- العراق بلد تاريخه 7 آلاف سنة والكويت لم تكن في يوم جزءاً منه والذين يقولون غير ذلك مرتشون هدفهم تخريب العلاقات بين البلدين
- صدام حسين دخل قاعة «الإعدام» وعيناه جاحظتان وبيده مصحف «محروق» وصعد المشنقة بثبات ونطق الشهادتين
- «الدجيل» هي القضية الأساسية في إعدامه لتحقيق مكسب للعراقيين والقضاء على مصدر الإرهاب في العراق
- خاطبني: أحذّرك يا ابني من مؤامرات الفرس والأميركان وأعـطـاني نسخـة الــقرآن لتقديمها إلى محاميه عواد البندر
- «سنحرر غزة» و«الجنة لـي وجهنم لكم» كلمات قاطعني بها صدام أثناء نطقي بحكم الإعدام إلا أن صوتي كان أعلى من صوته
- البعثيـــون ليسوا وطنييــن وهــم انتهازيــون وأقوالهـم بعودتهم إلـى حكـم العـراق فـي «المشمــش» و«أحلام عصافيــر»
- من حق الأكراد ان يستقلوا ومشكلتهم ليست في العراق بل فـي دول الجــوار الـتـي تخشــى دولة كرديـة قوية
بشرى الزين
حين داهم رجال الأمن من جهاز «حنين» بيت أسرته ليخبروا والده أنهم أعدموا شقيقه لطفي وتم دفنه في النجف ومنعوه من اقامة عزاء له. وبعدما شاهد شظايا رأس أخيه حسن تتطاير أمامه وهو معتقل معه في سجن «الفضيلة» ببغداد لم يدر في ذهن ذلك الطفل ذي الست سنوات أنه سيعتلي منصة القضاء ذات يوم وينطق بتنفيذ حكم إعدام صدام حسين المسؤول الأول في حزب البعث وجهاز تصفية العراقيين المعارضين. القاضي العراقي منير حداد الذي تم ترشيحه واختياره نائبا لرئيس المحكمة الجنائية العليا ومحكمة التمييز سابقا استذكر مراحل محاكمة صدام ولحظات إعدامه في 30 ديسمبر 2006، موضحا ان مفاوضات مطولة حدثت بين الحكومة العراقية والأميركيين الذين كانوا لا يرغبون في اعدامه بل الإبقاء عليه حتى ينفذوا نظرية «الذئب والخروف» لتخويف العراقيين بصدام حسين. وأضاف حداد في حوار مع «الأنباء» ان تنفيذ الاعدام الذي صادف عيد الأضحى كان نتيجة ورود أخبار بأن صدام سيُهرّب من قبل البعثيين وعناصر القاعدة في العراق. ووصف حداد دخول صدام الى قاعة الإعدام بأنه كان جاحظ العينين ومرتديا معطفا في يوم بارد جدا وبيده قرآن أحرق جزء منه في قصف مدينة المنصور واعتاد على حمله تفاؤلا به ولم تظهر عليه اي علامات الارتباك او الخوف واعتلى حبل المشنقة بكل شجاعة وهو يردد الشهادتين رافضا وضع كيس أسود على رأسه. ونفى حداد ان يكون وجه صدام تعرض للتشويه بعد اعدامه من قبل من حضروا الإعدام، مبينا ان القضية الرئيسية التي تم على اثرها تطبيق حكم الاعدام هي قضية «الدجيل» لتلحق بها قضايا أخرى. وأشار حداد الى ان صدام كان بإمكانه ان يفلت من عقوبة الإعدام الا ان استبداده وطغيانه وغروره أدانه من حيث لا يدري حيث سئل أثناء التحقيق معه عن كيفية تحريك القطاعات الأمنية والعسكرية العراقية بأمر منه أم من الضباط؟ فأجاب: «تخسي كله بأمري» فثبتت التهمة عليه. كما تطرق القاضي العراقي الى الوضع السياسي والأمني داخل العراق، واصفا اياه بانه ليس على ما يرام نتيجة تدخل أجندات خارجية، لافتا الى ان الوضع الاقتصادي في تحسن، مؤكدا ان العراق الذي يمتد تاريخه الى 7 آلاف سنة لم تكن الكويت في يوم ما جزءا منه وان القول بهذا الكلام لا يرضى به الحكومة العراقية ولا أي عراقي وطني، مذكرا بأن تصريحات زائفة تظهر من وقت لآخر من أشخاص «مرتشين» يريدون تخريب العلاقات بين العراق والكويت. وفيما يلي تفاصيل الحوار:
