هناك عدد من الشخصيات التي تواصل عطاؤها وتراكم رصيدها لتؤكد أن هذا الوطن منجب دائما، وأن المجتمع الكويتي يفرز عادة كفاءات عالية وشخصيات مستنيرة تقود حركته وتوجه مسيرته وترشد تفكيره وترتقي بوضعيته، واللافت للنظر أكثر هو أن إحدى تلك الشخصيات المتميزة تعمل غالبا على إنكار للذات في حب الوطن والتعايش المستمر مع مشكلاته ومواجهة قضاياه والتلاحم المتواصل مع مسار انجازاته. ورغم أن تلك الشخصية لا تشغل مناصب رسمية لكنها تحتل موقعا في قلوب الناس. وحدة تقارير الشخصيات في مركز اتجاهات للدراسات والبحوث (اتجاهات) الذي يرأسه خالد المضاحكة تقدم صورة قلمية عن تلك الشخصية وهي الشيخة «أمثال الأحمد الجابر الصباح»، رئيسة مركز العمل التطوعي، باعتبارها تجسيدا لزخم ضخم من الأفكار البناءة والرؤى المتجددة والمبادرات الواقعية بشأن قضايا تهم الوطن.
تأصيل العمل التطوعي
إن إحدى البصمات التي لا تمحى للشيخة أمثال الأحمد هي ترسيخ ثقافة العمل التطوعي في الكويت، فالأوطان تبنى بسواعد وتكاتف مختلف أفراد المجتمع. ووفقا لرؤيتها، فإن تجذير البعد التطوعي الجماعي المبادراتي في المجتمع الكويتي ـ أو أي مجتمع آخر ـ يرتبط ارتباطا وثيقا بالأبعاد الاجتماعية والسياسية بل والنفسية للمواطنة، ويعبر عن الرقي الحضاري الذي يصل إليه المجتمع الكويتي، لأن المجتمعات المتطورة والبلاد المتقدمة هي التي تجد فيها العمل التطوعي منهجا واضحا وهدفا يسيرا واسع الانتشار، ويقاوم الفلسفة المادية القائمة على «الأجر مقابل العمل».
وتعتبر الشيخة أمثال مسألة العمل التطوعي شأنا خاصا بكل فرد في المجتمع الكويتي، لا تنظمه اللوائح الحكومية الصارمة أو تسيطر عليه البيروقراطية الإدارية الخانقة، ولا تسيره اللجان ولا تشرف عليه المجالس ولا تحكم فيه رقابة الدولة، وإنما محركها الأساسي الشحنات الإنسانية والطاقات الكامنة داخل كل فرد في البلاد، والذي يهدف من وراء تطوعه سواء بالوقت أو الجهد أو الفكر أو المال الى الارتقاء بحال وطنه من دون مقابل ينتظره، لاسيما أن المواطن الكويتي قادر على تنظيم نفسه وصنع المستحيل لوطنه، وهو ما تجسد خلال مرحلة الغزو العراقي الغاشم للوطن.
ترسيخ النضال البيئي
ارتبط أسم الشيخة أمثال في الذهن الكويتي العام بالعمل المتواصل في مجالات حماية البيئة وصون الطبيعة في الكويت، والتي تصاعدت مشكلاتها، خلال السنوات الماضية، لدرجة لم يعد من الممكن تجاهلها أو غض البصر عنها، ورغم المسؤولية الحكومية عن تلك المشكلات، إلا أن هناك مسؤولية موازية للتعاون المجتمعي، وهو ما أقدمت عليه عبر جهودها الداعمة لتغيير الثقافة البيئية في الكويت، خاصة في ظل عدم الإدراك وضعف الوعي بقضايا البيئة ومشكلاتها الحالية وتداعياتها المستقبلية، والبحث عن حلول غير تقليدية للتعامل معها، وهو ما يتمثل في إعادة النظر في جميع السياسات العامة للدولة من خلال إدماج «البعد البيئي» في تلك السياسات. وبذلك فإن خطوة البدء في التعامل مع مشكلات التلوث البيئي، وفقا لتصورها، تتمثل في وضع برنامج شامل للتوعية والتثقيف بقضايا ومشكلات البيئة، مع ضرورة التركيز على أن يكون هذا الأمر على كل المستويات مع التركيز بوجه خاص على النشء في المدارس والشباب في الجامعات. ومن ثم لابد من خلق هذه الثقافة لتكون جزءا من حياة الفرد اليومية بشكل يجعل من احترام البيئة احدى العادات الثقافية والاجتماعية لدى المواطن الكويتي، بخلاف رؤيتها الرامية إلى توسيع المساحات الخضراء لتقليل آثار الملوثات برا وبحرا وجوا، وهو ما اتضح جليا عبر اهتمامها أيضا مع الفريق القومي الكويتي بالثروة السمكية والشواطئ البحرية، وكذلك عضويتها في الكثير من الجمعيات المحلية (جمعيات النفع العام) والدولية المرتبطة بالحفاظ على البيئة، مثل الجمعية الكويتية لحماية البيئة والرئيس الفخري للجمعية الكيميائية الكويتية واللجنة الكويتية المنبثقة عن الجانب الكويتي في اللجنة الكويتية ـ اليابانية لرجال الاعمال والرئيس الفخري في اللجنة الوطنية للاتحاد العالمي لصون الطبيعة.
