ضاري المطيري
في بيان من الشيخ د.عجيل النشمي حول حكم المظاهرات السلمية استدل بأدلة لجوازها، وهذه بعض المراجعات أضعها بين أيدي إخواني طلاب العلم، راجيا من الله تعالى توضيح الحق بدلائله، فإن الحق يعرف بدلائله لا بقائله، وأن أكون قد وفقت في بيان المقصود والله المسؤول أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم.
قال د.النشمي «ولا يعني عدم السمع والطاعة موقفا سلبيا، بل يجب إنكار المعصية وعدم إقرارها أو السكوت عليها، فلا يتابع الحاكم ولا يقر على المعصية وأيضا لا يتابع ولا يقر على الخطأ وهذا أصل في ديننا ألا يقر أحد على الخطأ بل يعدل أو يطلب منه تعديله، حتى إمام المصلين يتابع في كل شأن الصلاة إلا الخطأ فيها فلا يتابع».
قلت: هذا الإنكار كما يقال عن الحكام يقال عن الرعية والمتظاهرين أنفسهم بل جميع الجماعات الإسلامية اليوم هل تقوم بهذا الواجب مع أتباعها؟ الجواب ما نرى لا ما نسمع، فإذا كانت جماعات الدعوة مقصرة في هذا الجانب فكيف نطالب غيرنا بتطبيق الشريعة ونحن لا نطبقها على أنفسنا ومن حولنا؟ فهذا تناقض (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون).
نصح ولي الأمر يختلف
قال د.النشمي «ولذا كان من أصول ديننا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح في دائرته، فلا تعارض بين النصح ولو بلغ حد الإغلاظ فيه وبين السمع والطاعة، بل النصح من مقتضيات السمع والطاعة وإن صاحبه الأذى للناصح وتاريخ علمائنا شاهد على ذلك؟».
قلت: النصح لولي الأمر يختلف عن النصح لغيره، فالنصح لولي الأمر يطلب فيه اللين لقوله تعالى (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى).
قال د.النشمي «وهذا النصح بالسر لمن يجدي نصح السر معه، وإلا فالجهر مشروع بل مطلوب ليعلمه الكافة فينكروه».
قلت: من قال بهذا؟ من علماء السلف، والتاريخ يذكر لنا مواقف من علماء ربانيين كانت لهم وقفات أمام السلاطين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «مثل موقف العز بن عبدالسلام في مصر مع حكام المماليك» وهذه لا ننكرها لكن هل ترتب على هذه المواقف فتن واضطراب وقتل وتشريد؟ الجواب لا، لأن الغالب أن الحكام في ذاك الزمان يسمعون لمن ينصحهم كما حصل لمعاوية رضي الله عنه مع أبي مسلم الخولاني رضي الله عنه.
العرف محكوم بالشريعة
قال د.النشمي «لكل بلد ظروفه وموروثاته وأعرافه، ولا يصح وصف من يعبر عن رأيه في صحافة أو غيرها أو يعبر عن رأيه بمسيرة أو اعتصام أو مظاهرة بأنه يعارض قول الحاكم أو يثير الفتنة، فهو مخالف للشرع لأنه عصى ولي الأمر، فإن ما سمح به ولي الأمر والدساتير فهو في دائرة المباح وهذا في الحالات والظروف العادية السلمية».
قلت: من المعلوم أن قواعد الشريعة مستقرة وهي لكل البلاد الإسلامية والتشريع عام لجميع المسلمين أينما كانوا فالمحرم في الكويت، محرم أيضا في الجزائر وتونس ومصر وجميع البلاد، هذا أولا، وثانيا الدساتير إذا اعتبرت شيئا مباحا وهو بالأصل غير مشروع فلا يغير هذا مناط الحكم في الشريعة، أرأيت لو أن الدستور أباح أن تتولى المرأة نكاحها فهل هذا مباح في الشريعة، أما قوله «لكل بلد ظروفه وموروثاته وأعرافه» فأقول الظروف والموروث والعرف كله محكوم بالشريعة.
قال د.النشمي «لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، فالأصل جواز التعبير بكل وسيلة حتى بالاعتصامات وبالمسيرات والمظاهرات والتجمعات، ما لم يصدر من ولي الأمر منعها، أو تقييدها تبعا للظروف والأحوال».
