تميزت أسواق الكويتية القديمة بطابع معماري خاص في محالها ودكاكينها التي بقيت شواهد ماثلة عن النشاط الاقتصادي في البلاد بمختلف جوانبه حتى ان قلب مدينة الكويت في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي كان يضم 50 سوقا متخصصا تعبر عن مستوى وطبيعة الحركة الاقتصادية منذ ذلك الوقت.
وقال الباحث والكاتب في التراث الكويتي محمد عبدالهادي جمال لـ «كونا» امس ان اسواق الكويت القديمة تميزت بدكاكنيها غير المرتفعة والمتراصة والمسقوفة من الداخل بخشب الجندل والباسجيل وذات ابواب خشبية عبارة عن (صفاكات) كل واحدة تنثني على الاخرى وغالبية تلك الاسواق مغطاة بسقوف من (العرشان) لوقاية المارة من حرارة الشمس وأمطار الشتاء.
وأضاف جمال ان اسقف الاسواق في اربعينيات القرن الماضي والمقامة من (العري)) ازيلت كلها واستبدلت بـ (الجينكو الحديدي) للوقاية من مخاطر واضرار الحرائق من ضمن الاحتياطات التي اتخذت اثناء الحرب العالمية الثانية.
واوضح ان الاسواق سميت بأسماء البضائع المتداولة فيها او حسب المهن والحرف التي تزاول فيها وكان سوق التجار الممتد من (تل بهيتة) وهو مرتفع مقابل قصر السيف شمالا الى الساحة المقابلة لمسجد السوق يعد مركزا رئيسيا لتوزيع البضائع ويضم كبار تجار الجملة ومستوردي المواد الغذائية الاساسية كالحبوب والارز والتوابل والتمور والالبسة وغيرها من مواد تموينية ومنه توزع هذه البضائع الى بقية الاسواق ومراكز البيع الاخرى.
وذكر انه كان هناك غرب سوق التجار ساحة صغيرة تسمى المناخ كمقر لإناخة الابل الآتية من بادية الكويت وصحراء شبه الجزيرة العربية بينما كان سوق التجار يؤدي من ناحية الجنوب الى ساحة صغيرة تباع فيها الخضراوات بأنواعها فضلا عن الماء ومواد العطارة ويتفرع منها السوق الداخلي والذي لا يقل اهمية عن سوق التجار.
وبين ان السوق الداخلي مثل سوقا رئيسيا للتجزئة تباع فيه مختلف السلع كالمواد الغذائية والاقمشة واللوازم المنزلية ويتفرع منه سوق البدر الذي يحتوي على محلات بيع وشراء اللؤلؤ الى جانب باعة (البشوت) و(الزل) وكانت تقع في بدايته (قيصرية العوضي) لبيع مختلف انواع الاقمشة المستوردة.
وقال الباحث جمال ان (سكة الساعات) كانت تتفرع من الجانب الشرقي للسوق الداخلي اضافة الى سوق (الصنقر) حيث يتم بيع الارز والتمر والمواد التي يقبل على شرائها عرب البادية بينما كان يقع سوق البنات بنهاية السوق الداخلي على شكل دائري تحيط بساحته الدكاكين من كل جانب حيث تباع الاقمشة النسائية ويتمتع بمدخلين اولهما من ناحية الشرق والاخر على سوق اللحم واشتهر في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي بعرض الاقمشة النسائية.
وذكر ان الساحة التي تبدأ بنهاية السوق الداخلي من ناحية الجنوب وسميت بساحة الصراريف كانت تعد بداية لساحة الصفاة واتخذت كمربط للابل وعرض مقتنيات قوافل الصحراء من بضائع موسمية كالاقط والفقع والصوف وازدادت اهمية ساحة الصفاة بعد ان ضاقت ساحة المناخ بالابل لتصبح مركزا تجاريا حتى ما قبل حكم الشيخ مبارك الصباح.
واشار الى ان الحركة التجارية في الكويت بقيت بين شد وجذب الى ان جاء عهد الشيخ مبارك خصوصا بعد توقيعه معاهدة الحماية مع بريطانيا عام 1899 حيث بدأت البواخر بالرسو بانتظام على شواطئ الكويت حاملة معها مختلف انواع البضائع.
