دانيا شومان ـ ندى أبونصر
لم يكن من الصعب علينا ان نخرج وبعد جولة شملت اكثر من 5 اسواق نتفقد التنزيلات التي شملت مختلف المحلات وذلك في نهاية العام بحقيقة واحدة وهي ان أغلب البضائع التي تشملها التنزيلات عادة هي مجرد بضاعة مخزنة او كما تسمى بعرف الباعة وأصحاب أسواق الملابس بـ «الستوكات»، وهي الحقيقة التي استطعنا استنتاجها من عدد من الباعة الذين تحدثوا إلينا بصراحة وعدد من المشترين الذين التقينا ببعض منهم خلال الجولة، وهذا لا ينفي بالطبع وجود محلات تقدم تنزيلات حقيقية ولكنها وبحسب ما توصلنا اليه قليلة جدا مقارنة بالأغلبية التي تستخدم التنزيلات كوسيلة تسويقية أكثر من كونها تنزيلات حقيقية.
أحد الباعة والذي يعمل في أحد الأسواق الشعبية التي تقع بمنطقة حولي كشف لنا عن ان جميع البضاعة التي تشملها التنزيلات والتي تصل الى 75% هي عبارة عن أشياء مخزنة بعضها يعود الى العام 2008 وجميعها من صناعة بلد عربي وظلت في المخازن لأكثر من عامين وطوال تلك الفترة وأصحاب السوق يعرضونها في مواسم التنزيلات كمثل هذه الأيام من أجل تصريفها وليس من أجل البحث عن الربح بل بيعها بسعر التكلفة.
تقسيم البضاعة
بائع آخر أكد لنا ان محل الملابس الذي يعمل به يقوم بتقسيم البضاعة المعروضة الى جزءين الأول هو المشمول بالتنزيلات وغالبا ما يشمل الملابس الكاسدة القديمة والجزء الثاني للبضاعة الحديثة وتكون غير مشمولة بالتنزيلات، فيما يؤكد بائع ثالث ان أكبر دليل على ان البضاعة المشمولة بالتنزيلات هي بضاعة «ستوك» انها لا تأتي بجميع المقاسات بل تأتي اما بمقاسات صغيرة للغاية او بحجم كبير، حيث ان أغلب البيع يرتكز على المقاسات المتوسطة وهي التي يكثر عليها الطلب من الزبائن كونها تناسب الشريحة التي تكون مقاساتهم بين المتوسط (m) و(l) بينما نجد بحسب قوله ان كثيرا من البضاعة المعروضة للتنزيلات إما (xxl) او أكبر او بمقاسات صغيرة للغاية، وبالتالي يؤكد كما أكد زملاؤه ان أغلب عروض التنزيلات تلك لا تخلو من الخدعة التسويقية بشكل او بآخر.
موضات انتهت
اما أفضل وصف قدمه المشترون الذين التقينا بهم فهو وصف «أم محمد» التي قالت في تعليقها وهي تتحدث لنا بينما كانت تقف أسفل لافتة بوسط أحد محلات الملابس المكتوب عليها «تنزيلات حتى 75%»، كل الملابس المعروضة موضتها انتهت من سنين.
اللقاء الأول كان مع أحد الباعة في احد الأسواق الشعبية في منطقة حولي والذي وبعد محاولة اقناع بسيطة تحدث الينا بكل صراحة، سألناه عن حقيقة اللافتات المنتشرة في السوق والتي تحمل عبارة واحدة «تنزيلات حتى 75%»، وقال: «لا يمكن ان أصف هذه التنزيلات سوى انها ليست حقيقية، لأن أغلب الملابس المعروضة ملابس وأحذية واكسسوارات قديمة جدا، وهي التي نسميها «ستوكات» او بالأصح بضاعة كاسدة في المخازن، وكان السوق قد استوردها منذ العام 2008 وأغلبها لم يتم تصريفه، فعادة السوق الذي نعمل به يقوم باستيراد كميات كبيرة من الملابس قبل مواسم الأعياد وتحديدا عيدي الفطر والأضحى ولكن أحيانا لا يتم تصريف الا اقل من 50% من تلك البضاعة فتعود كمية الـ 50% الأخرى إلى المخازن وتبقى أحيانا لفترات طويلة، ومثل هذه البضاعة يقوم أصحاب الأسواق بعرضها تحت بند «تنزيلات» أو «تنزيلات كبرى» أو تنزيلات 75% وغيرها، والتنزيلات هنا من حيث القيمة السعرية حقيقية، فمثلا هناك فستان كان يباع بموسم العيد بـ 10 دنانير، لكنه ولأنه تحول الى بضاعة مخزنة أو «ستوك» فعندما يعيدون عرضه يكتبون ان التنزيلات عليه 75% وبالفعل يقومون بعرضه بسعر دينارين ونصف الدينار أي ان التنزيلات حقيقية من حيث القيمة السعرية ولكن الفستان نفسه هنا بضاعة كاسدة مخزنة، فهناك أمر حقيقي في مسألة التنزيلات والأمر عبارة عن خدعة، فهو ليس جديدا أو انه لا يتبع خط الموضة.
