- «الإفتاء»: يجوز تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم بما لا يكون فيه إقرار لهم على ما هو محرم في شريعتنا ولا يجوز تعظيم شعائرهم المخالفة للإسلام
- آل الشيخ: أمر مباح إذا قصد من ورائه إدخال الفرحة عليهم وتأليف قلوبهم إلى الإسلام
ليلى الشافعي
تباينت آراء العلماء في امر تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، فمنهم من اجاز ذلك ومنهم من رفضه معللا رأيه بان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يهنئ اهل الكتاب بأعيادهم رغم انه كان يعطيهم من الزكاة وكان يعود مرضاهم ويحسن معاملتهم. «الأنباء» استطلعت آراء الفريقين، والقت الضوء على وجهة نظر كل منهم في هذا الامر وادلته، خاصة مع تغير العصر، ورغم ان شيخ الاسلام ابن تيمية افتى بعدم جواز تهنئة غير المسلمين من اهل الكتاب بأعيادهم، الا ان عددا من جمهور المعاصرين رأوا ان تغير الاوضاع العالمية يدفع للجواز بتهنئتهم دون مشاركتهم مناسباتهم الدينية وطريقة احتفالاتهم، وكذلك بما لا يحمل اي اقرار لهم بمخالفة الشرع، وانما تبقى المسألة محصورة في بعض كلمات المجاملة المعتادة لأناس نصادقهم ونعمل معهم ونختلط بهم سواء في المدارس والجامعات او اماكن العمل والجيرة، وهي كلمات مجاملة تعارفها الناس، كما يرى هذا الفريق ان هذا الاسلوب يمكن ان يعمل على تأليف قلوب غير المسلمين الى الاسلام يجيب اليهم الاستجابة للدعوة الى الاسلام، وفيما يلي رأي كل فريق:
عن حكم تهنئة ومشاركة غير المسلمين في اعيادهم، اجابت لجنة الفتوى في وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية: لا يمنع اهل الكتاب من الاحتفال بأعيادهم وشعائرهم في مجتمعاتهم الخاصة بهم لأننا مأمورون بان نتركهم وما يدينون، كما امرنا ان نحفظ لهم عهدهم وامانهم ما لم يظهروا لنا او لديننا العداء لقوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين)، اي ان الله يحب المنصفين الذين ينصفون الناس على اختلاف اديانهم ومللهم ويعطونهم الحق والعدل من انفسهم فيبرون من برهم ويحسنون الى من احسن اليهم وتجوز زيارة مرضاهم وتعزيتهم بمصيبتهم وتهنئتهم بأعيادهم بما لا يكون فيه اقرار لهم على ما هو محرم في شريعتنا، ولا يجوز تعظيم شعائرهم المخالفة للاسلام او مشاركتهم في اعتقادهم المخالف للاسلام، خصوصا اذا أشعرت التهنئة بأعيادهم بالتعظيم لشعائرهم او اشتملت التهنئة على اعتقاد ما يخالف الاسلام والله اعلم.
تجوز تهنئتهم ولكن لا نحتفل معهم
يرى جمهور من العلماء المعاصرين جواز تهنئة النصارى بأعيادهم ومن هؤلاء العلامة د.يوسف القرضاوي حيث يرى ان تغير الاوضاع العالمية هو الذي جعله يخالف شيخ الاسلام ابن تيمية في تصريحه بجواز تهنئة النصارى وغيرهم بأعيادهم واجيز ذلك اذا كانوا مسالمين للمسلمين وخصوصا من كان بينه وبين المسلم صلة خاصة، كالأقارب والجيران في السكن والزملاء في الدراسة والرفقاء في العمل ونحوها، وهو من البر الذي لم ينهنا الله عنه، بل يحبه كما يحب الإقساط إليهم (ان الله يحب المقسطين) ولاسيما اذا كانوا هم يهنئون المسلمين بأعيادهم والله تعالى يقول (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها)».
ويرى د.يوسف الشراح انه لا مانع من تهنئة غير المسلمين بأعيادهم ولكن لا نشاركهم مناسبتهم الدينية ولا في طريقة الاحتفالات، ويبقى الأمر ان نتعايش معهم بما لا يخالف شرع الله، فلا مانع اذن من ان يهنئهم المسلم بالكلمات المعتادة للتهنئة والتي لا تشتمل على اي اقرار لهم على دينهم أو رضا بذلك انما هي كلمات مجاملة تعارفها الناس.