فضلا عن دعواتها للاستمرار في بناء القدرات الوطنية في عدد من المجالات خاصة مجال دراسات تقويم الأثر البيئي، والذي يعني أن أي منشأة لن تحصل على ترخيص دون أن تكون مستوفية في نشاطها لشروط عدم التلوث، وتدعو إلى أن تكون المناطق الصناعية ـ التي يحتمل أن تكون ملوثة للبيئة موجودة في المناطق الحدودية البعيدة عن السكان.
وتطالب الشيخة أمثال دوما بدعم الشراكة الحكومية مع القطاع الخاص وكذلك المنظمات أو الجمعيات البيئية غير الحكومية (جمعيات النفع العام)، نظرا للدور الذي يقوم به المجتمع المدني في الجهود الرامية إلى زيادة الوعي وحماية البيئة، وبحث الآليات مع الهيئة العامة للبيئة لبحث الآليات التي من شأنها تشجيع مشاركة تلك المنظمات في تنفيذ السياسات والخطط البيئية، بالإضافة إلى تحديد التحديات التي تواجه عمل تلك المنظمات العاملة في مجال البيئة في الكويت وتقديم مقترحات لكيفية التغلب على هذه العقبات.
وفي سياق دعم الشراكة الحكومية مع القطاع الخاص، تم خلال دورات المؤتمر العربي الأوروبي خلال الاعوام الماضية إطلاق جائزة أمثال الأحمد الدولية للبيئة، التي تمنح لأفضل حل تقني تطبيقي يساهم في علاج مشكلات البيئة ليس في الكويت فحسب بل في المنطقة العربية ونشر استخدام التكنولوجيا الآمنة للبيئة، ثم تم توسيع مجال الجائزة لتشمل أفضل مدينة عربية أو أوروبية بيئيا وصحيا، وأفضل شركة بيئية على المستويين العربي أو الأوروبي.فضلا عن ذلك تحبذ الشيخة أمثال المضي قدما في تجربة بناء المحميات الطبيعية، لاسيما أن لها تجربة رائدة في هذا المجال وهي محمية «صباح الأحمد» التي أصبحت ملجأ للمئات من الطيور المهاجرة والكائنات الحية الأخرى والنباتات الجميلة النادرة.
دعم التوجه التنموي
أطلقت الشيخة أمثال الأحمد حملة توعوية بعنوان «نعين ونعاون» من خلال مركز العمل التطوعي بالتعاون مع إحدى الشركات ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وتحتوي على عدد من الأنشطة لرفع همم شرائح المجتمع الكويتي المختلفة، بما يهدف الى تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري، لأن المشروعات سواء التي تقام في داخل الكويت أو تقيمها الكويت في الخارج «صديقة للبيئة». فضلا عن تأكيدها على ضرورة وجود كوادر بشرية مؤهلة لتنفيذ الخطوات والسياسات التي من شأنها تحويل الكويت لمركز مالي.
علاوة على ذلك، تؤكد الشيخة أمثال على أهمية مسألة تضافر الجهود وتكامل الأدوار لتحويل الكويت إلى مركز مالي فهي رغبة من صاحب السمو الأمير قامت الحكومة بترجمتها في خطة التنمية الخمسية (2006/2007-2010/2011) وفق أهداف استراتيجية للتنمية طويلة الأجل حتى عام 2035 ومن خلال آليات تساعد على تهيئة بيئة مناسبة لعمل المركز المالي الإقليمي والذي يكون للقطاع الخاص دور كبير فيه، حيث يقوم بقيادة النشاط الاقتصادي ويشجع على المنافسة، وبالتالي تزيد الكفاءة الإنتاجية في ظل حكومة تعمل على تحقيق التنمية المتوازنة وتوفير بنية أساسية ملائمة وتشريعات متطورة.
أنسنة اليوم الوطني
وبحكم عملها كأمين السر العام في اللجنة الدائمة للاحتفالات بالأعياد الوطنية، تحاول الشيخة أمثال الأحمد الاحتفال بشكل مغاير. ففي 25 فبراير عام 2009، أطلقت حملة «الكويت إنسان»، ومضمونها أن الكويت ليست بلد نفطي فقط بل الكويت بلد الرحمة والإنسانية، وأن يتبين لدول العالم أن احتفال الكويت بعيدها الوطني يأتي في إطار مساعدة الآخرين، من خلال الكشف الطبي عن الجاليات الوافدة والعمالة الهامشية وصرف الأدوية لهم وإنشاء الفصول الدراسية لتعليم الكمبيوتر واللغة العربية لغير الناطقين بها دون أي مقابل مادي. وها هي اليوم تقف من جديد الشيخة أمثال الأحمد بشموخها الوطني للإشراف على الفرق التحضيرية للاحتفال بالذكرى الـ 50 لاستقلال الكويت والذكرى الـ 20 لعيد التحرير، وذكرى مرور خمس سنوات على تولي صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم استعدادا للاحتفالات الوطنية التي ستنطلق خلال أيام وتهدف إلى إبراز الوجه الحضاري لكويت الوحدة الوطنية كويت الدولة كويت الإنسانية.
خلاصة القول إن حسها الوطني يرتبط بالاهتمام بالعمل العام والرغبة في خدمة المجتمع، فما أحوجنا في هذه المرحلة إلى نماذج مضيئة بحجم وقيمة الشيخة أمثال الأحمد في مجالات مختلفة وأنشطة متنوعة، رسمية وأهلية، لتصبح الكويت جوهرة التطور والرقي في المنطقة العربية.