تنزيلات حقيقية
حمدان سيد يعمل بائعا في محل ملابس بالفروانية لم يمانع من الحديث معنا وعرض وجهة نظره قائلا: التنزيلات في محلنا حقيقية، ولكن هناك نوعين من البضاعة لدينا في المحل: بضاعة مشمولة بالتنزيلات وأخرى غير مشمولة بالتنزيلات، وهذا أمر تعمل فيه أغلب المحلات الكبرى، بل هو أمر وعرف عالمي في أغلب الأسواق، ولا توجد به خدعة، فهناك بضاعة طازجة «لتوها وصلت» وأخرى عمرها نحو 6 أشهر وهي التي تشملها التنزيلات، والتنزيلات التي نعرضها حقيقية 100%، فما كان سعره 50 دينارا اليوم تجده يباع بـ 15 و20 دينارا، وكثير من الزبائن يقبلون على الملابس المعروضة في التنزيلات، والبعض يفضل أن يواكب الموضة ويذهب الى القسم غير المشمول بالتنزيلات، وزبائننا يعرفون هذا ويعونه جيدا، ولا توجد في الأمر أي خدعة.
ستوكات
بائع ثالث رفض ذكر اسمه كالبائع الأول نظرا للحقيقة المرة التي يكشفها عن ممارسات المحل الذي يعمل به في التحايل على الزبائن في مسألة التنزيلات قائلا: في محلنا جميع البضاعة المعروضة تحت لافتات التنزيلات هي بضاعة كاسدة أو كما تعرف انها بضاعة «ستوكات» ويجد أصحاب بعض المحلات وبعض تجار الجملة في مواسم التنزيلات خاصة تنزيلات آخر العام كهذه الأيام أو تنزيلات الصيف أو ما تعرف باسم تزيلات السفر فرصة لتصريف البضاعة الكاسدة في مخازنهم من الملابس.
ويوضح البائع الثالث: أكبر دليل على ان البضاعة المعروضة في التنزيلات هي بضاعة ستوكات ان اغلبها يأتي بمقاسات غير متوافرة للجميع، فمثلا الملابس التي تباع في الكويت تتبع القياسات الثلاثة المعروفة وهي صغير (s) ومتوسط (m) وكبير (l) ولكن هناك مقاسات لا تباع لأنها لا تناسب المقاسات الثلاثة الأكثر طلبا في الكويت ولا تجد لها مشترين فهناك (xs) أي صغير جدا وهناك (xl) كبير جدا و(xxl) كبير جدا جدا، ولأنها لا تجد من يشتريها فنجدها تتحول الى ستوكات أو بضاعة لا تباع فتعود الى المخازن، ولو تلاحظون ان أغلب المعروض من الملابس كمية بسيطة جدا من المقاسات العادية ولكن أغلبها من المقاسات التي لا تباع، وهذا أكبر دليل على ان بعض المحلات لا تعرض في موسم التنزيلات سوى الستوكات، من أجل تصريفها بأي سعر كان، فالتنزيلات في أغلب المحلات هي وسيلة للتخلص من البضائع الكاسدة أو ما يعرف في السوق باسم «ستوكات».
ويمضي قائلا: «ولكن حديثي لا ينفي ان هناك محلات ملابس في أسواق الكويت تعرض تنزيلات حقيقية، وأعني المحلات الكبرى والمعروفة فتلك المحلات تقدم التنزيلات الحقيقية وما تعرضه حقيقي، ولكن للأسف كثير من الأسواق خاصة المحلات الشعبية تستغل موسم التنزيلات من أجل تصريف الكاسد».