أمر مباح
وأعلن عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية د.قيس بن محمد آل الشيخ ان اجابة دعوة غير المسلمين لحضور اعيادهم أمر مباح اذا قصد من ورائه ادخال الفرحة عليهم وتأليف قلوبهم على الاسلام، وقال ان حضور اعياد غير المسلمين استجابة لدعوة منهم من مســـائل الفقه التي يسعها الخلاف، مشيرا الى ان العلماء اختلـــفوا فيما بيـــنهم فمنهم من ينهى عن حضور اعيادهم خوفا من ان يكون فيه اقرار لهم ورضا بما فيها من منكرات، ورأى أنه لا خلاف في ان اقرار اعياد غـــير المســلمين والرضا بها من اعظم المحرمات غير ان من العلــماء من اباحها لما في ذلك من بر بهم وتأليف لقلوبهم.
وقال ان رفض دعوة غير المسلمين لحضور اعيادهم ينفرهم ويصرفهم عن الحق، مضيفا: نحن مطالبون ببث الخير للناس ولا سبيل لعرض ما عندنا من هدى وخير الا بتطييب النفوس وتهدئتها لنرى الحق فنهتدي إليه.
المهري: يجوز تهنئة الكتابيين بأعيادهم ولا مانع من الصلاة في الكنائس
قال وكيل المرجعيات الشيعية في الكويت السيد محمد باقر المهري: حسب روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام لا بأس للمسلمين ان يصلّوا في البيع والكنائس للاخوة المسيحيين وان كان من غير إذن أهلها كسائر مساجد المسلمين فإن المشهور والمعروف عند علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية جواز الصلاة من غير كراهة في الكنائس فقد دل صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام عن البيع والك نائس يُصلى فيها، قال عليه السلام: نعم، قال وسألت الإمام الصادق عليه السلام: هل يصلح بعضها مسجدا؟ فقال: نعم، (كتاب التهذيب للشيخ الطوسي ج2 ص222).
وظاهر هذه الرواية بمقتضى الاطلاق عدم الحاجة الى الرش بالماء (راجع كتاب الصلاة للإمام الخوئي ج13 ص205 في باب الصلاة في الكنيسة) وفي رواية الحكم ابن الحكم قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول وسئل الصادق عليه السلام عن الصلاة في البيع والكنائس فقال صل فيها قد رأيتها ما أنظفها، قلت: أيصلى فيها وان كانوا يصلون فيها؟ قال عليه السلام: نعم، أما تقرأ القرآن (قل كلّ يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا)، صلّ الى القبلة وغربهم (وسائل الشيعة ج5 ص138) أبواب مكان المصلى.
وأنا شخصيا أديت صلاتي الظهر والعصر في الكنيسة الكبيرة في الفاتيكان قبل عدة سنوات من دون ان يعترض علينا أحد. وقال الإمام المرجع الديني السيد السيستاني ـ دام ظله ـ في كتاب الفقه للمغتربين ص22 يجوز تهنئة الكتابيين من يهود ومسيحيين وغيرهم، وكذلك غير الكتابيين من الكفار بالمناسبات التي يحتفلون بها أمثال: عيد رأس السنة الميلادية، وعيد ميلاد المسيح عليه السلام، وعيد الفصح، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: وان جالسك يهودي فأحسن مجالسته (وسائل الشيعة ج12 ص201). وكان الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لم يميّز بين المسلم وغيره في دولة الإسلام وقد مرّ الإمام بشيخ مكفوف كبير يسأل الناس فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما هذا؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين نصراني، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: استعملتموه حتى إذا كَبر وعَجز منعتموه، أنفقوا عليه من بيت المال، (التهذيب للطوسي ج6 ص292). هذا هو رأي مذهب أئمة الحق عليهم السلام بالنسبة إلى التعامل مع الاخوة المسيحيين وغيرهم، فعلى الغرب ان يتعرفوا على هذا المذهب ويحكموا على الاسلام من خلال سيرة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده المعصومين عليهم السلام.
