- البـعد الاقتصادي في فـكر سموه يمثل «القاطرة» التي تجر وراءها بقية عربات القطار العربي
- دعم العمل العربي اقتصادياً حظي بأولوية في فكر صاحب السمو الأمير منذ قمة الرياض في 2007
- أكد أن تركيز العرب على نقاط الاختلاف استنزف معظم الطاقات وحجب التعاون في مجالات التنمية الواسعة
لا تخلو قمة عربية واحدة من التي شارك فيها صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد خلال الخمس سنوات الماضية، إلا وتضمنت خطبه، إشارة مباشرة أو غير مباشرة، إلى العمل العربي المشترك، هذا ما خلص إليه تحليل المضمون الذي أجراه مركز اتجاهات للدراسات والبحوث «اتجاهات» الذي يرأسه خالد عبدالرحمن المضاحكة، لخطب صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد التي ألقيت في القمم العربية المختلفة، الدورية والاستثنائية والنوعية، على مدار السنوات الخمس الماضية، وذلك منذ أول قمة شارك فيها سموه كأمير للبلاد، وهي قمة السودان التي عقدت في 28 و29 مارس 2006 وحتى آخر قمة شارك فيها، وهي القمة العربية الاستثنائية التي عقدت في سرت بالجماهيرية الليبية في 9 و10 الماضي. وقد بلغ إجمالي الخطب التي تم تحليلها 8 خطب، بواقع 176 فقرة، وتعكس كل فقرة مضمون فكرة.
وقد اتضح من التحليل أنه لا تخلو قمة عربية واحدة من التي شارك فيها صاحب السمو الأمير إلا وتضمنت خطبه، إشارة مباشرة أو غير مباشرة، صريحة أو ضمنية، إلى العمل العربي المشترك، وهو ما يحمل دلالة محددة وهي أن هناك اهتماما ساميا متصاعدا بالأفكار والرؤى التي من شأنها الارتقاء بالعمل العربي المشترك، في أبعاده السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وهو ما برز في استخدام مفردات محددة مثل: «العمل العربي المشترك» و«عملنا العربي المشترك» و«دعم العمل العربي المشترك وفتح آفاق جديدة له» و«نهج جديد لعملنا العربي المشترك» و«صرح عربي مترابط ومتعاون» و«بناء اقتصاد عربي متين ومتماسك» و«منظوماتنا العربية» و«تفعيل جامعة الدول العربية» و«البعد الاقتصادي لعملنا المشترك» و«مشاريعنا الاقتصادية المشتركة» و«المشروعات العربية المشتركة» و«التعاون الاقتصادي المشترك» و»الاستثمارات العربية المشتركة» و«المصالح العليا لأمتنا العربية» و«اقتصادات دولنا العربية» و«العمل العربي الجماعي» و«رؤية عربية اقتصادية مشتركة» و«تطلعنا المشترك» و«الصف العربي» و«التعاون العربي» و«استعادة التضامن العربي» و«تجسيد لروح التضامن العربي» و«إصلاح ذات البين بين أعضاء الأسرة العربية الواحدة» و«الصرح التنموي لأمتنا العربية» و«الرؤى المشتركة لدولنا» و«الطموحات المشروعة لأبناء أمتنا العربية» و«موقف عربي موحد» و«الوحدة في الموقف العربي» و«مصالحة عربية صادقة».
أبعاد العمل العربي المشترك
تعددت أبعاد العمل العربي المشترك كما جاءت في خطب صاحب السمو الأمير. وقد حظي البعد الاقتصادي لدعم العمل العربي المشترك بأولوية في خطب صاحب السمو الأمير، سواء من خلال وضع الخطط وتنفيذ المشروعات وتفعيل الاتفاقيات وتطوير المؤسسات وتحرير تجارة الخدمات ورفع مستويات معيشة الأفراد داخل مختلف الأقطار العربية. ففي قمة الرياض المنعقدة في مارس 2007، يدعو صاحب السمو الأمير حفظه الله إلى «أن نتجه نحو البعد الاقتصادي لعملنا المشترك، بالتأكيد مع ضرورة دعم الاستثمار ومشاريع البنية التحتية في الدول العربية وتفعيل الاتفاقيات العربية الثنائية والجماعية، وأن نولي الدعم لمشاريعنا الاقتصادية المشتركة التي تمثل علامة نجاح عملنا العربي المشترك والتركيز على تطوير تشريعاتنا وقوانيننا الاقتصادية فيما يسهم في توفير الظروف والمناخ الملائم لتعاوننا الاقتصادي».