موضة منتهية
خلال الجولة التقينا بأم محمد الهادي (37 عاما) والتي قدمت وصفا لما رأته خلال جولتها الخاصة على اكثر من محل يقدم تنزيلات على بضائعه، وبدأت حديثها وهي تقف أسفل لافتة كبيرة كتب عليها «تنزيلات 75%»: كل المعروض والمشمول بالتنزيلات موضة قديمة، وبعضها اكتشفت ان به عيوبا مصنعية، أعني ليست ظاهرة أو واضحة ولكنها عيوب في الخيوط أو في الألوان أحيانا، وأنا مررت على اكثر من 10 محلات، في يوم واحد ومن بين المحلات الـ 10 لم أجد سوى محل واحد فقط يقدم تنزيلات حقيقية، أما المحلات الـ 9 الباقية فوجدت انها كما قلت مجرد خدعة فهي إما بضاعة قديمة وموضتها منتهية منذ سنوات او ان بها عيوبا مصنعية او انها متوافرة بمقاسات محدودة.
تأخر الشتاء وتنزيلات حقيقية
أطرف ما توصلنا اليه خلال التحقيق هو اننا وجدنا محلا يقوم بعرض تنزيلات حقيقية بحسب ما يؤكد صاحب المحل والسبب في ذلك عائد للطقس ولا شأن له بالتصريف أو التسويق أو حتى بموسم التنزيلات، وهو ما يكشفه محمد العبد (54 عاما) بائع في محل ملابس رجالية ومتخصص في بيع البدل والجاكيتات والبالطوات التي عادة ما يقبل عليها الرجال في موسم الشتاء، ويقول العبد في حديثه لنا: «نحن اضطررنا لأن نعمل تنزيلات وليس بمزاجنا، وخاصة أن البرد تأخر دخوله كثيرا ودرجات الحرارة لاتزال معتدلة وبين الـ 18 والـ 22 مئوية في النهار، وهو طبعا ما تسبب في عزوف الزبائن عن شراء الجاكيتات الشتوية لذا وجدنا أنفسنا مضطرين لأن نعمل تنزيلات وتبلغ نسبة تنزيلاتنا الـ 60% بل وتصل إلى 80%، لأننا لم نجد من يشتري البدل الشتوية والجاكيتات والبالطوات، فنسبة الإقبال لا تتعدى الـ 10% من الزبائن على الشراء فكما ترون لا يوجد برد والشتاء هذا العام دافئ جدا، ولسنا وحدنا المتضررين بل حتى باعة الدفايات الكهربائية وتلك التي تعمل بالغاز أو الكيروسين هم الآخرون يعانون هذا العام من قلة الإقبال بسبب تأخر دخول البرد».
وحول الأسعار يقول العبد، مشيرا إلى أحد الجاكيتات الألمانية المصنوعة من جلد الشاموا البني: «لو كنا في موسم جيد ودخل البرد في موعده هذا العام لكان سعر هذا الجاكيت الفاخر 90 دينارا ولكننا اليوم نعرضه بـ 38 دينارا وهو لا يوازي حتى سعر التكلفة الكاملة».
الدفايات وخصم الـ 50%
بعد أن تركنا محمد العبد توجهنا إلى محل قريب متخصص في بيع الادوات الكهربائية ووجدنا أن التنزيلات على الدفايات الكهربائية تصل إلى 50%، وأكد الباعة في المحل ذات الحديث الذي رواه لنا العبد عن تأثير تأخر دخول البرد على مبيعات الدفايات.
بعض اصحاب المحلات تمنوا ان يكسر الزبائن قاعدة «الفرجة» ويتخذوا قرار الشراء وهذا ربما يعود لميزانية الأسرة التي لا تتحمل أي أعباء جديدة مع ضغوطات الحياة والمتطلبات الكثيرة التي لها بداية وليس لها نهاية ومع اقتراب نهاية العام.
كل شيء غال
تقول سلمى عثمان وهي طالبة جامعية انها تتردد على الأسواق منذ اسبوع تقريبا دون أن تقوم بشراء أي شيء لأن كل شيء غال على الرغم من الكتابة على الواجهات «تنزيلات» ولا يوجد أسعار منخفضة سوى الموديلات القديمة التي هي تصفيات بينما كل ما هو جديد ويواكب الموضة لا تشمله هذه التنزيلات ولهذا نضطر لأن نقوم باقتباس اشكال وأفكار الموديلات ونقوم برسمها ومن بعدها نقوم بشراء قماش ونقوم بتفصيله وهكذا يكون قد كلفنا أقل بكثير من سعره الأساسي. ومن جانبها تؤكد شيماء عبدالله أنها ايقنت أن الاوكازيون هو مجرد وهم للزبون لا وجود له.