بداية هل كنت تمارس مهنة القضاء قبل أن تترشح للمحكمة التي باشرت محاكمة صدام حسين؟
لا انا خريج جامعة بغداد دفعة 91 - 92، وكنت سجينا سياسيا في عهد حكم صدام حسين وانا انتمي الى عائلة سياسية سجن وقتل افرادها وكنت معارضا لنظامه البائد، وقبل تحرير العراق وسقوط نظام صدام كنت في سلطنة عمان اعمل مستشار محام ولدى عودتي اسسنا المحكمة الجنائية برفقة سالم الشلبي وكنت قاضيا للمحكمة التي حاكمت صدام حسين بقانون 1 لسنة 2004 في عهد مجلس الحكم وعدلنا القانون بموجب القانون رقم 10 لسنة 2005 في عهد استقلال الحكومة العراقية وكنت اول قاضي تحقيق ادى اليمين في 1 مايو 2004 امام رئيس مجلس الحكم مسعود البرزاني اثناء تلك الفترة وكان برفقتي قاضيان ومدع عام ومن بينهما امرأة.
كيف ترشحت لهذه المهمة؟
كنت في سلطنة عمان وبعد رجوعي للعراق كان مستشارون اميركيون وبريطانيون وفرنسيون وآخرون بصدد تأسيس محكمة والتقيت سالم الشلبي وعرض علي ان اكون اول قاض في المحكمة فوافقت على الفور.
وكيف تم اختيارك لتنفيذ النطق بحكم اعدام صدام حسين؟
كنت نائبا لرئيس المحكمة وفي 1 اغسطس 2006 ترشحت لان اكون عضوا لخبرتي ونشاطي في محكمة التمييز حيث قمت بادوار مهمة في كل مراحل المحاكمة ورشحوني وصعد اسمي بمرسوم جمهوري في 30 اغسطس 2006، وسبب اختياري كان رئيس المحكمة خالد بغداد من السليمانية موجودا ليلة اعدام صدام وانا كنت في بغداد كوني رئيس المحكمة فأتاني رئيس الوزراء نوري المالكي وسألني هل يمكن ان نعدم صدام حسين في اول ايام العيد؟ فأجبت يجوز.
كيف ذلك؟
لدينا مواد قانونية للمحاكمات الجزائية وتتعلق بتنفيذ احكام الاعدام ومادة اخرى كيف لا يجوز تنفيذها في المناسبات الدينية والوطنية بالنسبة للمحكوم عليه وكان صدام حسين سنيا والشيعة لم يكن لديهم عيد وبذلك كان لا يجوز اعدامه في ذلك اليوم وكان الحاكم المدني آنذاك بول برايمر علق جميع المواد واعدنا مادة واحد وهي تنفيذ الاحكام فكانت حجة قانونية لتنفيذ حكم الاعدام في ذلك اليوم.
هل كان لديه توقع بأنه سيعدم؟
الحكم صدر في اغسطس 2006 حيث اصدرت محكمة الجنايات الاولى برئاسة القاضي الكردي رؤوف عبدالرحمن قرارا باعدام صدام حسين وبرزان التكريتي رئيس جهاز المخابرات وعواد البندر رئيس محكمة الثورة وحكم مؤبد طه الجزراوي نائب رئيس الجمهورية وانتقلت الدعوى إلينا في محكمة التمييز حيث تم تداولها لمدة ثلاثة اشهر وفي 23 ديسمبر اجتمعنا فأصدرنا حكما للتصديق على تنفيذ حكم الاعدام ضد صدام حسين وعواد البندر وبرزان التكريتي وطه ياسين رمضان كان حكمه مؤبدا فشددناه الى الاعدام.