وقد دعا سمو الأمير في القمة العربية التي عقدت في سورية في مارس 2008 لـ «وضع تصور مستقبلي لواقعنا العربي والذي يجب فيه التركيز على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية مع عدم إغفال التحديات السياسية والأمنية والتي لها آلياتها الخاصة. وعليه فقد تبنت الكويت بمشاركة المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية في قمة الرياض طرح فكرة «عقد قمة عربية تخصص للشأن الاقتصادي والاجتماعي والتنموي»، عقدت الأولى في الكويت في يناير 2009 وتعقد الثانية في مصر في يناير 2011.
الخلافات السياسية
وبرز أيضا أن هناك تركيزا من جانب صاحب السمو الأمير على الخلافات السياسية القائمة بين الدول العربية ودورها في إعاقة العمل العربي المشترك، قائلا في إحدى خطبه «ان السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى تركيزنا على نقاط الاختلاف في رؤانا ومواقفنا تجاه المشاكل السياسية، والتي استنزفت معظم طاقات العمل العربي المشترك خلال العقود الأخيرة. ولقد تصلبت الخلافات العربية السياسية حتى حجبت جل آفاق التعاون الأخرى، وخاصة في مجالات التنمية الاقتصادية الرحبة. فانصرفت الأنظار والاهتمامات عن التحديات والمتغيرات الاقتصادية، والتي كان بوسعها أن تبدل واقع الحال، وتسهم في تخفيف الخلاف، وتكسر الجمود، وتفسح المجال لآفاق التعاون الإيجابي المثمرة».
كما حظي البعد الأمني لدعم العمل العربي المشترك باهتمام الأمير، نظرا لكثرة التحديات القائمة في الداخل أو التهديدات القادمة من الخارج، حيث قال سموه في الخطاب الذي ألقاه في القمة العربية الاستثنائية الأخيرة «نعقد مؤتمرنا هذا في ظل تحديات تواجه الأمن الإقليمي العربي وهو ما يدفعنا نحو التركيز في البحث عن أفق لتدعيم هذا الأمن في ظل التحديات الدولية والإقليمية المعاصرة ومن هنا يكتسب مؤتمرنا هذا أهمية استثنائية خاصة أنه يأتي ضمن نطاق البحث عن أساليب لتطوير العمل العربي المشترك».
تشير خبرة السنوات الماضية إلى أن حركة انتقال الأفراد والسلع ورؤوس الأموال بين الدول العربية وبعضها تبدو في كثير من الأحيان أصعب من انتقالها بين الدول العربية والعالم الخارجي. ومن ثم، لم يكن غريبا أن تصبح أرقام التجارة البينية العربية متدنية للغاية لا تتعدى في أفضل الأحوال 9%، حيث أن معظم الاقتصادات العربية متشابهة، وهو ما يجعلها اقتصادات متنافسة وليست متكاملة.
جاءت التحديات الداخلية في المرتبة الأولى بين عدة محاور تم التركيز عليها في خطب صاحب السمو الأمير الملقاة في القمم العربية، بإجمالي تكرارات بلغت 77 مرة، وبنسبة بلغت 43.7% من مجموع الموضوعات التي تضمنتها الخطب، حيث تواجه الدول العربية، في سبيل هدفها نحو دعم العمل العربي المشترك تحديات عدة، على المستويات المختلفة، الداخلية والإقليمية والدولية.