وانها نزلت قبل بدء الأوكازيون بأسبوع وكتبت على ورقة صغيرة أسماء المحال التي بها الموديلات التي اعجبتها بالإضافة إلى اسعارها وعندما بدأ الاوكازيون ذهبت الى تلك المحال حتى تقوم بشراء ما اعجبها الا انها وجدتهم قد رفعوا من اسعار الموديلات ليوهموا الناس بأنه مع الأوكازيون تم تخفيضها رغم ان سعرها بعد التخفيض هو سعرها الأساسي الذي كان قبل الأوكازيون.
ويتابع محمد جمال: ان التخفيضات في الاسواق هي فرصة جيدة لشراء لوازم وملابس اطفاله وحتى بمقاسات كبيرة تناسبهم في السنة القادمة وبالأخص أن جميع محلات الماركات لا يمكن الشراء منها الا في التخفيضات لغلاء اسعار الملابس فيها وبهذا يكون قد كسب ان يلبس اطفاله افضل الماركات والملابس الجميلة وبأسعار مناسبة.
حيلة على الزبائن
من جانبه، يقول سليم المصري ان التنزيلات في الاسواق هي حيلة على الزبائن لكي يقوم اصحاب المحلات بتصفية كل ما هو عندهم قديم من موديلات ليتخلصوا منها بأسعار زهيدة.
وبما ان ميزانية الأسرة اصبحت لا تسمح بزيادة المصاريف فإن ربة المنزل تضطر إلى أن تنتظر التنزيلات لتقوم بشراء لوازم اطفالها من ملابس وغيرها لكي تقتصد قليلا في المصاريف ولكي تستطيع ان تحقق توازنا بين الدخل وارتفاع الاسعار.
من جانبها، تزيد ام عبدالله انه في الأوضاع الاقتصادية الراهنة من الضروري دائما تعديل بعض الأولويات للصرف وطبعا يعتمد هذا على عدد أفراد الأسرة وأعمارهم.
فلكل فئة أولوياتها ويجب من وقت لآخر ان ينفق افراد الأسرة على الأشياء المهمة بالنسبة إليهم ووضعها ضمن الميزانية وانتظار التنزيلات للقيام بشراء ما يحتاجون إليه ولكن ايضا حسب الأولويات لأنه على الرغم من التنزيلات فإن كل شيء غال ومن لديه عدد من الأولاد فالأمور تختلف لديه وتصبح الميزانية مختلفة وبحاجة الى تدبير جيد.
إغراءات مبالغ فيها
ويوضح ابراهيم شهاب انه يرفض الشراء في مثل هذه الفترة التي تكثر فيها التخفيضات لأن هذه الإغراءات المبالغ فيها تدفعه الى شراء ما لا يحتاج إليه، وما لا يناسبه وهذا لا يعني التوفير بل العكس فإنه يعتبر اسرافا لشراء اشياء غير ضرورية فقط لأنها بسعر ارخص.
وتقول بثينة محمود انها لا تحب هذا الموسم ولا تفضل الشراء فيه، وذلك بسبب الازدحام الهائل في المحلات وتسابق الناس على اقتناص الملابس، الأمر الذي يجعلها عاجزة عن التسوق والبحث بتمعن عن مستلزماتها، وتضيف قائلة اشك في نوعية البضاعة التي تعرض في موسم التنزيلات فيما اذا كانت هذه هي البضاعة الأصلية أم انها بضاعة مكدسة في المخازن.
بينما تقول فرح محمود ان الشراء في هذه الفترة له حسناته ومساوئه مشيرة الى ان هناك مبالغة كبيرة في اسعار الملابس وخاصة ذات العلامات التجارية المشهورة عندما تقارن ما قبل التنزيلات وبعده، وتقول اكون فخورة عندما اشتري ملابس في موسم التنزيلات بأنني استطيع ان اواكب احدث صيحات الموضة وبأسعار مناسبة.
وأضافت ام راشد انها تستغل موسم التخفيضات لشراء كل مستلزماتها المنزلية سواء ادوات كهربائية او اثاث او ملابس لأنها تعتبر التخفيضات فرصة لكل اسرة يجب استغلالها بالأخص في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة ومع احتياج كل اسرة الى تدبير جيد لكي تكفي الميزانية المحددة لها.
وتزيد ان الادارة الحكيمة لكل اسرة هي التي تجعلها تتجاوز المضايقات المادية بوضع اولويات للمشتريات واستغلال فرصة التنزيلات للقيام بشراء جميع اللوازم.