قلت: الأمير منع المحاضرات خارج المنزل وأعلن هذا في وسائل الإعلام فما معنى الاستمرار بعد هذا المنع إلا التحدي ومنابذة الأمير؟ والقول بأن «لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره» إذا كان الدستور يبيح هذا فهل تقول بجواز أن يدعو كل صاحب نحلة ومذهب إلى مذهبه فالملحد يعلن إلحاده والزنديق يصرح بزندقته وهكذا.. فهل يقول عاقل بهذا.
قياس مع الفارق
ذكر د.عجيل النشمي أمثلة على المظاهرات فقال «مثل تعبير الناس عن فرحتهم بالتحرير فتظاهر الكبار والصغار تعبيرا عن هذه الفرحة، ومن ذلك نصرة قضايا المسلمين العامة فقد كانت المظاهرات والمسيرات الوسيلة المؤثرة في نصرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين تعرضت ذاته للانتقاص والسخرية، وقضية فلسطين ما حركتها إلا المظاهرات وأحداث غزة آخرها، تجاوب العالم العربي قبل المسلمين نصرة لأهل فلسطين، ورأينا المظاهرات تجوب العالم أجمع فالمظاهرات والمسيرات من حيث الأصل مباحة إذا أذن بها الحاكم وسارت ملتزمة بالنظم والقوانين».
قلت: هذه الأمثلة المذكورة لا تدل على جواز المظاهرات فهي قياس مع الفارق، وكذلك التظاهر بالتحرير هل حصل فيه ضرب وقتل وسلب ونهب مثل باقي المظاهرات، ونصرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تكون بحفظ سنته ودعوة الناس إليها لا بإحراق الأعلام ومقاطعة البضائع ومن ثم التطويح بالسنة لأدنى الأسباب كما هو واضح من جماهير المتظاهرين، الذين يجهلون السنة المطهرة وأهميتها ولا يعلمون أنهم قد يخرجون من الدين إذا ردوا السنة ورفضوها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار» رواه أحمد. فهل من النصح لعامة المسلمين اليوم أن أوهمهم بأن نصرة السنة بإحراق الإعلام والتظاهر وهم أصلا لا يعرفون الوضوء الصحيح والصلاة الصحيحة فأيهما أولى أن أبدأ بتعليمهم السنة أم التظاهر لنصرة السنة؟
قال د.النشمي «إن المظاهرات قد تكون مشروعة ومطلوبة ولو لم يأذن بها الحاكم ونظامه، إذا قابلها بلوغ ظلم الحاكم مداه فعطل الشرع وحارب أهله، وصادر الحريات وكمم الأفواه، وملأ السجون، وأشاع الفساد، وأساء توزيع الثروة فحارب الناس في أرزاقهم فقتر عليهم، وأسرف على نفسه وأعوانه».
قلت: وهنا نذكر ما جاء في السنة لما اشتكى الصحابة ظلم الحجاج: عن الزبير بن عدي قال: «أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج فقال: اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم»، هذا نصح أنس بن مالك يقوله تبعا لنبيه صلى الله عليه وسلم فهل هو لا يفهم الواقع؟ أو أنه يتبنى فكرا انهزاميا؟ وهل هو لم ينكر هذا المنكر؟
نطالب بمثال واضح واقعي
قال د.النشمي «فالمظاهرات نعمة الوسيلة حينئذ فهي أفضل، وإن ترتب عليها بعض المفاسد والتضحيات بالمال والأنفس، فيحتمل هذا دفعا للفساد الأعظم القائم، وهي كما تدل الوقائع ستحقق بعض المصالح في تعديل الأوضاع وتخفيفها أو قلع الظالم والنظام من جذوره».
قلت: نطلب مثالا واضحا يصدق هذا من الواقع في عالمنا الإسلامي اليوم، وخاصة ونحن نعلم تسلط الكفار على بلاد المسلمين وكل المظاهرات التي خرجت ثم أفرزت حكومات لم تخالف سابقتها فأين الفساد الأعظم الذي دفعناه؟
قال د.النشمي «فإن ظلمهم بجلد أبشارهم وسلب أموالهم، ونحو ذلك من الظلم، فقد شرعيته».
قلت: وهنا نقف لنطلب الدليل، أين الدليل على أن الحاكم إذا ظلم فقد شرعيته؟ وماذا نفعل بالنصوص التي تأمر بالسمع والطاعة وإن جار؟ ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالصبر على هذا الظلم واللجوء إلى الله تعالى وسؤاله حقنا.