لماذا؟
لانه كانت هناك ادلة تفيد بأنه مسؤول عن قتل العديد من اهل الدجيل وبعد 26 ديسمبر اكتسب القرار الدرجة القطعية لانه صادر عن محكمة التمييز والقانون المرقم 10/2005 يفيد بأنه خلال 30 يوما يجب تنفيذ حكم الاعدام ولا يمكن تأجيله نهائيا، وعبارة «خلال» كانت تتم بشأنها منافسة بأنها تعني «بعد» 30 يوما وانا كنت من الذين اعتمدوا مدة 30 يوما وخلالها ينفذ الحكم فصدقنا عليه في 26 ديسمبر وسلمناه الى الحكومة العراقية باعتبارها الجهة المنفذة بتاريخ 29 ديسمبر 2006، وشخصيا الى رئيس الوزراء نوري المالكي فخاطبني هل انت مستعد لتنفيذ حكم الاعدام بنفسك فأجبت نعم، وحدث ان كانت مفاوضات مطولة مع الاميركيين ليتم في الاخير تسليم صدام حسين ونفذنا حكم الاعدام به في الساعة السادسة و10 دقائق صباحا من 30 ديسمبر 2006 وكنت حاضرا وقت التنفيذ.
لماذا كانت هناك مفاوضات مع الاميركيين وبشأن ماذا؟
كانت هذه المفاوضات حول تسليم صدام حسين، لأن الاميركيين كانوا يريدون تأجيل الحكم الى 14 يوما وكان هذا رأي رئيس المحكمة عارف شاهين لكن كنت مصرا على تنفيذ حكم الاعدام لان صدام حسين متهم بقضية قانونية وسياسية لانه متهم بحكم القانون ويعتبر رأس الارهاب في العراق والمسؤول عنه وكان لابد من تنفيذ حكم الاعدام لتحقيق مكسب للعراقيين وكذلك القضاء على الارهاب باعتبار ان حزب البعث هو مصدره.
لماذا اخترتم يوم عيد الأضحى لتنفيذ حكم الاعدام؟
تواترت الينا اخبار ان صدام سيهرب، وتولد لدينا نوع من الخوف، وتأكد ذلك فيما بعد في احد اللقاءات التلفزيونية للمحامي خليل الدليمي في 2009، وقال اننا كنا مهيئين لتهريب صدام حسين من طرف حزب البعث و«المجاهدين» من عناصر القاعدة.
وهل يعقل ان يتم ذلك في ظل وجود قوة أمنية أميركية وحراسة مشددة على مكان اعتقال صدام حسين؟
لم يكن ذلك مستحيلا لأنه تم تهريب العديد من المجرمين في العراق ولم يكن مستغربا في أن يهرب صدام حسين كذلك.
أدين صدام حسين بقتل شعبه وغيره، إذا كان القضاء العراقي عادلا، فلماذا ظل في نظر الكثيرين بطلا وأن الأمر كان أكثر من مجرد اعدام؟
هو ليس بطلا، هو خبير في السياسة وحكم 35 عاما ويفهم الأمور جيدا، فلما رأى خصومه أمامه من حزب الدعوة الذين ألحق بهم وبأهلهم سوء العذاب والقتل وفق مادة قانونية (156) تقول ان اي شخص ينتمي الى حزب الدعوة ـ مجرد انتماء ـ في يوم ما حتى لو تاب وسلم نفسه يعدم ويباد إبادة تامة، وكان حضورهم بمثابة الجائزة بالنسبة اليه ومثل على انه بطل وصعد الى المشنقة بكل شجاعة وسرعة ورفض ان يضع كيسا على رأسه.