دعاة لـ «الأنباء»: أصول الدين لا ينبغي التهاون فيها بحجة تأليف القلوب
ضاري المطيري
في المقابل استنكر عدد من العلماء والدعاة إجازة إجابة دعوة غير المسلمين لحضور أعيادهم إذا قصد منها إدخال الفرحة عليهم وتأليف قلوبهم على الإسلام، واعتبروها فتوى تفتقر إلى المستند الشرعي، موضحين أن تأليف القلوب لا يكون بتهنئتهم في أعيادهم التي أقيمت على الباطل والشرك بالله. وأكدوا لـ «الأنباء» أن جميع نصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية وعمل الأمة الإسلامية، كلها دلت على حرمة مشاركة المشركين وأهل الكتاب من يهود ونصارى وغيرهم في أعيادهم وشعائر دينهم، كما في قوله تعالى (والذين لا يشهدون الزور)، لأن فيها معنى الرضا والإقرار بها، مؤكدين على أن أصول الدين لا ينبغي التهاون فيها بحجة تأليف القلوب.
في البداية أوضح رئيس اللجنة العلمية التابعة لجمعية إحياء التراث الإسلامي الشيخ د.محمد النجدي أن نصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية وعمل الأمة الإسلامية، كلها دلت على حرمة مشاركة المشركين وأهل الكتاب من يهود ونصارى في أعيادهم وشعائر دينهم، ومن ذلك قوله تعالى في وصف عباد الرحمن (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما)، حيث قال مجاهد والربيع بن أنس وعكرمة وغيرهم ان المقصود هو: أعياد المشركين، كما في تفسير ابن جرير وغيره، وهذا لما فيه من الباطل والمنكر والفواحش والخنا، كما هو معلوم ومشاهد.
وتابع قائلا: وأما من السنة فروى أنس بن مالك قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدنية ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «ما هذان اليومان؟» قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر» متفق عليه، ووجه الدلالة من الحديث: أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال «إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين» والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه. واضاف د.النجدي: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة (مكان)، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟» قال: لا، قال: «فهل كان فيها عيد من أعيادهم» قال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم» رواه أبو داود، وإسناده على شرط الشيخين، وهذا الحديث يدل على أن الذبح بمكان عيدهم ومحل أوثانهم، معصية لله تعالى.
وأضاف أن المشاركة لهم في أعيادهم واحتفالاتهم الباطلة مشابهة لهم، وموالاة لهم ولذويهم، وقد قال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى» رواه الترمذي بسند حسن، وقال أيضا: «ومن تشبه بقوم فهو منهم» رواه أحمد.
وزاد أن شيخ الإسلام ابن تيمية قال في بيان خطورة هذه الأعياد على الأمة «والمحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرهم عليها، أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها، فإن الأمة حذروا مشابهة اليهود والنصارى، وأخبروا أن سيفعل قوم منهم هذا المحذور، بخلاف دين الجاهلية، فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر، منذ اخترام أنفس المؤمنين عموما»، وقال في موضع آخر ما معناه «الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب، من اعتقادات وإرادات وغير ذلك، وأمور ظاهرة: من أقوال وأفعال قد تكون عبادات، وقد تكون أيضا عادات في الطعام واللباس والنكاح والمسكن، والاجتماع والافتراق، والسفر والإقامة، والركوب وغير ذلك، وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر، من سائر الأعمال يوجب للقلب شعورا وأحوالا، وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، وشرع له من المناهج والشريعة ما يخالف سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأمر بمخالفتهم في هديهم الظاهر، لما في مشابهتهم من المفاسد، ومنها أن المشاركة في الهدي الظاهر، تورث تناسبا وتقاربا بين المتشابهين، وهذا خلاف المعاداة التي أمر الله تعالى بها المؤمنين، ومنها أن المشاركة في الهدي الظاهر، توجب الاختلاط، وارتفاع التمييز بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين، ومنه أن اتباع هديهم سبب للخسران وغضب الله تعالى وسخطه، فالمشارك لهم فيه مشارك لهم في أسباب الغضب والخسران في الدنيا والآخرة، وكلما كان القلب أتم حياة، وأعرف بالإسلام ظاهرا وباطنا وليس مجرد التسمية به كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطنا وظاهرا أتم، وبعده عن أخلاقهم وعاداتهم أشد».
