوماسيين او اناسا متهورين لانهم لا يجاملون معالي السعادة او من يرتدي بشت الوجاهة.. أخيرا.. لكل الاحرار هذه قصة وعبرة حين استقر خالد بن الوليد رضي الله عنه في حمص ـ من بلاد الشام ـ فلما جاءه الموت، وشعر بدنو أجله، قال: «لقد شهدت مائة معركة او زهاءها، وما في جسدي شبر الا وفيه ضربة بسيف او رمية بسهم، او طعنة برمح، وها انذا أموت على فراشي كما يموت البعير، الا فلا نامت أعين الجبناء».