هل لك أن تصف لنا المشهد لحظة الإعدام؟
كنت أجلس في غرفة صغيرة مع وكيل وزير العدل الكردي والمدعي العام العراقي منقذ الفرعون واجتمعنا على الساعة الخامسة صباحا، ودخل صدام حسين وكان الجو باردا يرتدي معطفا وكان شكله مخيفا وعيناه لونها أحمر ومكبل وبيده قرآن «محروق» حرق في قصف مدينة المنصور في بغداد وكان يحمله ويتفاءل به وبدأ يطلق شتائم ضد الموجودين والأميركيين والعملاء في المنطقة العربية وكان ينطق بكلام مثل سنحرر غزة والجنة لي وجهنم لكم. فطلبت منه الجلوس وبدأت ألقي عليه حكم الإعدام وهو يقاطعني إلا ان صوتي كان عاليا.
وهل خاطبته أو طلبت منه الصمت أثناء إلقاء حكم الإعدام؟
تعاملت معه بهدوء وقدمت واجبي كقاض، وبعدما انتهيت من كل قرارات الحكم ناديت رجال الشرطة فأخذوه مكبلا ومشيت وصدام حسين في دهليز طوله عدة أمتار في اتجاه قاعة كبيرة فيها مشنقة وهذا المكان يوجد في مديرية الاستخبارات العسكرية بالكاظمية، حيث كان يعدم صدام خصومه فيها.
ماذا طلب وماذا قال قبل إعدامه؟
كان صدام يسير بشكل طبيعي وأنا بجانبه وكان هناك حديث مع الحاضرين وكان من بينهم مستشار الأمن القومي د.موفق الربيعي فرآه صدام يرتجف فسأله: «ايش بيك خايف ترجف؟ فرد الربيعي: أنا لست خائفا انت الذي ستعدم ولست أنا»، فقال صدام: منذ 1959 وأنا أنتظر يوم إعدامي لأني «مجاهد» وقضيت حياتي كلها في الجهاد وهذا لن يخيفني.
أيضا كان هناك رجال شرطة شاءت الصدف ان تكون عناصر الشرطة من مدينة الصدر الشيعية فخاطبه أحدهم: «نحن شباب وذقنا مرارة التعذيب وذل الحياة بحروبك مع كل الدول، فرد صدام أنا حاربت الفرس والأميركيين والصهاينة وعملاءهم في المنطقة. وكان يدافع عن نفسه حتى آخر لحظة ولم يندم أبدا ولم يصدر منه أي إيحاء بالضعف وبعد ذلك تم ربطه من رقبته من الخلف من أحد الأشخاص وكان قوي البنية، وقبل أن يصعد المشنقة قال لي أحذرك من مؤامرات الفرس والأميركان.
وماذا كان ردك؟
لم أجب بشيء، وكانت علاقتي فيها مودة كقاض ومتهم على الرغم من انه يعرف تاريخ حياتي واني كنت مسجونا وأعدم اخوتي.
هل وجه أي وصية او طلب اي شيء قبل الإعدام؟
طلبت منه ما اذا كانت لديه اي وصية ان أنقلها الى أبنائه، فقال تعيش ابني.. وقبل صعوده الى المشنقة سلم نسخة القرآن ووصى بأن تعطى الى محاميه عواد البندر.
وصعد بكل شجاعة ولم يتعثر في سلم المشنقة، وسمعت أصوات رجال الشرطة الموجودين: «الى جهنم وبئس المصير ونادوا ايضا باسم مقتدى الصدر.. فرد «هاي المرجلة؟!» فطلبت تنفيذ الشنق وهو ينطق بالشهادتين فمات فورا وظهر كسر في رقبته.
لكن ظهرت صور بأنه تم تشويه وجهه بعد إعدامه، هل هذا صحيح؟
فقط جرح جراء شد الحبل وغير ذلك ليس صحيحا ويقال ان أهل تكريت وبالتحديد عائلة حسين كامل زوجة ابنه نبشوا قبره وقاموا بذلك لكن لست متأكدا من ذلك، لكن عندما وقع حدث كسر في رقبته فورا وظل معلقا لمدة 5 دقائق ولم يتحرك ابدا لأن الحبل كان محكم الربط وجسده كان ثقيلا جدا.