لا ينبغي التهاون
بدوره استنكر الداعية داود العسعوسي فتوى قيس آل الشيخ، وقال انه لا يعرف لهذه الفتوى مستندا شرعيا، لافتا إلى أن تأليف القلوب لا يكون بتهنئة أهل الكتاب في أعيادهم التي أقيمت على الباطل والشرك بالله، وإنما يكون التأليف بمعاملتهم بالحسنى في الأمور العامة.
التأليف في الأمور المباحة
أما الداعية د.خالد السلطان فقال: أما بالنسبة لحضور أعياد المشركين فلا يجوز جملة وتفصيلا، وذلك لأنها من الزور والبهتان والافتراء على الله، قال تعالي (والذين لا يشهدون الزور)، وقال تعالي (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه)، وقال الله لرسوله اذا جلس الكفار وتكلموا بالباطل واللغو والزور «فلا تقعد معهم»، فأين من يفتي بجواز المشاركة في أعياد المشركين من هذه الأدلة، فالتأليف الجائز للقلوب إنما هو في الأمور المباحة وليس فيما حرم الشارع، فكفى تضليلا للأمة يا من تنسبون للعلم، وصدق رسول الله يوم حذر الأمة من المضلين.
لسنا أرحم وأرفق من النبي صلى الله عليه وسلم
وأوضح رئيس قسم العقيدة والدعوة بكلية الشريعة ـ جامعة الكويت د.بسام الشطي أن النصارى يحتفلون بولادة عيسى ابن الله أو ثالث ثلاثة وقد كفرهم الله عز وجل في سورة المائدة، وغضب الله تبارك وتعالى من هذا القول كما قال (وقال اتخذوا الرحمن ولدا. لقد جئتم شيئا إدا، تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا)، وهذه القضية ليست حديثه فكانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخير القرون وأئمة وعلماء فلم يشاركوهم بهذه التهنئة وهم ارفق وارحم منا، بل كانوا مدرسة الأخلاق، وكانوا يعطونهم الهدايا والطعام، حتى الزكاة شرعت بسهم المؤلفة قلوبهم، فلا نظهر أننا أفقه وأرفق وارحم وأعلم من القرون السالفة ولا نخضع لتأثيرات العولمة.
لا عبرة بكلام البشر
وأما الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الداعية محمد العصيمي فأشار الى أنه لا عبرة بقول أحد مع كلام الله ورسوله، لافتا إلى أن الاحتفال بأعياد الكفار فيه عدة محاذير، أولها أنها من صور موالاتهم ومحبتهم، والموالاة ليست مسألة فقهية يسع فيها الخلاف بل هي من مسائل الاعتقاد التي قد تصل إلى حد نواقض الإسلام، وثانيا أنها من الأعياد التي منشؤها الكفر بالله عبر نسبة الولد إليه.
وتابع أنه لا فرق بين التشبه بصلاة النصاري وصيامهم وبين الاحتفال بأعيادهم، بل صورة الاحتفال بالأعياد أظهر من الصلاة لأن أثرها أبرز وأوسع فلا يختص بالأفراد وإنما يعم الجميع، ورابعا أن تهنئتهم من التعاون على الإثم والعدوان، وخامسا أن النفوس مجبولة على حب من شاكلها في اللباس والهيئة فكيف بالاحتفال بأعيادها؟
وأضاف العصيمي أن من هذه المحاذير الشرعية أيضا أن فيها إظهارا للضعف والتبعية للكفار والانهزامية، كما أن التعامل مع الكافر غير المحارب في الأمر الدنيوية مباح ولا علاقة لتهنئتهم بأعيادهم الشركية وعليه فلا يجوز مداهنتهم لأجل الخشية من نفرتهم، وخير من هذه المداهنة أن نحرص على دعوتهم وهدايتهم لا أن نتنازل عن ثوابتنا وديننا.
من جهته، قال الداعية أحمد الكوس: لا يجوز التشبه بالكفار والذهاب إلى احتفالاتهم بما يسمى الكريسماس ونهاية العام الميلادي، مضيفا انه لا ينبغي للمسلم أن يتنازل عن دينه ويكون انهزاميا وتابعا للكفار أو يوافقهم في مناسباتهم البدعية والشركية ومنها التثليث والشرك والأعياد وحضور تلك الحفلات، خصوصا اذا حصل فيها اختلاط وممارسة بعض المحرمات.