واوضح انه كان لذلك الاثر الكبير في اضفاء نوع من الاستقرار النسبي وتوسع النشاط التجاري بشكل لافت وارتفع الطلب المحلي والخارجي على البضائع المستوردة فتوسعت الاسواق وامتدت الساحات لتشمل ساحة الصفاة بكاملها ابتداء من ساحة الصراريف شمالا الى موقع قصر نايف جنوبا ومن موقع المسيل (عبارة عن حفرة تتجمع فيها سيول الامطار) شرقا الى مقبرة (الدهلة) غربا.
واستعرض الباحث جمال بعض الاسواق التي بنيت في عهد الشيخ مبارك ومنها سوق الخضرة والاسواق المتفرعة منه والمحيطة به والتي امتدت غربا الى براحة (السبعان).
وقال: «.. ما ان جاء عهد الشيخ احمد الجابر الصباح حتى اصبحت اسواق الكويت شبكة متكاملة من المتاجر المتصلة بعضها ببعض وكانت تتميز كل مجموعة من الدكاكين بتخصصها ببيع سلعة معينة».
وذكر ان الاسواق القديمة شهدت على مدى العهود المتعاقبة العديد من التوسعات والاصلاحات والترميمات بينها بناء الاسقف لتغطيتها من اشعة الشمس والامطار والغبار وكانت هذه الاسقف عبارة عن (عرشان) من الجندل والبواري قبل استبدالها فيما بعد بالصفيح.
واشار الى ان سوق (واجف) يقع قرب الجزء الجنوبي للشارع الجديد قبل بناء هذا الشارع ويمتد شمالا إلى ما قبل مدخل سوق (الغربللي) وكان عبارة عن أزقة ضيقة يجلس فيها الباعة المؤقتون لبيع مختلف أنواع السلع قبل ان ينتقل سوق (واجف) من ذلك المكان الى موقعه الحالي في منطقة الدهلة في النصف الثاني من اربعينيات القرن الماضي.
وبين ان سوق السلاح هو احد اقدم الاسواق الكويتية القديمة واشهرها وانشئ منذ اكثر من مائة عام لبيع السلاح قبل الترخيص كالمسدسات والبنادق و(ام صكمة) كما كانت تصلح فيه الاسلحة المعطلة وتحول مع الوقت ليصبح حاليا مركزا لبيع ادوات ولوازم البناء والنجارة والصيد وغيرها.
وقال ان هذا السوق يقع خلف ساحة الصفاة من الجهة الشمالية وكان السوق يضم ايضا نشاطات اخرى موازية منها بيع بيوت الشعر.
وعن سوق الحدادة قال الباحث جمال ان هذا السوق الواقع جنوب غربي المناخ كان عبارة عن عدة ازقة تحتوي عددا كبيرا من الدكاكين يقابله من ناحية الجنوب الشرقي مسجد السوق الكبير الذي يضم حوالي 20 الى 30 محلا يقوم اصحابها بصنع مختلف انواع المنتجات والادوات والعدد الحديدية للاستعمالات المختلفة.
وذكر ان سوق المعجل تم بناؤه اواخر الاربعينيات عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وازدياد النشاط التجاري في الكويت وانتعاش الاقتصاد وانتشار محال بيع القماش في السوق الداخلي وضم هذا السوق 60 دكانا وتمت ازالته عام 1962.
وعن سوق (الماي) القديم تحدث الباحث جمال عن انه احد وابرز الاسواق وكان مخصصا لبيع الماء ويقع قرب الكشك الشرقي الذي كان مقرا للشيخ مبارك الصباح في ذلك الوقت.
ووصف الطريقة التي كانت متبعة في تأجير الدكاكين بالسهلة والميسرة «حيث لا حاجة الى عقود ايجار اوما شابه بل كانت الكلمة كافية ويختار المؤجر احد المحلات ويحضر معه قفلا لباب المحل تمهيدا لاستقدام بضاعته واستخدامه».
اما بالنسبة لدور الحكومة في تنظيم الاسواق ومراقبتها، فأشار الى أنها كانت حاضرة بصورة دائمة من خلال مراقبة حركة الاسواق وحماية المشتري والبائع كما خضعت الاسواق لنظام امني محكم بواسطة النواطير اي حرس الاسواق الذين كانوا يتواجدون بصورة دائمة خصوصا في ساعات الليل عندما تغلق المحلات ابوابها.