تطوير العمل العربي المشترك
استحوذت الجهود والرؤى الكويتية الرامية لدعم العمل العربي المشترك على المرتبة الثانية بإجمالي تكرارات بلغت 34 مرة، حيث هناك توجه جديد في المنطقة العربية، تقوده الكويت من خلال رؤية ثاقبة لسمو الأمير، بشأن الحديث عن العمل العربي المشترك من الشعارات المطاطة إلى الأفكار المحددة.. ومن الشروط العامة إلى الإجراءات الواضحة والركائز الأساسية والآليات المحددة، ذلك لأن الآليات ترتبط بجدول زمني، ولا تكتفي بأن تكون إعلانا مبهما أو شعارا غامضا، إلا أن طرح سمو الأمير يندرج تحت ما يمكن تسميته بـ«الركائز الاشتراطية» لتفعيل العمل العربي المشترك، بحيث ان المضي قدما في طريق التكامل يشترط وجود إرادة سياسية لترجمة القرارات إلى وقائع ملموسة. وتتمثل تلك الركائز، وفقا لفكر سمو الأمير، على النحو التالي:
الركيزة الأولى، الاهتمام بحل المشكلات الداخلية كأساس لمواجهة التحديات الخارجية، وفي مقدمتها ما يتعلق بتحقيق التنمية المستدامة. وقد أشار سمو الأمير في خطابه في مؤتمر القمة العربية المنعقدة في ليبيا في مارس 2010 إلى «إن بناء الإنسان وتنمية قدراته وطاقاته هو أحد أهم السبل الكفيلة بتحقيق النهوض الحضاري والإنساني المنشود، فالإنسان هو صانع الحضارات والنواة الأولى لرقي المجتمعات، وعليه فإننا مدعون للارتقاء وتطوير مستوى الإنسان العربي في كافة أوجه الحياة ليحيى حياة كريمة للإبداع والارتقاء».
ملفات عربية
أضف إلى ذلك، فإن سمو الأمير يشغله ضرورة التوصل إلى تسويات لعدة ملفات عربية ساخنة، بحيث تسوى القضية الفلسطينية وتتحقق المصالحة الوطنية العراقية وتغليب المصلحة الوطنية اللبنانية ومواجهة المحاولات الرامية لزعزعة الاستقرار في اليمن، ودعم الجهود السودانية والعربية والأفريقية لحل أزمة دارفور وسد أي ثغرات في الجهود الإنسانية الهادفة الى إغاثة من يواجهون أوضاعا إنسانية صعبة في دارفور، ووقف الاقتتال الداخلي بين الفصائل المتنازعة في الصومال والانطلاق نحو مؤسساته المدنية ومشروعاته التنموية. إن إنجاز خطوات على صعيد تلك الملفات يهدف إلى «ترتيب البيت العربي من الداخل».
الركيزة الثانية، تحييد الخلافات السياسية عن العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية، وهو ما تشير إليه تجارب وخبرات عديدة، سواء في الإقليم أو العالم. فالبعد الاقتصادي يمثل «القاطرة» التي تجر وراءها بقية عربات القطار العربي.
الركيزة الثالثة، هي تفعيل جامعة الدول العربية وتطوير بنائها المؤسسي وإنشاء هيئة متابعة تنفيذ القرارات الصادرة عن الجامعة من جانب وتطوير عمل المجلس الاقتصادي والاجتماعي ودعم عمل وأنشطة البرلمان العربي الانتقالي وعدم الإصرار على الإجماع في تنفيذ المشروعات المشتركة، وهو ما يعرف بأسلوب «النواة»، بحيث يبدأ التجمع بأربع أو خمس دول وهي الراغبة في تعزيز الاندماج والتكامل بينها على أن تنضم إليها دول أخرى متى تبدلت ظروفها وتغيرت أوضاعها.
المشروعات الصغيرة
الركيزة الرابعة، تتمثل في إيجاد مؤسسات مالية تدعم التنمية في الدول العربية، واتخاذ خطوات تنفيذية بشأن تطبيق منطقة التجارة الحرة العربية وتحرير تجارة الخدمات وتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية، بما يؤدي إلى إشراك وتعزيز دور القطاع الخاص. أما الركيزة الخامسة فهي إنشاء مؤسسات عديدة تهتم بالعلم والثقافة ونشرها في الأقطار العربية.
خلاصة القول، إن رؤى سمو الأمير، حفظه الله، تهدف إلى إقرار مظاهر المصالحة العربية وتجاوز مرحلة الخلافات السياسية بما سوف تترك بصمات قوية على العمل العربي المشترك، وتفعيل دور الجامعة العربية باعتبارها «بيت العرب» وتحديث مؤسساتها وإعادة النظر في أسلوب عملها، مع الانعقاد الدوري للقمة الاقتصادية التنموية العربية لتصبح نقطة التقاء وموعدا سنويا لمناقشة المسائل ذات الاهتمام الاقتصادي المشترك والبحث في إمكانية تحقيق مزايا قومية ودرء مخاطر قادمة في ظل الشروط الجديدة للتجارة الدولية وما لحق بها من تغيرات هائلة، بحيث تتجه الدول العربية نحو عصر جديد ومناخ مختلف من خلال فكر متطور ورؤية واقعية وتضامن رشيد.