وبالنسبة لما نسب الى بعض المشايخ فهو مخالف لكلام ابن تيمية وابن القيم وابن باز وابن عثيمين، واعتقد ان المسلم إذا أراد دعوة غيره من غير المسلمين فيستطيع إرشادهم ودعوتهم إلى الإسلام في غير المناسبات وبشرط أن يكون الداعي مؤثرا لا متأثرا وصاحب علم ودعوة، ونتمنى من المشايخ التفصيل في هذه المسائل حتى لا يلتبس على عموم المسلمين ويظنوا جواز الذهاب إلى احتفالات غير المسلمين وما يسمى الكريسماس وأعياد الميلاد، وعلى وسائل الإعلام عدم بتر فتاوى العلماء والمشايخ.
ونقول لمن يقول بجواز مشاركة المشركين وأهل الكتاب في أعيادهم أين أنتم من الآيات الحكيمة والأحاديث الشريفة، وكذلك أحاديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه والتي قال في أحدها: «اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم» رواه البيهقي بسند صحيح، والله أعلم.
وفي الإطار ذاته، أكد الداعية فيحان الجرمان والداعية حاي الحاي ان حضور أعياد الكفار غير جائز وهو محرم، وأعياد الكفار ليس بأمر حادث في هذا العصر أو أمر جديد بل هي قديمة الجذور فهي أعياد يحتفلون بها ويجتمعون عليها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدرك ذلك ويعلمه ومع ذلك لم يحضر صلى الله عليه وسلم أعياد الكفار ـ مع علمه بها ـ من باب تأليف القلوب وهو أحرص الناس على هدايتهم من هؤلاء الذين يجيزون الذهاب إلى مشاركة الكفار في أعيادهم.
من جهته، أكد رئيس لجنة الفتوى في جمعية إحياء التراث الاسلامي الداعية ناظم المسباح انه لا يجوز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، وهو حرام باتفاق علماء الأمة، كما نقل عن ابن القيم ـ يرحمه الله ـ في كتاب أحكام أهل الذمة، وكذلك علماء الامة المعاصرون، لأن في ذلك إقرارا لما هم عليه من شعائر الكفر ورضا به لهم.
وزاد: ان كان البعض يقول انه لا يرضى بهذا الكفر لنفسه ولا يقره، فإنه يحرم عليه أن يهنئ غيره لأن الله تعالى قال (ان تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وان تشكروا يرضه لكم)، وقال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا).
وأكد المسباح ان تهنئتهم بذلك حرام سواء كان ذلك مشاركة أم لا، موضحا انه يحرم على المسلمين التشبه بالكفار وإقامة الحفلات أو تعطيل الأعمال.
ولفت المسباح الى ان هذا لا يمنع من التعامل الحسن مع غير المسلمين، ولكن ينبغي أن يكون وفق ضوابط شرعها الاسلام كالإحسان للجار وزيارة المريض والعزاء بالميت وحرمة الدماء والاموال والاعراض.
لا يجوز
ويتفق الباحث الاسلامي صالح الغانم مع ما قاله الداعية المسباح في انه لا يجوز للمسلم ان يحتفل بأعياد الديانات الاخرى، كما لا يجوز تهنئتهم بأعيادهم. وقال: أنصح من يتكلم عن هذا الموضوع ان يرجع الى شيخ الاسلام ابن تيمية في كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم»، وينظر ما أورده عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين في حكم الاحتفال بأعياد أهل الكتاب وتهنئتهم.
محرم بالكتاب والسنّة
وفي الاطار ذاته، يقول عضو الإفتاء في جمعية احياء التراث الاسلامي محمد السنين لا يجوز للمسلمين مشاركة غير المسلمين في أعيادهم بأي صورة من صور المشاركة سواء بالحضور أو التهنئة أو تبادل الهدايا أو إظهار الفرح والسرور، لأن ذلك محرم بالكتاب والسنّة والإجماع واتفاق علماء الامة لقوله تعالى (والذين لا يشهدون الزور) قال العلماء الزور أعياد المشركين، وهذا مدح من الله لعباد الرحمن بترك مجرد الشهود برؤية أو سماع فكيف بالموافقة أو عمل الزور؟ وأما السنة فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المشركين»، ويقول «من تشبه بقوم فهو منهم».