كيف يمكن القول بأن القضاء كان مستقلا والعراق كان تحت الاحتلال؟
لا يوجد هناك شيء مثالي، فالعدالة الكاملة لله سبحانه وتعالى وليست بيد البشر، فالأميركيون كانوا يرغبون في التدخل في كثير من الأمور وبدليل انهم منعوا ملفا موجودا في نفس القضية يشمل 14 قضية لجرائم صدام، منها 12 قضية محلية وقضيتان دوليتان تتعلقان بالكويت وايران، وأصروا على ان قضية ايران لا يجب ان تطرح وشخصيا منعت من الذهاب الى طهران للتفاوض في هذه الملفات وجهات حكومية عراقية رفضت ان يعرض ملف الكويت فيما يرتبط بالتعويضات وهم محقون في ذلك لأن الكويتيين مُنحت لهم تعويضات من العراق ومازالوا كذلك، وأي كويتي رفع دعوى جزائية يستحق تعويضا مدنيا في حين نحن استنفدنا التعويضات، وتدخلت الحكومة ومنعت الملف الكويتي والأميركيون منعوا الملف الإيراني والحكومة أيضا، تفاديا للمشاكل وحدث تعديل لغوي في التعبير القانوني فتم إلغاء قضايا الكويت، فظلت القضايا 14، والمشكلة كامنة في شخصية القاضي وبحكم خبرتي القانونية كنت مسؤولا بكل دقة وحكمة.
ما القضية الرئيسية التي حكم على اثرها بالإعدام على صدام حسين؟
كانت هناك 14 قضية وأول قضية أكملها القاضي رائد الجوحي وحقق في قضية «الدجيل» منطقة يقطنها شيعة وسنة حيث اتفق سكانها على قتل صدام حسين وعندما وصلت اليه أخبار بذلك عاقبهم برميهم في السجون ورمى النساء والأطفال في منطقة صحراوية على الحدود السعودية تسمى «نقرة السلمان» وحكم على 148 شخصا بالإعدام والمحكمة كانت برئاسة عواد البندر الذي حكم عليه بالإعدام أيضا.
وكانت الحكومة العراقية في عهد ابراهيم الجعفري تريد ان تحقق مكسبا سياسيا فأحيلت القضية الى محكمة الجنايات ونظر فيها القاضي رؤوف الذي اطلع على مسودة العراقيين المظلومين من استبداد صدام حسين في حين قدم القاضي رزكار استقالته رغم خبرته القانونية الا ان أداءه لم يكن ليرضي العراقيين نتيجة لمناداته لصدام بالسيد صدام حسين وبالتالي فإن قضية الدجيل هي التي حوكم بها بالإعدام وصدقت عليها محكمة الجنايات والتمييز ولتلحق بها قضايا أخرى، وعلي الكيماوي أعدم في قضية الانفال وكذلك سلطان هاشم وحسين رشيد التكريتي رفضت الحكومة ان تصادق على إعدامهما لأنهما عسكريان فتم تأجيلها بعد علي حسن المجيد «الكيماوي».
أثناء فترة محاكمة صدام حسين هل دار أي نوع من الحوار بينك وبينه؟
كانت هناك محادثة سياسية في يوم من الأيام بعد إحدى الجلسات فخلعت عباءة القضاء وجلسنا سويا بحضور قضاة ومدعين عامين فكان من بين الأمور التي ناقش فيها انه قال لي يا ابني انت لا تفهم في السياسة وان ما يجري في العراق الآن هو عبارة عن مسرحية أميركية وستنتهي وان الحكومة العراقية عميلة للأميركيين فقلت له هؤلاء مجاهدون ومناضلون فرضوا على الأميركيين وغيرهم هم العملاء في اشارة له، وكان يدافع عن نفسه بالسياسة وليس بالقانون وكان جاهلا به.
وأشير هنا الى ان صدام حسين كان بإمكانه ان يفلت من حكم الإعدام في قضية الدجيل عندما أحاله القاضي رائد الجوحي شاهدا الى محكمة الجنايات فكان المتهم الرئيسي برزان التكريتي، وكان آنذاك المدعي العام عدنان عبدالهادي قد طالب بنقل القرار الى محكمة التمييز، وبعد مناقشته ارتأينا ارجاعه اليه بعدما اكتشفنا ان التحقيق ناقص فسألنا صدام كيف تم تحريك القطاعات العسكرية العراقية هل بأمر منك أم من الضباط فأجاب «تخسي» كله بأمري فأدان وأعدم نفسه من حيث لا يدري.