تناقض يحتاج مراجعة
قال د.النشمي «إن أبا جعفر المنصور ضرب الإمام أبا حنيفة بالسياط ضربا شديدا، مردفا بأن جعفر بن سليمان ضرب الإمام مالكا ثمانين سوطا، وقد مدوه في الحبل بين يديه حتى خلعوا كتفيه، كما ضرب المعتصم الإمام أحمد بن حنبل بالسياط حتى خلعت يداه، وأن في هذه الحوادث فوائد تشمل ما سبق من نقاط منها: إن هؤلاء أئمة الهدى والفقه أهينوا وتضررت أجسادهم لكنهم لم يدعوا إلى الخروج على الحاكم، لأنهم يعلمون أن شروط الخروج لم تتحقق».
قلت: وكيف لم تتحقق وقد تقدم في حديثك أنه إذا ظلم بالضرب وسلب الأموال فقد شرعيته؟ فالكلام يحتاج مراجعة لأن ظاهره التعارض.
قال د.النشمي «ولم تكن الدولة بالسوء الذي لا يحتمل بل كان الشرع سائدا والعدل قائما».
قلت: هذا القيد ساقط الاعتبار، وذلك أن الظلم وقع في الأمة الإسلامية بعد الخلفاء الراشدين الأربعة منذ دولة بني أمية وبني العباس إلى دويلات الطوائف إلى قيام الدولة العثمانية إلى الوقت الحاضر، ومع ذلك كل العلماء الربانيين كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويصبرون، ولا يدعون الناس للخروج، ولم يشترطوا أن يكون العدل هو القائم والشرع هو السائد.
قال د.النشمي «إن سياق الحديث مخصوص بآخر الزمان حين تصير الأمور إلى الحكام الظلمة، فتصبح مهامهم جلد الظهور وسلب الناس أموالهم فهو زمان الشر المستطير».
قلت: من قال بهذا؟ وشرّاح الحديث استشهدوا بحكم عبيد الله بن زياد وبالخوارح الذين خرجوا على علي رضي الله عنه، فتخصيص الحديث بآخر الزمان تخصيص بلا مخصص؟
قال د.النشمي «القول بأن صيغة الحديث الشريف وتركيبه اللفظي (السمع والطاعة للأمير وإن ضرب ظهرك...) يحتمل عدة معان تعرف في علم الأصول بدلالة اللفظ، أي أن المعنى ليس قاصرا على السمع والطاعة وإن جلد الحاكم الظهر وسلب المال، فيحتمل أن المراد المبالغة في السمع والطاعة عند العجز عن تغيير ورفع ظلم الحاكم، ولو بجلد الظهر، يدل ذلك، حرف (وإن)، كما يحتمل أن الخطاب للخاصة من العلماء والدعاة إذ مهمتهم مهمة الأنبياء فعليهم تحمل الأذى الخاص في سبيل دفعه عن العامة، كما يحتمل حمل اللفظ على أن هذا الضرب والسلب مثال للظلم الممكن احتماله».
قلت: أولا: هذا الفهم غير منطبق، فليس هناك تزاحم في المعنى فلا تعارض بينهم فكيف نسقط به الاستدلال، والقاعدة عندنا أن النص إذا احتمل عدة معان لا تعارض بينها يحمل عليها جميعا، وثانيا: ليس كل احتمال يسقط به الاستدلال وإلا لأسقطنا أدلة الشرع وخاصة القرآن فهو حمال وجوه. ثالثا: بل نص أهل العلم على خلاف هذا، فقالوا: لا يسقط الاستدلال بالدليل بمجرد تطرق الاحتمال إليه، ورابعا: الاحتمال الذي يسقط به الاستدلال هو الاحتمال القوي المصاحب لقرائن قوية، فأين القرائن القوية؟ وعندنا نصوص في مقابل هذه المعاني كلها تزاحمها.
خامسا: حمل الحديث على المعنى الذي ساغ في ذهن المجتهد لابد أن يكون عليه دليل، وإذا كان من دون دليل يعتبر هذا تحكما؟ وسادسا: إذا سلمنا بسقوطه فماذا نفعل بالأدلة الأخرى المحكمة في المسألة؟ وسابعا: لم يقل أحد بالطاعة المطلقة لولي الأمر من العلماء قديما ولا حديثا، وثامنا: الاستدلال بأن الدستور أباح ذلك لا يعني أن ذلك مشروع تماما مثل إباحة الربا في الدساتير فهل يجوز التعامل بالربا؟