من الماضي
بالأمس القريب ودعنا رمضان وهانحن نعيش رمضان آخر وبين الشوق من بعد وداعه وحلاوة لقائه تتقافز الذكريات.
ذكريات الطفولة والشباب وشخصيات حفرت في الأذهان وعادات نقشت في الوجدان وتقاليد حرصنا على ان تتوارثها الأجيال.
مازلنا نذكر كيف كنا ننتظر أمام المسجد وهو يرفع أذان المغرب، وكأننا علقنا في أحباله الصوتية فنتطاير فرحا ونحن نسمع صوته الوقور يعلمنا بإمكانية تناول الحلوى وكل ما تشتهي نفوس الأطفال بعد حرمان ساعات طوال.
فرحة بقدرتنا كأطفال على إتمام يوم صيام تقربا وطاعة لله، ثم فرحة أخرى بما تفننت فيه الأمهات من إبداعات في صنوف كل ما لذ وطاب، فيأتينا صوت الوالد: الفطور على حبات تمر وكوب من الحليب والأكل بعد الصلاة. ما أطيب ان نشعر بان كل الأمة على اختلاف أجناسها ومواقعها وطبقاتها تسمي الله ويجمعها أذان، وكأننا جميعا نأكل على مادة واحدة ومن صحن واحد كبير فما أروعه الإسلام.
جريش وهريس وبرياني ولقيمات وحلو، قهوة عربية وسفرة عامرة ولكنها لا تثنينا أبدا عن صلاة التراويح. ثم يأتي وقت الجرجعة فنحمل حقائبنا التي لا تظهر إلا في رمضان وكأنه عيدها، فندق مغنين على أبواب الجيران والأحباء نبحث عمن يملأ لنا حقائبنا ومخابينا ثم نجتمع فنحصي غنائمنا ثم نأكلها ونستعد لدورة أخرى من جديد، وقبيل فجر كل ليلة تظهر ثاني ألمع شخصيات رمضان في ذاكرتنا بعد رفع الأذان وهو «أبوطبيلة» دقاته ونقراته المحفوظة للآذان مناديا على كل بيت باسم صاحبه، يوقظ النيام وينبه اليقظان بأنه قد آن الأوان فاستعدوا لبدء الصيام.
مرحبا بك شهر رمضان ضيفا عزيزا كريما على قلوبنا، مرحبا بشهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، مرحبا بشهر ليلة القدر، مرحبا بشهر الطاعات وجزيل الحسنات، عشناه في الماضي وعاصرناه في الحاضر ونسأل الله ان يبلغنا إياه بالمزيد من الرضا والبركات وبالعودة الى الآباء والاجداد سنلقي الضوء على بعض العادات الرمضانية التي توارثتها الأجيال في الشهر الفضيل من جيل الى جيل، فمعنا نتعرف على أجيال من الماضي، وكيف كان عندهم رمضان؟
صفحة من الماضي في ملف ( pdf )