لحظة إعدام صدام حسين ما المشاعر التي كانت تخالجك، بماذا كنت تفكر صف لنا هذه اللحظات؟
أول ما استحضرته اخواني الذين قتلهم صدام وكنت شاهدا على قتل شقيقي وعمري 6 سنوات حين كان صدام مسؤولا في بداية حكم حزب البعث عن جهاز جنين لتصفية الشباب العراقيين من سنة وشيعة وأكراد، ودخل رجال الأمن الى بيتنا وأخبروا والدي بأنهم أعدموا شقيقي ودفناه بالنجف وممنوع ان نقيم عزاء له.
وظلت والدتي حزينة ترتدي أسود طول حياتها الى ان توفيت في 2001، وعلقت هذه الذكرى في ذهني الى الآن وفي العام 1980 تم اعتقالي وأسرتي وفي العام 1981 من داخل السجن تمت مناداة شقيقي حسن فأخذه رجال الأمن ولحقت به فدفعني على الحائط، وبعد ذلك قتلوا أخي أمامي إطلاقا بالرصاص حتى طارت شظايا مخه، فولدت في داخلي كرها وحقدا لصدام ولن أنسى هذا الحدث مدى حياتي.
فلما صعد الى المشنقة خاطبته صمتا أنت الآن مكان لطفي وحسن.
نعود الى الداخل العراقي كيف تراه موحدا متشرذما ما هي رؤيتك؟
تركة صدام حسين والبعثيين منذ 1965 الى 2003 كبيرة وثقيلة وكانوا سبب كل النزاعات التي حدثت في العراق والمنطقة.. قتل شعبه من سنة وشيعة وأكراد. وما يحدث بالعراق هو تركة هذا النظام البائد. وكنت متفائلا بأن الوضع سيستقر لكن دون جدوى، لأن هناك أجندات خارجية متعددة: الولايات المتحدة لها اجندة والسعودية بأجندتها وايران كذلك وتركيا ايضا وهذا سيؤثر على الوضعين الأمني والسياسي في العراق لكن الوضع الاقتصادي يتحسن نوعا ما.
لماذا تشرذم العراق تحت صيغة الحرية في حين ان ايام الاستبداد الذي مارسه صدام حسين كان ينعم بالوحدة والاستقرار هل هذه ضريبة العراق الديموقراطي الآن؟
هناك أحزاب وأجندات مختلفة، فالعراق لم يكن موحدا مثلما ذكرت فقد منح صدام الأردن أرضا من العراق وأعطى السعودية وتركيا، وإيران أخذت شط العرب ودخل في حرب معها ذهب ضحيتها ملايين العراقيين والإيرانيين وبعدما انتهت الحرب غزا الكويت ولم يكن يحب العراق حيث قسّمه بديكتاتوريته واستبداده.
ثمة قضايا لاتزال لم تحل بين الكويت والعراق، وبين الحين والآخر تصدر تصريحات من جهات رسمية وشعبية تعيد التوتر بين البلدين، كيف تنظر الى ذلك؟
السياسيون في العراق ممن فيهم الرئيس جلال الطالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي وكل الشخصيات المهمة في العراق يكنون كل المحبة والاحترام للكويت أميرا وحكومة وشعبا وبعض الأشخاص الذين يظهرون بهذه التصريحات هم «مرتشون» لإطلاق هذا الكلام وتخريب العلاقة بين الكويت والعراق، وأؤكد ان الحكام الشيوخ الكويتيين كلهم أمراء وصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد هو أمير الأمراء وساعدوا العراقيين في جميع المحن التي مرت بهم والعراق دولة عمرها 7 آلاف سنة والكويت لم تكن في يوم ما جزءا من العراق ولا الحكومة أو أي عراقي وطني يرضى بهذا الكلام.
هناك تخوف من أن يعود البعثيون ويتكرر ما يخشاه الكثيرون، هل تعتقد ذلك؟
لا أعتقد ذلك، البعثيون ليسوا وطنيين وهم انتهازيون وآراؤهم تتغير بالنسبة للكويت او غيرها، لكن القول بعودتهم الى العراق في «المشمش» مثلما يقال. وحلم من «أحلام العصافير».
إقليم كردستان شبه مستقل، هل يمهد هذا لأن يكون العراق السودان رقم 2 شمالي وجنوبي؟
لست وكيلا عن الأكراد، فهم قومية توجد في عدة دول، تركيا وايران وسورية وجورجيا وكثير من السياسيين العراقيين قالوا من حق الأكراد ان يستقلوا، ومشكلة الأكراد ليست في العراق لكن في دول الجوار التي تعارض ذلك وتخشى دولة كردية قوية.
من حضر الإعدام
ذكر القاضي منير حداد ان مقتدى الصدر لم يحضر تنفيذ الاعدام، موضحا ان الحاضرين هم المدعي العام منقذ الفرعون، ووزير العدل بوشو دوازيي، ووزير التربية خضير غزاعي، وسامي العسكري مستشار رئيس الوزراء، ومستشار الأمن القومي د.موفق الربيعي، والمفتش العام لوزير الداخلية عقيل الطريحي والمستشار السياسي لرئيس الوزراء السابق الرقابي والمستشار المالي د.ضياء القريشي ووزير الأمن الوطني سابقا وعضو مجلس النواب عبدالكريم العنزي، والقاضي منير حداد.
مذكرات صدام
ذكر القاضي منير حداد ان لديه نسخة من مذكرات صدام أثناء وجوده في السجن تشمل خواطر ومطالعات للقضاة وملاحظات حول واقع المحكمة واصفا اياها بأنها صنع الاحتلال وان ما يدور في العراق هو مجرد «تمثيلية» ولعبة أميركية ستنتهي.
مضيفا انه بصدد نشر كتاب يحمل اسم «نهاية صدام» يتضمن اشارة لهذه المذكرات اضافة الى وثائق وصور سرية.
نعمة ونقمة
قال القاضي العراقي ان الاحتلال الصدامي للكويت كان نقمة على الكويتيين لكن في الوقت ذاته كما نعمة على العراقيين الذين تحرروا من استبداد وديكتاتورية صدام حسين، مشيرا الى ان الاميركيين «أصحاب فضل علينا ولا أنكر ذلك حيث قاموا بتحرير الكويت والعراق معا».
مقيم في الكويت
أفاد القاضي العراقي منير حداد انه تعرض لتهديدات عديدة بالقتل ومحاولات اغتيال، مشيرا الى ان جهات استخباراتية أجنبية أبلغت جهاز المخابرات العراقية انني معرض للاغتيال من طرف البعثيين وعناصر القاعدة وعلي ان أغادر العراق فورا، فقررت اختيار الكويت كبلد لإقامتي الدائمة نظرا للأمن ووجود الديموقراطية التي يتمتع بها هذا البلد الشقيق القريب من عادات وثقافة.
واضاف انه سيعمل مستشارا قانونيا في احد القطاعات الخاصة والمهمة في الكويت.
الذئب والخروف
قال القاضي منير حداد ان الحبل الذي شنق به صدام حسين قام بشده عراقيون على الطريقة الانجليزية، نافيا ما تواتر من أخبار عن ان الاسرائيليين هم الذين ربطوه 39 ربطة بتعداد الصواريخ التي ضربت إسرائيل ابان الاحتلال الصدامي للكويت. مشيرا الى ان الاسرائيليين ليست لهم علاقة وكذلك الاميركيون الذين لم تكن لديهم رغبة في أن يُعدم صدام حسين حتى يطبقوا نظرية الذئب والخروف وتخويف العراقيين بصدام، مضيفا انه حدثت محاولة لوقف حكم الإعدام فرفض رئيس الوزراء نوري المالكي وهدد بالاستقالة.